نص الشريط
الدرس 42
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 10/3/1437 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2555
المدة: 00:35:06
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (235) حجم الملف: 16 MB
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

ما زال الكلام في التعارض بين «صحيح سعد الأشعري» قال: «سألته عن جلود السمور فقال: اي شيء هو ذاك الأدبس؟ قلت: هو الأسود، فقال: يصيد؟ قلت: نعم، يأخذ الدجاج والحمام، قال: لا». الدالة على المنع من الصلاة في جلد السّمور.

وبين صحيح الحلبي الدال على الجواز: «عن ابي عبد الله : سألته عن الفراء والسمور والسنجاب والثعالب وأشباهه، قال: لا بأس بالصلاة فيه». الدالّ على صحة الصلاة في جلد السّمور.

وذكرنا ان هناك وجوهاً لتقديم صحيحة سعد الاشعري المانعة على صحيحة الحلبي المجوز. ووصلنا الى:

الوجه الثالث: وهو ما ذكره سيد المستمسك «قده»، «ج5، ص324»: قال: إن صحيحة الحلبي الدال على جواز الصلاة في جلد السمور والسنجاب والثعالب وغير ذلك ساقط عن الحجيّة في نفسه، وذلك لهجر الاصحاب له فبما أنه مهجور فليس حجة في نفسه كي يكون معارضاً لصحيحة سعد الاشعري.

ولكن ما ذكره محل تأمل والوجه في ذلك:

إنما هجر الاصحاب العمل به هو خصوص الفقرة المتعلقة بالثعالب، فإن الاصحاب اتفقوا على عدم صحة الصلاة في جلد الثعلب واما بقية الفقرات فلم يتحقق هجر من الاصحاب للعمل بها.

فلاحظوا ما ذكره في «ص322» عن ذكر السنجاب، قال: وعن «أمالي الصدوق»: ان من دين الامامية الرخصة في الفنك والسمور، فكيف يتحقق هجر من الاصحاب لفقرة تجويز الصلاة في السمور مع ان دين الامامية بحسب نقل الصدوق على الترخيص.

وأما بالنسبة إلى السمور: فقال: «ص324» وعن الصدوق في «المقنع، والأمالي، والمجالس الجواز». وقال ايضا: بالنسبة إلى الفنك، وقال بالنسبة إلى الفنك: عن مجالس الصدوق وامانيه الجواز وعن المنتهى انه استوجهه.

إذاً بالنتيجة: هجران الأصحاب لفقرة من الرواية لا يعني سقوط تمام فقرات الرواية عن الحجية، بل مقتضى الصناعة التبعيض في الحجية. نقول: بأن الفقرات الدالة على جواز الصلاة في السمور والفنك واشباهه حجة خرج عنها الفقرة الدالة على الترخيص في الثعالب. لهجر الاصحاب، وبالتالي يصح ان يكون صحيح الحلبي بلحاظ فقرة السمور معارضاً لصحيحة سعد الاشعري باعتبار انه فيه.

الوجه الأخير: أن يقال: ان صحيحة سعد الاشعري مقدمة صحيحة الحلبي، حيث اشتهر عمل الاصحاب بصحيحة سعد الاشعري بفتواهم بالمنع من الصلاة بجلد السمور، وان قال بعضهم: بصحة الصلاة فيه الا ان شهرة العمل قائمة على المنع.

«الكلام الكبروي» فهل شهرة العمل من المرجحات اي من مرجحات الخبرين المتعارضين أم لا؟.

نرجع إلى مقبولة «عمر ابن حنظلة» فهنا اهم المباني فيما يستفاد من مقبولة عمر ابن حنظلة نتعرض لها:

المبنى الاول: ان المرجح لاحد المتعارضين على الآخر: الشهرة الروائية ولا يشمل الشهرة العملية، بأن يكون نقل الخبر مستفيضا وان لم يعمل به. فالشهرة الروائية هي المرجح وهذا ما استفاده سيدنا الخوئي «قده».

