نص الشريط
الدرس 46
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 16/3/1437 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2578
المدة: 00:33:53
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (192) حجم الملف: 15.5 MB
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

وصل الكلام إلى أن هناك روايتين: الرواية الأولى: موثق ابن بكير: «وإن كان مما قد نهيت عن أكله فالصلاة في كل شيء منه فاسد ذكّاه الذابح أم لم يذكه».

والرواية الأخرى: وهي صحيحة محمد ابن عبد الجبار: «كتبت الى أبي محمد أسأله هل يصلى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكة حرير محض أو تكة من وبر الأرانب، فكتب: لا تحل الصلاة في الحرير المحض وإن كان الوبر ذكياً حلّت الصلاة فيه إن شاء الله». وظاهره: ان الوبر وان لم يكن مأكول اللحم لكنه إذا كان ذكيا تصح الصلاة فيه.

فالكلام: هو في الجمع بين هاتين الروايتين مع التحفظ على ظهور لفظ الذي في معناه العرفي هو ما قابل الميتة، أي الذكي الذي ليس بميته. باعتبار ان تفسير الذكي بالطاهر تحتاج الى قرينة. كما ان تفسير الذي بما كان مذبوحا وحلالا ف نفسه ايضا يحتاج الى قرينة.

واما رواية علي ابن ابي حمزة التي قال فيها: «اوليس الذكي ما ذكي في الحديد، فقال: بلى إذا كان مما يؤكل لحمه». فهذه الرواية لا تصلح قرينة على ان الذكي عندما يطلق ينصرف الى المذبوح الحلال الاكل، وانما هذا القيد أضافه الامام بلحاظ مسألة الذكاة التامّة أو الذكاة الكاملة.

لا انه كلما إذا اطلق لفظ الذي انصرف الى المذبوح الحلال، وانما لفظ الذكي إذا اطلق أي ما ليس بميتة، أي ما ذبح ذبحا شريعا سواء كان حلال الاكل في نفسه أم لم يكن. ولذلك قال الامام في موثق ابن بكير: «ذكّاه الذابح أم لم يذكّه» مع أن منظور كلامه ما لا يحل أكله، فقال «وإذا كان غير ذلك مما قد نهيت عن اكله فالصلاة في شيء منه فاسد ذكاه الذابح أم لم يذكه»، مما يشهد ان التذكية الذبح الشرعي سواء كان الحيوان المذكى مما يحل أكله أم لا. فبناء على التحفظ على ظهور لفظ الذكي فيما قابل الميتة، لا الذكي بمعنى الطاهر ولا الذكي بمعنى المذبوح الحلال، بناء على حفظ هذا الظاهر كيف نجمع بين موثق ابن بكير الدال على ان ما لا يحل أكله، لا تصح الصلاة فيه، ذكي أم لم يذك.

وبين صحيحة محمد ابن عبد الجبار، ان ذكي تصح الصلاة فيه وان كان من وبر ما لا يؤكل لحمه. فأنه هو مورد السؤال.

فقد يقال: بأن الصحيح هو: الجمع العرفي بين النصين، وذلك بتخصيص عموم الموثق بمفاد صحيحة محمد ابن عبد الجبار، وبيان ذلك:

ان المحتملات في صحيحة محمد ابن عبد الجبار بعد المفروغية في ظهور الذكي ما قابل الميتة:

المحتمل الاول: ان مفاد صحيحة محمد بن عبد الجبار ناظر الأجزاء ما لا يؤكل لحمه، فهو يقول: كل جزء مما لا يؤكل لحمه إذا ذكي حلّت الصلاة فيه. فبذلك يكون معارضاً لموثق ابن بكير، لأن موثق ابن بكير ينص: ما لا يحل اكله لا تصح الصلاة فيه ذكاه الذابح أم لم يذكه، «وإن كان غير ذلك مما قد نهيت عن اكله فالصلاة فيه فاسد ذكاه الذابح أم لم يذكه» يعني التذكية لا دخل لها.

وهذا يقول: ما كان مذكى تصح الصلاة فيه إذا كان من اجزاء من اجزاء ما لا يؤكل لحمه. فهما متعارضان.

وهنا قد يقال كما في الجواهر: يقدم الموثق على الصحيح، لمخالفته للعامّة، فإن العامة المعاصرين لزمان الإمام أبي العسكري هم الحنابلة والشافعية. والحنابلة يقولون بصحة الصلاة فما لا يؤكل لحمه إذا ذكي. فصحيحة محمد ابن عبد الجبار موافقة للعامة، بينما الموثق مخالف للعامة، فيقدم الموثق على الصحيح.

