نص الشريط
الدرس 56
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 2/4/1437 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2669
المدة: 00:39:37
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (226) حجم الملف: 18.1 MB
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

ما زال الكلام في الاستدلال برواية علي ابن ابي حمزة ورواية مقاتل على اختصاص عدم صحة الصلاة في الثوب المأخوذ من السباع ولا يشمل كل ما لا يؤكل لحمه وإنما تختص المانعية بما إذا كان ثوب المصلي متخذا م السباع كما ذهب اليه جمع من الفقهاء منهم: السيد الأستاذ «دام ظله». وذكرنا أن المحقق النائيني «قده» أشكل على الاستدلال في رواية علي ابن ابي حمزة ورواية مقاتل الذين ورد فيهما: ما مضمونه: «لا بأس بالصلاة في السنجاب فإنه دابة لا تأكل اللحم وليس هو مما نهى عنه رسول الله إذ نهى كل ذي ناب ومخلب».

ووصل الكلام على الوجه السادس: «المناقشة السادسة»:

وهو: ما ذكره المحقق العراقي «قده» في رسالته في «اللباس المشكوك» حيث أفاد: بأن تعدد المناطات كاشف عن ان هذا المناط على سبيل الحكمة لا على سبيل العلة، فعندما نلاحظ رواية علي ابن ابي حمزة نجد انها عللت الحكم بأنه: «دابة لا تأكل اللحم» فقال: «لا بأس في السنجاب فانه دابة لا تأكل اللحم» وظاهره: ان المناط في المانعية أن يكون مما يأكل اللحم.

بينما نلاحظ في صحيحة سعد الاشعري: «الحديث1، باب 4، من أبواب لباس المصلي»: عن الرضا : سألته عن جلود السّمور؟ فقال: أي شيء هو ذاك الادبس؟ فقلت: هو الاسو، فقال: يصيد؟ قلت: نعم يأخذ الدجاج والحمام، فقال: لا».

فإن ظاهرها ان المناط في الحرمة ممن يصيد. أي المناط في المانعية من صحة الصلاة انه ممن يصيد.

وايضا عندنا رواية ثالثة وهي معتبرة هاشم الحناط «حديث2، باب6، من ابواب لباس المصلي»: سمعت موسى ابن جعفر يقول: «ما اكل الورق والشجر فلا باس بأن يصلى فيه، وما اكل الميتة فلا تصلي فيه».

فظاهره: ان المناط في المنع ان يكون مما يؤكل الميتة «وما اكل الميتة فلا تصلي فيه». أو ان المناط في المنع ان لا كون مما لا يؤكل الورق والشجر.

فتعدد هذه المناطات في الروايات يكشف عنه انها مجرد حكم وليست عللا تامة يدور الحكم مدارها. أو فقل على الاقل لا ظهور لها في العلية بعد التعدد. اذ لا يعقل ان يكون الحكم منوطا بعلل مستقلة، لانه إذا كان الصيد كما في صحيحة سعد الاشعري علة مستقلة كافية في الحرمة فلا معنى لإناطة الحكم بعد ذلك بعلة أخرى لأن لازمه اللغوية إذ بعد كفاية كونه مما يصيد في ثبوت الحرمة له، فتعليل الحرمة بعلة مستقلة اخرى لغو. إذن حيث لا يعقل تعدد العلل المستقلة لحكم واحد، والعلل قد تعددت في النصوص، فهذا شاهد على انها على سبيل الحكمة لا العلة، وعلى الاقل لا ظهور لها في العلّية، فإذا لم يكن لها ظهور في العلية فنعمل بعموم موثق ابن بكير: «ان الصلاة في كل شيء حرام اكله فالصلاة في وربره وشعره وروثه وألبانه وكل شيء منه فاسد». فإن هذه الموثقة ظاهرة في العموم، أي ان المانعية شاملة لكل ما يحرم اكله، وانما نحرج عن هذا العموم لو كانت هذه الروايات ظاهرة في العلية وحيث انها لا ظهور لها في العلية لتعدد المناطات وتعدد المناطات غير معقول مما يمنع من ظهورها في العلية، إذا لم تقم حجة على التخصيص فنبقى على العموم، أي عموم موثق ابن بكير.

ويلاحظ على ما افيد:

تارة: يكون منظور المحقق العراقي في الجمع بين هذه الروايات بعلل متعدد كالصيد كأكل الميتة كأكل اللحم. وتارة: يكون منظور المحقق العراقي في الجمع بين هذه الروايات وبين رواية محمد ابن اسماعيل التي قالت بأن اكثره مسوخ.

فلاحظوا رواية محمد ابن اسماعيل: «حديث 7، باب3» عن محمد ابن اسماعيل بإسناده يرفعه الى ابي عبد الله : قال: «لا تجوز الصلاة في شعر ووبر ما لا يؤكل لحمه لأن أكثرها مسوخ» حيث إن هذه الروايات تخصص المانعية بمورد العلة، ينما رواية محمد ابن ابي اسماعيل تعمم المانعية لكل ما لا يؤكل لحمه.

