نص الشريط
الدرس 23
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 19/12/1436 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2963
المدة: 00:21:23
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (230) حجم الملف: 9.79 MB
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

ذكرنا ان من صلّى في ثوب مصبوغ بصبغٍ مغصوبٍ، فهل صلاته صحيحة أم لا؟ وقلنا: إنّ البحث تارة في الكبرى، وأخرى في الصغرى.

أما البحث في الكبرى: فهو هل ان الصفات والهيئات قابلة للملك في حد نفسها، وقابلة ان تقابل بالمال في حدِّ نفسها أم لا؟

قلنا: بان هذه الكبرى محل خلاف حيث ذهب صاحب الجواهر وجمع، منهم سيدنا الخوئي «قده» في فتاواه: الى أن الصفة لا تقبل الملك ولا المقابلة بالمال، وان كان للصفة دخل في زيادة المالية. فلو أخذ شخص الفضّة من غيره فصاغها خاتماً، فإنّ هذه الصياغة وإن اوجب زيادة قيمة الفضة الا ان هذه الصياغة ليست مملوكة لمن أوجدها. وليست لها مالية مقابل مالية العين، وهي الفضّة.

بينما ذهب جمع، منهم سيدنا «قده» في بحثه في الفرع السابق، ان الصفة تملك وتقابل بالمال. ومن ذهب الى ذلك السيد الحكيم السبط. وقلنا: أن هذه الكبرى وهي: هل أنّ الصفات تملك وتقابل بالمال أم لا؟ بحثها الفقهاء في عدة موارد وصلنا الى:

الفرع الثالث: وهو ما تعرض له سيد العروة، في المسالة «15، في احكام العوضين من باب الاجارة»:

إذا كانت الاجارة على الاعمال لا على الاعيان، إذ تارة يؤجر داره وهذه هي اجارة اعيان، وتارة يؤجر نفسه لعمل من الاعمال، وهي اجارة اعمال. وهذا محل البحث.

ففي اجارة الاعمال: تارة يكون العمل ليس له صفة معينة كإجارة فلان لأن يكون حارسا فإن الحراسة عمل محترم في نفسه لكن لا تتولد منه نتيجة وهي صفة معينة. وهذا ايضا خارج عن محل كلامنا.

أما اذا وقعت اجارة الاعمال على عمل ينتج صفة كما لو استاجره على خياطة الثوب فان العمل ينتج صفة في الثوب، او استأجره على صياغة الفضة، او على صبغ الجدار، وأمثال ذلك.

فهنا في هذا القسم من اجارة الاعمال: وهو ما إذا كان المتعلق عملا ينتج صفة، هل التسليم يتحقق باتمام العمل؟ أم بتسليم العين؟. مثلاً: اعطيت شخصا قماشا ليخيطه ثوبا فخاطه ثوبا، فهل بمجرد ان ينتهي من العمل يستحق المطالبة بالاجرة؟ أم يقال: ما لم يسلم الثوب نفسه لا يستحق المطالبة بالاجرة. فتسليم العمل بتسليم الثوب لا باتمامه.

وتظهر الثمرة: ما لو كان القماش في يد شخص ثالث لا هو المالك ولا الأجير، فقام الاجير وخاط القماش والقماش ما زال تحت يد ثالث، فبعد انهاء الخياطة هل يقال: سلّم الاجير ما مُلك عليه وما استأجر عليه الا وهو العمل، فعلى المؤجر أن يبذل له الأجرة. وان كانت العين بيد شخص ثالث؟. أم يقال: للمستأجر ان يمتنع عن الاجرة ويقول: ان لم استلم العين من يد الشخص الثالث أوتخلي بيني وبينها، فليس لك المطالبة بالاجرة.

