نص الشريط
الدرس 60
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 8/4/1437 هـ
تعريف: الخلل الواقع في الصلاة
مرات العرض: 2898
المدة: 00:36:37
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (168) حجم الملف: 16.7 MB
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

ما زال الكلام في جواز الصلاة في جلد السنجاب، والروايات الواردة في هذه المسألة على عدة طوائف:

الطائفة الاولى: ما ورد فيها الترخيص في الصلاة للسنجاب ضمن الترخيص في عناوين أخرى. كما في صحيحة الحلبي «ح2، باب4، من ابواب لباس المصلى»: عن ابي عبد الله قال: «سألته عن الفراء والسّمور والسنجاب والثعالب وأشباهه، قال: لا بأس بالصلاة فيه». فهنا قد رخّص بالصلاة في السنجاب ضمن الترخيص في عنوان أخرى.

الطائفة الثانية: ما ورد في التفصيل بين العناوين، حيث حكمت بصحة الصلاة في بعض العناوين دون بعض. نحو: صحيح ابي علي بن راشد، «ح5، باب3 من ابواب لباس المصلي»: «قلت لأبي جعفر ما تقول في الفراء أي شيء يصلى فيه؟ قال أي الفراء؟ قلت: الفنك والسنجاب والسمور، قال: فصل في الفنك والسنجاب، وأما السمور فلا تصلي فيه».

ومثله ايضا: صحيح الريان ابن الصلت، «ح2 باب5»: «سألت أبا الحسن الرضا عن لبس فراء السمور والسنجاب والحواصل وما أشببها، _ الى ان قال_ قال: لا بأس بهذا كله الا بالثعالب. فهذه هي الطائفة الثانية الدالة على التفصيل في العناوين.

الطائفة الثالثة: ما ورد فيها تجويز الصلاة في السنجاب بدون ظرف التقية. يعني بقيد أن لا تقية في البين.

نحو رواية بشير ابن بشار: «ح4 باب3، من ابواب لباس المصلى»: «قال: سألته عن الصلاة في الفنك والفراء والسنجاب والسّمور والحواصل التي تصاد ببلاد الشرك أو بلاد الإسلام أن أصلي فيه لغير تقية؟ قال فقال : صل في السنجاب والحواصل».

فقد دل على الترخيص ناظرا لظرف عدم التقية.

وأيضاً رواية يحيى ابن أبي عمران: «ح6، من باب3» قال: «كتبت الى أبي جعفر الثاني في السنجاب والفنك والخز، وقلت: جعلت فداك احب ان لا تجيبني بالتقية في ذلك؟ فكتب بخطه إلي: صلي فيها».

الطائفة الرابعة: ما دلَّ على المنع من الصلاة في السنجاب، من هذه الروايات:

رواية الفقه الرضوي كما في «المستدرك، ح2، باب4، من أبواب لباس المصلي»: قال: «ولا تجوز الصلاة في سنجاب ولا سّمور».

الرواية الثانية: رواية ابي خالد الكابلي: «ح1، باب41، من أبواب الأطعمة المحرّمة، ج24 الوسائل»: عن ابي حمزة الثمالي قال: «سأل ابو خالد الكابلي علي ابن الحسين عن أكل لحم السنجاب والفنك والصلاة فيهما، فقال ابو خالد: ان السنجاب يأوي الاشجار، فقال : ان كان له سبلة كسبلة السنّور والفأر فلا يؤكل لحمه ولا تجوز الصلاة فيه».

الرواية الثالثة: هي نفس موثق ابن بكير: «ح1، باب2، من ابواب لباس المصلي» عن ابن بكير، قال: «سأل زرارة ابا عبد الله عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر؟ فأخرج كتاباً زعم أنه إملاء رسول الله ان الصلاة في وبر كل شيء حرام كله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكل شيء منه فاسد». وهذا يشمل السنجاب لأنه مما يحرم اكله. إذن عندنا اربع طوائف تعرّضت لحكم السنجاب.

