نص الشريط
الدرس 41
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 9/3/1437 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2523
المدة: 00:35:18
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (222) حجم الملف: 16.1 MB
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

ذكرنا فيما سبق: ان الترجيح بمخالفة العامة: أي إذا تعارض الخبران وكان احدهما موافقا للعامة والآخر مخالفا لهم فلا اشكال في ترجيح احدهما أي تقديم المخالف على الموافق.

وذكرنا أن في هذا الترجيح عدة مباني، وقربنا المبنى الرابع: وهو ان تكون مخالفة العامة طريقا لاحراز ما هو الاقرب للواقع، وبقي هنا مطلبان:

المطلب الاول: ان هذا المبنى الرابع جامع بين الروايات أي روايات الباب، والوجه في ذلك:

ان يقال: بأن الاخذ بما خالف العامة لكونه أقرب للواقع يرجع لعدة أسباب، إذ تارة يكون السبب في اقربيته للواقع عدم صدور الموافق للعامة من الأصل، وهو ما اشار إليه السيد الاستاذ «دام ظله» لأجل رواية ابن ابي عمير.

وقد يكون المنشأ في اقربية المخالف للواقع صدور الموافق على سبيل التقية. وهو ما اشارت إليه رواية عبيد ابن زرارة، «ما سمعت مني يشبه قول الناس ففيه التقية».

وقد يكون منشأ الاقربية للواقع أن الموافق وان صدر عن الامام وكان صادرا على سبيل الجد وبيان الحكم الواقعي، ولكن لأجل تزاحم الملاكات فإن الخبر المخالف للعامة اقرب منه للواقع، بيان ذلك:

كما في مورد «صحيحة ابن بزيع» حيث إن في الاتيان بصلاة الطواف الندبي بعد العصر ملاكاً فلأجل كون الصلاة ذات ملاكٍ ندبي كان بيان هذا الحكم من قبل الحسن والحسين صادرا لا على سبيل التقية، بل على سبيل الجد، ولكن لأجل أن الناس أي العامة، درجوا عليه واعتبروه سنة كان في تركه ملاكا ايضا وهو ملاك البين والفرز، أي فرز العامة عن الخاصة، فالفعل ذو ملاك. ولكن في تركه ملاك، وحيث إن ملاك الترك أهم من ملاك الفعل كان الخبر المخالف اقرب للواقع من الموافق. فلأجل ذلك: جعل الترجيح بمخالفة العامّة بمناط الاقربية للواقع يحقق جمعاً بين الروايات، فإن اختلافها انما هو اختلاف في مناشئ الاقربية بالنسبة إلى الخبر المخالف.

الا ان يقال ان قوله في المقبولة: «ما خالف العامة ففيه الرشاد»، ان الرشاد في رتبة سابقة على المخالفة، لا ان الرشاد يتحقق بالمخالفة، أي ظاهر هذه الرواية ان المخالفة كاشفة عن الرشاد لا ان الرشاد يتحقق بنفسه المخالفة، بل الخبر المخالف رشيد في نفسه وان كانت المخالفة كاشفة عن رشده، لا أن رشده حاصل بالمخالفة. فلا يشمل هذا التعبير «ما خالف العامة ففيه الرشاد» مورد «صحيحة ابن بزيع»، لأنه في مورد صحيحة بن بزيع قال: «إذا رأيت الناس يقبلون على شيء فاجتنبه».

فان ظاهرها: ان الرشاد يتحقق بالمخالفة والا هو في حد نفسه ليس راشدا. لأنه في حد ذاته ترك لما هو المندوب، لكن بالمخالفة يكون راشداً. بينما ظاهر قوله في المقبولة: «ما خالف العامة ففيه الرشاد» أنه راشد في نفسه. فلا شمول في هذا التعبير لما إذا كانت المخالفة محققة للرشاد. فحينئذ يقال: نعم، ولكن لا تنافي بين الروايات، أي الروايات الدالة على الترجيح بمخالفة العامة، لأن المخالف رشيد في نفسه، وبين الروايات الدالة على أن نفس المخالفة محقق للرشاد، فإنهما قد يفترقان وقد يجتمعان، أي قد يكون في بعض الموارد نفس الاخذ بالمخالف ذا رشاد من الجهتين، فهو راشد في نفسه والمخالفة في حد ذاته رشاد. فلا تنافي بين وجود ملاكين للرشاد كي يحصل تنافي بين الاخبار من هذه الجهة.