هذا هو محل البحث عندهم. هل تسليم العمل بانقضائه فيستحق الاجرة بانقضاء العمل. أو انه بتسليم العين فلا يستحق الاجرة قبل ان يستلم المستأجر العين؟

فهنا أفاد سيد العروة «قده»: يتحقق التسليم بمجرد الانتهاء من العمل، بلا حاجة الى تسليم العين معللاً أن المستأجَر عليه هو العمل، فما ملكه المستاجر على ملك الاجير هو العمل، وقد حصل، أما الوصف وهو كون الثوب مخيطا فليس متعلقا للاجارة وليس مملوكا للمستأجر على ذمة المؤجر، فاذا لم يكن الوصف مملوكا فلا يجب تسليمه. فالذي يجب على الاجير تسليمه هو ما استاجر عليه وما استاجر عليه هو، هو العمل وقد قضاه وانهاه، واما الصفة فلا يجب عليه ان يسلمها بتسليم العين، لأن الصفة ليست متعلّقاً للاجارة.

المحقق النائيني «قده» في تعليقته على العروة: قال: صحيح أن الاجارة وقعت على العمل، وما ملكه المستاجر على ذمة الاجير هو العمل، ولكن ما هو المناط في مالية العمل؟ لانه انما يستأجر على العمل إذا كان العمل ذا مالية، فما هو المناط في مالية العمل؟.

هنا افاد المحقق النائيني: مالية العمل على قسمين من حيث المناط: إذ تارة يكون المناط في مالية العمل هو نفسه وليس شيئاً آخر، كما اذا استأجر على الصلاة، او استأجر على الصيام النيابي، فإن مالية الصلاة ومالية الصيام بنفس حصوله لا بشيء آخر. ففي هذا القسم، يتحقق تسليم العمل بمجرد الانقضاء منه.

وأخرى: يكون المناط في مالية العمل أثره لا نفسه: كما لو استأجر على خياطة الثوب وصياغة الفضة، وصبغ الجدار، فانه لولا الاثر لما كان للعمل اية مالية، فبما ان مالية العمل هي للصفة، فمالية الخياطة لكون الثوب مخيطا، ومالية الصبغ لكون الجدار مصبوغا، ومالية الصياغة لكون الفضة مصوغة. بالنتيجة: مملوكية العمل تسلتزم مملوكية الصفة، فمن ملك العمل فقد ملك الصفة، فاذا استاجر شخص شخصا آخر على خياطة الثوب فكما انه ملك عليه الخياطة ملك عليه أثر الخياطة الا وهو كون الثوب مخيطا، فكما يملك العمل يملك أثره ونتيجته، وبالتالي اذا فرغ الاجير من العمل يقول انا اتممت الخياطة، يقول له: ما سلمتني ملكي الا وهو الصفة، انت الان سلمتني العمل فسلمتني احد المكلين، اما الملك الآخر وهو الصفة لم تسلمني اياه، ولا يتم تسليم الصفة الا بتسليم العين نفسها، لان الصفة قائمة بالعين، فما لم يسلم الاجير الثوب لا يكون مطالبا بالاجرة. لان هذا الاثر صار مملوكا ببركة مملوكية العلم، وانما صار مملوكا بمملوكيته لانه لولاه لما كان العمل ذا مالية.

ولكن سيدنا الخوئي في الموسوعة: «ج30، ص200» ناقش شيخه المحقق النائيني، مع أنه في الفرع السابق نقلنا عنه اختار ان الصفة تملك وتقابل بالمال وهذا ما اثبته المحقق النائيني في هذا الفرع، لكن سيدنا «قده» في هذا الفرع يناقش استاذه فيما يصلح ان يكون نقاشا له فيما ذكره في بحثه في «المكاسب، خيار الغبن».

قال سيدنا: الكلام في جهتين:

الجهة الاولى: ان المملوك في باب الاجارة هو الوصف أم ان المملوك هو نفس العمل من دون الوصف، فهل الوصف الذي يكون في العين بعد العمل يكون مملوكا للمستاجر بتبع ملكيته للعمل المستأجر عليه كما اختاره شيخنا الاستاذ «قده»؟ أو أنّ المملوك هو العمل لا غير؟، فالوصف لا يدخل في الملكية؟

