نص الشريط
الدرس 7
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 5/9/2015 م
تعريف: انحلال العلم الإجمالي
مرات العرض: 2610
المدة: 00:30:12
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (202) حجم الملف: 13.8 MB
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

ذكرنا فيما سبق: أنّ السيد الشهيد «قده» أفاد: أنّ مناط الانحلال الحقيقي للعلم الاجمالي بالعلم التفصيلي هو أنّه: إن كان الجامع المعلوم متصفاً بخصوصية يحتمل عدم انطباقها على المعلوم بالتفصيل، فلا انحلال.

وإن كان الجامع المعلوم خالياً عن أي خصوصية بما هو معلوم يحتمل عدم انطباقها على المعلوم بالتفصيل، فالانحلال حاصلٌ.

والسؤال هو: هل أن مقصود السيد الشهيد «قده» أن مقتضى القاعدة هو الانحلال إلا إذا احرزنا أنّ الجامع متصف بخصوصية يحتمل عدم انطباقها ولا فمقتضى القاعدة هو الانحلال. فهذا ما ذهب إليه المحقق النائيني وسيدنا: حيث قالا: بأن المقدار المعلوم بالإجمال انطبق قهراً على المعلوم بالتفصيل، ومقتضى انطباقه وجداناً زوال الركن الثاني من أركان العلم الإجمالي. وهو: احتمال انطباق المعلوم على كل من الطرفين على سبيل البدل. إذ يعلم بانطباقه على المعلوم بالتفصيل لا انه محتمل.

أم أنّ مقصود السيد الشهيد «قده»: أن مقتضى القاعدة عدم الانحلال، إلا إذا احرزنا ان الجامع خارل عن أي خصوصية يحتمل عدم انطباقها على المعلوم بالتفصيل، فهذا هو مدعى العراقي، لان المحقق العراقي عندما يقول: بأن المعلوم بالإجمال ما زال محتمل الانطباق حتى بعد العلم التفصيلي بأحد طرفيه فإن مقصوده كما يظهر «ص250» من احتمال بقاء الانطباق معاكسة كلام المحقق النائيني، أي ان الباقي بعد العلم التفصيلي هو احتمال الانطباق على سبيل البدل. فما زال المعلوم بالإجمال محتمل الانطباق حتى على المعلوم بالتفصيل على سبيل البدل، والسر في ذلك: هو أنه ما لم ينكشف ان المعلوم بالإجمال ليست له خصوصية أصلاً وراء ما علم بالتفصيل فإن احتمال انطباقه على كل منهما على سبيل البدل ما زال باقياً، فالمقوم لاحتمال الانطباق على كل من الطرفين على سبيل البدل هو: احتمال خصوصية للمعلوم بالإجمال، غير ما هو المعلوم بالتفصيل، فمقتضى القاعدة عند العراقي: عدم الانحلال. إذا فأين نضع مسلك السيد الشهيد؟: فإنه إن كان يرى أنّ مقتضى القاعدة الانحلال ما لم نحرز وجود الخصوصية فهذا هو مسلك المحقق النائيني الذي ناقشه السيد الشهيد. وإن كان مدعاه: ان مقتضى القاعدة عدم الانحلال ما لم نحرز عدم الخصوصية، فهذا هو مدعى المحقق العراقي، الذي لم يقبله.

فلابّد من عرض كلام السيد الشهيد «قده» كما في كتاب «البحوث، ج5» وبيان ما افيد بمقدمتين:

المقدمة الأولى: إن مناط عدم انحلال العلم الإجمالي أن يكون المعلوم بالإجمال واجداً لخصوصية يحتمل عدم انطباقها على المعلوم بالتفصيل.

ولكن، ما هو المراد بالخصوصية؟. هل الخصوصية الناشئة عن العلم الاجمالي. أم الخصوصية السابقة رتبة عن العلم الاجمالي؟، وعلى الفرض الثاني: فهل المراد بالخصوصية: الخصوصية الوجودية أو الخصوصية المفهومية؟.

