نص الشريط
الدرس 18
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 12/12/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2542
المدة: 00:39:15
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (157) حجم الملف: 17.9 MB
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

ما زال الكلام في كبرى «غرامة التالف» سواءً كان تالفاً حقيقة أم حكماً. في أنّ الغرامة هل هي من باب المعاوضة أم لا؟. وهذه المسألة لها آثار كثيرة في الفقه.

منها: ما أشار إليه سيدنا الخوئي «قده» عند بحثه حول بدل الحيلولة في التنقيح «ج36 من الموسوعة، ص291»: حيث قال: إذا توضأ المكلف بماء الغير ثم قبل المسح علم بغصبيته. - اي بعد ان تحول الماء الى بلل في اليد علم ان هذا الماء مغصوب - فإنه إذا اعطى البدل لمالكه فقد ادى ما ضمنه. ومقتضى ذلك: ان تكون النداوة في الكف ملكا للغارم، فإذا اصبحت ملكا جاز له المسح بها. إذ المفروض ان المالك - مالك المال - قد اخذ ما اخذ منه، اخذ ما اعطي قيمته فلا حق له بعد ذلك، وهذا من امثلة التلف العرفي، اذ قد يكون المضمون تالفا حقيقة كما اذا تبخر الماء. وتارة يكون تالفا عرفا يعني تلفا حكميا، كما في البلة، فان البلة ليست تالفة حقيقة ولكنها تالفة عرفا اذ لا يبذل بإزائها مال، فإن البلل الباقي وان كان موجوداً إلا انه في حكم التالف عند العرف، وهكذا مسالة الخيط المغصوب - التي نبحث فيها - فإن نزع الخيط المغصوب من ساتر العورة يوجب تلفه فيعد تالفا عرفا، فإذا ادى المكلف عوضه لمالكه صار الخيط ملكا للضامن فيجوز له الصلاة فيه وسائر التصرفات.

فالكلام في هذه الكبرى، وهي: هل ان ضمان البدل للمالك يخرج هذه العين من ملك المالك الى ملك الضامن فيتصرف فيه تصرف الملاك أم لا؟.

وهنا مطالب:

المطلب الاول: ما هو الدليل على دخول المبدل منه في ملك الضامن عند أدائه للبدل؟. وقد استند في كلمات من يرى ان الغرامة هي معاوضة كالمحقق النائيني وسيدنا الخوئي «قده» وقبلهما السيد اليزدي في «حاشيته على البيع»، دعوى: ان السيرة العقلائية قائمة على ذلك: اي ان السيرة العقلائية قائمة على امرين: اما ان نفس الضمان معاوضة فيشترك الضمان مع البيع مع الاجارة مع الصلح في كونه من سنخ المعاوضات. أو ان نتيجة الضمان هي معاوضة. فالمدعى: هو قيام السيرة العقلائية على احد امرين: اما ان الضمان نفسه معاوضة، أو ان نتجية الضمان معاوضة. إذاً هنا تحليلان للسيرة العقلائية:

التحليل الأول: ان المرتكز العقلائي قائم على ان دفع البدل معاوضة عن المبدل، فمقتضاه دخول المبدل في ملك الضامن كسائر المعاوضات. لكن سيد المستمسك «قده» - وهذا الكلام ايضا موجود عند المحقق الرشتي على حاشيته على مكاسب الشيخ الاعظم -: ان السيرة العقلائية قائمة على المعاوضة وعلى الملك، لكن الملك الاقتضائي لا الملك الفعلي، بمعنى: ان اداء البدل من قبل الضامن فيه اقتضاء في ان يتملك المبدل لولا المانع وهو ان المبدل تالف، فالغاصب الذي استولى على الخيط المغصوب أو استولى على الماء المغصوب اذا ادى الضمان، فإن اداء قيمة هذا الخيط أو اداء قيمة هذا الماء يقتضي أن يتملك ما قابله من خيط أو ماء يقتضي ان يتملكه لولا المانع وذلك المانع هو كونه تالفا عرفا والتالف عرفا لا يقبل التملك.

فما يدعيه سيد المستمسك «قده» كما في «ج5، ص293» يقول لم تقم السيرة العقلائية على الملكية الفعلية انما قامت على الملكية الاقتضائية وهذا معنى كون الغرامة من باب المعاوضة يعني اقتضاء.