فلا معارضة، لأن «صحيحة ابن بزيع»: تدل على انه في بعض الموارد تكون مخالفة العامة ذات رشاد وان لم يحصل تعارض بين الاخبار، ومقبولة «عمر ابن حنظلة» تقول: إذا تعارض الخبران كان المخالفة للعامة كاشفة عما هو رشيد، فلا تنافي بين المدلولين.

المطلب الثاني: حيث ذكرنا الفرق بين مخالفة العامة والترجيح على أساس حمل الموافق على التقية، فلابد من الفرق بينهما من الاثار العملية، أي أن الفرق بين النظرتين ليس فرقاً نظريا فقط، بل هو فرق عملي، بيان ذلك: أن هناك عدة موارد لا يمكن حمل الموافق للعامة فيها على التقية، ومع ذلك نرجح الخبر المخالف لكونه مخالفاً.

المورد الاول: ما إذا كان الخبر صادرا عن الائمة الاوائل الذين سبقوا زمان التقية، كما إذا كان الخبر صادرا عن الامير أو عن الحسنين، فهو خبر صادر على الجد وبيان الحكم الواقعي، لا يمكن حمله على التقية، ومع ذلك لو تعارض مع خبر آخر كان الخبر المخالف مقدمّاً عليه بمقتضى المخالفة.

المورد الثاني: ما إذا كان الخبر الموافق للعامة كثيرا بحيث تمنع كثرته حمله على التقية، كما إذا افترضنا ان هناك خبرين: خبر مخالف وخبر موافق، الا أن الموافق كثير ومتعدد الطرق والنقل عن ائمة متعددين، فكثرته مانع عرفي من حمله على التقية. إذا فنلجأ إلى النكتة الثانية وهي تقديم المخالفة لكونه مخالفا لا ان الموافق واردا على سبيل التقية.

المورد الثالث: ما ذهب إليه السيد الاستاذ «دام ظله»: من أن حمل الاخبار على التقية غير صناعي أصلاً. باعتبار انه لا واقع للتقية في اخبار ائمتنا اما من جهة انهم ورد عنهم في الاصول كما ورد في اصول الكافي: ما ينافي التقية جزما وبكثرة كاثرة، فإذا كانوا لا يتقون بالأصول وهي الاهم فكيف يحتمل انهم كانوا يتقون بالفروع أي بيان الاحكام، مع انهم لا يتقون في الاصول، فصدور هذه الكثرة الكاثرة في الاصول على خلاف التقية مانع عرفي من حمل الروايات الواردة في الفروع على سبيل التقية، مع ان الكلام في الاصول الصق بالاحتكاك والمخالفة من الكلام في الفروع.

وثانياً: ان الاخبار تنقحت في زمان المعصومين فكانوا اصحاب الائمة انفسهم يجتنبون الخبر الصادر على سبيل التقية، وكان إذا صدر من الامام كلام على سبيل التقية قالوا لبعضهم: «اتقاك واعطاك من عين كدرة» وفي بعض الروايات «اعطاك من جراب النورة». فكانوا يجتنبون الخبر الصادر على سبيل التقية ولا يعملون به، فهذا يكشف على ان سيرتهم قامت على الائتمام تدويناً ونشرا على الخبر الصادر على سبيل الجد، واما الخبر الصادر على سبيل التقية فهو مهجور عندهم. وقد عرضت احاديث أبي جعفر وأبي عبد الله «عليهما السلام» على أبي الحسن علي بن موسى الرضا : فأنكر منها احاديث كثيرة.

فالنتيجة: ان مع تحفظ الاصحاب في ذلك الزمن عن الاخبار الموافقة للعامة على سبيل التقية يكون الخبر الموافق على سبيل التقية حمل غير عرفي.