والكلام: هل يصح الاستدلال بالطوائف الاولى على الجواز في نفسها أم لا يصلح الاستدلال؟. مع غمض النظر عن المعارضة، يعني نحن لا نبحث عن المعارضة بل بحثنا عن اصل الاستدلال. هل يصح الاستدلال في الطائفة الاولى أو الثانية الدالة على جواز الصلاة في جلد السنجاب في نفسها مع غمض النظر عن المعارضة أم لا؟. فهنا مطلبان:

المطلب الاول: في صحة الاستدلال على صحة جواز الصلاة في السنجاب بالطائفة الأولى وهي التي دلت على جواز الصلاة فيه ضمن الترخيص في عناوين اخرى، أو الطائفة الاخرى التي فصلت بين العناوين أم لا يصح؟

ذكرنا: ان المحقق النائيني «قده» قال لا يصح الاستدلال بهاتين الطائفتين، لا الطائفة الاولى التي رخصت في الصلاة في السنجاب ضمن عناوين اخرى، ولا الطائفة الثانية التي دلّت على التفصيل بين العناوين. وافاد «قده» بأن المجموع من الطائفتين صادر على سبيل التقية، وان كانت الطائفة الثانية قد فصلّت بين العناوين وخالفت العامة في تحريم بعض العناوين، لان الطائفة الثانية دلت على حرمة الصلاة في السمور، دلت على حرمة الصلاة في الثعالب وهذا مخالف للعامة، مع ذلك يقول المحقق النائيني: أن مجموع الطائفتين صدرا على سبيل التقية أي ان التقية في القاء الخلاف. وقلنا فيما سبق: ان كلام المحقق النائيني «قده» محل تأمل من عدة جهات:

الجهة الاولى: إن ذلك يبتني على ملاحظة هاتين الطائفتين بمثابة رواية واحد وظهور مجموعي واحد، وهو غير عرفي ما لم تصدر هذه الروايات في فترة متقاربة بحيث يحتمل عرفا انها تعالج مشكلة معاصرة لهذه الروايات. وهذا لا ينطبق على المقام.

الجهة الثانية: ما ذكره سيدنا الخوئي «قده»: من انه حتى الطائفة الاولى التي دلّت على جواز الصلاة في السنجاب ضمن عناوين اخرى موافقة للعامّة مع ذلك يصح الاستدلال بها على جواز الصلاة في السنجاب، والسر في ذلك هو التبعيض في الحجية.

صحيحة الحلبي: عن ابي عبد الله : قال: «سألته عن الفراء والسّمور السنجاب والثعالب واشباهه؟ قال: لا بأس في الصلاة فيه». فإن سيدنا الخوئي يقول: كلمة «لا باس بالصلاة فيه» تنحل الى إخبارات عديدة بعدد الفقرات. فكأن الحلبي اخبر بجواز الصلاة في الفراء، وأخبر بجواز الصلاة في السمّور، وأخبر بجواز الصلاة في السنجاب، واخبر بجواز الصلاة في الثعالب، فهناك اخبارات عديدة صدرت من الحلبي. وسقوط أحد هذه الاخبارت عن الحجية وهو اخباره بجواز الصلاة في الثعالب مثلا لمعارضته للروايات الاخرى الصحيحة، ولحمله على التقية بلحاظ موافقته للعامة لا يعني سقوط الإخبار عن جواز الصلاة في السنجاب عن الحجية، فتمسك بنفس هذه الرواية لإثبات جواز الصلاة في السنجاب.

إلّا أن في كلام المحقق النائيني «قده» في رسالته في «اللّباس المشكوك» ما يصلح أن يكون جوابا عن هذا الاشكال الذي طرحه سيدنا «قده» حيث افاد المحقق النائيني «ص71»:

انه لا يمكن التبعيض في الحجية في هذه الجملة وهي قوله «لا بأس بالصلاة فيه» لمحذورين:

المحذور الاول: أنّ لازم هذا الكلام التبعيض في اصالة الجهة، بأن نقول: كلمة «لا باس بالصلاة فيه»، تجري فيها أصالة الجهة بلحاظ أنه جواب عن فقرة السنجاب، ولا تجري فيها اصالة الجهة بلحاظ انها جواب عن فقرة الثعالب، وجريان اصالة الجهة في جملة واحدة بلحاظ، وعدم جريانها فيها بلحاظ اخر غير عرفي.

المحذور الثاني: أن المفروض ان الجواب عام، قال «لا بأس بالصلاة فيه». وهذا العام خصصناه في السمور بالروايات الدالة على المنع، وخصصناه في الثعالب بالروايات الدالة على المنع، فلم يبق تحته الا السنجاب، والا سائر الموارد والفقرات قد خرجت بالمخصص، والعمل بأصالة العموم أو اصالة الجهة التي تشترك مع اصالة العموم بكونها أصلاً محاورياً عرفياً العمل به مع كثرة المخصص له مستهجن عرفاً. فالنتيجة: ان التبعيض في الحجية في هذه الجملة «لا باس بالصلاة فيه» غير عرفي.