ويظهر من تقرير سيدنا الخوئي «قده» «ج36، ص290» توجيه ثالث للسيرة العقلائية: ان ما قامت عليه السيرة العقلائية ان المبدل يدخل في ملك الضامن فعلا اذا ترتب أثر عقلائي عليه لا نقول يدخل في ملكه مطلقا كما هو ظاهر الجواهر والمحقق الرشتي والسيد اليزدي، ولا أننا نقول يدخل في ملكه اقتضاء بل نقول: يدخل في ملكه اذا ترتب أثر عقلائي على هذه الملكية. قال السيد الخوئي «ص290»: ان البدل اذا كان غرامة فدخولها في ملك المالك لا يقتضي دخول العين في ملك الضامن، وأما اذا كان البدل عوضا عن نفس العين، اذ تارة يعطيه البدل عوضا عن السلطنة، كانت له سلطنة على هذه الساعة فاسقط الساعة في النهر فاعطاه بدلا عن السلطنة الفائتة لا عن نفس الساعة، هنا لا اشكال ان الساعة لا تدخل في ملك الضامن.

واما اذا كان عوضا عن نفس العين وليس عوضا عن السلطنة ونفس المالية واعطاه الضامن بعنوان اداء ما اخذه، فلا محالة تتحقق هناك معاوضة قهرية. فكما أن البدل وهو القيمة يدخل في ملك المالك كذلك يعتبر التالف وهو البلل القليل ملكا للضامن بقاء إذا ترتب أثر على ذلك. كما في الامثلة الآتية: مثل البلل في يد المتوضأ، والخيط في ساتر العورة، حيث يترتب أثر على الملكية. وهو صحة الوضوء وعدم صحته صحة الصلاة وعدم صحتها. فهنا حيث يترتب اثر على الملكية نعم نقول بالملكية لا مطلقا، ويؤكد ذلك السيرة العقلائية في موارد اداء الغرامة فان العقلاء يعتبرون التالف من مال الغارم لا من مال مالكه الاصلي، والسر في هذا الاختلاف: ان المعاوضة فرع وجود المعوض فإذا اعتبرنا الضمان معاوضة فكيف يعده العقلاء معاوضة ولا وجود للمعوض لكونه تالفاً. فهنا ذهب فريق من الفقهاء كصاحب الجواهر: ان هذه سيرة عقلائية، يعتبرون التالف المعوض قد دخل في ملك من بذ العوض. لكن سيد المستمك «قده» يفيد: بانه كيف يعتبر معوضا وداخلا في ملك الضامن في كونه تالفا والتالف لا يقبل التملك، فلابد ان يكون ما قامت عليه السيرة العقلائية المعاوضة الاقتضائية، اي ان في بذ العوض اقتضاء للمعاوضة والتملك لا انه بالفعل ملك.

واما سيدنا الخوئي فقال: أنما قامت عليه السيرة العقلائية دخول المبدل في ملك من دفع البدل اذا ترتب على دخوله في ملكه اثر والا فلا. فلو فرضنا بأن الماء الذي أخذه غصبا تبخر، فأعطى مالك الماء قيمته، فانه لا يوجد اثر عقلائي في دخول هذا الماء المتبخر في ملك الضامن، فهنا في هذا الفرض لا نقول بدخوله في ملكه لا فعلا ولا اقتضاءً.

وفي اعتبار الضمان معاوضة في جميع التحليلات الثلاثة ناقش السيد الامام «قده» في «ج2، كتاب البيع، ص483»: قال: لا ينبغي الاشكال في أن باب الغرامات والضمانات عند العقلاء غير باب المعاوضات، فمن اتلف مال الغير الزمه العرف في الغرامة من غير اعتبار التالف ملكا له، ولو عبر احيانا بالبدل والعوض ليس معناه ان المعاوضة وقعت قهرا على الطرفين، كما عبر عنه السيد الخوئي معاوضة قهرية بين المعلوم والموجود، بل باب الغرامات جبر الخسارة، ولا يخطر ببال احد من العرف المعاوضة والمبادلة.

وقال في «ص484»: وعليه لا يملك الختان شيئا إذا كان المختون عبدا، وكذا البيطار الذي عيّب عوضاً من الحيوان - اثناء البيطرة عيّب عوضا ًمن الحيوان - وكذا لو زالت صفة الصحة - كأن حول الحيوان من صحيح الى مريض - فاغرمه لم يملك الغارم شيئا، فما ادعى بعض - كالسيد اليزدي في حاشيته على المكاسب - من انه مقتضى العوضية لا ينبغي الاصغاء اليه، والظاهر وقوع الخلط بين عوضية موجود مملوك موجود لموجود مملوك، يعني عوض بين موجودين، وبين باب الغرامة، بمجرد التعبير ببدل أو عوض، غفلة عن ان عوض التالف ليس معناها الا جبر الخسارة وليس معناه وجود معاوضة.