إذاً تلخص بذلك: أن الصحيح إذا تعارض خبران وكان احدهما موافقا للعامة رجح المخالف بالمخالفة لا لأجل صدور الموافق على سبيل التقية. وتظهر لهذا عدة ثمار عملية تعرضنا لها. هذا بحسب تنقيح الكبرى.

وأما بالنسبة التطبيق: أي تنقيح الصغرى: فقد ذكرنا: أن لموثق ابن بكير القائل: «ان الصلاة في وبر كل شيء حرام اكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وروثه وألبانه وكل شيء منه فاسد لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلي في غيره مما أحل الله أكله». فإنها دالة على ان مصب المنع هو حرمة الاكل، أي متى ما كان الساتر مما لا يحل اكله كان مانعاً من صحة الصلاة.

وبإزاء موثق ابن بكير معارضان:

المعارضة الأولى: معارضته برواية قاسم الخياط أو هاشم الحناط، حيث إن هذه الرواية فرّقت بين ما يأكل الميتة وما لا يؤكل، فقال: «ما أكل الورق والشجر فلا بأس بأن يصلى فيه، وما اكل الميتة فلا تصلي فيه».

فيقال: مقتضى هذه الرواية: أن المدار في المانعية على ما يأكل الميتة وما لا يأكل، وليس المدار في المنانعية على ما كان محرم الأكل وما لم يكن محرّم. وأما حمل ما اكل الشجر والورق على المشيرية فغير عرفي، بمقتضى المقابلة، لأنه يقول: ما أكل الشجر فلا، وأما أكل الميتة فلا تصلي فيه.

فأن ظاهر المقابلة: ان لأكل الميتة موضوعية، وأنه ما أكل الميتة فهو المانع وما لم يأكل فلا مانعية فيه. وحينئذ تكون النسبة بين الروايتين العموم من وجه، لأن الموثق يقول: ان كان محرّم الأكل كان مانعاً سواء اكل الميتة أو أكل الورق. وذاك يقول: ما اكل الميتة فهو المانع حرام الأكل أو محرم الاكل. فبينهما عموم من وجه لذلك يقع تعارض بينهما في مورد الاجتماع.

وقد تخلص سيدنا «قده» عن المشكلة بتضعيف رواية القاسم الخياط. لأن هذا القاسم الخياط هو في حد ذاته مهم ولا توثيق له. ولكن في الطبعة المشهورة للفقيه: هاشم الحناط. وليس قاسم الخياط، بل قال في «روضة المتقين»: كما في «الفهرست»: هو هاشم الحناط، وهاشم الحناط ثقة وطريق الصدوق إليه طريق صحيح، واما قاسم الخياط فلا توجد له روايات حتى يقال: بأن هناك شخصا أسمه قاسم وكان خياطاً مثلاً. إذن فالموجود هو هاشم الحناط والمفروض ان هاشم الحناط ثقة، فهذا من قبيل تصحيح في مقام النسخ، وبالتالي فالرواية تامة سنداً.

وتخلّص عن المشكلة: المحقق النائيني «قده»: بأنه وإن كانت الرواية تامة سنداً، الا ان الموثقة تقدم عليها لأن الموثقة بالعموم الوضعي، بينما رواية هاشم بالإطلاق والعموم مقدم على الاطلاق. وقد سبق التأمل في ذلك.

إذن فهذه المعارضة باقية تحتاج إلى حل، وسيأتي الحل.

المعارضة الثانية: معارضة موثق ابن بكير بصحيحة سعد ابن سعد الاشعري التي قال فيها: «عن الرضا قال: سألته عن جلود السّمور، فقال أي شيء هو ذاك الأدبس؟ فقلت: هو الأسود، فقال: يصيد؟ قلت: نعم يأخذ الدجاج والحمام، قال: لا». يعني لا تصلي فيه.

فقد يقال بأن هناك معارضة بين «الموثق» وبين «صحيح سعد»، فإن الموثق ظاهر أن المدار على حرمة الأكل وحليته. بينما «صحيحة سعد» دائرة مدار ممن يصيد أو لا؟ فإن كان مما يصيد فلا يصلى فيه حلّ اكله أو حرم اكله، وان كان مما لا يصيد فتصح الصلاة فيه حل اكله أو حرم اكله، فالمدار على الصيد وليس المدار على محرم الاكل. فبين «الموثقة» وبين «صحيحة سعد»، عموم من وجه.

