نص الشريط
الدرس 29
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 1/2/1437 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2584
المدة: 00:33:32
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (186) حجم الملف: 15.3 MB
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

ما زال الكلام في شرطية عدم الميتة في لباس المصلّي، وقد ذكرنا: أنّ في هذا البحث، عدّة جهات:

الجهة الأولى: في دليل الشرطية، وقد سبق بحثه.

الجهة الثانية: هل أنّ المجعول في الأدلة شرطية التذكية أو مانعية الميتة؟ أي هل أن المستفاد من النصوص أن لباس المصلّي يشترط فيه أن يكون مذكّى أم أنّ المستفاد منها أنّ كون اللباس ميتة مانعٌ من صحة الصلاة؟. هذا ما ذكره سيدنا «قده».

ولكن، أشكل عليه بعض تلامذته: بأنّ ما أفاده من الدوران بين شرطية التذكية، ومانعية الميتة، إنما يتصور في ساتر العورة لا في مطلق اللباس. بيان ذلك:

حيث إنّ المكلّف يشترط في صحة صلاته وجود ساتر للعورة، لذلك صح البحث في أن الساتر للعورة بعد المفروغية عن اشتراط وجوده هل يشترط فيه التذكية؟ أو أن كونه ميتة مانعٌ؟،

أما اللباس غير الساتر كقميصه، كثوبه، فإنه لا معنى لهذا البحث فيها لأنه لا يشترط في صحة الصلاة وجود لباس كي يقع البحث في انه يشترط فيه التذكية أو لا؟ من الأصل أصلاً لو صلى بغير لباس. صلى بساتر دون لباس. فأي معنى لهذا البحث؟!.

وببيان علمي: أن شرطية التذكية في اللباس غير الساتر، أما شرطية التذكية في اللباس غير الساتر غير معقولة اصلاً، لا بنحو الشرطية التنجيزية ولا بنحو الشرطية التعليقية.

أما الأول: فإنه من الواضح أن اشتراط صفة في صحة الصلاة فرع أن يكون المشروط بهذه الصفة دخيلاً في صحة الصلاة، فعندما يقال: يشترط في الساتر أن يكون طاهراً فإن هذا الشرط معقول لأنّ أصل الساتر دخيلاً في الصلاة، فبعد المفروغية عن كون الموصوف وهو الساتر دخيلا في صحة الصلاة يصح أن يقال: يشترط اتصافه بالطهارة. أما إذا كان الموصوف نفسه غير دخيلاً في صحة الصلاة، فلا معنى للبحث عن اشتراطه بوصف معين، واللباس غير الساتر ليس دخيلاً في صحة الصلاة كي نبحث في أنه هل يشترط فيه أن يكون مذكّى أو لا يكون. إذاً فالشرطية التنجيزية للتذكية في اللباس غير الساتر غير معقولة.

وأما الشرطية التعليقية فيقال: إن لبست في الصلاة فيشترط في لباسك أن يكون مذكّى، فشرطية التذكية شرطية تعليقية. قال: هذا أيضاً غير معقول، لأنه راجع إما لطلب الحاصل أو لطلب المحال، فإنه إذا قال: إن لبست، يعني إن حصل منك لباس في الخارج، فاللباس الذي فرضنا حاصلاً وموجوداً أمّا أن كون في الواقع مذكى أو غير مذكى، فأمّا ما فرض وجود من لباس مذكى فافتراض التذكية فيه طلب للحاصل. وإن فرضنا غير مذكّى «ميتة» فاشتراط التذكية فيه طلب للمحال، إذ لا يعقل أن تكون الميتة فيه مذكى، فالشرطية التعليقة غير معقولة بأن يقول الشارع: إن لبست فيشترط في لباسك ان يكون مذكى، لأنني اقول ما فرض لبسه ان كان مذّكى فاشتراط التذكية فيه طلبا للحاصل، إن كان ميتة فاشتراط التذكية فيه طلب للمحال.

فتلّخص من ذلك: أن قول السيد الخوئي «قده»: هل أنّ التذكية شرط في اللباس أو الميتة مانع، هذا البحث خطأ لأنّ شرطية التذكية في اللباس من الاساس غير معقول، لا بنحو الشرطية التنجيزية ولا بنحو الشرطية التعليقية. فإن هذا الشرط من البحث منتف.

لابّد أن نقول هكذا: هل المستفاد من النصوص أن المانعية لعنوان الميتة؟ أو المستفاد من النصوص أن المانعية لعنوان غير المذكّى؟ البحث كله في المانعية الشرطية غير معقولة، أي أننا فرغنا أن ما جعله الشارع هو المانعية وأن ما نبحث عن موضوع المانعية، هل موضوع المانعية عنوان الميتة أو عنوان المانعية عنوان غير المذكّى، هذا هو البحث الصناعي والا الشرطية غير معقول.

