نص الشريط
الدرس 50
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 25/3/1437 هـ
تعريف: انحلال العلم الإجمالي
مرات العرض: 2557
المدة: 00:30:56
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (196) حجم الملف: 14.1 MB
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

وصل الكلام على ما ذكره السيد الشهيد «قده»: ومحصّله:

أنه اذا علم اجمالاً بنجاسة اما في الاناء الذي بين ايدنا او الماء الذي بين يدي الجار وشككنا في ان الماء الذي بين يدي الجار داخل في محل الابتلاء ام لا؟، وكانت الشبهة مفهومية بمعنى أن عنوان ما دخل في محل الابتلاء نشك في مفهومه من حيث السعة والضيق، فهل يشمل مثل إناء الجار ام لا؟.

وحينئذ ذكر السيد الشهيد: انه لابد من الرجوع الى الملاك الذي قلنا على اساسه بعدم منجزية العلم الاجمالي اذا خرج احد الطرفين عن محل الابتلاء. والملاك الذي ذكر سابقا هو ارتكاز العرف على ان الفرد الخارج عن محل الابتلاء ليس موردا للتزاحم الحفظي، فإن كل مشكوك في حكمه إنما يجري فيه الاصل العملي الترخيصي اذا كان مورداً للتزاحم الحفظي، فالمورد الذي اذا شككنا في حكمه كان هناك غرض ترخيصي وغرض إلزامي وتزاحما في مقام الحفظ فحينئذ يكون الاصل العملي منطبقا على المقام مرجحا اما للغرض اللزومي كما لو كان الاصل العملي هو الاحتياط أو مرجحا للغرض الترخيصي كما اذا كان الاصل العملي هو البراءة. مثلاً: اذا كان عندنا لحمان: لحم مذكى ولحم غير مذكى واشتبها، فهنا يقال هنا تزاحم حفظي. لان في غير المذكى غرضا لزوميا وهو المفسدة، وفي المذكى غرضا ترخيصيا وهو المصلحة وتزاحما الغرضان، أي تزاحم الغرضان في مقام الحفظ هل يحفظ المولى الغرض اللزومي فيأمر باجتناب اللحمين لأجل اشتباه الملكف.؟ ام يحفظ الغرض الترخيصي فيجوّز تناول اللحمين حفظا للغرض الترخيصي. فهنا لاجل التزاحم الحفظي قلنا أي اصل في المقام سواء كان احتياطا أو براءة فهو حكم ظاهري.

فالحكم الظاهري هو ما يستفاد من الاصل العملي من ترخيص او الزامي في مورد التزاحم الحفظي.

فاذا افترضنا ان الطرف خارج عن محل الابتلاء ليس محل ابتلائنا، كما اذا شككنا بدواً أن اللحم الذي بين يدي السلطان هل هو مذكى ام غير مذكى فهو خارج عن محل ابلائنا فهذا ليس موردا للتزاحم الحفظي، فبما أننا على كل حال متجنبون بطبعنا بخروجه عن محل ابتلائنا فالغرض اللزومي فيه مضمون بمعنى انه لا يتصور نقض الغرض اللزومي فيه، فإن كان هو في الواقع مذكى فلا غرض لزومي وان كان هو في الواقع ميتة فالمفسدة لم نصل اليها، فما دام الغرض اللزومي في الطرف الخارج عن محل الابتلاء مضمون بمعنى مضمون ان لا نصل اليه، إذاً ليس موردا للتزاحم الحفظي، فالتزاحم الحفظي انما يتصور في الطرف الذي هو محل ابتلاء المكلف بحيث لا يستطيع المكلف ان يحافظ على الغرض اللزومي او الغرض الترخيصي. فيأتي الحكم الظاهري المستفاد من الاصل العملي. واما في مورد يكون الغرض اللزومي على فرض وجوده مضمونا، اذاً لا يوجد تزاحم حفظي، واذا لم يوجد تزاحم حفظي فليس مورداً للحكم الظاهري. وبالتالي: فاذا علمنا اجمالاً إما بنجاسة الماء الذي بين أيدينا او نجاسة الماء الذي بين يدي السلطان، فهنا الحكم الظاهري لا يجري فيما تحت يد السلطان لانه ليس محلا للتزاحم الحفظي، فاذا لم يجر الاصل العملي فيه لانه ليس موردا للحكم الظاهري لانه ليس محلا للتزاحم الحفظي جرى الأصل العملي في الماء الذي بين ايدينا بلا معارض، فلم يتنجز العلم الاجمالي، هذه هي الكبرى التي حررها السيد الشهيد.

