نص الشريط
الدرس 53
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 30/3/1437 هـ
تعريف: انحلال العلم الإجمالي
مرات العرض: 2643
المدة: 00:19:51
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (719) حجم الملف: 9.08 MB
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

التنبيه الجديد: من تنبيهات منجزية العلم الاجمالي: ما إذا اشترك العلمان الاجماليان في طرف واحد، مثلاً: إذا علمنا اجمالاً إما بنجاسة الإناء الابيض أو الازرق، وعلمنا اجمالاً اما بنجاسة الازرق أو الاحمر، فهنا علمان اجماليان مشتركان في طرف واحد وهو الإناء الازرق، واختص كل منهما بطرف من اطرافه. ووقع البحث في ان العلمين الاجماليين هل يكونان منجزين للطرف المختص أم لا؟.

فيقال: لا اشكال في الجملة في منجزية العلمين الاجماليين للطرفين المختصين، فاذا رأى قطرة من الدم وقعت إما في الإناء الابيض أو الإناء الازرق، ورأى قطرة أخرى من الدم وقعت إما في الإناء الازرق أو في الإناء الاحمر، فلا اشكال في تنجز المشترك بينهما وهو الإناء الازرق، كما أن كل طرف من الطرفين المختصين وهما الإناء الابيض بلحاظ العلم الاجمالي الاول، والاناء الاحمر بلحاظ العلم الاجمالي الثاني متنجزان ايضا أي ان العلم الاجمالي من كل منهما كما هو منجز للطرف المشترك بينهما منجز لطرفه المختص به.

هذا من دون فرق بين مسلك الاقتضاء ومسلك العلية. فعلى كلا المسلكين في منجزية العلم الاجمالي يقال بتنجز العلم الاجمالي.

وإنما الكلام وقع في بعض الصور: هل يكون العلم الاجمالي منجزاً فيها أم لا؟.

الصورة الأولى: ما إذا كان العلم الاجمالي الثاني متأخراً زماناً عن العلم الاجمالي الاول فهل يكون منجزا له أو لا؟

مثلا: إذا علم اجمالا بوقوع قطرة دم إما في الإناء الابيض أو الإناء الازرق وبعد ساعة علم بوقوع قطرة دم اخرى اما في الإناء الازرق أو في الإناء الاحمر؟، فهنا في مثل هذه الصورة ذهب جمع من المحققين إلى عدم منجزية العلم الاجمالي الثاني المتأخر زمانا سواء كان معلومه قبل المعلوم الاول أو مقارنا له أو بعده، أي: علم اولا بدم اما في الإناء الابيض أو الازرق وبعد ساعة علم بدم آخر لكن هذا الدم الاخر قبل الدم الاول أو مقارنا معه أو بعده اما في الإناء الازرق أو الإناء الاحمر، فجمع من المحققين قالوا: بما ان العلم الاجمالي الثاني متاخر زمانا عن الاول فليس بمنجز.

ومنهم: صاحب الكفاية وسيدنا الخوئي «قده» والمحقق الاصفهاني والسيد الامام: وقد ذكروا لذلك عدة وجوه:

الوجه الاول: ما ذكره صاحب الكفاية «قده» من انه: يعتبر في منجزية العلم الاجمالي ان يكون علما بحدوث تكليف فلو لم يكن علما بحدوث تكليف كما إذا احتملنا ان المعلوم بالعلم الاجمالي الثاني نفس التكليف المعلوم بالعلم الاجمالي الاول وليس تكليفا جديداً، فحينئذ لا يكون العلم الاجمالي الثاني منجزاً. مثلاً: إذا علمنا بوقوع نجاسة اما في الإناء الابيض أو الازرق وبعد ساعة علمنا بوقوع نجاسة اخرى اما في الازرق أو الاحمر فالمعلوم بالعلم الاجمالي الثاني لا نحرز انه تكليف جديد إذ لو كانت النجاسة الثانية واقعة في الإناء الازرق أي الطرف المشترك لم يحدث تكليف جديد، بل هذا هو التكليف الاول لانه من الاول الإناء الازرق متنجز بعلم اجمالي، فلو كان النجاسة الثانية واقعة في ما وقع فيه النجاسة الاولى لكان التكليف هو التكليف السابق ولم يكن تكليفا جديداً، إذاً النتيجة: انه ليس لدينا علم اجمالي بتكليف جديد. ليس لدينا علم اجمالي بحدوث تكليف، إذ لعل هذا التكليف هو التكليف السابق فليس عندنا علم بحدوث تكليف كي يكون هذا العلم منجزاً، فاعتبر «قده» في منجزية العلم الاجمالي ان يكون علماً بحدوث تكليف، أن يكون علما بتكليف جديد لا مجرد العلم الاجمالي بالتكليف ولو كان هو التكليف السابق المعلوم، لذلك قال: بأن العلم الاجمالي الثاني ليس منجزاً.

