نص الشريط
الدرس 64
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 15/4/1437 هـ
تعريف: انحلال العلم الإجمالي
مرات العرض: 2647
المدة: 00:34:12
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (169) حجم الملف: 15.6 MB
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

المتلّخص ممّا مضى: أن الفرق بين مسلك سيدنا «قده» في «الدراسات» ومسلكه في «مصباح الاصول» أن المدار عنده في «الدراسات» على الوجود الواقعي للمعلوم، بمعنى أنه متى ما كانت الملاقاة واقعاً متحدةً زماناً مع النجاسة المعلومة بالإجمال أو كانت سابقة زماناً مع النجاسة المعلومة بالإجمالي، فحينئذٍ يجب الاجتناب عن الملاقي سواء كان العلم بالملاقاة متأخراً عن العلم بالنجاسة أو كان العلم بالملاقاة ونجاسة الملاقي متقدماً زماناً على العلم بنجاسة أحد الطرفين، فالمدار على ذات المعلوم لا على العلم، فبغض النظر عن كون العلم بالنجاسة والعلم بالملاقاة متعاصرين أم متفاوتين زماناً المهم أن الملاقاة واقعا متحدة مع النجاسة المعلومة بالإجماع أو سابقة عليها، ففي هذه الفرض يكون الملاقي طرفا للعلم الاجمالي وتتنجز النجاسة فيه.

وأما مبناه في «مصباح الاصول» الذي هو المبنى المتأخر له: أفاد بأن المدار على العلم لا على الوجود الواقعي للمعلوم. اذن إذا كان العلم بالملاقاة معاصراً زماناً للعلم بالنجاسة أو سابقا عليه وجب الاجتناب عن الملاقي، مع غض النظر عن زمان الملاقاة وزمان النجاسة، واما إذا افترضنا ان العلم بالملاقاة متأخر زماناً عن العلم بالنجاسة، لم الاجتناب عن الملاقي، وكذا العكس وهو: لو علمنا بنجاسة الملاقي أو شيء، ثم علمنا بنجاسة ذاك الشيء أو شيء آخر لم يكن العلم الثاني متنجزاً بل المدار على الاول. هذا هو الفرق الجوهري بين المسلكين مسلك «الدراسات» ومسلك «مصباح الاصول».

فبناءً على الاختلاف الجوهري بين المسلكين: نستعرض الصور التي اتحد كلامه فيها في «المصباح» مع كلامه في «الدراسات» والصور التي اختلف كلامه في المصباح عن كلامه في الدراسات، فهنا مسائل:

المسالة الاولى: إذا كانت الملاقاة والعلم بها متأخرين زمانا عن العلم بالنجاسة، _نفس العلم بالملاقاة متأخرة زمانا عن العلم بالنجاسة فضلاً عن العلم بها وهي ما عبرنا عنها سابقاً الصورة الاولى_. كما إذا علمنا اجمالا بنجاسة الإناء الأبيض أو الأزرق ثم بعد ساعة لاقت ثوب الإناء الأبيض فعلمنا بالملاقاة، فالملاقاة والعلم بها متأخر زمانا، فهنا لا يختلف كلامه لا في الدراسات ولا في المصباح.

فبنى على ان العلم الاجمالي ليس منجزاً في الملاقي. اما في «الدراسات» فلا، الوجود الواقعي للملاقاة ليس متحداً زماناً مع الوجود الواقعي للنجاسة المعلومة إجمالاً.

وأما في «مصباح الاصول» فإن العلم بالملاقاة متأخر زماناً عن العلم بالنجاسة، فسواء قلنا المدار على الوجود الواقعي للمعلوم أو قلنا المدار على العلم على كلا المبنيين لا يتنجز العلم الاجمالي في الملاقي. وسبق ان ناقشناه في هذه الصورة حتى على مبنى العلم. هذه الصورة هي التي عبر عنها صاحب الكفاية: ما ينتجز فيها العلم الاجمالي في الملاقى دون الملاقي.

المسألة الثانية _التي عبر عنها صاحب الكفاية ما يجب الاجتناب فيها عن الملاقى والملاقي_: السيد الخوئي فرض لها صورتين:

الصورة الاولى: ان تكون الملاقاة متحدة زمانا مع النجاسة المعلومة والعلم بالنجاسة متأخر. مثلاً الثوب واقع في الماء بعد ان وقع الثوب في الماء علمنا بعد ساعة علمنا اما بنجاسة هذا الماء أو نجاسة غيره، فالملاقاة متحدة زمانا مع النجاسة المعلومة بالإجمال وان كان العلم بالنجاسة متأخراً زماناً.