وبيان ذلك: يعتمد على قرينتين:

القرينة الاولى: قال : في مقبولة «عمر ابن حنظلة»: «ينظر إلى ما كان من روايتيهما عنّا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه بين أصحابه فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك».

فأن ظاهره: بمقتضى المقابلة ان المراد بقوله: «المجمع عليه» المشهور، لأن في مقابله الشاذ الذي ليس بمشهور، والمراد بالمشهور ليس المشهور عملاً، بل المشهور رواية، لأن ظاهر وصف الشيء انه وصف بلحاظ ذاته لا بلحاظ غيره، فاذا قيل الخبر مشهور فظاهر هذا الوصف ان شهرته في نفسه لا شهرته من حيث العمل به، فإرجاع الشهرة من العمل به يكون من وصف الشيء بحال غيره لا بحال ذاته، وهذا خلاف الظاهر، ظاهر إذا قلنا الخبر مشهور يعني انه في نفسه مشهور. لا أن العمل به مشهور، ظاهر كل شيء رجوع الوصف إلى ذاته لا رجوع الوصف إلى حال من أحواله أو متعلق من متعلقاته. حيث قال: ينظر إلى ما كان من روايتيهما عنّا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه «المجمع عليه من الروايتين» فما كان مجمعا عليه من احدى الروايتين هو الذي يحكم به وظاهره رجوع الوصف إلى نفس الرواية بما هي لا بلحاظ العمل بها.

القرنية الثانية: بعد ان رجّح الامام احد المتعارضين على الاخر بالشهرة، عقّب عمر ابن حنظلة: قال: «قلت فإن كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم؟».

فظاهر تعقيب ان حنظلة على الفقرة السابقة: انه فهم من الشهرة في كلام الإمام الشهرة الروائية ولذلك وصف كلا الخبرين بأنهما مشهورين قد رواهما الثقات عنكم.

والامام ع اقر عمر ابن حنظلة على فهمه. حيث رتّب الحكم على ما فهمه ولم يعترض عليه بأن مرادي من الشهرة في الفقرة السابقة مثلا الشهرة العلمية.

اذن فبمقتضى هاتين القرينين يكون المستفاد من مقبولة عمر ابن حنظلة ان المرجح لاحد المتعارضين على الاخر الشهرة الروائية، اي استفاضة النقل ولا تشمل الشهرة العملية. هذا هو القول الأول.

القول الثاني: ما ذهب اليه السيد البروجردي والسيد الإمام «قده»: من ان المراد بالشهرة في المقبولة: الشهرة العلمية، اي الشهرة الفتوائية المستندة إلى الرواية. وكلامهما يبتني على امرين:

الامر الاول: إن الامام في المقبولة، طبّق على المشهور من الروايتين كبريات ثلاث:

الكبرى الأولى قال: «فان المجمع عليه لا ريب فيه، قال: ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند اصحابك، فإن المجمع عليه لا ريب فيه».

الكبرى الثانية: ثم قال: «وانما الامور ثلاثة: أمر بيّن رشده فيتبع، وأمر بيّن غيّه فيجتنب، وأمر مشكل يرد حكمه إلى الله.

فطبق الكبرى على الثانية وهي: أن المشهور أمر بيّن رشده.

الكبرى الثالثة: قال رسول الله : «حرام حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات بين ذلك، فمن ترك الشبهات نجى من المحرمات ومن اخذ بالشبهات وقع في المحرمات وهلك من حيث لا يعلم».

حلال بيّن، هذه الكبرى التي طبقها على المشهور.

فالإمام عندما رجّح أحد الخبرين على الآخر بالشهرة، قال: المشهور هذا لا ريب فيه، بيّن الرشد حلال بيّن. وإنما تنطبق هذه الأوصاف الثلاثة إذا كان مشهورا شهرة عملية وإلا انه استفاض نقله بين الاصحاب ولكن لم يعملوا به، واعرضوا عنه لا يقال له مما لا ريب فيه ولا يقال له بيّن رشده بل فيه ريب لأن الأصحاب لم يعملوا به.

