نص الشريط
الدرس 39
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 4/3/1437 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2570
المدة: 00:37:47
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (185) حجم الملف: 17.2 MB
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

الشرط الرابع: _من شرائط لباس المصلي_: أن لا يكون من أجزاء ما لا يؤكل لحمه. سواء كان مذكّى أم لم يكن مذكّى، جلداً كان أو غيره، فالصلاة في فواضل غير المأكول فاسدة سواء كان جلداً أو شعراً أو وبراً بل حتى لو كان شيئاً من فضلاته. وهذه المسألة فيها مطلبان:

المطلب الأول: في دليل الشرطية. المطلب الثاني: في مصبِّ هذه الشرطية.

أمّا بالنسبة إلى المطلب الاول: فلا خلاف في اشتراط ان لا يكون ثوب المصلي من اجزاء ما لا يؤكل لحمه في الجملة، وانما قلنا في الجملة بلحاظ مخالفة جمع في غير السباع أو ما يؤكل الشجر والورق حيث ذهب بعضهم إلى اختصاص الشرطية بأجزاء السباع أي لا يكون ثوب المصلي من اجزاء السبع كما ذهب اليه السيد الاستاذ «دام ظله». وبعضهم جعل مصبّ الشرطية أن لا يكون ممن يأكل اللحوم. ففي الجملة لا خلاف في اشتراط أن لا يكون ثوب المصلي من أجزاء ما لا يؤكل.

وقد استدل على ذلك بوجهين: التسالم والروايات الشريفة.

أمّا التسالم: فرائحة المدركية مشمومة منه بلحاظ الروايات الشريفة. وأما الروايات: فهي متعددة ولكن عمدتها موثقة ابن بكير التي بحثناها سابقاً.

منها: رواية علي أبن أبي حمزة، «حديث2، باب3، من أبواب لباس المصلّي»: سألت أبا عبد الله وأبا الحسن عن لباس الفراء والصلاة فيها، فقال: لا تصلي فيها الا في ما كان منه ذكيّاً، قلت: أوليس الذكّي مما ذكي بالحديد؟ قال: بلى إذا كان مما يؤكل لحمه». فمصبُّ الشرطية ما كان ذكيا والذكي ما ذكي من مأكول اللحم.

ومنها: رواية ابراهيم ابن محمد الهمداني، «الحديث الرابع، من نفس الباب»: «كتبت اليه «مكاتبة مضمرة» يسقط على ثوبي الوبر والشعر مما لا يؤكل لحمه، _ من غير تقية ولا ضرورة_، فكتب: لا تجوز الصلاة فيه».

الرواية الثالثة: رواية انس بن محمد عن أبيه عن جعفر ابن محمد ان آبائه في وصية النبي لعلي قال: لا يا علي لا تصلي في جلد ما لا يشرب لبنه ولا يؤكل لحمه.

والحديث السابع في «العلل»: عن علي ابن احمد عن محمد ابن ابي عبد الله عن محمد ابن اسماعيل، يرفعه إلى أبي عبد الله : «قال: لا تجوز الصلاة في شعر ووبر ما لا يؤكل لحمه لأن اكثرها مسوخ».

وفي رواية تحف العقول: عن الصادق : في حديث قال: «وكل ما أنبتت الأرض فلا بأس بلبسه والصلاة فيه وكل شيء يحل لحمه فلا بأس بلبس جلده الذكي منه وصوفه وشعره ووبره وان كان الصوف والشعر والريش والوبر من الميتة وغير الميتة فلا بأس بلبس ذلك والصلاة فيه».

هذه الروايات اشكل على سندها.

واما الرواية التامة سندا ودلالة: فهي موثقة «ابن بكير، الحديث الأول من نفس هذا الباب» قال: «إن الصلاة في وبر كل شيء حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكل شيء منه فاسد لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلي في غيره مما أحل الله اكله». وقال في ذيلها: «وإن كان مما قد نهيت عن أكله وحرم عليك أكله فالصلاة في كل شيء منه فاسد ذكاه الذبح أم لم يذكه».

المطلب الثاني: هل أن مصبَّ المانعية أنّ يكون محرم الأكل، أو أنّ مصب المانعية أن يكون من السباع؟ أم أن مصب المانعية ان يكون من أكلة اللحوم فعلاً بناء على الفرق بين السبع وبين أكل اللحوم.؟

فالبحث في أنّ مصب المانعية هو خصوص السباع أم مطلق ما يحرم أكله سيأتي التعرض له من قبل سيد العروة «قده» والتعليق عليه.