قال: إن الاوصاف القائمة بالعين ككونها مخيطة، او مصوغة، او ما أشبهها غير قابلة للملكية أبداً، - اصلا الوصف لا يقابل بالمال فكيف يدعى المحقق النائيني ان المستأجر ملك العمل وملك الصفة - ومن ثم ليس لأحد ان يملّك غيره الصفة بهبة مثلا، - فصاحب الثوب يقول: الثوب لي لكن وهبتك وصف المخيطية، او الفضة لي ولكن وهبتك وصف الخاتمية. يقول: لو كان الوصف يملك لصح تمليكه بالهبة لكنه لا يصح تمليكه لان الوصف اساسا غير قابل للملك والمبادلة بالمال -. والشاهد على ذلك:

قال: والذي يكشف عما ذكرناه كشفا قطعياً أنّه لو اكره أحدٌ أحداً على عمل مستتبع لصفة في العين كخياطة الثوب فلازم القول بمملوكية الصفة اشتراك المكرَه مع المكِره في العين الموصوفة.

فإذا اكره شخص زيد على صياغة الفضة خاتماً، لازم كلامكم ان زيدا يصبح شريكا لمالك الفضة، فمالك الفضة ملك العين وزيد يملك الصفة، لبقاء الصفة على ملك المكره وعدم خروجها الى ملك مالك العين بناقل شرعي، فتكون الهيئة للمكرَه والمادة للمكره ويحكم باشتركاهما بالعين، وهذا كما ترى باطل جزماً.

ويلاحظ على ما افاد سيدنا «قده» ملاحظتان:

الملاحظة الاولى: ان اللازم الباطل الذي افاده هو الاشتراك في العين، بان تكون هذه العين بما هي عين مشتركة احدهما يملك المادة والاخر يملك الصفة، بحيث يحق لمالك الصفة ان يهبها أو يمهرها، فلو قال المحقق النائيني ان الشركة في المالية وليست في العين. كما التزم به سيدنا «قده» في الفرع السابق، وافتى به السيد الأستاذ في «منهاج الصالحين» فقال: من احدث الصفة صار شريكا مع مالك المادة لكن لا في العين بل في المالية. فلو قيل بذلك لم يكن لازما باطلا، كما افاد «قده».

إلا ان يقال: ما هو الموجب للشركة في المالية؟ فأنتم اما ان تقولوا ان من احدث الصفة ملكها ام لا؟.

فإن قلتم: ان من احدث الصفة ملكها، فمقتضى ذلك: هو الشركة في العين، فالقفز الى الشركة في المالية تحتاج الى شاهد ودليل. وأما ان تقولوا بان من احدث الصفة لم يملكها وهذا ما يقرره السيد الخوئي ويدعي ان المرتكز على العقلائي على ذلك. فلو فرضنا ان شخصا اعتقد خطئا أنّ هذه الفضة له فصاغها خاتما ثم تبيّن ان الفضة لغيره، فأنتم بالخيار، إن قلتم بأنه ملك الصفة لانه نتيجة عمله صار شريكا في العين ولا معنى للشركة في المالية. وإن قلتم بأنه لم يملكها فإذن لا شيء له.

الملاحظة الثانية: ان هذا التمثيل بالاكراه مخالف لمبناه، حيث ان مبناه «قده» ان من اكره شخصا على عمل ذي مالية ضمن قيمة العمل، فإذا اكرهت شخصا على عمل ذي مالية كصياغة الفضة، ملك عليّ قيمة العمل، والضمان بنظره «قده» من باب المعاوضات، كما مرّ بحثه، فإذا ضمن المكِره قيمة العمل للمكَره، والضمان معاوضة فهذا يقتضي ان القيمة تدخل في ملك المكَره ومتى بذل المكِره القيمة للمكَره دخلت الصفة في ملك المكِره لأنه بذل قيمتها، فإذا دخلت في ملكه انتفت الشركة.

إذن إنما يتصور الشركة في مثال الاكراه لو بنينا على ان الضمان ليس من باب المعاوضات كما هو رأي جمع من الفقهاء. اما اذا بنينا على ان الضمان من باب المعاوضات، فقد ضمن المكِره للمكَره قيمة هذا العمل ويجب عليه بذل هذه القيمة، فاذا بذلها اصبحت الصفة ملكا للمكرِه. فالشركة منتفية.