أنما يصدق على المشهور انه مما لا ريب فيه أو انه بيّن الرشد أو أنه حلال بيّن إذا كان مما لا يتطرق الريب فيه وهذا في فرض قبول الاصحاب به وعملهم به لا انه مجرد مشهور رواية ولكنهم هجروه أو اعرضوا عنه أو لم يعملوا به. لأن قوله: «لا ريب فيه»، ظاهر في نفي الريب المطلق لا نفي الريب النسبي، لأنه لم يقل فإن المجمع عليه من جهة صدوره. أو لا ريب فيه من حيث جهته، قال: «لا ريب فيه». فهو لم ينف الريب النسبي اي الريب من حيث الصدور أو الريب من حيث الجهة، وانما نفى الريب المطلق وظاهر نفي الريب المطلق انه امر واضح يتبع بلا تردد والامر الواضح الذي يتّبع بلا تردد كما قال: «بيّن رشده فيتّبع» إنما هو المشهور عملاً لا مجرد رواية.

الأمر الثاني: من الواضح ان مجرد اشتهار الحديث رواية ليس كاشفا عن حقانيته وان كشف عن صدروه، فإن مجرد اشتهار الحديث نقلا ورواية يكشف عن صدوره لكن لا يكشف عن حقانيته. حتى يعد مصداقاً لما لا ريب فيه، ولما بيّن رشده فيتّبع.

فالنتيجة: ان المدار على الشهرة العملية، الشهرة العلمية تستتبع الشهرة الروائية وليس العكس، إذا اشتهر عملا فقد اشتهر عملا اشتهر رواية، لكن ليس كل ما اشتهر رواية فقد اشتهر عملاً.

وبالتالي: العلمان ذهبا إلى ان المراد بالشهرة في المقبولة: الشهرة العملية.

المبنى الثالث: مع غمض النظر هل المراد بالشهرة في المقبولة: «عمر ابن حنظلة» الروائية أو العلمية.

والسر في ذلك: انه لا موضوعية للشهرة وانما الترجيح بها لكونها مصداقا لما لا ريب فيه ومصداقا لما هو بيّن الرشد. فلا موضوعية للشهرة، اي ان الترجيح ليس للشهرة من حيث كونها شهرة حتى يتنازع أنها شهرة روائية أو علمية. بل الترجيح لكونها مما لا ريب فيه أو مما هو امر بين رشده.

فبما ان ظاهر المقبولة جعل ضابطة كلية وهو ان مناط الترجيح: وهو ان يكون لدى احد الخبرين ميزة تجعله لا ريب فيه تجعل بيّن الرشد، تجعله حلالاً بيّناً. فبما أن ظاهر سياق المقبولة جعل ضابطة كلية وان المناط هو اي ميزة توجب الوضوح والبيان بحيث يصدق عليه انه مما لا ريب فيه فسواء اريد الشهرة الروائية أو العلمية فيصح لنا الترجيح بالشهرة العملية. فلنفترض ان المراد بالشهرة في الرواية: الشهرة الرواية، لكن بما ان الميزان انه ان يصدق عليه مما لا ريب فيه فيصح الترجيح بالشهرة العملية وان لم يذكرها الامام في المقبولة.

ويؤيد ذلك قوله بعد ذلك: «ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامّة فيؤخذ به ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنة ووافق العامّة، قلت: جعل فداك: ان رأيت ان كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة ووجدنا احد الخبرين موافقاً للعامة والآخر مخالفا لهم؟ بأي الخبرين يؤخذ؟ فقال: ما خالف العامة ففيه الرشاد».

فيظهر منه: أن المدار على الرشاد، اي على ان يكون في احد الخبرين ميزة توجب كونه رشاداً. وإما رجح بمخالفة العامة لأنها من مصاديق ما فيه الرشاد.

