نص الشريط
الدرس 49
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 23/3/1437 هـ
تعريف: انحلال العلم الإجمالي
مرات العرض: 2519
المدة: 00:26:09
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (213) حجم الملف: 11.9 MB
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

كان الكلام فيما اذا شك في خروج احد الطرفين عن محل الابتلاء، وكان الشك على نحو الشبهة المفهومية، وذكرنا: أنه لابد من تشخيص الوظيفة من تحديد ما هو الملاك في منجزية العلم الاجمالي وعدم المنجزية مع خروج احد الطرفين عن محل الابتلاء، وذكرنا أن الملاكات المتصورة في المقامات ثلاثة، ومضى الكلام بناء على الملاك الاول وهو ملاك ان شمول التكليف للطرف الخارج عن محل الابتلاء مستهجن عرفاً. وقد صاغ السيد الشهيد «قده» المسالة على نحو حكم العقل بالقبح، بمعنى انه اذا كان الطرف خارجا عن محل الابتلاء فشمول التكليف له قبيح عقلاً، وإذا كان شمول التكليف قبيحاً فإذا شككنا على نحو الشبهة المفهومية في أن إناء الجار هل هو خارج عن الابتلاء فالتكليف باجتنابه قبيح؟ أم ليس خارجا عن محل الابتلاء فالتكليف به حسن؟.

فمرجع الشبهة المفهومية في ان إناء الجار خارج عن محل الابتلاء عرفاً أو ليس بخارج على الشبهة المصداقية في أن العقل هل يحكم قبح التكليف به أو لا يحكم بالقبح.

إذاً مرجع الشبهة الموضوعية في الخروج عن محل الابتلاء وعدم الخروج إلى الشبهة المصداقية في ان التكليف به قبيح أم ليس بقيح؟.

ومن الواضح: انه لا يجوز التمسك بالدليل في الشبهة المصداقية لموضوعه، فإذا افترضنا ان الدليل هو اجتنب النجس، وهذا الدليل مقيد بأن لا يكون شموله قبيحاً فاذا شككنا في ان الشمول لهذا الفرض قبيح أم لا؟ فقد شككنا في الشبهة المصداقية لموضوع الدليل والتمسك بالدليل في الشبهة المصداقية لموضوعه غير عرفي، لأجل ذلك على هذا المبنى «مبنى السيد الشهيد» لا نحرز منجزية العلم الاجمال كما لا نحرز اطلاق الخطاب، اي لا نحرز اطلاق خطاب التكليف في مثل هذا المورد. إذ لا يجوز لنا التسمك بإطلاقه ما دمنا نشك في الموضوع.

والنتيجة: لا يوجد علم اجمالي منجز، يعني علم اجمالي بتكليف فعلي على كل حال ولا توجد حجة إجمالية لأننا لم نحرز اطلاق الخطاب حتى توجد لدينا حجة اجمالية.

وما ذكره متين إلا أن صياغته للمطلب ليست متطابقة مع ما افاده الاعلام في المقام، فإن الاعلام في بيان المقام الاول لعدم المنجزية فيما اذا كان احد الطرفين خارجا عن محل الابتلاء ذكروا: ان الملاك هو الاستهجان العرفي اي ان التكليف الخارج عن محل الابتلاء مستهجن لا انه قبيح. فالمسألة مسألة استهجان عرفي وعلى هذا الأساس أفاد الشيخ الأعظم بانه يصح التمسك بإطلاق الدليل لا على أساس القبح الذي صاغه السيد الشهيد.

فإيراد السيد الشهيد على الشيخ غير صناعي لان مورد كلام الشيخ ما اذا كان الملاك هو الاستهجان العرفي لا ما اذا كان الملاك هو القبح، وبالتالي فكلامه «قده» على ضوء ان الملاك هو القبح تام، لكن لا يكون إيراداً على ذكره الشيخ الاعظم وبحث فيه الأعلام في المقام. هذا بالنسبة للملاك الاول.

الملاك الثاني: وهو ما اذا فرضنا ان الملاك في عدم منجزية العلم الاجمالي ما ذكره السيد الشهيد «قده» من ان دليل الأصل العملي لا يشمل الطرف الخارج عن محل الابتلاء في نفسه مع غمض النظر عن وجود علم اجمالي مع غمض النظر عن وجود معارض، الدليل «الاصل العملي» في نفسه لا يشمل ما هو خارج عن محل الابتلاء، وقد ابان ذلك: حيث قال: مفاد دليل الأصل العملي الترخيصي كالبراءة كأصالة الطهارة هو حكم ظاهري، والحكم الظاهري حقيقته التأمين في مورد التزاحم الحفظي، فالمورد الذي يتحقق فيه تزاحم حفظي بين غرض لزومي وغرض ترخيصي، فإذا جاء الشارع وأمننا من الغرض اللزومي كان ذلك حكماً ظاهرياً.