فإن قلت: قد ينقض على المحقق النائيني «قده» بنقضين:

النقض الاول: أنّ المحقق النائيني «قده» أفاد فيما إذا تعارض عامّان من وجه أنه تشملهما المرجحات المضمونية والجهتية في مورد الاجتماع، بيان ذلك «بيان المطلب الاصولي»:

إذا تعارض عامان من وجه في مورد معين، مثلا: لدينا عام يقول: «اغسل ثوبك من ابوال ما لا يؤكل لحمه». وهو دال على نجاسة بول كل ما لا يؤكل لحمه.

وعام آخر يقول: «كل شيء يطير فلا بأس ببوله وخرئه» وهو دال على طهارة بول الطير إذا كان مما لا يؤكل لحمه أيضاً. فيجتمعان في الطير الذي لا يؤكل لحمه كالغراب.

فإن مقتضى العام الاول: نجاسة بوله. ومقتضى العام الثاني: طهارة بوله. فتعارض العامان من وجه في مورد الاجتماع. فنأتي لمرجحات باب التعارض:

هل ان مرجحات باب التعارض تشمل تعارض العامين من وجه في مورد الاجتماع؟ «بحث اصولي»، أم انها تختص بتعارض المتباينين ولا تشمل العامين من وجه؟، _لان العامين من وجه ليسا متعارضين بتمام مدلولهما وإنما متعارضان فقط في مورد الاجتماع_ فهل المرجحات تشمل العامين من وجه المتعارضين في مورد اجتماعهما أم تختص المرجحات بالمتعارضين على نحو التباين؟

ذهب المحقق النائيني «قده» في «فوائد الاصول» الى التفصيل بين المرجحات، فقال: اما المرجحات الصدورية: كترجيح احد الخبرية على الآخر بصفات الراوي وهو ان يكون احد الروايين أصدق اعدل اوثق.

او الترجيح بالشهرة: كأن يكون احد الاخبرين مشهور والآخر ليس بمشهور، هذه تسمى مرجحات صدورية. لأن مؤّداها أن ما كان راوي للاعدل للاصدق هو الصادر، وما كان المشهور هو الصادر فهذه مرجحات صدورية. هل هذه المرجحات الصدورية تشمل العامين من وجه أم لا؟.

المحقق النائيني: يقول: لا تشمل، لأن لازم المرجحات الصدورية التبعيض في الصدور، بأن نقول: هذان العامان من وجه تعارضا في مورد الاجتماع، وبما ان احدهما هو المشهور دون الاخر فالمشهور هو الصادر يعني هو الصادر في مور الاجتماع. فلازم ذلك نقول: ان الثاني وهو غير المشهور ليس صادرا في مورد الاجتماع ولكنه صادر في مورد الافتراق، لان الترجيح هو في موطن المعارضة لا اكثر، وبما ان العامين من وجه لم يتعارضا في تماما مدلولهما وانما تعارضا في خصوص الاجتماع، فلو قدمنا احدهما على الاخر في مورد الاجتماع بمرجح صدوري لكان مقتضى ذلك التبعيض في الصدور، بأن نقول الآخر المعارض ليس بصادر، يعني الشارع يتعبدنا بعدم صدوره في مورد الاجتماع لانه موطن المعارضة، ويبقى التعبد بصدوره في مورد الافتراق، لانه ليس موطن معارضة، والتبعيض في الصدور أو التبعيض في السند «بحسب تعبير المحقق النائيني» مستهجن عرفاً. إذن المرجحات الصدورية لا تشمل العامين من وجه.

لكن هل تشمل المرجحات الجهتية العامين من وجه أم لا؟

المرجح الجهتي هو الترجيح بمخالفة العامة. المرجح المضموني هو الترجيح بموافقة الكتاب. هل أن المرجح المضموني والمرجح الجهتي يشمل العامين من وجه في مورد الاجتماع أم لا؟.

قال المحقق النائيني: لا مانع، لان الحديث أو الخبر له جهتان: النقل والمنقول «الاخبار والمخبر عنه» وبما أن المرجحات الصدورية مصبها النقل والإخبار، لذلك قلنا المرجحات الصدورية لا تشمل العامين من وجه لأن لازم ذلك التبعيض في النقل والإخبار، وهو غير عرفي، بينما المرجحات المضمونية والجهتية تنصب على المنقول المخبر عنه، المضمون، وبما انها تنصب على المضمون لا على الاخبار والنقل فلا مانع ان نقول: هذا المضمون اصله حجة، يعني ظهور الحديث في اصل المضمون حجة لكن ظهوره في العموم لمورد الاجتماع ليس بحجة، لموافقة للعامة أو لمخالفته للكتاب، فإن الموافق للعامة أو المخالف للكتاب هو مورد الاجتماع، مثلاً في العامين الذين ذكرناهما:

قوله: «اغسل ثوبك من ابوال ما لا يؤكل لحمه»، وقوله: «كل شيء يطير فلا باس ببوله وخرئه». وقد اجتمع هذان العامان في الطير الذي لا يؤكل لحمه فتعارضا هنا. وافترضنا ان قوله «كل شيء يطير فلا بأس ببوله وخرئه» هو المشهور دون الاول، فهل يمكن الترجيح بالشهرة بأن نقول: نأخذ بهذا الدليل وهو «كل شيء يطير فلا بأس ببوله وخرئه» في مورد الاجتماع ونطرح الدليل الآخر في مورد الاجتماع لانه ليس بمشهور.

يقول المحقق النائيني هذا غير ممكن، لان هذا لازمه التبعيض في الصدور، بأن نقول: تعبدنا الشارع بصدور هذا الدليل «كل شيء يطير» مطلقا.

واما الثاني: «اغسل ثوبك من ابوال ما لا يؤكل لحمه» تعبدنا الشارع بصدوره في غير مورد الاجتماع ولم يتعبدنا بصدوره في مورد الاجتماع للمعارضة. هذا تبعيض في الحجية غير عرفي. اما في المرجح الجهتي: فرجعنا الى كلمات العامة ووجدنا ان العامة مع الاول «اغسل ثوبك» إلا ابا حنيفة وابو حنيفة ما كان مذهبه رائجا في زمن الصادق . فعندما نرجع الى العامة نجد أن العامة يحكمون بنجاسة بول ما لا يؤكل لحمه من دون تفصيل بين الطير وغيره، إذن قوله: «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه» موافق للعامة. بينما «كل شيء يطير فلا بأس ببوله وخرئه» مخالف للعامة، فنرجح الثاني على الأول في مورد الاجتماع.

يقول المحقق النائيني أي مانع من نقول: «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه» بلحاظ أصل مضمونه صادر وتجري فيه اصالة الجهة، لكن بلحاظ شمول مضمونه للطير لا تجري فيه اصالة الجهة. هذا التبعيض عرفي، بخلاف التبعيض في الصدور، بأن نقول هذا الدليل وهو «أغسل ثوبك من ابوال ما لا يؤكل لحمه» صادر بلحاظ مورد الافتراق ليس بصادر بلحاظ مورد الاجتماع، هذا غير عرفي، اما إذا قلنا هذا الدليل بلحاظ اصل مضمونه صادر ومجرى لاصالة الجهة لكن بلحاظ صدور مضمونه بلحاظ مورد الاجتماع لا تجري فيه اصالة الجهة، هذا التفكيك تفكيك عرفي.

فالمرجح الجهتي يشمل العامين من وجه في مورد الاجتماع وإن لم يشملهما المرجح الصدوري.

فيقال: بناء على مبنى المحقق الذي شرحناه: فلماذا ان جملة واحدة وهي «لا باس بالصلاة فيه» تجري فيها اصالة الجهة بلحاظ فقرة وهي جواز الصلاة في جلد السنجاب، ولا تجري فيها أصالة الجهة بلحاظ فقرة أخرى وهي جواز الصلاة في الثعالب. ما دمت في العامين من وجه التزمت بالتفكيك وهو ان يقال: العامان من وجه المتعارضان احدهما مجرى لاصالة مضمونه وليس مجرى لاصالة الجهة بلحاظ عمومه، إذن كلمة «لا بأس بالصلاة فيه» أيضاً مجرى فيه لاصالة الجهة بلحاظ اصله ليس مجرى لأصالة الجهة بلحاظ عمومه للثعالب والخز والفنك وما اشبهه. لا فرق بين الموردين.

ولكن قد يجاب عن هذا النقض: مجرى اصالة الجهة يتعدد إذا كان هناك تعدد للموضوع حقيقة، وليس اعتباراً، مثلاً: إذا جئنا الى «لا باس للصلاة فيه» هذه ليس فيه موضوعان لأصالة الجهة، لانها ظهور واحد، غاية ما في الامر نحن نعدد الموضوع تعدد اعتباري، كما قال السيد الخوئي «لا باس بالصلاة فيه» هذا الظهور الواحد ينحل اعتبارا لإخبارين: اخبار بجواز الصلاة في السنجاب فتجري فيه اصالة الجهة، وإخبار بجواز الصلاة في الثعالب ولا تجري فيه اصالة الجهة. هذا التعدد تعدد اعتباري، لذلك قلنا انه غير عرفي.

