نص الشريط
الدرس 38
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 12/2/1437 هـ
تعريف: انحلال العلم الإجمالي
مرات العرض: 2728
المدة: 00:36:30
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (199) حجم الملف: 16.7 MB
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

بقيت في المسالة مجموعة تنبيهات:

التنبيه الأول: قلنا: بأن الاضطرار قيد في الحكم لا في المتعلق بمعنى ان نفس الحكم من قيودها عدم الاضطرار ولو بنحو الشرط المتأخر. وقلنا: بأن ما يدفع به الاضطرار مصداق عرفي للمضطر اليه. فمقتضى الجمع بين هذه المبنيين. المصير إلى مطلب صاحب الكفاية. بناء على مسلك العلية في منجزية العلم الاجمالي. وذلك لأنه إذا اضطر إلى احد طرفي العلم كما إذا اضطر لشرب احد الماءين والمفروض ان ما سيدفع به الاضطرار في علم الله هو المضطر اليه، إذاً بالنتيجة فعلية الحرمة في هذا الطرف وهو «ب» مثلاً الذي سيدفع به الاضطرار من الأول محدودة بعدم الاضطرار، فبالاضطرار اليه انكشف عدم حرمته من حيث الاضطرار. وبالتالي: فإن كان النجس هو ما ارتكبه لدفع الاضرار فلا تكليف فعلي. وان كان غيره فهو مشكوك. إذاً بناء على مسلك العلية أو ان الاضطرار قيد للحرمة وان ما يدفع به الاضطرار مصداق للمضطر اليه سوف تكون النتيجة: عدم منجزية العلم الاجمالي في الطرف الآخر. وهذا ما اختاره في الكفاية حتى في الاضطرار لأحد الطرفين بعينه بعد العلم الاجمالي. فانه هناك ايضا قال: إذا علم اجمالاً بحرمة احد المائعين ثم اضطر إلى شرب الماء منهما فقد افاد هناك: عدم منجزية العلم الاجمالي، نعم في هامش الكفاية لم يقبل ذلك.

لذلك اما ان يرى ان الاضطرار قيد في الحرمة وانما ما يدفع به الاضطرار مضطر اليه فلابد ان لا يقول بالمنجزية في كلا الموردين. واما إذا لم يقل بذلك فلابد ان يقول بالمنجزية في كلا الموردين إذا كان الاضطرار لاحد الطرفين لا بعينه بعد حصول العلم الاجمالي. لذلك إذا قلنا بهذه الامور وهي مسلك العلية وان الاضطرار قيد الحرمة وأن ما يدفع به الاضطرار مصداق للمضطر اليه، سوف نقول بمقالة الكفاية.

واما إذا قلنا بمسلك الاقتضاء، وكان الاضطرار بعد حصول العلم الاجمالي، فهنا نقول: نعلم اجمالا بحرمة «ب» قبل الاضطرار أو بحرمة «أ» بعد دفع الاضطرار ب «ب» والأصل وهو اصالة الطهارة في «ب» معارض بأصالة الطهارة في «أ» بعد دفع الاضطرار في باء، ومقتضى تعارض الاصول منجزية العلم الاجمالي.

وأما إذا انكرنا احد القيدين. مثلاً: قلنا بأن الاضطرار ليس قيدا في الحرمة وانما هو قيد في المتعلق، لكننا قلنا بأن ما يدفع به الاضطرار مصداق للمضطر اليه سوف نصير إلى التوسط في التكليف، إذاً بالنتيجة سوف يأتي المطلب العراقي من التوسط بالتكليف: لعلم المكلف من ان شرب النجس المقترن بشرب الطاهر حرام بالفعل، فبما انه حرام بالفعل، إذاً بالنتيجة ليس لدينا حراما مطلقا وهو شرب النجس مطلقا، وليس هناك تكليف بالحرمة، بل لدينا شرب النجس حرام إذا اقترن بشرب الطاهر، أو شرب النجس حرام إذا لم يدفع به الاضطرار، ولا لكان مصداقاً للمضطر اليه وكان موجبا لارتفاع فعلية الحرمة.