ولكن البحث من هذه الجهة: هل تختص المانعية بأجزاء ما كان من أكلة اللحوم أم؟.

فقد نسب إلى سيد المدارك ذلك، وأيد ذلك بعضهم بهذه الرواية وهي رواية: قاسم الخياط، «باب6، من أبواب لباس المصلي، حديث 2» عن أبي عبد الله : «ما أكل الورق والشجر فلا بأس بأن يصلى فيه، وما أكل الميتة فلا تصلي فيه».

فما هي النسبة بين هذه الرواية وبين موثقة ابن بكير التي قلنا هي العمدة؟، حيث إن مفاد موثقة ابن بكير ان حرمة الأكل مانع أكل الشجر أم أكل اللحم، فالسنجاب الذي لا يأكل اللحوم ولكنه محرم أكله فالصلاة وبره فاسدة. بينما مفاد رواية الخياط ان ما أكل الشجر والورق فالصلاة فيه صحيحة وان كان محرّم الأكل، فبين الروايتين عموم من وجه ويلتقيان في ما أكل الشجر مما هو محرم الاكل.

وقد تعرض المحقق النائيني «قده» في «كتاب الصلاة، ج1، ورسالته في اللباس المشكوك ص45» لهذه الرواية: قال: ان موثقة ابن بكير مقدمة على هذه الرواية في مورد الالتقاء، لأن دلالة موثق ابن بكير على المنع بالعموم، حيث قال: «إن الصلاة في وبر كل شيء حرام أكله فالصلاة فيه فاسدة». فدلالتها على مانعية على كل اجزاء مأكول اللحم بالعموم. بينما دلالة «قاسم الخياط» على الجواز بالإطلاق، حيث قال: ما أكل الشجر والورق تصح الصلاة فيه وان كان محرم الأكل فدلالتها على الجواز حتى بالنسبة إلى محرم الأكل بالإطلاق والعموم قرينة على الإطلاق، لأنه يعتبر في حصول الاطلاق تمامية حصول مقدمات الحكمة، ومن مقدمات الحكمة عدم البيان على الخلاف، والعموم الوضعي بيان. فما دل على العموم رافع لما دل بالإطلاق. هذا كلام المحقق النائيني «قده».

وهنا ملاحظتان:

الملاحظة الاولى: على فرض أن العموم قرينة على الاطلاق بمعنى كون العام رافعا للمطلق فإن القرينية في إطار الظهور العرفي كما قال المحقق النائيني نفسه. بمعنى ما نعد اللفظ قرينة على غيره، إذا كان بحيث لو جمع في سياق واحد لرؤي متلائمين، هذا مناط القرينية، فمناط قرينية الاظهر على الظاهر أو الصريح على الظاهر، ومن صغرياتها قرينية العام على المطلق أنهما لو جمعا في دليل واحد لرؤي متلائمين هذا هو المناط في القرينية.

بينما في محل الكلام لو جمعا في دليل واحد للزم في تقديم العام على المطلق لغوية العنوان الموجود في المطلق، لأنه إذا كان المدار على حرمة الأكل لم يبق العنوان أكل الورق أو أكل غير اللحم موضوعية وخصوية.

فلازم تقديم العام على المطلق لغوية العنوان المأخوذ في موضوع الاطلاق وهذا مستهجن عرفا فإن ظاهر قوله: «ما أكل الورق جاز وما أكل الميتة لا يجوز»: أن للمأكول موضوعية في الحكم. فلو كانت الموضعية فقط لحرمة الأكل، وأما ماذا يأكل فلا خصوصية له إذن فأخذ هذا العنوان في موضوع الحكم لغو مستهجن.

إذن يلزم من تقديم العام على المطلق لغوية العنوان في المطلق، وهذا مانع عرفي من قرينية العام في المطلق فيكونان متعارضين في مورد الاجتماع.