واما في المورد الذي لا يتصور فيه تزاحم حفظي من الأصل اذاً بالنتيجة يخرج موضوعاً عن الحكم الظاهري واذا خرج موضوعا عن الحكم الظاهري لم يشمله دليل الأصل العملي ترخيصي، والطرف الخارج عن محل الابتلاء، اصلاً لا يتصور فيه تزاحم حفظي، لأن الغرض اللزومي مأمون مضمون، اي إن كان هذا الطرف الخارج عن محل الابتلاء طاهر، فلا غرض لزومي، إن كان هذا الطرف الخارج عن محل الابتلاء نجس فاجتناب النجس فيه مضمون، لان خروجه عن محل الابتلاء يعني عدم مساورة المكلف له، فما دام الغرض اللزومي فيه مضمون على كل حال وهو اما طاهر اما نجس، وعلى فرض ان المكلف ايضا لا يساوره، فبما ان الغرض فيه مضمون اذاً لا تزاحم حفظي بين الغرض الترخيصي والغرض اللزومي، وإذا لم يكن تزاحم فحظي فليس موضوعاً لحكم ظاهري فليس مشمولا لدليل الأصل العملي الترخيصي، فيشمل دليل الأصل العملي الترخيصي الطرف الداخل في محل الابتلاء بلا معارض. لأنه لا يشمل الطرف الآخر من الاساس، فيكون شموله للطرف الداخل لمحل الابتلاء من قبيل الخطاب المختص لا من قبيل الخطاب المشترك. لانه من الاساس لا يشمله الطرف الآخر، فبهذا الوجه «قده» أفاد الانحلال اذا كان احد الطرفين خارجا عن محل الابتلاء. ونحن ناقشنا فيما سبق. ولكن بناء عليه: اذا شككنا في ان بناء الجار هل هو خارج عن محل الابتلاء أم لا؟ اي بالنتجية اننا شككنا هل هو موضوع للحكم الظاهري هل اصل الدليل العملي يشمله في نفسه أم لا؟

فقد افاد السيد الشهيد على ضوء ذلك فقال: لابد ان نفرق بين شك المكلف نفسه وبين شك العرف نفسه، فاذا افترضنا ان العرف له قرار وله ارتكاز وهو ان العرف يرى ان طرف الخارج عن الابتلاء ليس مورداً للترخيص فليس مشمولاً لدليل الأصل العملي الترخيصي هناك ارتكاز عرفي على ذلك. لكن انا المكلف لا ادري ما هو نظر العرف في إناء الجار، هل يرى العرف إناء الجار خارجاً عن محل ابتلائي، يعني هل يرى العرف إناء الجار ليس موردا للترخيص لأنه أساسا خارج موضوعا عن دليل الترخيص أم لا يرى؟ انا الان اشك في ذلك. إذا كان الشك من قبلي فلا يمكن ان اجري الترخيص في الطرف الذي بيدي، لأن مرجع شكي الى الشك في اصل الظهور، الشك في أصل ظهور دليل الأصل للطرف الداخل في محل ابتلائي. بيان ذلك:

لو افترضنا ان اناء الجار خارج عن محل الابتلاء وهذا يعني ان دليل الأصل لا يشمله، فاذا لم يشمله لم يشمل الطرف الذي بيدي. وأما اذا افترضنا أن إناء الجار داخل في محل الابتلاء، فهذا يعني ان دليل الأصل لا يشمل كلا الطرفين، لان مبنى السيد الشهيد ان ادلة الاصول العملية الترخيصية منصرفة عن موارد العلم الاجمالي، بارتكاز المناقضة بين الغرض الترخيصي والغرض الإلزامي. إذاً اما ان يكون ذلك الطرف خارج فدليل الأصل يشمل ما بيدي، أما ذاك الطرف ايضاً داخل فدليل الأصل لا يشمل كلا الطرفين، لأنه سوف يكون هناك علم إجمالي منجز، وسوف يكون دليل الأصل العملي منصرفاً عن هذا الفرض لاجل احتفافه بارتكاز المناقضة بين الغرض اللزومي والغرض الترخيصي. فالنتيجة عدم الشمول. إذاً انا اشك، مرجع شكي في ان دليل الأصل يشمل ما بيدي أو لا يشمل، فالشك في اصل الشمول اي الشك في اصل الظهور، هل لدليل الأصل العملي ظهور يشمل الطرف الذي بيدي أم ليس له ظهور، والنتيجة: منجزية العلم الإجمالي، إذ لا مخرج منه إلا شمول دليل الأصل فإذا لم يشمل فالعلم الاجمالي منجز.