فمقتضى هذا المبنى الثالث: التعدي وعدم الاقتصار على المرجحات المنصوصة، بل لكل مرجّح يوجب البيان والوضوح ومن ذلك الشهرة العملية.

إلّا إن يقال: إن لازم هذا الكلام كون المقبولة ليست في مقام الترجيح بل في مقام تمييز الحجة عن اللا حجة، لأنه إذا كان المدار على أن يكون في إحدى الروايتين المتعارضتين ميزة تنفي عنها الريب، فلا اشكال انه إذا تعارضا ما فيه الريب وما لا ريب فيه كان ما لا ريب فيه هو الحجة. إذا فلام هذا الكلام أن يكون مضمون المقبولة ليس هو الترجيح التعبدي، بل في مقام تمييز الحجة عن اللا حجة.

فلازم ذلك: ان تكون الرواية في مقام تمييز الحجة عن اللا حجة كما ان لازم البيان رفع اليد عن جميع المرجحات إذا لم تدخل تحت هذه الكبرى، لأنه إذا كان المناط على كبرى لا ريب فيه فلو فرضنا ان جميع هذه المرجحات لا تنفي الريب فلابد ان نطرح جميع المرجحات المذكورة في الرواية لأن المدار ليس عليها بل على ان يصدق على الخبر مما لا ريب فيه.

كما ان لازم ذلك: «مهم»: هو لغوية آخر فقرة: وهي «فقلت: جعلت فداك، فإن وافقهما الخبران معاً، فقال: ينظر إلى ما هم اليه أميل حكّامهم وقضاتهم فيُتْرك ويؤخذ بالآخر». مع ان الأميلية لا تنفي الريب مطلقا وإنما ترجّح أحدهما على الآخر.

الآن المدار على نفي الريب الحقيقي، فلو كانت الضابطة في الرواية هي وجود ميزة نفي الريب مطلقا لم تنطبق هذه الضابطة على آخر فقرة، فإن مجرد كون أحد الخبرين أميل للعامة من الآخر لا يوجب انتفاء الريب عن الآخر مطلقا، الا ان يلتزم بالتبعيض مطلقا. إلا ان يلتزم بالتبعيض في المقبولة بأن يكون بعض فقراتها من باب التمييز الحجة عن اللا حجة وبعض فقراتها من باب ترجيح الحجة على حجة أخرى، وهذا خلاف ظاهر السياق.

ولذلك قال في الأخير: «قلت: فإن وافق حكّامهم الخبرين جميعين؟، قال: إذا كان ذلك فأرجأه حتى تلقى إمامك، فإن الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكة».

فبناءً على المبنى القائل بصحة التقديم بملاك الشهرة العملية: اما لأن المراد بالشهرة في الرواية أو ان الشهرة العملية من مصاديق مما لا ريب فيه، يصح تقديم «صحيحة سعد ابن سعد الأشعري» على «صحيحة الحلبي» بلحاظ اشتهارها عملاً. بل يمكن القول: بانه على فرض ان الأصحاب اعرضوا عن العمل بصحيحة الحلبي فإن الاعراض رافع للحجية، فلا تصل النوبة للمعارضة، إما على مبنى الوثوق وهو مبنى السيد الروحاني والسيد الأستاذ. من أن موضوع الحجية الوثوق وليس خبر الثقة، ومن الواضح أ الإعراض مانع من الوثوق.

او على المبنى المختار من ان موضوع الحجية خبر الثقة الذي لم يقام منشأ عقلائي على خلافه، فإن الاعراض عن العمل منشأ عقلائي على الخلاف فيسقط عن الحجية. نعم، على مبنى سيدنا «ق» وشيخنا الاستاذ «قده» من ان موضوع الحجية مطلق خبر الثقة، فإن الإعراض لا يكون رافعاً للحجية.

والحمد لله رب العالمين.

الدرس 41
الدرس 43