وقد أبان «قده» أنه: ليس المراد بالخصوصية، الخصوصية الناشئة عن العلم الإجمالي نفسه، بأن يقال: إذا علم المكلف اجمالاً بنجاسة احد الإناءين فقد اتصفت النجاسة بخصوصية وهي انها معلومة بالاجمال. وهذه الخصوصية لا تنطبق على المعلوم بالتفصيل لو علم المكلف أن الإناء الابيض نجس لان المعلوم بالاجمال غير المعلوم بالتفصيل. ليس المراد بالخصوصية هذا، لأنّ البحث في انحلال العلم الاجمالي أي زواله. وزواله إنما يتم بالانكشاف، حيث كان المعلوم غامضا اصبح منكشفا فزال العلم الاجمالي، فبما أن انحلال العلم الاجمالي تابع لانكشاف متعلقه إذا فلا محالة لابّد أن يكون ميزان الانحلال هو ميزان الانكشاف، وميزان الانكشاف لابّد أن يكون في المعلوم في رتبة سابقة على العلم الاجمالي كي يقال: أنّ المعلوم بالاجمالي في حد نفسه هل فيه ما يمنع من انكشافه ووضوحه في العلم التفصيلي أم لا؟ فلا محالة ما يمنع من الانحلال هو خصوصية في المعلوم في رتبة سابقة على العلم الاجمالي. وإلّا لو كانت الخصوصية المانعة عن الانحلال هي الخصوصية اللاحقة للعلم الإجمالي أي الناشئة عن نفس العلم الإجمالي لما انحل علم اجمالي، إذ متى ما حصل العلم الاجمالي، فالخصوصية مساوقة له، وهي: كون المعلوم معلوماً بالإجمال.

بينما البحث في خصوصية مفارقة على وجودها يمتنع الانحلال وبعدهما يحصل الانحلال. ولو كانت الخصوصية هي الناشئة عن العلم الإجمالي للزم من ذلك الدور، بأن بقاء العلم الاجمالي بعد العلم التفصيلي متوقف على وجود الخصوصية ووجود الخصوصية متوقف على العلم الإجمالي لأنها ناشئة عنه فيلزم من ذلك: توقف بقاء العلم الإجمالي على نفسه، وهو دور. إذا ليس المراد بالخصوصية ما نشا عن العلم الاجمالي، بل الخصوصية التي تعلق بها العلم الإجمالي لا الخصوصية التي نشأت عن العلم الاجمالي، والخصوصية التي تعلق بها العلم أما خصوصية وجودية أو خصوصية مفهومية.

والمقصود بالخصوصية الوجودية: المفروغية عن وجود المعلوم بالاجمال، لانه هناك فرق ذكرناه عند البحث حول حقيقة العلم الاجمالي وهو: ان هناك فرقا بين الواجب التخيري وبين العلم الاجمالي، فهناك فرق بين ان يقول المولى: اكرم احد الفقيهين، فهذا واجب تخيري، وان يقول: علمت ان احدهما فقيه، فهذا علم إجمالي. والفرق بينهما مع أنّ متعلق كل منهما هو في الاحد الجامع انه: في الواجب التخيري: ما فرغ عن وجود الجامع. فاذا قال: اكرم احدهما فإن اكرام احدهما لم يفرغ عن وجوده بل هو مطلوب ايجاده لا انه فرغ عن وجوده. بينما إذا قال: علمت أن اكرام احدهما واجب، فقد فرغ عن وجود وجوب اكرام احدهما.

الفرق بين مورد الواجب التخيري: ان الجامع لم يفرغ من وجوده، بل طلب تحصيله. والعلم الإجمالي: أن الجامع فرغ عن وجوده، ولكن علم به على سبيل الإجمال.

فالخصوصية: هي المفروغية عن الوجود، فإذا علم المكلف بنجاسة أحد الإناءين فقد علم بخصوصية وهي: المفروغية عن وجود النجاسة في الخارج في أحد هذين الإناءين.

لكن ليست هذه الخصوصية هي المانعة من الانحلال والسر في ذلك: ان ما فرغ عن وجوده هو نفس الجامع وليس شيئا اخر، فاذا علم المكلف بنجاسة احد الاناءين فما فرغ عن وجوده هو وجود الجامع أي الوجود بمقدار الجامع أي طبيعي النجاسة موجود بين هذين الاناءين، فهو لم يفرغ عن وجود خصوصية وانما ما فرغ عن وجوده هو بمقدار ما علمه ومقدار ما علمه هو الجامع، فما فرغ عن وجوده هو الجامع. فاذا كان ما فرع عن وجوه هو الجامع والجامع ينطبق وجدانا على المعلوم بالتفصيل، فلو علم أن الإناء الابيض نجس، إذا ما فرغت عن وجوده هو الجامع، والإناء الأبيض مصداق للجامع، إذا انبطق الجامع على المعلوم بالتفصيل فزال العلم الإجمالي.