ثم قال: فاذا شككنا «تفريع على الكبرى» علمنا اجمالا اما بنجاسة الماء الذي بين ايدينا او الماء الذي بين يدي الجار، اذ لا ندري هل ان الاناء اناء الجار خارج عن محل ابتلاءنا فلا يكون موردا للتزاحم الحفظي ولا يكون موضوعاً للاصل العملي، فيجري الاصل العملي بما تحت ايدنا بلا معارض وينحل العلم الاجمالي ام لا؟ شككنا في ذلك.

فقال: السيد «قده»: تارة يكون الشك من قبل المكلف وتارة يكون الشك من قبل العرف نفسه، فاذا كان الشك من قبل المكلف فالمكلف لا يدري لا يدري هل العرف يرى ان اناء الجار داخلا في محل الابتلاء او خارجا عن محل الابتلاء. فالمكلف يقول: عن كان اناء الجار داخلا في محل الابتلاء سوف يحصل التعارض بين جريان اصل البراءة فيه واصل البراءة فيما تحت يدي، ونتيجة التعارض ان دليل البراءة سوف يصبح مجملا لأجل التعارض فلا يشمل الاناء الذي بين يدي اصلا لإجماله الناشئ عن تعارض الاصلين، فاذا شككت ان اناء الجار خارج عن محل ابتلائي ام لا؟ فقد شككت في الواقع أن دليل الاصل يشمل ما تحت يدي ام لا؟ لانه ان كان داخل في محل الابتلاء لم يشمل لاجل الاجمال، وان كان خارجا عن محل الابتلاء شمل، فأنا اشك في اصل الشمول، هل ان دليل الاصل العملي يشمل الاناء الذي بين يدي ام لا؟ إذاً لا يوجد لدي مؤّمن، فإذا لم يكن بيدي مؤمن تنجز العلم الاجمالي.

وأما إذا كان العرف نفسه شاك فقال العرف نحن ايضا شاكون، لا ندري ان عنوان الخروج عن محل الابتلاء خارج عن اناء جارك او لا. فاذا كان العرف نفسه شاك والعرف نفسه هو مورد الارتكاز إذاً بالنتيجة سوف تصبح عكس ما مضى، أي سوف يكون العلم الاجمالي هنا غير منجز، والسر في ذلك:

ان العرف يقول: لدي دليل وهو دليل الاصل العملي «كل شيء لك طاهر» او دليل البراءة: «رفع عن امتي ما لا يعلمون» وهذا الدليل متقيد بقرينة لبيتة متصلة، وهي: ان لا يكون الطرف خارجا عن محل الابتلاء، انه ان كان خارجا عن محل الابتلاء لم يكن خارجا للتزاحم الحفظي واذا لم يكن مورداً للتزاحم الحفظي، لم يكن موردا للاصل العلمي، إذاً الاصل العملي لم يكن خارجا عن محل الابتلاء، فاذا شك العرف نفسه هل أن دليل الاصل يشمل إناء الجار أم لا؟ إن كان خارج لم يشمله، إن كان داخل يشمله، فإذا شك العرف في خروجه عن محل الابتلاء فقد شك العرف في اصل الشمول، هل دليل الاصل يشمل اناء الجار ام لا يشمل، فاذا لم يحرز الشمول لم يكن الترخيص في اناء الجار حكما ظاهرياً قابلا للوصول وانما يكون الحكم الظاهري قابلا للوصول الى المكلف اذا قرر العرف أن دليل الاصل العلمي يشمل، أما اذا قال العرف نحن لا نحرز هل دليل الاصل العملي يشمل إناء الجار ام لا؟ فنتيجة ذلك ان الترخيص في إناء الجار ترخيص ليس قابلاً للوصول الى المكلف، لأن وصوله عن طريق الاصل العملي والمفروض ان العرف يشك في شمول الاصل العملي له، إذاً النتيجة: هذه الحكم الظاهري لو فرض فهو حكم ظاهري غير قابل للوصول الى المكلف.

فاذا كان الترخيص في اناء الجار غير قابل للوصول الى المكلف لشك العرف نفسه في شمول دليل الاصل له كان الترخيص فيما تحت ايدينا بلا معارض وينحل به العلم الاجمالي.