الملاحظة الثانية: على فرض ان هذه الرواية «رواية قاسم» ساقطة ولو بلحاظ الاشكال في السند كما ذكره السيد الخوئي «قده» فبحث هذا البحث في «ج12 من موسوعته، في بحث جواز الصلاة في جلد السّمور، ص196»: فهنا افيد بأن هناك رواية اخرى لفترض أن رواية «قاسم الخياط» ساقطة سندا. لكن هناك رواية أخرى بمدلولها وهي: صحيحة سعد ابن سعد الاشعري عن الرضا ، «باب 4 من أبواب لباس المصلي، حديث1»: «سألته عن جلود السّمور فقال: أي شيء هو؟ هو ذاك الادبس؟ فقلت: هو الاسود، فقال: يصيد؟ قلت نعم يأخذ الدجاج والحمام، فقال: لا».

فإن ظاهر الرواية ان المناط في عدم صحة الصلاة أنه يعتمد في طعامه على اللحوم، على الصيد.

فيقال: إذن بين هذه الرواية وهي صحيحة سعد وبين موثق ابن بكير عموم من وجه لأن موثق ابن بكير دلت على أن المانع حرمة الأكل سواء اللحوم أم لم يأكل، وهذه الرواية دلت على ان ما لم يعتمد على الصيد جائز سواء كان محلل الأكل أو محرم الاكل.

ولكن بإزاء ذلك ذكر سيد المستمسك «قده» ان هذه الصحيحة «صحيحة سعد» معارضة، لو لم تكن معارضة لعارضت موثقة ابن بكير، لكنها في نفسها وهو مسألة جلد السمور، في هذا المورد هي معارضة بعدة صحاح:

منها: «باب 4، حديث 2»: صحيحة الحلبي عن ابي عبد الله قال: «سألته عن الفراء والسمور والسنجاب والثعالب واشباهه، فقال لا بأس بالصلاة فيه».

ومنها: «باب 5، حديث 1»: صحيحة علي ابن يقطين: «سألته أبا الحسن موسى عن لباس الفراء والسمور والفنك والثعالب وجميع الجلود، فقال: لا بأس بذلك».

ومنها: «باب 4، حديث 6» رواية علي ابن جعفر عن أخيه موسى قال: «سألته عن لبس السمور والسنجاب والفنك؟ فقال: لا يلبس ولا يصلى فيه إلا ان يكون ذكيّاً».

فمقتضاه انه لو كان ذكيا جازت الصلاة فيه. إذن هذه الصحيحة وهي «صحيحة سعد» معارضة بهذه الصحاح.

لكن سيدنا الخوئي «قده» في مناقشته لكلام المستمسك أفاد: بأن هذه المعارضة غير تامة، قال «ص198»: ولا ينبغي التأمل في أن الترجيح مع الثانية _ «يعني في صحيحة سعد التي تقول بالمنع إذا كان مما يصيد» _ لوجهين:

أحدهما: انها مخالفة للعامة حيث انهم يرون جواز الصلاة في كافة الجلود مما يؤكل ومما لا يؤكل كما في «المغني، لأبن قدامة، ج1، ص88» فتقدم على ما دلّ على الجواز لأن الرشد في خلافهم تحمل على تلك الروايات، «لا بأس» تحمل على التقية.

ثانيهما: إنها موافقة للسنة القطعية. وهي موثقة ابن بكير وغيرها، أي أن ما دل على أن المدار على حرمة الأكل سنة قطعية وهذه موافقة لها فتأخذ بها وتطرح تلك الطائفة لانها مخالفة للسنة القطعية.

وعلى فرض أننا شككنا في ذلك وتعارضت الروايتان ولا مرجح لأحداهما على الأخرى يتساقطان والمرجع عموم موثق أبن بكير، لأن كليهما وارد في السمور احدهما يجيز والآخر يمنع فنرجع إلى موثقة ابن بكير الدال على ان حرمة الأكل مانع. تم كلامه.

ونحن نطرح عدة استفهامات على ما افاده «قده»:

السؤال الأول: قال: انه ترجح صحيحة سعد لمخالفتها للعامة، وثانيا لأنها موافقة للسنة القطعية.

فالسؤال: بحسب الصناعة: أيهما يقدم؟ مسألة مخالفتها للعامة أو مسألة الموافقة للسنة القطعية؟.

فإن مبنى سيدنا «قده» ان ما خالف السنة القطعية ليس بحجة من الأساس مع غمض النظر عن وجود معارض له وعدمه، بينما الترجيح لمخالفة العامة فرع وجود المعارض، لذلك فمقتضى الصناعة ان يقال: إن الطائفة الاولى مخالفة للسنة القطعية فهي مطروحة، وعلى فرض موافقتها فإن الثانية تقدم عليها لمخالفتها للعامة.