وقد تلخص عن المعارضة بوجوه:

الوجه الأول: ان يقال: بأن «صحيحة سعد» في نفسها هي معارضة، قبل ان تكون معارضة «لموثق ابن بكير»، معارضة ب «صحيحة الحلبي»، قال في «صحيحة الحلبي»: عن أبي عبد الله : «سألته عن الفراء والسمور والسنجاب والثعالب وأشباهه؟ قال: لا بأس بالصلاة فيه». فظاهر صحيحة الحلبي: لا بأس بالصلاة في السمور، بينما ظاهر صحيحة سعد الاشعري انه لا يصلى في السمور لكونه ممن يصيد.

كيف نتخلص من المعارضة؟:

الوجه الاول: للتخلص المعارضة _معارضة صحيحة سعد مع صحيحة الحلبي_: أن يقال بالتخصيص: كما ذكره بعض الاعلام، ان صحيحة الحلبي عامة، صحيحة سعد خاصة، تخصص صحيحة الحلبي بها، لأن صحيحة الحلبي تقول: «لا بأس بالفراء والسمور والسنجاب والثعالب وأشباهه». بينما صحيحة سعد تقول: «السمور فيه بأس»، فالنسبة بينهما عموم وخصوص مطلق، إذا تقدم صحيحة سعد على صحيحة الحلبي بالتخصيص.

ولكن هذا التخصيص الوارد في مقام الافتاء غير عرفي. والوجه في ذلك:

لو قال المولى: اكرم زيدا وبكرا وخالدا، وقال في رواية أخرى: لا تكرم خالداً، يرى بنظر العرف متهافتين، لا أن الأول عام والثاني خاص. يقال: لو كان لا يريد الخاص من الأول ما ذكر اسما، لما صرح به وقال: اكرم خالدا وبكرا وزيداً، ثم قال: لا تكرم خالداً.

إذن بالنتيجة: بما انه في الرواية الاولى وهي «صحيحة الحلبي» نصّ على السمور فقال: «سألته عن الفراء والسمور والسنجاب والثعالب فقال: لا بأس به». أي لا بأس بكل ما ذكرت. فكيف يقول وهو نفسه يقول في رواية مثلا أو إمام آخر: لا تصلي في السمور. فهما متهافتان عرفاً. فهذا الجمع جمع غير عرفي.

الوجه الثاني: ما طرحه سيدنا الخوئي «قده» من تقديم صحيحة سعد، لأن صحيحة الحلبي واردة على سبيل التقية، حيث إن مذهب العامة على جواز الصلاة في جلد ما لا يؤكل لحمه، من دون فرق بين أن يكون سمورا أو فراء أو سنجابا أو ثعلبا، على اية حال يصح الصلاة فيما لا يؤكل لحمه. فبما أن صحيحة الحلبي واردة على سبيل التقية، قدمت عليها صحيحة سعد الاشعري.

وهذا الكلام تام في صحيحة الحلبي، ولكن إذا نظرنا إلى رواية «علي ابن جعفر» لوجود الخلاف في سندها: عن أخيه موسى : «قال: سألته عن لبس السّمور والسنجاب والفنك؟ فقال: لا يلبس ولا يصلى فيه إلا أن يكون ذكياً».

فأن ظاهرها صحة الصلاة فيه إذا كان ذكيا وان كان مما لا يحل اكله. وحمله على التقية غير صناعي، لأن العامة لا يرون للتذكية دخلا، بل المدار على الدباغ فانه ما دبغ صحة الصلاة فيه، وإن كان ميتة ومما لا يحل أكله. فتلك الرواية ولو صح حملها على التقية، لم يصح حمل الرواية على التقية لأنها من جهة تجوز الصلاة فيما لا يحل اكله لكن تشترط التذكية ولا تكتفي بالدباغة فلا يصح حملها على التقية.

إذن بالنتيجة: هذا الحمل يصح في بعض دون بعض.

والحمد لله رب العالمين.

الدرس 40
الدرس 42