ولكن، كما أفادنا الشيخ العبيدي بالنقل عن أبن قدامة: ان ظاهر ابن قدامه في «المغني» ان الشافعية يقولون بالنجاسة، ذكي أم لم يذكي. والحنابلة ومنهم ابن قدامه: يقولون: إذا كان مما لا يؤكل لحمه كالنمور والثعالب ذكي أم لا يذكى لا يحل. وإنما الذين يقولون بأن التذكية مصححة للصلاة هم الحنفية. حيث يستدلون بما ورد عن النبي بحسب نقلهم انه يرى ان الدباغة مطهرة فاذا كانت الدباغة مطهرة فكيف لا تكون التذكية مطهرة؟.

إذاً بالنتيجة: مقتضى كلام ابن قدامة، ان ليس مذهب العامة في زمان العسكري على هذا القول وهو صحة الصلاة فيما لا يحل إذا كان مذكى.

إنما الاشكال المهم أنه: افترضنا إذا كان احد النصين في زمان والنص الاخر في زمان آخر، الموثق صادر عن الصادق، والمذهب المتعارف في زمان الصادق المالكية، والنص الآخر صادر في زمان العسكري، والمذهب المشهور في زمان العسكري الحنابلة. فهل هنا يصح الترجيح بمخالفة العامة مع عدم توافق النصين في زمان بلحاظ مذهب مشهور في ذلك الزمان، حيث ان الموثق صدر في زمان الصادق، إذا الملحوظ مذهب المالكية «لا يفتين أحد ومالك في المدينة». بينما المشهور في زمان الصحيح هو مذهب الحنابلة والشافعية. فلو فرضنا أن النص وافق مذهبا في زمانه والنص الاخر وافق مذهبا آخر في زمانه، فهل هنا يصح تقديم الموثق على الصحيح لمخالفته للعامة في زمان الصحيح مع انه موافق للعامة في زمانه؟.

مضافا الى ما ذكرناه من انه إنما ينصرف الترجيح بمخالفة العامة لما إذا كان كلا النصين ناظرين لمذهب معين من العامة فوافقه احدهما وخالفه الآخر لا ما إذا اختلف المذهب بكل نص بحسب زمان صدوره.

المحتمل الثاني: أن يكون مفاد صحيح محمد ابن عبد الجبار التخصيص بلحاظ الوبر، حيث انه قال: ان كان الوبر ذكيا حلت الصلاة فيه، فالتخصيص في الوبر. فمفاد الموثق: أن كل ما لا يحل أكله لا تصح الصلاة فيه.

ومفاد الصحيح ناظر لخصوص الوبر، ان الوبر وان كان وبر ما لا يؤكل لحمه لكن إذا كان مذكى تصح الصلاة فيه، فبهذا اللحاظ يقال: ان الصحيح مخصص للموثق.

لكن قلنا أمس بأن الوبر ورد بلفظه في الموثق، فقال: فالصلاة في شعره ووبره وروثه وألبانه وكل شيء منه فاسد». نص على ان الصلاة في الوبر فاسد، ثم فصّل بين الوبر مما لا يؤكل فقال: «الصلاة فيه فاسدة»، والوبر مما يؤكل فقال: «تصح الصلاة فيه إذا كان ذكيا».

فهناك تفصيل بين الوبر، لأنه نص عليه بلفظين بين وبر ما لا يؤكل فتصح الصلاة فيه مطلقا، وبين وبر ما يؤكل فتصح الصلاة فيه إذا كان ذكياً. فلو اخذنا بالتخصيص الوارد في صحيح محمد ابن عبد الجبار وهو: ان الوبر مما لا يؤكل أيضاً تصح الصلاة فيه إذا كان ذكياً. صار التفصيل بين ما يؤكل وما لا يؤكل لغواً. لأن الامام فصّل في الوبر: قال: «الوبر مما يؤكل تصح الصلاة فيه إذا كان ذكيا». و«الوبر مما لا يؤكل لا تصح الصلاة فيه مطلقاً» فإذا بصحيحة محمد ابن عبد الجبار أيضاً تصح الصلاة فيه إذا كان ذكياً لم يبق للفرق بين ما يؤكل وما لا يؤكل وجه، إذا التخصيص بهذا النحو غير عرفي.

المحتمل الثالث: أن يكون ناظراً لخصوص الارنب، بأن تكون هناك خصوصية للارنب ان وبر الارنب تصح الصلاة فيه إذا كان ذكيا.

ولكن احتمال خصوصية للارنب غير عرفية خصوصا ان الموجود في السؤال القلنسوة مما لا يؤكل. «سالته عن الصلاة في قلنسوة في وبر ما لا يؤكل» يعني بعض السؤال كان مطلقا للارنب وغيره، وجاء الجواب مطلقا: «إذا كان الوبر ذكيا حلت الصلاة فيه» فتخصيصه بوبر الارنب غير عرفي.

المحتمل الرابع: أن يكون التخصيص ناظراً لما لا تتم به الصلاة، حيث قال في صحيحة محمد ابن عبد الجبار. قال: «كتبت الى ابي محمد : أسأله: هل يصلى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه، أو تكة حرير أو تكة من وبر الأرانب فكتب: لا تحل الصلاة في الحرير وان كان الوبر ذكيا حلت الصلاة فيه.».