لكننا حيث انكرنا انكرنا الامرين معا كما سبق وقلنا: بأن الاضطرار ليس من قيود الحرمة بل من قيود المتعلق، وقلنا بأن ما يدفع به الاضطرار ليس مصداقا للمضطر اليه لذلك قلنا بالتوسط في التنجيز لا في التكليف. لذلك قلنا بالتوسط بالتنجيز لا بالتكليف، لأنه لا يوجد قيد لا في الحرمة ولا في المتعلق. فهو يعلم بحرمة فعلية مطلقة ويعلم بحرام فعلية مطلقا، غاية ما في الباب: أنه لما جاز له ارتكاب احد الطرفين لا بعينه لأجل اضطراره قلنا له: ما دمت تجهل بالنجس فيجوز لك ان تشرب «ب» لدفع اضطرارك، فتجويز شرب «ب» تجويز ظاهري وليس تجويزاً واقعيا، فهذا العلم الاجمالي لا تجب موافقته القطعية لأنه يجوز لك شرب «ب» لدفع اضطرارك، لكن تحرم مخالفته القطعية بأن يشربهما معاً دفعة أو تدريجاً.

وقلنا: على مسلك العراقي من العلية: ايضاً يمكن القول بالتوسط في التنجيز بناء على أن الحرمة ليست مقيدة بالاضطرار وان ما يدفع به الاضطرار ليس مصداقا للمضطر اليه، فانه بناء على ذلك لا يوجد أي تصرف في المعلوم بالإجمال، لا في الحرمة يوجد تصرف ولا في الحرام يوجد تصرف، اذاً ما دام لا يوجد تصرف في الواقع اصلا، فنحن والعلم الإجمالي، فبالنتيجة حتى على مسلك العلية: من ان العلم الاجمالي وصول تام وانه لا يمكن الترخيص بمناط الشك محضا مع ذلك يمكن القول بالتوسط في التنجيز، بمعنى ان مقتضى الجمع بين اطلاق دليل الحرمة وبين جواز ارتكاب احدهما لا بعينه لأجل الاضطرار، مقتضى الجمع بينهما أن يقال: بما أنك مضطر لأن تدفع اضطرارك بأحدهما فإن علمت بالنجس دفعت اضطرارك بغيره وان لم تعلم به دفعت اضطرارك ب «ب» أو ب «أ». هذا تمام الكلام في التنبيه الاول.

التنبيه الثاني: أنّ صاحب الكفاية «قده» افاد في «بحث الانسداد»: بأن دليل «لا ضرر» ودليل «لا حرج» لا يرفع وجوب الموافقة القطعية. مثلا: إذا علمنا اجمالا بنجاسة شيء في البيت وكان اجتناب جميع ما في البيت حرجا أو ضررا فهل يمكن رفع وجوب الموافقة القطعية بدليل «لا ضرر»، و«لا حرج»؟، قال: لا، لأن الموافقة القطعية واجب عقلي، ودليل «لا ضرر» و«لا حرج» يرفع ما هو مجعول شرعي، فدليل «لا ضرر» و«لا حرج» لا اثر له في المقام.

فيقال له: فلماذا في مسألتنا إذا علم اجمالا بنجاسة احد الاناءين وكان مضطراً لأحدهما قلت بأن حديث «رفع عن امتي ما اضطروا اليه» يرفع وجوب الموافقة القطعية لهذا العلم الاجمالي، مع ان وجوب الموافقة القطعية عقلي وليس شرعياً، فكيف رفع بحديث «رفع عن امتي ما اضطروا اليه»؟.

الجواب: إنّ صاحب الكفاية لا يدعي ان «رفع عن امتي ما اضطروا اليه» رافع لوجوب الموافقة القطعية.

وانما يدعي أمرين: أولاً: أن الاضطرار قيد في الحرمة نفسها. وأن ما يدفع به الاضطرار مضطر اليه. فبالنتيجة: «حديث الرفع» رفع حرمة النجس إذا كان هو الذي يدفع به الاضطرار، لا انه رفع وجوب الموافقة القطعية. والا إذا لم نقل بهذين الامرين: ان الاضطرار قيد في الحرمة. وأن ما يدفع به الاضطرار مصداق للمضطر اليه، سوف يقع تهافت بين كلامي الكفاية.

التنبيه الثالث: أنّ صاحب الكفاية في دوران الامر بين المحذورين مع كون احدهما تعبدياً مثلا: إذا علمت اجمالا اما يجب صوم يوم عاشوراء قربة لله أو يحرم صومه؟ فهو دائر بين وجوبه قربة أو حرمته.