ويلاحظ على ما ذكره بعض الاساتذه «دام ظله» من اشكاله على استاذه:

أننا نختار الشرطية التعليقية، بحيث يكون الشرط هو الجامع بين عدم الحيوانية وبين التذكية. وبيان ذلك بذكر أمرين:

الأمر الأول: عندما نرجع إلى ساتر العورة الذي لا إشكال في دخالته في صحة الصلاة. فنقول: ساتر العورة يشترط فيه الجامع، لا أنه يشترط فيه التذكية، لأن ساتر العورة قد لا يكون حيوانياً من الأساس واشتراط التذكية فرع كونه حيوانياً، لأجل ذلك حتى في ساتر العورة لا يتصور اشتراط التذكية بعنوانه، وإنما يقال: يشترط في صحة الصلاة وجود ساتر للعورة ويشترط في الساتر الجامع بين أن لا يكون حيوانيا أو حيوانيا مذكى، فيعتبر في ساتر العورة أما إن لا يكون حيوانا من الاساس أو يكون مذكّى. فالشرط المتصور في ساتر العورة هو الجامع، وإلا اشتراط التذكية بعنوانه أيضاً لا يتصور في ساتر العورة، ونفس هذا التصور يأتي في اللباس غير الساتر. فنقول: يشترط في لباس المصلي غير الساتر الجامع بين أن لا يكون حيونياً او يكون مذكّى.

الامر الثاني: ان الشرطية تعليقية وليست تنجيزية، لأنه أساساً لا يشترط اللباس حتى تكون الشرطية فيه تنجيزية، فلابد ان تكون تعليقية، الا ان الملحوظ موصوفاً للشرط هو الطبيعي لا الفرد الذي فرض وجوده، بأن يقال: الصلاة في الثوب يشترط في صحتها ان لا يكون هذا الثوب حيوانيا أو يكون مذكّى. فإذا كان الملحوظ والمنظور هو الطبيعي «الصلاة في الثوب» لم يأت هذا الاشكال ما فرض وجوده ان كان مذكى فاشتراط التذكية فيه طلبا للحاصل، وان كان ميتة فاشتراط التذكية فيه طلبا للمحال، فإن هذا التشقيق إنما يتصور في الفرد، يعني فرد من اللباس فرض وجوده. وأما اذا لم نفرض وجوداً لفرد من اللباس وأنما كانت صياغة الجعل ناظرة للطبيعي فلا يأتي التشقيق بان يقال: أي صلاة في طبيعي الثوب يشترط ان لا يكون الثوب حيوانيا أو كون مذكى.

فتلّخص بذلك: أن ما أفاده سيدنا الخوئي «قده» في هذا البحث: من ان المستفاد من النصوص هل هو شرطية التذكية أو مانعية الميتة؟ متصور على نحو الشرطية التعليقية في طبيعي اللباس.

الجهة الثالثة: ذكر سيدنا «قده»: أنه إذا دار الامر بين شرطية التذكية ومانعية الميتة وليس عندنا دليل على أحدهما، فهل يمكن أن ننقح البحث بأصل عملي، فلا ندري أن هل أن التذكية شرط؟ أم أن الميتة مانع؟ ولم نستطع أن نستظهر أحدهما من الأدلة، ووصلت النوبة للأصل العلمي، هل يمكن تنقيح أحد المحتملين بأصل علمي أم لا؟.

السيد الخوئي قال: لا يمكن، لأن لدينا علماً إجماليا إمّا أنّ الشارع جعل الميتة مانع، أو ان الشارع جعل التذكية شرط، واستصحاب عدم جعل المانعية معارض باستصحاب عدم جعل الشرطية، فلا يمكن تنقيح احدهما فالأصول متعارضة. والبراءة عن جعل المانعية معارضة بالبراءة عن جعل الشرطية، إذاً العلم الإجمالي منجز، لتعارض الاصول في اطرافه، فعليه: لو كان لدينا ثوب مشكوك التذكية، لو كان لدينا جلد مشكوك التذكية فلا تصح الصلاة فيه، لانه اذا دار الامر بين جعل المانعية او جعل الشرطية فالاصول متعارضة والعلم الاجمالي منجز، ومقتضى قاعدة الاشتغال اجتناب الصلاة في مشكوك التذكية. فلابّد من البحث عن هذه النقطة.