فإذا كان منظور العراقي في الجمع بين نفسه هذه الروايات مع غمض النظر عن رواية محمد ابن اسماعيل، بأن يقول: نفس هذه الروايات التي عللت المانعية بعلل معينة هي متبانية، ونتيجة تباينها: لا ظهور لها في العلية.

إذا كان هذا منظوره. فيلاحظ عليه:

أولاً: بأن هذا يتوقف على كون المراد مما يصيد وما يأكل علل مختلفة. بل الظاهر عرفاً أن هذه العنوانين مجرد عبارات مشيرة على معنون واحد وهو كون الحيان سبعاً فإن كون الحيوان سبعاً هو الذي يوصف بأنه يصيد أو كون الحيوان هو الذي يوصف بأنه يأكل الميتة أو يأكل اللحم، وما اشبه ذلك، خصوصاً مع التعقيب في رواية علي ابن ابي حمزة بما ورد عن النبي حيث قال: «وليس هو مما نهى عنه رسول الله إذ نهى رسول الله عن كل ذي ناب ومخلب» مما يظهر أن المدار على السبعية، لا على أنه يأكل اللحم أو يصيد أو ما أشبه ذلك. إذن حيث إن هذه العبارات الواردة في الروايات لا تشير الى علل متعددة وانما هي تشير الى معنى واحد وهو السبعية فلا تنافي بينهما اطلاقا حتى يقال بأن هذا التنافي شاهد على كونها على سبيل الحكمة لا العلة. وثانياً: لنفترض ان مفاد هذه الروايات علل مختلفة، فالصيد علة مباينة لأكل الميتة واكل الميتة علة مباينة لأكل اللحم، فهناك علل متعددة. فإن هذا لا يوجد المصير على حملها على سبيل الحكمة، بل يمكن الحمل على انها علل مستقلة غاية ما في الأمر ليست علل منحصرة. فإن استفادة العلية المنحصرة كما افاد المحقق النائيني «قده» من الإطلاق، أي إذا قال: ما أكل اللحم فلا يجوز الصلاة فيه، أو ما يأكل الميتة فلا تجوز الصلاة فيه فإن ظهوره في العلية المنحصرة فرع اطلاقه، فإذا كانت استفادة العلية المنحصرة من الاطلاق، فقد ارتفع هذا الاطلاق بوجود روايات أخرى طرحت أخرى. اذن مقتضى الجمع بين الروايات هو الجمع الأوي، بأن نتحفظ على ظهورها في العلية المستقلة غاية الامر نرفع اليد عن اطلاقها المفيد للعلية المنحصرة، ونقول بأن مفاد كل منها علة مستقلة لثبوت المانعية فلا ينافي ذلك ثبوت المانعية بعلة أخرى.

هذا إذا كان منظور المحقق العراقي الى هذه الروايات نفسها.

واما إذا كان منظور المحقق العراقي في الجمع بين هذه الروايات من جهة ورواية محمد ابن اسماعيل التي عمّمت المانعية لكل ما يحرم أكله. فيقول المحقق العراقي: مقتضى هذه الروايات الثلاث أو الاربع ان المانعية خاصة بالسبع مثلا. بينما مقتضى رواية محمد ابن اسماعيل عموم المانعية للكل ما يحرم اكله معللة بأن اكثره مسوخ. فنتيجة ذلك نقول بأن الجمع بين الروايات هو حمل التعليل على سبيل الحكمة لا العلة التامة. فهذا لا ينافي العمل بعموم موثق ابن بكير.

إذا كان هذا مقصود المحقق العراقي «قده»، فيلاحظ عليه:

بأنه: المفروض ان مفاد هذه الروايات الخاصة اختصاص المانعية بالسبعية، ومفاد رواية محمد ابن اسماعيل عموم المانعية لكل ما يحرم اكله معللة بأن اكثره مسوخ. وبناء على ذلك فيقع التعارض بين الروايتين في ذلك، فإن مفاد الطرف الاول التخصيص ومفاد الطرف الثاني التعميم ومقتضاه تعارض الروايتين، وأما حمل التعليل على سبيل الحكمة فهو جمع تبرعي يحتاج الى شاهد وقرينة، فمجرد التعارض بين الروايتين في المفاد لا يوجب المصير على حمل التعليل على سبيل الحكمة.

الوجه الاخير من المناقشة: «المناقشة السابعة»:

ما اشار اليه سيدنا «قده» تبعا لصاحب المستمسك، تبعا للمحقق الهمداني تبعا لصاحب الجواهر:

إن هذه الرواية وهي رواية علي ابن ابي حمزة ورواية مقاتل ابن مقاتل الواردتين في السنجاب هي في نفسها معارضة بروايات اخرى تدل على عدم صحة الصلاة في السنجاب، فكيف نتكأ عليها في الاستدلال على اختصاص المانعية في السبعية والحال انها معارضة بروايات تدل على عدم صحة الصلاة في السنجاب وإن لم يكن سبعاً.