وهنا حيث يدور الامر بين المحذورين انا مضطر لاحدهما لأنه اما ان اصوم ولا اصوم، مع ذلك قال ان العلم الاجمالي منجز، فقال: يمكنه المخالفة القطعية بأن يصوم عاشوراء لا بقصد القربة، فإذا صام عاشوراء لا بقصد القربة فقد خالف كلا الحكمين اما وجوب الصوم القربي أو حرمة الصوم مطلقا. فحيث يمكنه مخالفته القطعية كان العلم الإجمالي منجزاً، وإن لم يمكن موافقته القطعية بأن لا يصوم من الاصل ويصوم قربة.

فيقال له: إذاً كيف قلت في المقام: بأن العلم الاجمالي غير منجز إذا كان غير مضطر لاحدهما مع انك في دوران الامر بين المحذورين قلت بالمنجزية؟.

الجواب: ان الاضطرار الملحوظ هناك هو الاضطرار العقلي، لأنه مضطر عقلا اما للصوم أو تركه، فهو عاجز عن اجتناب كليهما. ولذلك حيث ان الاضطرار عقلي فالعلم الاجمالي يبقى على المنجزية، لأن الاضطرار العقلي لا يؤثر على التكليف ابدا ما دام يمكن موافقة هذا التكليف ولو موافقة احتمالية. أي أن الاضطرار العقلي بنظر صاحب الكفاية والعراقي: موجب للمعذرية لا اكثر، اما التكليف الواقعي فيبقى على فعلتيه ما دام يمكن موافقته ولو موافقة احتمالية، لذلك قال: إذا دار الامر بين محذورين مع انه مضطر عقلا للتلبس بأحدهما، قال: التكليف الواقعي وهو: إما وجوب صوم عاشوراء قربة، أو حرمته مطلقاً، هذا التكليف الواقعي باق على فعلتيه ما دام يمكن موافقته الاحتمالية بترك مخالفته القطعية.

أما إذا كان الاضطرار عرفياً لا عقلياً: أي أن في الترك مشقة وحرج وليس عجزاً، فهنا يقول إذا كان الاضطرار عرفيا فهو متدخل في نفس التكليف لوجود تكليف وهو «رفع عن امتي ما اضطروا اليه»، فإن ورود هذا الحديث مورد الامتنان يقتضي نظره للاضطرار العرفي، أو دليل لا حرج أو دليل «لا ضرر» فحيث ورد من الشارع أن المضطر يرتفع عنه التكليف، إذاً دليل الاضطرار العرف يتصرف في التكليف بينما الاضطرار العقلي لا يتصرف بالتكليف.

ففي محل كلامنا: إذا علم اجمالاً بنجاسة احد الماءين، وكان مضطرا لشرب احدهما، فإن كان الاضطررا عقليا كان مثل ذلك المطلب. واما إذا كان الاضطرار عرفياً فالحرمة من اول الامر محدودة بعدم الاضطرار، وما يدفع به الاضطرار ان كان هو النجس ليس محرما بالفعل، لذلك قال: إنّ العلم الإجمالي غير منجز.

التنبيه الرابع_والأخير_: ما ذكرناه من مسألة التوسط في التنجيز الذي يرجع إلى التخيير العقلي بين الطرفين، فأنت مخير بين ان تدفع اضطرارك ب «أ» أو ب «ب»، انما يتم إذا كانا الطرفان متساويين احتمالاً أو محتملاً، واما إذا كان احدهما اقوى من الآخر محتملا أو احتمالاً فيتعين عليك دفع الاضطرار بالثاني. فمثلاً: إذا دار الامر بين نجاسة «ب» ونجاسة «أ» لكن «ب» مما قامت امارة عقلائية على نجاسة وان لم تكن امارة شرعية كما لو كانت هناك شهرة بنجاسته مثلاً، فحينئذٍ إذا دار الامر بين نجاسة «ب» ونجاسة «أ» وكانت نجاسة «ب» أقوى احتمالاً لقيام امارة عقلائية على ذلك فالعقل يقول: يتعين عليك دفع الاضطرار بالثاني. أو دار الامر بين كون «ب» نجساً مغصوباً أو كون «أ» نجسا، فحينئذٍ يتعين عليك دفع الاضطرار بألف لأن المحتمل في «ب» أقوى وأهم من المحتمل في «أ» باعتبار ان المحتمل النجاسة والغصبية.

هذا المتحصل من البحث: في الاضطرار لأحد اطراف العلم الإجمالي، تارة بعينه. وتارة لا بعينه.

ان شاء الله يكون البحث «خروج احد الاطراف عن محل الابتلاء».

والحمد لله رب العالمين.

الدرس 37
الدرس 39