وما ذكره «قده» في اصل المطلب وهو ان العقلاء يفرقون بين باب الغرامة وباب المعاوضة تام صحيح. ولا يخطر ببالهم ان باب الغرامة من باب المعاوضة اصلا. ولكن ما ذكره من نقض من مسألة الختّان والبيطار لا يرد على كلامهم. والوجه في ذلك:

فإن من تقدّم السيد الخوئي في الدعوى كصاحب الجواهر والسيد اليزدي وصاحب المستمسك: فرّقوا بين بين كون المعوّض مالاً استقلالا وبين عدمه. فإذا كان المعوض مالا على سبيل الاستقلال كأن غصب ماء كأن غصب خيطا، أو غصب ثوبا فأتلفه، فهنا قالوا بان المعوض يدخل في ملك الضامن على كل حال.

واما إذا كان المعوض ليس مالا استقلالا كغلفة العبد المختون أو قطعة من جسم الحيوان أو صفة من صفاته، فانه في هذه الموارد ليس المعوض مالا مستقلا كي يدخل في هذه القاعدة، فمورد القاعدة المدعاة في كلماتهم: ما كان التالف أو المعوض مالا استقلالا فلا يرد عليهم النقض في مثل هذه الموارد.

كما لا يرد على السيد الخوئي «قده» فان كلامه واضح في انه انما تتحقق الملكية اذا كان هناك اثر عقلائي للملكية ولا يوجد اثر عقلائي في الموارد التي نقض بها السيد الامام «قده». نعم، اصل ما ادعاه ان العقلاء يفرقون بين باب الغرامة وبين باب المعاوضة ولا يخطر ببالهم ان الضمان من باب المعاوضة هذا كلام متين وصحيح.

التوجيه الثاني: ليس الضمان من باب المعاوضة لكن يترتب عليه نتيجة المعاوضة، وهذا ما اشار اليه السيد اليزدي «قده» في حاشيته على المكاسب في استدلاله على المطلب: «ج1، ص107»: قال: نعم الفرق بين المقامين - بين المعاوضات والضمان - ان في المعاوضات لابد من اعتبار وجود العوض المقابل في كلا الطرفين، - اي لابد من وجود عوض ومعوض كما في البيع والاجارة - بخلاف باب الغرامات فانه يفرض المعوّض تالفاً ومعدوما فيؤخذ بدله من حيث انه غير موجود، وحينئذٍ لا معنى لبقاء العين على ملك مالكها، - لانه اخذ عوضها ولا يجتمع العوض والمعوض في ملك واحد، هذا معنى نتيجة المعاوضة، لكن ما هو المبرر في دخولها في ملك الضامن؟ - وحيث انها مال في حد نفسها ولابد من مالك فلابد ان تنتقل قهرا الى من اعطى البدل، فحيث إن هذا البلل الباقي في يد المتوضأ مال في حد ذاته والمال لا بد له من مالك فإذا تردد المالك بين ان يكون مالكه الاول أو الضامن تعين ان يكون هو الضامن لانه هو الذي اعطى البدل.

وأورد عليه:

أولا: مع فرض كون المعوض تالفا فلا يقبل الاتصاف بشيء لا كونه ملكا ولا كونه مالا، فكيف يجمع بين فرض كونه تالفا وفرض كونه مالاً؟. الا انه «قده» قال: هو مال في حد نفسه، اي أن هناك اعتبارين عقلائيين: اعتبار انه تالف، وهذا اعتبار ثانوي من اجل تعويضه، فالعقلاء انما اعتبروه تالفا اعتبارا ثانويا بغرض التوصل الى تعويضه لكي لا يذهب هدرا على صاحبه، ولكن هذا لا ينافي انه هناك اعتبارا عقلائية اوليا وهو انه مالا في حد نفسه، اذ ما دام موجودا فهو مال في حد نفسه. فلا تنافي بين الاعتبارين فلا يرد عليه اشكال السيد الامام «قده» من كتاب البيع «ج 1، ص684».