اما اذا كان العرف نفسه شاكاً، اي هل يرى العرف أن إناء جاري مملا يشمله دليل الأصل العملي من الأساس، لان الغرض اللزومي مضمون فيه فليس مورداً للتزاحم الحفظي فلا يشمله دليل الأصل العملي فيشمل ما هو بيده بلا معارض. أم لا؟.

فقال العرف لا ندري هل هو خارج أو هو داخل، هل هو موضوعاً مشمولاً لدليل الأصل العملي أم أنه خارجا تخصصاً وموضوعاً عن دليل الأصل العملي.

فيقول السيد «قده»: بانه بناء على ذلك لا يكون العلم الاجمالي منجزاً، لأن دليل الأصل بإطلاقه يشمل ما بيده.

الكلام: ان كان الطرف الآخر خارجاً عن محل الابتلاء فليس موضوعاً للدليل إذاً الدليل يشمل ما بيدي بلا معارض، ان كان داخلاً في محل الابتلاء حصلت المعارضة بين جريانه فيما بين يدي وجريانه في إناء الجار.

العرف نفسه يشك هل ان لجريان دليل الأصل للطرف الذي تحت يدك هل له معارض أم لا؟ الشك في المعارض. وبما ان الشك في المعارض، اذاً مرجع الشك في ذلك: الى الشك ان دليل الأصل يشمل الطرف الثاني الخارج عن محل الابتلاء أم لا؟. هل هو محفوف بقرينة ارتكازية متصلة تمنع شموله للطرف الثاني أم لا؟ العرف يقول: لو كان خارجا عن محل الابتلاء لم يكن مشمولاً، ونحن لا ندري كعرف هل هو مشمول من الأساس أم لا؟ إذاً الشك شكٌ في الظهور، اي الشك في ظهور دليل الأصل العملي للطرف الثاني الخارج عن محل الا بتلاء، الشك في اصل الظهور، لان الشك في القرينة المتصلة دائماً يرجع الى الشك في اصل الظهور، لو كان خارجاً عن محل الابتلاء لكان دليل الأصل العملي محفوفاً بارتكاز عرفي، وهذا الارتكاز يقول هذا الطرف ليس موضوعاً للترخيص، والارتكاز من القرائن المتصلة، فاذا شك العرف في الخروج فقد شك في القرينة المتصلة، إذاً فهو يشك في اصل الظهور نفسه، فاذا كان يشك في اصل الظهور نفسه فالنتيجة هي عدم إحراز المعارض لجريان الأصل في الطرف الذي بيدي فيجري الأصل في الطرف الذي بيدي وينحل به العلم الاجمالي حكماً.

وبعبارة أخرى: إنما تتحقق المعارضة، بين جريان الأصل فيما تحت يدي وجريان الأصل في اناء جاري اذا كان اناء جاري موضوعاً لترخيص ظاهري قابل للوصول. _إذا كان ظاهر لمورد ترخيص ظاهري سوف يصلني سوف تحصل المعارضة بين الترخيص الواصل لما تحت يدي والترخيص الواصل فيما تحت يد جاري، فحتى تتحقق المعارضة بين الاصلين لابد ان يكون إناء جاري مورداً لترخيص ظاهري قابل للوصول، فنسأل: هل ان الترخيص الظاهري هنا قابل للوصول هنا أو لا؟ _، يقول السيد: إذا كان العرف نفسه يشك في انه هو لديه ارتكاز بخروج هذا الطرف عن دليل الأصل العملي أم لا؟، إذاً هو يشك هل دليل الأصل العملي له ظهور في الشمول له أم لا؟ ومع الشك في الظهور فليس قابلاً للوصول لان قابليته للوصول، لان قابليته للوصول فرع إحراز اصل الظهور، ومع شك العرف في اصل الظهور ليس قابلاً للوصول، واذا لم يكن قابلا للوصول أصلاً لا معارض فيشمل دليل الأصل العلمي بلا معارض.

نقطع بعدم المعارض، لأن المعارضة فرع شمول دليل الأصل العملي للطرف الثاني، يعني فرع كون الطرف الثاني مورداً لترخيص ظاهري قابل للوصول، ومع شك العرف في اصل الظهور فليس قابلاً للوصول، وإذا لم يكن قابلاً للوصول فلا معارضة فيجري الأصل فيما بيدي بلا معارض وينحل به العلم الاجمالي. ففرق بين شك المكلف بنظر العرف وشك العرف. إذا المكلف هو شاك في نظر العرف، العلم الاجمالي منجز. إذا العرف نفسه شك في ارتكازه فالعلم الاجمالي غير منجز.

والحمد لله رب العالمين.

الدرس 48
الدرس 50