نقول: لا، يصحّ جريان الأصل في أحد الطرفين وينحل به العلم الاجمالي. بيان ذلك يرجع إلى نكتة كبروية، وهي:

هل ان المنظور في تعارض الاصول ان يكون للاصل اثر في نفسه؟ أو ان المنظور في تعارض الاصول أن يكون للاصل أثر بعد وجود العلم الاجمالي؟.

فاستصحاب عدم جعل المانعية في نفسه مع غمض النظر عن العلم الاجمالي له اثر، وينفي المانعية، استصحاب عدم جعل الشرطية في نفسه له اثر ينفي الشرطية. الكلام: بعد فرض وجود علم اجمالي وهو ان المجعول احدهما اما مانعية الميتة أو شرط التذكية هل لكليهما اثر كي يتعارضا؟ أم أن احدهما بعد فرض العلم الاجمالي لا اثر له فلا يتعارضان وينحل العلم الاجمالي؟

نقول: الصحيح هو الثاني: وبيان ذلك: أن استصحاب عدم جعل المانعية لا اثر له بعد العلم الاجمالي بخلاف عدم جعل الشرطية، لأن استصحاب عدم جعل المانعية للميتة ما الاثر المراد ترتيبه؟ هل يراد جواز الصلاة في الميتة؟ أو يراد جواز الصلاة في مشكوك التذكية؟. عندما نقول: يجري استصحاب عدم جعل المانعية في الميتة، هل نريد بهذا الاصل أن نصل إلى أنه يجوز لك أن تصلي فيما هو معلوم انه ميتة؟!، قطعا هذا معلوم البطلان لحصول العلم الاجمالي، فإن ما كان معلوم الميتة قطعا لا يصح الصلاة فيه اما ان الميتة مانع أو لأن التذكية شرط. على كل حال لا يصح الصلاة فيه.

أو الأثر المراد الصلاة في مشكوك التذكية، فالصلاة في مشكوك التذكية لا يتعارض الاصلان فيه بل كلاهما يصب في نفس النتيجة، فأننا إذا أردنا أن نصحح الصلاة في مشكوك التذكية كما يمكن ان نصححها باستصحاب عدم جعل المانعية، نصححها بعدم جعل الشرطية، يعني هما متوافقان في هذا الأثر وليس متعارضين كي يتعارضا، فإن تعارض الاصلين فرع ان يكون أثرهما مختلف، حتى يتعارضا، أما اذا أثرهما متفق كيف يتعارضا؟!. فاستصحاب عدم جعل المانعية يقول لك: يجوز لك الصلاة في مشكوك التذكية لأنك لا تدري انه ميتة أو لا؟ فسنتصحب عدم جعل المانعية للميتة. فاستصحاب عدم جعل المانعية للميتة يؤدي للصلاة في مشكوك التذكية لأننا لا ندري انه ميتة ام لا فنستصحب عدم جعل المانعية للميتة وتصح الصلاة فيه. أيضاً استصحاب عدم جعل الشرطية للتذكية، لا ندري أن التذكية شرط حتى لا يصح الصلاة فيه، او ليست بشرط فتصح الصلاة فيه فاستصحاب عدم جعل الشرطية للتذكية يؤدي الى جواز الصلاة فيه، فكلا الاصلين متوافقان في هذا الاثر وهو الصلاة في مشكوك الاثر فكيف يتعارضان؟!

فتلّخص من ذلك: أن استصحاب عدم جعل المانعية للميتة اصل لا اثر له، فيسقط، ويبقى الأصل الآخر وهو استصحاب عدم جعل الشرطية للتذكية وينحل به العلم الاجمالي. فإذا جئنا إلى ثوب أو ساتر مشكوك التذكية نقول: لا ندري ان الشارع جعل التذكية شرطا فلا يصح لنا الصلاة فيه لانه مشكوك ام لم يجعلها شرطا فنستصحب عدم جعل الشرطية للتذكية فيصح الصلاة فيه.

إذاً ما افاده سيدنا «قده»: من انه إذا لم نستفد من الادلة شيئاً ووصلت النوبة للاصل العملي وهو انننا لا ندري ان الشارع جعل المانعية للميتة أو جعل الشرطية للتذكية فلا يمكن تنقيح أحدهما بالأصل العملي. نقول: بل يمكن تنقيح احدهما بالاصل العملي وهو استصحاب عدم جعل الشرطية للتذكية، لأن الأصل الآخر وهو عدم جعل المانعية للميتة لا اثر له.

يأتي الكلام في الجهة الرابعة.

والحمد لله رب العالمين.

الدرس 28
الدرس 30