هنا ايضا اتحدت النتيجة بين «الدراسات، والمصباح» لأن على مسلك الدراسات الاتحاد موجود بين المعلومين، وعلى مسلك السيد «قده» هو مسلكه في «مصباح الاصول» لم يتأخر العلم بالملاقاة عن العلم بالنجاسة، كي لا يكون العلم بالملاقاة منجزا للعلم الاجمالي في الملاقي. على كلا المسلكين المنجزية موجودة في الملاقى والملاقي.

الصورة الثانية: ما إذا كان زمان المعلوم سابقا على زمان الملاقاة، كما إذا علمنا يوم السبت بأن احد الاناءين نجس منذ يوم الخميس، العلم يوم السبت والنجاسة يوم الخميس، وعلمنا ان الثوب لاقى احدهما يوم الجمعة، فاذا ننظر إلى الملاقاة سنجدها متأخرة زماناً عن ذات النجاسة، لأننا علمنا يوم السبت بنجاسة احد الاناءين منذ يوم الخميس وعلمنا بملاقاة الثوب للإناء الأبيض منهما يوم الجمعة، فالملاقاة واقعا متأخرة زمانا عن النجاسة الا انهما بحسب العلم متعاصران، الآن «وهو يوم السبت» بنجاسة احدهما منذ يوم الخميس، الان علمنا بملاقاة الثوب للأبيض منهما يوم الجمعة. هنا ذكر سيدنا «قده» اختلف مسلك «الدراسات» على مسلك «المصباح»: فبحسب مسلك الدراسات بما ان الملاقاة غير معاصرة للنجاسة ولاسابقة عليها بل هي متأخرة عنها، لأجل ذلك قال: فقد ذكرنا في الدورة السابقة: عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي لأن المعلوم بالاجمال النجاسة المرددة بين الماءين وأما الثوب فليس من اطراف العلم الاجمالي لأن الملاقاة متأخرة زمانا، فالشك في نجاسته شك في نجاسة جديدة غير ما هو معلوم اجمالاً فلا مانع من الرجوع إلى الاصل فيها. _هنا السيد «قده» قال ليس المدار على المعلوم حتى تقولون بأن الملاقاة متأخرة زمانا على النجاسة المدار على العلم، المفروض ان العلمين متعاصران_ ولكن الظاهر عدم الفرق بين الصورتين، إذ المعلوم بالاجمال وهو النجاسة وإن كان سابقا بوجوده الواقعي على الملاقاة الا انه مقارن له بوجوده العلمي والتنجيز من آثار العلم لا من آثار الوجود الواقعي. _هذه هي المسألة الثانية ولها صورتان، في احدى الصورتين اتفق المسلكان وفي الصورة الثانية اختلف المسلكان.

المسألة الثالثة: هي المرددة، هل هي داخل في المسالة الاولى وهي ما يجب الاجتناب عن الملاقى دون الملاقي؟، أو داخلة في المسالة الثانية وهي ما يجب الاجتناب فيها عن الملاقى والملاقي معاً؟

مثل لها، قال: ما إذا كان العلم الاجمالي بعد الملاقاة وقبل العلم بها، مثلا: علمنا اجمالا اما بنجاسة الأبيض أو الأزرق ثم علمنا بملاقاة الثوب للاناء الأبيض من قبل ذلك.

وبعبارة اوضح، علمنا بنجاسة الأبيض أو الأزرق يوم السبت وعلمنا بملاقاة الثوب للاناء الأبيض منذ يوم الجمعة، فالملاقاة واقعاً متقدمة على النجاسة المعلومة بالاجمال لكن العلم بالنجاسة سابق زمانا على العلم بالملاقاة، إذن العلم بالنجاسة بعد الملاقاة الواقعية لكن قبل العلم بها. _هنا في مثل هذا الفرض ذكر انه فرق بين المسلكين_. وقد التزمنا في الدورة السابقة بوجوب الاجتناب هنا عن الملاقي الحاقا لها في المسالة الثانية لأن العلم بحدوثه وان تعلق بالنجاسة «اما نجاسة الأبيض أو الازرق» الا انه بعد علمنا بالملاقاة وان الملاقاة سابقة على النجاسة، لأن الملاقاة حادثة منذ يوم الجمعة والنجاسة حادثة يوم السبت، فبما أن الملاقاة واقعاً سابقة على العلم بالنجاسة إذن يحصل انقلاب، فكأننا علما اما بنجاسة الأزرق من جهة أو الملاقى والملاقي من جهة اخرى فيجب الاجتناب عنها. لأننا قلنا على مسلك الدراسات المهم ان تكون الملاقاة متحدة أو سابقة زماناً. بينما على مسلك المصباح المهم ان يكون العلمان متعاصرين.