والنتيجة: ان الخصوصية الوجودية وهي: المفروغية عن وجود المعلوم بالاجمال ليس مانعة من الانحلال. فالمانع من الانحلال هو الخصوصية المفهومية. أن يكون المعلوم بالاجمال متصفا بخصوصية في نفسه كما إذا افترضنا انه علم اجمالاً بوقوع قطرة دم انسان في احد الاناءين، فالمعلوم نجاسة عن قطرة دم معينة، فهذه الخصوصية المفهومية هي التي يدعى انها مانع من الانحلال ما لم يعلم تفصيلا بتلك الخصوصية.

المقدمة الثانية: ما هو الميزان في اتصاف المعلوم بالإجمال بالخصوصية وعدم اتصافه؟.

الجواب: إن المعلوم بالإجمال مسبب عن سبب، فذلك السبب إما أن يكون منحازا إلى احد الطرفين أو يكون متساوي النسبة لكل منهما. فإن كان السبب منحازاً: كما إذا رأى قطرة دم انسان بعينة تقع أحد الإناءين، فنتيجة هذه الرؤية حصل له علم إجمالي بنجاسة أحدهما، فالسبب هنا سبب منحاز، لأنّ الرؤية تعلقت بإناء معين في الواقع وإن كان مترددا فيه، لا أن السبب متساوي النسبة لكل من الطرفين. ففي مثل هذا الفرض لو حصل له علم تفصيلي بعد ذلك بأن الإناء الابيض نجس وبالدم ايضا فلا يحصل انحلال ما لم تنكشف تلك الخصوصية. وإلا فما دمت تحتمل أن تلك الخصوصية ليست ما علم بالتفصيل بل في غيره فالعلم الاجمالي ما زال باقياً.

وأن كان السبب متساوي النسبة لكلا الطرفين: فالمعلوم بالإجمال ليس الا الجامع لان سببه ليس منحازا لطرف، سواء كان سببه نقلاً أو عقلاً أو استقراءً. فمثلاً: لو نقل له المعصوم أو وصل إليه خبر متواتر مفيد للاطمئنان أن من بين الأخبار الدالة على الإلزام في باب صلاة الجماعة خبراً صادراً. فإن هذا النقل متساوي النسبة لكل خبر وبالتالي فليس المتحقق بهذا النقل الا العلم بالجامع وهو العلم بوجود خبر صادر دال على الإلزام. أو حصل له برهان عقلي على ذلك: كما لو تعارض الخبران، فاذا وجد لدى الفقه خبران احدهما يدل على وجوب الجمعة يوم الجمعة والآخر يدل على وجوب الظهر تعيينا يوم الجمعة، فالفقيه يقول:

مقتضى تعارضهما تكاذبها ومقتضى تكاذبهما ان احدهما كاذب، لكن هذا السبب وهو البرهان العقلي ليس منحازاً لأي من الطرفين فلا ينتج عنه الا العلم بالجامع وهو وجود خبر كاذب من بين هذين الخبرين.

أو حصل له استقراء مفيد للاطمئنان: كما لو علم أن في الدار كافراً وأن الكافر لديه اناءان وانه مقتضى العادة - مرور سنة على بقاءه في الدار - مساورته لاحد هذين الاناءين فنيتجة دليل حساب الاحتمالات ان الكافر جزما وحتما ساور احد الاناءين، فحصل علم اجمالي بنجاسة أحدهما.

ففي هذه الموارد الثلاثة حيث إن المعلوم هو الجامع فقط، من دون خصوصية. فهذا الجامع بما هو معلوم ينطبق وجدانا ًعلى المعلوم بالتفصيل إذ ليست له خصوصية مانعة من الانطباق وبالتالي يتحقق الانحلال.

والحمد لله رب العالمين.

الدرس 6
الدرس 8