فظاهر السؤال ان مورده ما لا تتم الصلاة به مما لا يؤكل، ومقتضى التطابق بين السؤال والجواب ان منظور الجواب ما لا تتم الصلاة به مما لا يؤكل. فكأنه قال: ما لا تتم الصلاة به إذا كان ذكيا حلت الصلاة فيه وان كان مما لا يؤكل. فيكون مخصصا لعموم الموثق. حيث إن الموثق يشمل هذا بالعموم أي بقوله «وكل شيء منه فاسد». فالتخصيص صناعي وعرفي.

بقي امران:

الأمر الاول: قد يقال: صحيحة محمد ابن عبد الجبار معارضة بصحيحة الحلبي: وهي: «عن ابي عبد الله ع: لا بأس في الصلاة فيما كان من صوف الميتة وتصح الصلاة فيه إن الصوف ليس فيه روح».

فيقال: بأن ظاهر الصحيح اشتراط التذكية وظاهر صحيح الحلبي ان ما لا تحله الحياة ومنه الوبر الذي هو مورد صحيحة محمد ابن عبد الجبار تصح فيه الصلاة وان كان وبر ميتة.

ولكن، قد يقال: اساسا صحيحة الحلبي منصرفة عما لا يؤكل. أي منصرفة لما يؤكل، الميتة مما يؤكل، والوجه في ذلك: ظاهر سياق صحيحة الحلبي انه لا مانع من الصلاة فيه الا كونه ميتة، فهل تكون ميتة مانعة؟ فأجابه الامام: ما دام لا تحله الحياة فكونه ميتة ليس مانعاً. فمنظوره: ما لا مانع فيه، يعني فرغ عن جامعيته للشرائط الأخرى بقي فقط انه ميتة، فالامام يقول: بما انه مما لا تحله الحياة، فكونه ميتة غير ضائر. فلا يشمل من كان واجداً لمانع آخر وهو كونه مما لا يؤكل لحمه.

فبناء على هذا يكون مورد كل منهما اجنبيا على الآخر، فإن مورد صحيحة الحلبي: «ميتة ما يؤكل». ومورد صحيحة محمد ابن عبد الجبار: «وبر ما لا يؤكل». وان ابيت وقلت ان صحيحة الحلبي مطقة فتقيد بصحيحة محمد ابن عبد الجبار. ونتيجة هذا التخصيص اختصاص صحيحة الحلبي بصوف ما يؤكل. فلا معارضة بينهما.

الأمر الثاني: قد يقال بالمعارضة بين صحيحة الحلبي والموثق، من ان صحيحة الحلبي معارضة للموثق من الأول قبل أن نصل الى النسبة بين الموثقة وبين صحيحة محمد ابن عبد الجبار.

صحيحة الحلبي تقول: «ما لا تحلّه الحياة من الميتة تصح الصلاة فيه». الموثق يقول: «ما لا يؤكل لا تصح الصلاة فيه». ميتة أو مذكى. لأنه قال: ذكاه الذابح أم لم يذكه. ف «ما لا تحله الحياة» مجمع لهما. ما لا تحله الحياة لا تصح الصلاة فيه وان كان مذكى، هذا هو مفاد الموثق. ما لا تحله الحياة تصح به الصلاة وإن كان ميتة. كما هو مفاد صحيحة الحلبي. فإن قلنا بانصراف صحيحة الحلبي لما يؤكل هل تبقى المعارضة أم لا تبقى؟. لا ترتفع المعارضة، لأن مفاد صحيحة الحلبي ان ميتة ما لا تحله الحياة..

بينما الموثق يقول: «وان كان مما يحل اكله فالصلاة في وبره وشعره وروثه والبانه جائز إذا علمت انه ذكي قد ذكاه الذابح». فاشترط التذكية.

فإن قلتم بأن مفاد صحيحة الحلبي مطلق يشمل ما يؤكل وما لا يؤكل، المعارضة موجودة، لأن مفاد صحيحة الحلبي يقول: ما لا تحله الحياة تصح الصلاة فيه وإن كان ميتة. بينما موثق ابن بكير يقول: لا، نفصل، ان كان مما لا يحل أكله لا تصح الصلاة فيه وان مان مذكى، وإن كان مما يحل اكله فلا تصح الصلاة فيه إلا إذا كان مذكى. أما ميتة مما يؤكل فهو مما لا تصح الصلاة فيه فيتعارضان. أو قلتم بانصرافه لخصوص ما يؤكل، مع ذلك يعارض الشق الثاني من الموثق.

فما هو الحل؟. السيد الخوئي ذكر حلاًّ، راجعوه «ج12، الموسوعة، ص161»

والحمد لله رب العالمين.

الدرس 45
الدرس 47