ولكن الظاهر عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي «المسالة الاولى» لما ذكرنا من ان مدار التنجيز على العلم لا على ذات المعلوم والمفروض ان العلم بالنجاسة سابق زمانا عن العلم بالملاقاة وان كانت ذات الملاقاة سابقة زمانا عن النجاسة المعلومة.

المسألة الرابعة: وهو ما عبر عنها صاحب الكفاية ما يجب الاجتناب عنه في الملاقي دون الملاقى، ومثل لها بمثالين:

المثال الاول: علمنا تفصيلا بملاقاة الثوب لماء الجار وعلمنا اجمالا بنجاسة ماء الجار أو ماء البيت، ولكن ي هذا الفرض كان ماء الجار خارجاً عن محل الابتلاء، ثم دخل ماء الجار محل الابتلاء.

هنا لم يختلف كلام «المصباح» عن كلام «الدراسات»، على كلا مسلكيه قال: بأن العلم الاجمالي يتنجز في الملاقى، خلافا لكلام لصاحب الكفاية الذي قال يتنجز في الملاقي دون الملاقى، السيد الخوئي قال: يتنجز في الملاقى، لأن ماء الجار وإن خرج في حد نفسه عن محل الابتلاء لكن بلحاظ اثره ليس خارجاً عن محل الابتلاء، إذن أنا عندي علمان: علم بنجاسة ماء الجار أو ماء البيت وقد تنجز، فالعلم بملاقاة الثوب لماء الجار متأخر زماناً أي بما هي ملاقاة للنجس، بما هي ملاقاة للنجس متأخر زماناً لأجل ذلك لا يتنجز العلم الاجمالي في الملاقي.

المثال الثاني «ص491»: ما لو تعلق العلم الاجمالي بنجاسة الملاقي أو شيء آخر.

علمت بنجاسة الثوب أو الماء الأزرق ثم حدث علم بالملاقاة وعلم بنجاسة الملاقى «في آن واحد» ثم علمت بعد ساعة إذا كان الثوب متنجز فهو بملاقاة الإناء الابيض، انا ابتداء علمت اما بنجاسة الثوب أو الماء الأزرق لكن بعد ساعة علمت ان نجاسة الثوب ليست منه وانما ان كان نجسا فهو من نجاسة الإناء الابيض، إذن بحسب العلم الجديد عندي علم بنجاسة الأبيض أو الازرق، فإن كان الأبيض نجسا فالثوب متنجس.

السيد الخوئي قال: كما لو علم يوم السبت بنجاسة الثوب أو الإناء الكبير ثم علم يوم الاحد بنجاسة الكبير أو الصغير منذ يوم الجمعة وبملاقاة الثوب للإناء الصغير في ذلك اليوم «يوم الجمعة».

وقد ذكرنا في الدورة السابقة: انه لا يجب الاجتناب عن الملاقي في هذا الفرض، لأن هناك علما اجمالياً جديدا وهو العلم بنجاسة الأزرق أو الأبيض وملاقيه، اما على ما ذكرناه في «الدراسات» فلأن الملاقاة سابقا على النجاسة المعلومة بالاجمال، فلذلك بنينا على ان العلم الجديد يكون منجزاً للعلم الاجمالي للملاقى والملاقي. ولكن التحقيق تمامية ما ذكره «قده» من وجوب الاجتناب عن الملاقي دون الملاقى. لأنه يوجد علمين: احدهما متأخر زماناً، عندي علم اما بنجاسة الثوب أو الإناء الازرق، «علم اجمالي منجز»، ثم علمت إما بنجاسة الأبيض أو الازرق، فإن كان الأبيض نجسا فالثوب متنجس، يقول: هذا العلم الاجمالي الثاني غير متنجز، لأن احد طرفيه وهو الإناء الأزرق قد تنجز بعلم اجمالي سابق. هنا بالعكس: صار العلم بالملاقاة متقدم زمانا على العلم بالنجاسة، فالعلم بالنجاسة غير منجز لأن احد طرفيه قد تنجز بمنجز سابق.