هذا ما افاده.

ولكن يلاحظ على ما افاده «قده»: ما هو مبتني على أمرين:

الامر الاول: صحيح ما قال: بان وجود الحكم الظاهري في مورد فرع قابليته للوصول، وقابليته للوصول بشمول دليل الاصل العملي له وشمول دليل الاصل العملي له فرغ كونه موردا للتزاحم الحفظي.

هذا الكلام كبرويا تام، إنما الكلام ما شككنا في خروجه عن محل الابتلاء وعدم خروجه كإناء الجار هل هو مورد للتزاحم الحفظي ام لا؟.

فنقول على مبانيه «نقاش بنائي»: التزاحم الحفظي لا ينحصر في فرض العلم بوجود غرضين، بل حتى فرض احتمال وجود غرضين، أي تارة نعلم بوجود غرضين ونشك في موردهما، كما قلنا: نعم بوجود لحم مذكى ولحم غير مذكى واشتبها. او نعلم بوجود اناء نجس في البيت واناء طاهر قطعا واشتبها. وتارة: نحتمل «شك بدوي» بدواً أن هذا الاناء الذي بين ايدنا طاهر ام نجس من دون علم اجمالي مسبق. هذا ايضا مورد للتزاحم الحفظي، ليس مورد التزاحم الحفظي فرض العلم بوجود غرضين فيما تحت ايدينا واشتبه مصداقهما والا لانحصر جريان العلمي بفرض العلم، بينما لا اشكال في شمول أدلة الاصل العملي لمورد الشبهة البدوية الخالية من أي علم مسبق، كما اذا شككنا بدوا ان الاناء الذي بين ايدنا طاهر ام نجس، او شككنا بدواً في ان اللحم الذي ين ايدينا مغصوب او غير مغصوب. في هذا المورد ايضا يقال: هو مورد للتزاحم الحفظي، بمعنى: انه نتيجة الالتباس والاشتباه علينا لو كان في الواقع يوجد غرض لزومي فإنه مزاحم للغرض الترخيصي، لأن الشارع لو امرنا باجتناب هذه الشبهة البدوي لضيّع موارد لا يكون فيها الغرض اللزومي موجوداً لان الشبهات البدوية على قسمين: قسم هو في الواقع ذو غرض لزومي، وقسم في الواقع ذو غرض ترخيصي، ونحن لا نعلم بشيء وشكنا بدوي، فلو حافظ الشارع في تمام الشبهات البدوية كما يقول المحدثون في الشبهات التحرييمة، لو حافظ الشارع في تمام الشبهات البدوية على الغرض اللزومي الموجود في بعضها الغرض الترخيصي، ولو حافظ الشارع على الغرض الترخيصي الموجود في بعضها لضيع الغرض اللزومي. إذاً يوجد تزاحم حفظي. لا في هذا المورد الذي بين ايدنا بل بحسب النوع.

فالتزاحم الحفظي بين الغرض اللزومي والغرض الترخيصي كما يتصور في الشخص والمصداق كما اذا كان عندنا لحمين ميتة وغير ميتة، يتصور أيضا في النوع، كما نحن نعلم وأي انسان يعلم بان بعض الشبهات البدوية فيها غرض لزوم، وبعض الشبهات البدوية فيها غرض ترخيصي يوجد تزاحم بين الغرضين بحسب النوع.

وبالتالي: فاذا كان الطرف خارج عن محل الابتلاء جزماً، يعني نعلم انه خارج عن محل الابتلاء، هذا خارج عن محل الابتلاء على مبناه، لا الغرض اللزومي فيه مضمون، أما اذا شككنا انه خارج عن محل الابتلاء ام لا، فهو مورد للتزاحم الحفظي. لاننا نعلم بحسب النوع ان هناك اغراض لزومية وهناك اغراض ترخيصية ويحتمل ان هذا مصداق للغرض اللزومي كما يحتمل انه مصداق للغرض الترخيصي، فما نشك في خروجه عن محل الابتلاء مورد للتزاحم الحفظي لانه مورد لاحتمال الغرضين معاً.