ويلاحظ على ما افاده «قده» كما ذكر جمع من الاعلام:

بأن العقل لا يفرق بين ان يكون العلم الاجمالي علما بحدوث تكليف أو علما بتكليف، فإن المناط في المنجزية العلم بتكليف فعلي، فمتى ما كان لدينا علم بتكليف فعلي كان هذا العلم منجزا سواء كان علما بحدوث تكليف أو كان علما بتكليف، وإن لم نعلم حدوثه المهم هو علم بتكليف فعلي، ولذا لا يرى الوجدان العقلي فرقا بين الصورتين، الصورة الاولى: ان اعلم ابتداء بانه اما بنجاسة الإناء الابيض أو نجاسة كلا الاناءين الاحمر أو الازرق، اما بنجاسة خصوص نجاسة الابيض أو نجاسة الإناء الازرق والاحمر معا، هذه الصورة الا اشكال في منجزية العلم الاجمالي فيها.

الصورة الثانية: أن اعلم اولاً بنجاسة الإناء الابيض أو الازرق ثم اعلم بعد ساعة انه ان كان الازرق نجساً فالاحمر معه، فهل العلم الاجمالي الثاني منجز أم لا؟.

فإن قلتم بانه منجز. قلنا: ان العلم الاجمالي الثاني ليس علما بحدوث تكليف لانه يقول: ان كان الازرق النجس الذي علمت به قبل ساعة فالاحمر معه، فهذا ليس علما بحدوث تكليف أي ليس علما بتكليف جديد ومع ذلك العلم الاجمالي منجز. وان قلتم في الصورة الاولى وهو ان نعلم اما بنجاسة الابيض بخصوصه أو بنجاسة الازرق والاحمر فهذا منجز.

وأما بالصورة الثانية: وهي ان نعلم إما بنجاسة الأبيض أو الازرق ثم علمنا بعد ساعة انه إن كان الازرق نجساً فالاحمر معه، هذا ليس منجز، فيقال بأن الوجدان العقلي لا يرى فرقا بينهما، فمجرد ان الصورة الثانية لا تشمل علمين طوليين لا يؤثر في المطلب. بالنتيجة: بعد حدوث العلم الاجمالي الثاني تحد الصورة الصورتان، فيقال: اما النجس الإناء الابيض أو النجس كلا الاناءين الاحمر والازرق، فلا يرى فرق وجداني في الصورتين كي يقال بتنجز العلم الاجمالي في الصورة الاولى دون الثانية مما يكشف من ان تاخر العلم ليس ضائر بمنجزيته فإن المناط كونه علما بتكليف فعلي، فمتى ما كان علما بتكليف فعلي كان منجزا ولا يهما انه هل هو علم بحدوث تكليف أو هو علم بتكليف في الجملة، المهم انه علم بتكليف فعلي فيكون منجزاً.

هذا ما يتعلق بالوجه الذي افاده في الكفاية.

الوجه الثاني: ما ذكره المحقق الاصفهاني «قده» في «نهاية الدراية» ويوجد هذا الكلام عند المحقق العراقي في «نهاية الافكار»: يقول: يعتبر في منجزية العلم الاجمالي ان يكون المعلوم هو منتجز على كل تقدير أي ان يكون علما اجماليا صالحا لتنجيز متعلقه على كل تقدير. وهذه الكبرى لا تتوفر في محل الكلام، والسر في ذلك:

انه إذا علمنا اجمالا اما بنجاسة الابيض أو الازرق تنجز الازرق بالعلم الاجمالي، ثم بعد ساعة علمنا اما بنجاسة الازرق أو الاحمر، إذاً فالأحمر ليس صالحاً للتنجز على كل تقدير. لأنه _بالنسبة للعلم الاجمالي الثاني_ ان كان معلومي وهو «النجاسة الثانية» في الإناء الاحمر فهو متنجز لانه نجاسة اخرى، واما إذا كان معلومي في الإناء الازرق المشترك فقد تنجز بعلم اجمالي سابق وهو علم الاجمالي الاول، والمتنجز لا يتنجز فبما ان العلم الاجمالي الثاني ليس علما بأمر صالح للتنجز على كل تقدير. بل أنه متنجز على تقدير دون تقدير، أي على تقدير انه في الاحمر متنجز، اما على تقدير انه في الازرق فليس متنجز لتنجزه بمتنجز سابق. إذاً فالعلم الاجمالي الثاني ليس منجزاً لعدم انطباق الميزان عليه وهو انه صالح لتنجيز معلومه على كل تقدير.

والجواب عما ذكره المحقق الاصفهاني «قده»: _سبق ان ذكرناه عدة مرات_:

ليست نسبة المنجزية للعلم الاجمالي نسبة المعلول للعلة كي يقال بانه لا يعقل ورود علتين على معلول واحد، بل نسبة الحكم للموضوع، ولا مانع عقلا من وجود موضوعين لحكم واحد، مثلا اجتماع النار والشمس على معلول واحد، وهو حرارة واحدة شخصية غير معقول لانه بالنتيجة ما دام كل منهما علة مستقلة لحدوث حرارة شخصية مشخّصة معينة، إذاً بالنتيجة: اما ان تكون السببية للنار أو للشمس، ولا يعقل ان تتحقق هذه الحرارة الشخصية بكليهما، فإن المعلول لا يعقل ان يكون معلولا والحاصل لا يعقل ان يكون متحصلا. هذا في نسبة المعلول للعلة.

واما في نسبة الحكم لموضوعه فلا مانع من ان يكون موضوعين لحكم فعلي واحد، مثلاً: إذا اجتمع في لحم واحد انه مغصوب ونجس، فإن حرمة اكله حكم واحد، وان كان هناك سببان أو موضوعا. فالحرمة موضوع لحرمة والنجاسة موضوع لحرمة، إلا ان الفعلي في حق المكلف حرمة واحدة، يحرم اكل هذا اللحم لنجاسته وغصبيته، فلا مانع من موجود موضوعين لحكم واحد. ونسبة المنجزية للعلم الاجمالي نسبة الحكم لموضوعه لا نسبة المعلول لعلته، لذلك نقول: بانه المنجزية هي عبارة عن حكم العقل بحق الطاعة، فمعنى التنجز ان يقول العقل: بأن للمولى حق الطاعة عليك في هذا العمل، فيقبح منك المخالفة، وأثر حكم العقل بقبح المخالفة حكمه باستحقاق العقوبة على فرض المخالفة، فهذا الحكم العقلي المعبر عنه بالمنجزية هو العقل بقبح المخالفة المستتبع لحكمه باستحقاق العقوبة، هذا الحلمك الحكم العقلي موضوعه العلم الاجمال، أي متى ما وجد علم اجمالي فعلي ترتب عليه هذا الحكم العقلي. وبالنتيجة: أي مانع من ان يكون هناك حكم عقلي واحد مستند لعلمين اجماليين؟! فهذا علمنا اما بنجاسة الابيض أو الازرق ثم علمنا اما بنجاسة الابيض أو الاحمر. نأتي للازرق، فنقول: بالنسبة للازرق وهو الإناء المشترك يوجد حكم عقلي واحد وهذا الحكم العقلي الواحد هو عبارة عن حكم العقل بأن للمولى حق الطاعة عليه باجتناب هذا الاناء، فيقبح منك المخالفة وتستحق العقوبة على فرض المخالفة. وهذا الحكم العقلي الوحيد مستند إلى علمين اجماليين، اما بنجاسة الإناء الازرق أو الابيض أو نجاسة الازرق أو الاحمر. فهناك منجزية واحدة مستندة لعلمين اجماليين كاستناد الحكم الاعتباري لموضوعين، وهذا لا مانع منه، وكون هذا المشترك قد تنجز بمتنجز سابق لا يمنع من تنجزه الآن بكليهما، فهناك الآن منجزية واحدة مؤكدة مستندة إلى علمين اجماليين لا مانع من ذلك اصلا كي يقال بأن المتنجز لا يتنجز.