وأشكل عليه ثانيا: أن كون الشيء مالا لا يلزم ان يكون له مالك، - خرج عن ملك مالكه الاصلي لانه استلمه بدون عوض - ضرورة مالية المعالم ونحوها.

ولكن هذا ايضا لا يرد على السيد اليزدي، فان محل كلامه: ان ما كان من الاموال مملوكا اذا خرج عن ملك مالكه فإن الارتكاز العقلائي قائم على انه لا يبقى بدون مالك وليس كلامنا في الاموال العامة التي لم تدخل تحت ملك مالكه.

ثم أورد ثالثا: ولو كان لابدية الانتقال قهرا الى من اعطى البدل، فالمفروض انه حال البدلية معدوم فكيف يعقل الجمع بينهما، اي كيف يعقل انه يعتبر حال البدلية تالفا ومع ذلك دخل في ملك الضامن. وهذا راجع الى الاشكال الاول، حيث فرقنا بين وجود اعتبارين عقلائيين.

نعم الجواب الصحيح من كلام السيد الزدي هو ما ذكره في الاخير حيث قال: والتحقيق ان الغرامة عنوان مستقل، وماهيتها تقتضي رجوع المتعذر بعد رفع تعذره الى ملك الماللك لو فرض خروجه منه. إن هذا الضامن إذا اعطى البدل للمالك واستلم المالك البدل ولكن بعد مدة رجع المبدل للمالك، افترض هذا الخيط تسلسل بشكل تلقائي من ساتر العورة للغاصب ووصل سليما الى المالك، فإنه لا اشكال انه باق على ملكه لا انه تملكه ملكية جديدة، فباب الضمان غير باب المعاوضة لدى المرتكز العقلائي وهذ هو الجواب الصحيح عما افترضه السيد اليزدي «قده»، اذاً المتخلص: ان ما استند اليه هؤلاء المحققون «قدست اسرارهم» كصاحب الجواهر والسيد اليزدي والمحقق الرشتي وسيد المستمسك والمحقق النائيني وسيدنا الخوئي من دخول الضمان في المعاوضة إما عينا، بان يكون الضمان معاملة معاوضية، أو ان يترتب عليه نتيجة المعاوضة كما في كلمات السيد اليزدي. هذا بلحاظ دعوى المعاوضة العقلائية القهرية.

وورد في كلام السيد اليزدي «قده» ان المعاوضة شرعية. واستدل على المعاوضة الشرعية:

اولا: بانه ظاهر ادلة الضمانات، فان ظاهر ادلة الضمانات، فإن الظاهر من ادلة الضامانات ان هناك معاوضة تعبدية شرعية بين البدل والمبدل. ثانيا: استدل به بخبر البهيمة.

وقد ناقشنا فيما سبق الاستدلال بموثقة سدير الواردة في غرامة وطئ البهيمة، كما يرد على الاستدلال الاول لهم: بانه ظاهر ادلة الضمان هو المعاوضة، فإن هذا الظهور لا وجه له، إذ ليس للشارع في باب الضامن حقيقة شرعية أو متشرعية فالمراد في الضمان في الادلة الشرعية هو ماهو المرتكز عند العقلاء وحيث ذكرنا ان المرتكز عند العقلاء في باب الضمان انه مجرد غرامة وجبر خسارة وليس في باب المعاوضة في شيء، فكذلك ما هو المتبادر والمنفهم من ادلة الضمان الواردة شرعاً. هذا هو الكلام في المطلب الاول وهو ان المبدل هل يدخل في ملك الضامن أم لا؟.

المطلب الثاني: الظاهر من كلمات سيدنا الخوئي وشيخنا الاستاذ في «تنقيح السيد الخوئي» و«ارشاد الطالب» للاستاذ، إذا دفع، فكأنه ملكية الضامن للمبدل في طول البدل لا بمجرد اشتغال الذمة فإنه لا اشكال في ان من اتلف مال شخص اشتغلت ذمته ببدله دفع أم لم يدفع. إلا أنّ ظاهر كلمات سيدنا الخوئي وشيخنا الاستاذ بأنه: فإذا دفع دخل المبدل في ملك الضامن لا قبل ذلك.

فما هو وجه التفكيك: بان يملك المالك على ذمة الضامن البدل بمجرد التلف، دفع أو لم يدفع فان البدل مملوك للمالك، إلا ان الضامن لا يملك المبدل حتى يدفع البدل.

وهذا ما ياتي الكلام عنه ان شاء الله تعالى.

والحمد لله رب العالمين.

الدرس 17
الدرس 19