وهذا ما اعترض عليه المقرر في مصباح الاصول «البهسودي» اعترض عليه المقرر في حاشيته بانه: في العلم الثاني علمنا اجمالا بنجاسة الثوب أو الإناء الازرق، ثم علمنا اجمالا بنجاسة الأبيض أو الأزرق منذ البداية. يقول: هذا العلم الثاني علم آخر غير العلم الاول بحيث ينضم احدهما إلى الاخر؟ أو زال العلم الاول؟

إذا قلنا بأن العلم الثاني غير العلم الاول يعني انا اعلم بنجاسة، أعلم بنجاسة الثوب ابتداء أو الازرق، ثم اعلم بنجاسة الأبيض أو الأزرق فإن كان الأبيض نجسا فقد تنجس الثوب بنجاسة اخرى بالملاقاة، غير النجاسة المعلومة اولاً. إذا العلم الثاني علم منضم إلى العلم الاول يعني علم بنجاسة اخرى حينئذ مقتضى القاعدة: ان يتنجز العلم الاجمالي الثاني كما يتنجز العلم الاجمالي الاول. فكيف تقول يا سيدنا العلم الثاني غير متنجز؟!. وإذا العلم الثاني ليس منضمان وانما هو تبدل وتحول يعني ما علمت به ابتداء تبين انه لا صحة له، أنا الآن بالفعل اعلم إما بنجاسة أو الأزرق وعلى تقدير نجاسة الأبيض فالثوب متنجس، إذن حينئذ تعارض اصالة الطهارة في الأبيض مع اصالة الطهارة في الأزرق وجرت اصالة الطهارة على مبناك في الملاقي وهو الثوب بلا معارض فلا يتنجز العلم الاجمالي في الملاقي، وتلحق هذه الصورة بالمسألة الاولى: وهي ما يتنجز العلم الاجمالي في الملاقى دون الملاقي. وكلامه متين.

المهم ان سيدنا الخوئي الذي بنى في دورة «الدراسات» على ان المدار على الوجود المعلوم الواقعي للمعلوم، فمتى ما كانت الملاقاة سابقة زماناً على النجاسة أو معاصرة لها كان العلم الاجمالي منجزاً وإلا فلا، عدل عنه في دورة «المصباح» وقال: بأن المدار على العلم، إذا كان العلمان متعاصرين تنجز الملاقى والملاقي، إذا كان العلم بالنجاسة متقدماً زماناً على العلم بالملاقاة لم يتنجز في الملاقي، إذا كان العلم بالملاقى متقدما زمانا على النجاسة لم يتنجز العلم الثاني في الطرف الآخر. هذا الفرق بينهما.

بعد ان عدل في «المصباح» لماذا في المصباح في «ص427» بنى على كلامه في «الدراسات»؟. في التنبيه الرابع مشى على «الدراسات»، يعني إلى بحثه في التنبيه الرابع هو ماشي على رؤيته في الدراسات ثم عدل لّما وصل إلى التنبيه الثاني عشر. لذلك قال في «ص427»: إذا علمنا بنجاسة احد الاناءين الأبيض أو الاحمر ثم بعد ذلك بعلم متأخر علمنا بنجاسة الأبيض أو الأزرق من الاول بأن انكشف لنا ان الأبيض أو الأزرق من الاول متنجسين، فالعلم الاجمالي الاول ينحل بالثاني إذ بعد العلم بالثاني لا يبقى لنا علم بحدوث نجاسة بين الأبيض والاحمر لاحتمال ان الأبيض هو النجس من أول الأمر إذن فيكون الشك في حدوث نجاسة جديدة في الإناء الاحمر غير ما هو المتيقن بين الأبيض والازرق فتجري فيه اصالة الطهارة بلا معارض. مع ان العلم الثاني متأخر زمانا لكن اعتبره هو المتنجز لأن المنكشف به متقدم، فهو بنى هنا على المنكشف لا على الكاشف، لذلك بنى على منجزية العلم الاجمالي المتأخر. مع انه هو المتأخر زمانا. هذا خلاف مسلكه في المصباح.

لكن يمكن تبريره: بأنه إلى هذا الموضع كان ماشي على «الدراسات» في التنبيه الرابع. لما وصل إلى التنبيه الثاني عشر وهو «هل يتنجز العلم الاجمالي في ملاقي احد الطرفين» صار عنده تحقيق فعدل عن الرؤيا السابقة فبنى على ان المنجزية تدور مدار العلم.

لكن في الدورة التي بعد دورة «مصباح الاصول» في «شريطه المسجل 668» لما وصل إلى التنبيه الرابع قرر مسلك الدراسات مع انه في دروة سابقة في التنبيه الثاني عشر غير الرؤيا وانتهى إلى تحقيق آخر، لعله نسي انه في التنبيه الثاني عشر الذي سيأتي الذي سيكون له رؤيا اخرى فمشى على طبق ما في «الدراسات».

والحمد لله رب العالمين.

الدرس 63
الدرس 65