اما إذا جئنا للعامين من وجه، وأخذنا هذا العام الموافق للعامة وهو قوله: «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه» فهنا جهتان:

الجهة الاولى: الاخبار بالعموم، وهذه شهادة ايجابية كما يعبرون.

الجهة الثانية: الاخبار بعدم المخصص المتصل. وهذه جهة سكوتية سلبية. يعني من يخبرنا بالعام فقد اخبر بجهتين: الجهة الاولى يقول: صدر من الامام أنه قال: «اغسل ثوبك من ابوال ما لا يؤكل لحمه».

الجهة الثانية: هل صدر من الامام مخصص متصل؟. لا لم يصدر. فهو يخبر بعدم صدور المخصص المتصل. إذن هو يخبر بجهتين متعددتين حقيقة: جهة إيجابية وهي الإخبار بالعموم. وجهة سلبية وهي الإخبار بعدم المخصص المتصل. وكل من الجهتين مجرى لاصالة الجهة، اخباره بالعام مجرى لاصالة الجهة، اخباره بعدم المخصص المتصل ايضاً مجرى لأصالة الجهة، فهنا موضوعان حقيقةً لأصالة الجهة وليس موضوعاً واحداً كما في قوله «لا باس بالصلاة فيه». وبالتالي: إذا وجدنا ان هذا العام في مورد الاجتماع وهو الطير الذي لا يؤكل لحمه موافق للعامة. فنقول: أما اخباره بالعام وهو قوله: «اغسل ثوبك من ابوال ما لا يؤكل لحمه» فهو صادر ومجرى لاصالة الجهة، واما اخباره بأن لا مخصص متصل ليس مجرى لاصالة الجهة.

وأما اخباره بأن لا مخصص متصل، هذا الإخبار ليس مجرى لأصالة الجهة، لأنه في إخباره السكوتي يكون معارضاً لقوله: «كل شيء يطير فلا باس ببوله وخرئه» وإلا لو كان هناك مخصص متصل لم يتعارض العامان من وجه في مورد الاجتماع. فتعارضهما فرع عدم وجود مخصص متصل، إذن إخباره بعدم المخصص المتصل هو الذي سقط لأجل موافقة العامة فلا يكون مجرى لاصالة الجهة.

وبالتالي تفكيك المحقق النائيني في العامين من وجه المتعارضين في مورد الاجتماع حيث قال: بشمول المرجح الجهتي لأحدهما دون الآخر ومقتضى ذلك التعدد لاصالة الجهة عرفي، لان مجرى اصالة الجهة هناك الاخبار بالعام، وما ليس مجرى لاصالة الجهة هو الاخبار بعدم المخصص المتصل. فالمسألة عرفية.

اما في محل كلامنا فهناك ظهور واحد ناظر للسؤال الوارد في كلام المستفتي: «سألته عن السنجاب والسمور والثعالب، قال: لا باس بالصلاة فيه». هور واحد ناظر لثلاثة عناوين، فهنا التفصيل في هذا الظهور الواحد بجريان اصالة الجهة فيه بلحاظ عنوان وهو السنجاب وعدم جريانها فيه بعنوان آخر مع نظره للجميع بظهوره اللفظي تفكيك غير عرفي.

ومن هنا يتبين عدم ورود النقض عليه بصحيحة البزنطي: «سألت ابا الحسن عن الرجل يستكره فيحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك، فقال : قال رسول الله : رفع عن امتي ما استكرهوا عليه». مع أن حلفه أساساً باطل، لأنه حلف بغير الله، فهذا الحلف إنما يكون صحيحا عند العامة لا عندنا، فيقال: ان هناك جهتان حقيقتان في كلام الإمام: الجهة الاولى: اخباره عن رسول الله بأنه قال «رفع عن امتي ما استكرهوا عليه» وهذا الاخبار تجري فيه اصالة الجد والجهة.

والجهة الثانية: تطبيق هذا الحديث العام على مورد السؤال، وهذا التطبيق مشوب بالتقية. لان العامة يرون نفوذ هذا الحلف مع غمض النظر عن هذا الاكراه، إذن هناك جهتان: جهة الاخبار وجهة التطبيق. فهما جهتان حقيقتان وليس اعتباريتين، فبلحاظ احدى الجهتين تجري اصالة الجهة وبلحاظ الجهة الاخرى لا تجري اصالة الجهة، فلا يكون هذا نقضا على المحقق النائيني «قده» الذي التزم في المقام بعدم صحة التفكيك في جريان اصالة الجهة بالنسبة الى قول الامام : «لا بأس بالصلاة فيه». فتأمل.

والحمد لله رب العالمين.

الدرس 59
الدرس 61