الامر الثاني: بناء على ذلك نقول: دليل الاصل العملي وهو «رفع عن امتي ما لا يعلمون» او «كل شيء لك نظيف حتى تعلم أنه قذر» مطلق لم يخرج عنه إلا ما احرز خروجه عن محل الابتلاء، لان المقيد لدليل الاصل العملي هو قيام ارتكاز عرفي واضح على ان هذا الطرف ليس محلا للتزاحم الحفظي، فاذا كان لدينا ارتكاز عرفي واضح أن هذا الطرف ليس محلا للتزاحم الحفظي لاجل وضوح خروجه عن محل الابتلاء حينئذٍ نرفع اليد عن دليل الاصل العلمي. وإلا اذا لم يكن هناك ارتكاز عرفي واضح لان العرف نفسه شاك في هذا الارتكاز، فقولوا شك العرف ارتكازه قطع بعدمه، لان المقيد الارتكاز الواضح ومع الشك فيه فيقطع بدمه.

إذاً نقطع بعدم المقيد لدليل الاصل العملي، حيث ان المقيد الارتكاز الواضح ومع الشك فلا ارتكاز واضح، إذاً نتمسك باطلاق دليل الاصل العلمي للطرف الذي يشك في خروجه عن محل الابتلاء، فإذا شمله دليل الاصل والمفروض انه يشمل الاناء الذي بين ايدينا تعارض الأصلان، ونتيجة تعارض الاصلين

اجمال الدليل، ونتيجة إجمال الدليل أن لا مؤّمن في الطرف الذي بين ايدينا، إذاً النتيجة هي منجزية العلم الاجمالي، فلا يبقى فرق بين الصورتين، يعني ما اذا شك المكلف في ارتكاز المكلف او شك العرف في ارتكازه.

هذا كله بناء على الملاك الثاني من الملاكات المذكورة لعدم منجزية العلم الاجمالي في فرض خروج احد الطرفين.

الملاك الثاني: ذكرنا فيما سبق ان دليل الاصل العملي يشمل باطلاقه الافرادي موارد العلم الاجمالي «ذكرنا هذا على مبنانا» المنجز، ومقتضى اطلاقه الافرادي هو الترخيص في احد الطرفين، كما هو ظاهر صحيحة ابن سنان، «كل شيء فيه حلال وحرام فيه لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه» خرجنا عن هذا الاطلاق بموثقة سماعة القائلة: «سألته عن اناءين يقع في احدهما قذر ولا يدري ماذا يصنع قال: يهريقهما ويتيمم»، حيث لم يجر الاصل العملي وهو اصالة الطهارة. وقلنا بناء على موثقة سماعة نلتزم بمنجزية العلم الاجمالي في الطرفين معاً

منجزية شرعية ببركة موثقة سماعة، لكن حيث إن مورد موثقة سماعة الشبهة الموضوعية، هذا القيد الاول، والتي يكون اطرافها محرز الدخول في محل الابتلاء، إذاً بالنتيجة مقتضى هذين القيدين أن لا يكون العلم الاجمالي منجزا لكلا الطرفين الا اذا كانت الشبهة موضوعية واحرز دخول سائر اطرافها في محل الابتلاء، كما هو مورد موثقة سماعة.

وحيث في محل كلامنا: يعني اذا شككنا في ان اناء الجار خارج عن محل الابتلاء ام لا؟ نقول: بما اننا لا ندري ان اناءه خارج عن محل الابتلاء ام لا إذاً فلم تشمله موثقة سماعة، ولا اقل من الشك في ذلك فنرجع الى الاطلاق، اطلاق ادلة الاصول العملية ومقتضاها جواز الترخيص في احد الطرفين، فنتمسك باطلاقها فيما بين ايدينا، فنشرب من الاناء ونتوضأ به، ثم لو فرضنا ان المكلف بعد الوضوء منه او الشرب منه زار الجار، وقال الجار هذا الاناء الذي شككت به بين يديك هو هذا، فحينئذ لا يجوز له مساورته لا وضوءً ولا شرباً لان العلم الاجمالي منجز في احد الطرفين وانما لم يتنجز في كليهما لوجود ادلة الاصول العلمية.

فحينئذٍ بناء على هذا لا بد من اجتناب الطرف الثاني حفظاً على الوقوع في المخالفة القطعية للعلم الاجمالي او او لأجل ارتكاز المناقضة بين الغرض الترخيصي والغرض اللزومي المعلوم بالاجمال، ويأتي الكلام يوم السبت ان شاء الله في الشبهة المصداقية.

والحمد لله رب العالمين.

الدرس 49
الدرس 51