«حديث1، باب41، من أبواب الأطعمة المحرّمة» محمد ابن الحسن بإسناده عن محمد ابن احمد ابن يحيى، عن اشكيب ابن عبده «او اسكيب» عن محمد ابن عمر عن ابيه عن سعدان ابن مسلم عن ابي حمزة «الثمالي» قال: «سأل ابو خالد الكابلي «من اصحاب علي ابن الحسين» علي ابن الحسين عن اكل لحم السنجاب والفنك والصلاة فيهما، فقال ابو خالد: إن السنجاب يأوي الاشجار، فقال : إن كان له سَبلَة كسَبلَة السنور والفأر فلا يؤكل لحمه ولا تجوز الصلاة فيه».

فهي معارضة لرواية علي ابن ابي حمزة التي تقول: «لا باس بالصلاة فيه فانه دابة لا تأكل اللحم». وكذلك رواية مقاتل ابن مقاتل.

بعد ان ذكر هذا قال: «أما انا فلا آكله ولا أحرمه». «ان كان له سبلة كسبلة السنور والفأر فلا يؤكل لحمه ولا تجوز الصلاة فيه» ثم قال: «اما انا فلا آكله ولا أحرمه». والمفروض خارجاً ان السنجاب له سبلة كسبلة السنّور والفأر، إذن مقتضى ذلك حرمة اكله وحرمة الصلاة فيه. بينما رواية حمزة ورواية مقاتل تقول «لا باس به فإنه دابة لا تأكل اللحم».

فيقال: بأن هذه الرواية معارضة للرواية الاولى، فما هو العلاج؟

فقد يقال: بأن هذه الرواية ساقطة عن المعارضة لأنها معارضة في نفسها، أي لأن صدرها معارض لذيلها، ففي صدرها قال: «لا يؤكل لحمه ولا تجوز الصلاة فيه» ثم قال في الذيل: «أما انا فلا آكله ولا أحرّمه». ودعوى التبعيض في الحجية مما لا محل لها. لأن التبعيض في الحجية إذا اشتملت الرواية على مدلولين منفصلين، وقامت القرينة على حجية احد المدلولين فيبقى المدلول الاخر على حجيته. لا ما إذا كان المدلولان متنافيين في رواية واحدة.

وقد يقال:

إن التراخي حيث إن المقال الثاني جاءت بعد كلمة «ثم» يعني بعد ان افاد الامام الحكم، قال: «ولا يؤكل لحمه ولا تجوز الصلاة فيه» الراوي يقول: «ثم قال» يعني حدث بينهما مهلة، ثم قال: «اما انا فلا آكله ولا أحرمه» فيقال: ان التراخي منشأ عقلائي إما لجعلهما بمثابة الروايتين أو لعدم جريان أصالة الجهة في المقطع الثاني دون الأول. فإما ان نقول بانهما من قبيل الروايتين تعارضتا، فإذا كان من قبيل روايتين تعارضتا، إذن نقدم الصدر على العجز باعتبار موافقة الذيل للعامة حيث ان العامة لا يحرّمونه ولا يمنعون الصلاة فيه، اذن قوله بالنتيجة: «اما انا فلا آكله ولا أحرمه» موافق للعامة فيقدم صدر الحديث على ذيله من باب مخالفة العامة.

او نقول: بأن اعتبارهما روايتين مع كونهما في مجلس واحد، ليس عرفياً، فعلى الاقل نقول: بأن التراخي بين المقالين منشأ لاحتمال ورود التقية في الذيل دون الصدر، بمعنى ان الامام بعد ان ذكر الحكم حدث شيء يستوجب ان يتقي فاتقى في الذيل. هذا محتمل عرفا ما دام بين المقالتين تراخي إذن التراخي منشأ عقلائي لاحتمال عرفي وهو حصول ما يوجب التقية بعد ان ذكر الكلام الاول. لذلك قال: «اما انا فلا آكله ولا أحرّمه». ومقتضى هذا عدم جريان اصالة الجهة في الذيل وتبقى جارية في الصدر فيؤخذ به وتستقر المعارضة بينه وبين رواية علي ابن ابي حمزة.

أو فقل: «ثم» منشأ عقلائي لاحتمال عرفي وهو: أن هناك تجدد، أنه بعد ان ذكر المقالة الاولى تجدد ما يوجب التقية فاتقى في الذيل فلا يكون مجرى لأصالة الجهة وتجري اصالة الجهة في الصدر بلا معارض فيكون صدر الرواية معارضا لرواية علي ابن ابي حمزة.

والحمد لله رب العالمين.

الدرس 55
الدرس 57