السؤال الثاني: هل أنّ مقصود سيدنا «قده» أنّ السنة القطعية قامت على مانعية محرم الأكل؟ أو ان مقصوده أن السنة القطعية قامت على مانعية جلد الثعالب والسمور من الثعالب. ما هو مقصود سيدنا؟.

قال هكذا: ثانيهما أنها موافقة للسنة القطعية من موثقة ابن بكير وغيرها والأولى مخالفة لها فتطرح.

فإنه إن كان مقصود سيدنا «قده» أنّ السنة القطعية قامت على مانعية الثعلب وأن السمور من الثعلب فلا يبعد كلامه لأنه ما ورد في مانعية الثعالب ما يقرب من ثلاثة عشر رواية، فيقال بأن ضم بعضها إلى بعض يوجد القطع والوثوق بالصدور. فلاحظوا:

«حديث 3 باب 3، من أبواب لباس المصلي / وحديث 4 من نفس الباب/ وحديث5 من باب 4/ وحديث2 من باب 5/ وحديث3 و4 من باب 5/ وحديث1 من باب 6/ وحديث3 من نفس الباب/ وحديث4 من نفس الباب/ وحديث 4 من باب7/ وحديث6 من باب 7/ وحديث7 و8 من نفس هذا الباب/ وحديث12 من نفس هذا الباب». كلها دلّت على أن المانعية مانع من صحة الصلاة. فربما يقال: بأن هذه سنة قطيعة.

لكن هذا موقوف على تنقيح الصغرى، وأن السّمور من الثعالب، يعني من ذوي الناب أو المخلف، حيث عرّف الثعلب بما كان له ناب أو مخلب.

وأما إذا كان مقصوده «قده» بأن السنة القطعية قامت على مانعية محرم الاكل، فهذا اول الكلام. لأن الروايات في محرم الأكل أربع روايات: ليس الكلام في ضعف السند، فإن ضعف السند لا يمنع من حصول القطع في الصدور ولكن الكلام في المقدار.

الوارد هي رواية: علي ابن أبي حمزة، «حديث2، باب3»، ورواية انس بن محمد «حديث6»، ورواية العلل «حديث 7»، ورواية الحسن ابن علي ابن شعبة صاحب تحف العقول «حديث8». مع الموثقة.

فهل هذا المقدار من الروايات يوجب القطع بالصدور بحيث تكون سنة قطعية يطرح ما خالفها؟. ج: لم يحرز أن هذه سنة قطعية.

السؤال الثالث: ذكر سيدنا «قده» أن الرواية الثانية ترجح على الاولى لمخالفتها للعامة فتحمل الاولى على التقية.

وهذا دمج في تعبير المقرر بين أمرين: لأنه تارة نقول: ان الروايات الدالة على الجواز تحمل على التقية لأن مذهب العامة هو ذلك، وتارة نقول: بأن الرواية الدالة على المنع تقدم لأنها مخالفة للعامة، ففرق بين المطلبين، حيث بنى سيدنا «قده» في «أصوله» ان الترجيح بمخالفة العامة لا يرجع إلى مسألة التقية، هذا أمر مستقل، متى ما تعارضت روايتان فكانت احدهما مخالفة للعامة قدمت سواء كان الموافق صادر على سبيل التقية أم لم يكن، نفس مخالفة العامة مرجح.

فمخالفة العامة بلحاظ ان الرشد في خلافهم هو مرجح في حدِّ ذاته، حتى لو فرضنا أن الموافق لهم لم يصدر على سبيل التقية، فإن مقتضى اطلاق الروايات الدالة على الترجيح على مخالفة العامة في حد ذاته مرجح لا من باب حمل الموافق على التقية. بخلاف مبنى آخر الذي يقول: لا، لا يوجد شيئان وانما يقدم المخالف على الموافق لأن الموافق صادر على سبيل التقية فلم يكن في مقام بيان المراد الجدي.

فهل النكتة في تقديم المخالف على غيره ان الموافق لم يصدر في مقام بيان الجدي أم ان النكتة في الترجيح أن مخالفة العامة مرجح سواء صدر على سبيل بيان الحكم الواقعي أم لم يكن كذلك. نقحوا هذا المطلب أرجعوا إلى الأصول.

والحمد لله رب العالمين.

الدرس 38
الدرس 40