وقد تبين ان الحق مع سيدنا الخوئي وصاحب الجواهر: من أنه لم يقم المرتكز العقلائي على تملك الصفة لا استقلالا ولا تبعا، وإنما غايته ان الصفة موجبة لزيادة المالية، وأما كونها مملوكة او مقابلة بالمال فمما لم يقم عليه شاهد من المرتكز العقلائي.

ونتيجة هذه الكبرى: ان من اعتقد ان المادة لها فاخذها وصاغها فضة، اعتقد وان القماش له فخاطه ثوبا ثم تستر في الثوب في الصلاة فهو لم يتستر في المغصوب لان الصفة لمن احدثها.

أما الصغرى: وهو من صلى في الثوب المصبوغ بصبغ مغصوب فما هو حكم صلاته؟، فقد افاد في «الموسوعه، ج12، ص139 و140»، قال: إذا صبغ الثوب بصبغ مغصوب لايخلو الامر: اما ان تبقى المادة في الثوب أو تزول ولا يبقى الا اللون، فإن بقيت المادة في الثوب فالمادة ما زالت على ملك صاحبها وهو المغصوب منه وبالتالي لا تصح الصلاة في الثوب المصبوغ بصبغ مغصوب. واما إذا افترضنا ان المادة زالت ولم يبق في الثوب الا لون الصبغ، فحيث اننا بنينا على أن الصفة لا تملك، فليس لصاحب الصبغ شيء في هذا الثوب والصلاة فيه ليس صلاةً في المغصوب.

فإن قلت: على فرض أن المادة موجودة فهذه المادة بحكم التالف عرفا، واذا كانت بحكم التالف عرفا فالصلاة فيها ليست صلاة في المغصوب.

اجاب سيدنا «قده»: ان تغير الصبغ من شكل الى آخر لا يعني انعدامه وانصرامه، ويشهد لهذا نظائر المقام، فلو غصب مقدارا من الشاي وصب عليه الماء المغلي المباح حتى اكتسب الماء لون الشاي أفهل يمكن القول بجواز شرب الشاي بدعوى ان المغصوب تالف؟!. وأضح من ذلك: ما لو غصب الدهن والقاه على الارز بحيث لا يمكن رده، أفهل ترى يجوز اكله بزعم أن الدسومة عرض تالف؟!. واوضح من الكل، لو غصب كمية من السكر وأذابها في الماء، أفهل يسمح بشربه استنادا الى دعوى ان السكر قد تلف؟،

فلا اشكال انه لا يكون الاستعمال سائغا في مثل هذه الموارد. والسر هو: ان ما دامت عين المغصوب باقية وان تبدلت الهيئة فدعوى التلف عرفا ساقطة البتة. - كيف العرف يقول ان السكر قد تلف والحال انه ما زال اثره موجودا -، فإن بقاء اثره كاشف عن بقاءه عرفا، بل يقال ما زالت باقيا عرفا فضلا عن بقاءها عقلا لبقاء اثرها، فلا تعد تالفة حتى يجوز التصرف. فلابد ان تفصلّوا في الثوب المصبوغ بصبغ مغصوب بين بقاء المادة وبين تلفها.

لكن هذا يخالف كلامه في الاستحالة: مثلا: «الجلاتين البقري» الذي يوضع في «الجل» كي يتماسك ويصبح مادة متماسكة: حيث ذهب سيدنا الى الاستحالة، وقال ان هذا «الجلاتين» المأخوذ من عظم البقر او من عظم الخنزير قد استحال، ومقتضى استحالته هو طهارة هذا «الجل» وجواز اكله.

ولكن ذهب السيد الأستاذ «دام ظله»: الى ان بقاء الأثر كاشف عن بقاء العين وعدم الاستحالة، فلا يتصور بقاء الاستحالة مع بقاء الاثر، وبالتالي فدعوى الاستحالة في امثال هذه الموارد مشكلة جداً.

والحمد لله رب العالمين.

الدرس 22
الدرس 24