وفي تعبير السيد الامام «قده» في «تهذيب الاصول» قال: المنكشف لا ينكشف، فهو ممن ذهب لعدم المنجزية، «عدم منجزية العلم الاجمالي الثاني» ولا ندري ما هو مقصوده؟ فإن كان مقصوده مطلب الكفاية: وهو انه يعتبر في المنجزية العلم بحدوث تكليف، وهذا ليس علما بحدوث تكليف، فقد سبق الجواب عنه، وان المدار في المنجزية على العلم بالتكليف الفعلي.

وان كان مقصوده كلام المحقق الاصفهاني ومقصوده: ان المنكشف لا ينكشف يعني المتنجز لا يتنجز. فقد سبق الكلام فيه بأن المتنجز يتنجز وأي مانع من ذلك، فإن نسبة المنجزية للعلم الاجمالي نسبة الحكم لموضوعه لا نسبة المعلول للعلة والاثر للمؤثر.

ما ذكره وما ذكره السيد الامام «قده» ما لم نرجعه إلى كلام الكفاية أو كلام المحقق الاصفهاني لا يبقى له معنى، لانه من الواضح ان المنكشف بالعلم الاجمالي الثاني غير المنكشف بالعلم الاجمالي الاول. إن المنكشف بالعلم الاجمالي الاول جامع النجاسة بين ابيض وازرق، والمنكشف بالعلم الاجمالي الثاني جامع نجاسة اخرى بين الازرق والاحمر، فالمنكشف غير المنكشف، المنكشف بالعلم الاجمالي الثاني جامع جديد بين طرفين غير الجامع السابق بين طرفين، فكيف يقال: المنكشف لا ينكشف. فسيبقى الاشكال عليه واضحا ظاهراً بأن المنكشف غير المنكشف، فكيف يقال المنكشف لا ينكشف؟!.

الوجه الثالث: ما ذكره سيدنا الخوئي «قده» في «مصباح الاصول» قال: بأنه على مسلك الاقتضاء يجري الاصل الترخيصي في الطرف المختص بالعلم الاجمالي الثاني بلا معارض. وبيان ذلك:

أولاً: إنما يتحقق موضوع الاصل الترخيصي في الإناء الاحمر الذي هو طرف مختص بالعلم الاجمالي الثاني، إنا يتحقق موضوع الاصل فيه إذا سقط الاصل في الطرف المشترك، إذ لو لم يسقط الاصل في الطرف المشترك، «الاناء الازرق» لتعارض الاصل في الطرف المشترك مع الاصل في الإناء الاحمر، إذاً حتى يجري الاصل في الإناء الاحمر لابد ان يسقط الاصل في الإناء الازرق، لكي لا يبقى له معارض. فموضوع جريان الاصل في الإناء الاحمر المختص بالعلم الاجمالي الثاني موقوف على سقوط الاصل في الإناء المشترك بين العلمين وهو الإناء الازرق.

ثانياً: عن الأصل في الإناء الازرق قد سقط بالمعارضة منذ ساعة، لأننا في الساعة الاولى علمنا إجمالاً إما بنجاسة الابض أو الازرق، فتعارض الاصلان. اصالة الطهارة في الإناء الابيض مع اصالة الطهارة في الإناء الازرق تعارضا وتساقطا، فسقطت اصالة في الإناء الازرق في زمن سابق قبل ساعة، ثم بعد سقوطها جاء لدينا علم جديد وهو علم بنجاسة اما الازرق أو الاحمر وقد سقطت اصالة الطهارة في الازرق في زمن سابق، والميت لا يعود حيا والساقط لا يعود قائما، والسافل لا يعود عالياً، إذاً فتجري اصالة الطهارة في الإناء الاحمر بلا معارض. فينحل العلم الاجمالي الثاني حكماً، لجريان الاصل الترخيصي في احد طرفيه بلا معارض. هذا هو الوجه في عدم المنجزية، ياتي الكلام عنه ان شاء الله.

والحمد لله رب العالمين.

الدرس 52
الدرس 54