نص الشريط
أصالة الصحة | الدرس 9
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 5/9/1437 هـ
مرات العرض: 2525
المدة: 00:27:28
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (1215) حجم الملف: 6.2 MB
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

المعنى الخامس لأصالة الصحّة

وهو محل البحث، أن يكون الفعل الصادر من الغير موضوعا لأثر عملي جوارحي سواءً كان هذا الأثر أثراً شرعياً أو عقلياً، مثلاً طلاق الغير موضوع لأثر شرعي وهو بينونة الزوجة المطلقة من الزوج، وقيام الغير بصلاة الجنازة موضوع لأثر عقلي إلينا وهو سقوط الأمر بالصلاة على الميت.

كما لا فرق في محل الكلام بين ان يكون الفعل الصادر من الغير عملاً اعتبارياً كالعقد والإيقاع أو الصلاة وبين ان يكون العمل الصادر من الغير فعلاً خارجياً كما لو قام الغير بتطهير الثوب من النجاسة وشككنا في صحّة تطهيره وعدمها فإن الفعل الصادر منه فعل خارجي سواء كان قاصدا للتطهير أم لا، فمتى رأيناه يقوم بغسل الثوب بالماء مع فرض ان الماء جاري بحيث تتحقق الطهارة به بمرة واحدة وشككنا في انه اتمه بالنحو المحقق للطهارة أم لا فهل يترتب على ذلك ترتيب أثر الطهارة الواقعية على فعله أم لا؟

إذن ما هو محل الكلام ان يكون الفعل الصادر من الغير موضوعا لأثر شرعي أو عقلي بالنسبة للآخرين، سواء كان الصادر منه عملا اعتباريا أو خارجيا.

وهذا تمام الكلام في الجهة الثانية حيث بحثنا في الجهة الأولى من جهات أصالة الصحّة في مدخل حول الاعتبار وحقيقته وتفاصيله ثم بحثنا في الجهة الثانية حول معاني أصالة الصحّة، وما هو محل البحث والنقض والإبرام.

الجهة الثالثة: الفرق بين أصالة الصحّة وقاعدة الفراغ، فقد ذكر الأعلام ثلاثة فروق بين قاعدة الفراغ وأصالة الصحّة.

الفرق الأول: ان قاعدة الفراغ تختص بالشك في صحّة عمل النفس بينما أصالة الصحّة موردها الشك في صحّة عمل الغير.

ولكن هذا الفرق مبنائي فعلى مبنى المحقق الاصفهاني «قده» ان قاعدة الفراغ من صغريات أصالة الصحّة، بمعنى انه لو لم يقم دليل خاص على جريان قاعدة الفراغ في فعل النفس فإن النكتة التي على أساسها تجري أصالة الصحّة في فعل الغير تشمل ما اذا شك في فعل النفس وهذا سياتي بحثه ان شاء الله.

كما انه على مبنى السيد الأستاذ «دام ظله» تكون المسالة من صغريات قاعدة الفراغ بعكس كلام المحقق الاصفهاني «قده» فإذا لم يقم دليل على أصالة الصحّة في فعل الغير فإن أدلة قاعدة الفراغ مطلقة كما تشمل الشك في صحّة فعل النفس فإنها تشمل الشك في صحّة فعل الغير وسياتي الكلام عن ذلك أيضاً.

الفرق الثاني: ان يقال ان مورد قاعدة الفراغ ما اذا شك في الصحّة والفساد للشك في الغفلة أو الخطأ أو صدور الفعل الفاسد عن جهل، واما أصالة الصحّة فإنها تشمل ما اذا شك في صحّة فعل الغير لأجل الشك في مبالاته للقانون الشرعي وعدم مبالاته فمن هذه الجهة تكون أصالة الصحّة مورداً من قاعدة الفراغ.

ولكن هذا الفرق مبنائي أيضاً لان بعضهم ضيق أصالة الصحة بما اذا شك في الصحّة والفساد للشك في الغفلة أو الخطأ أو صدور الفعل الفاسد عن جهل، وبعضهم وسع قاعدة الفراغ لما اذا شك في صحّة فعل نفسه للشك في انه حين العمل كان متعمدا لفعل الفاسد أو كان مراعيا للقانون الشرعي فهذا الفرق أيضاً مبنائي.

الفرق الثالث: ان يقال باختصاص قاعدة الفراغ بناء على وجود دليل شرعي يدل عليها بما إذا كان الشك في الصحّة بعد مضي العمل، بينما أصالة الصحّة لا تختص بالشك بالصحة بعد مضي العمل بل تشمل الشك في الصحّة اثناء العمل، فلو شك في اثناء قراءة الإمام انه يقرا قراءة صحيحة فهو مورد لأصالة الصحّة بل قال البعض انها تشمل الشك في صحّة عمل الغير قبل حصوله، فاذا شك في ان هذا الإمام هل يقرأ قراءة صحيحة ليأتم به أم لا قبل الدخول في الصلاة فإن له ان يجري أصالة الصحّة في قراءته قبل ان يشرع الإمام في الصلاة أو في القراءة يكون هذا مسوغا للائتمام به، وهذا الفرق وجيه بين القاعدتين وأما الفرقان الأولان فهما من الفروق المبنائية.

الجهة الرابعة: هل ان موضوع أصالة الصحّة بالمعنى الأخير الذي تحدثنا عنه هو حمل فعل الغير على ما هو الصحيح عنده أو حمل فعل الغير على ما هو الصحيح عند الحامل أي على ما هو الصحيح واقعا، فلو صدرت صلاة الجنازة من شخص وشككنا في صحتها وفسادها فهل تحمل على ما هو الصحيح بنظر المصلي أو على ما هو الصحيح واقعا، وبحسب تحديد الحامل للواقع.

فهنا ذكر الأعلام بأن مورد أصالة الصحّة وموضوع أصالة الصحّة الحمل على الصحيح الواقعي لترتيب أثر الواقع بنظر الحامل لا الحمل على الصحيح بنظر الفاعل.

ومن أجل توضيح ذلك نذكر في المقام مطالب:

المطلب الأول: هل يمكن حمل الفعل الصادر من الغير على ما هو الصحيح بنظر الفاعل أي هل ان عندنا أصلا عقلائياً يسوغ لنا حمل فعل الغير على ما هو الصحيح عند الفاعل وان لم يكن صحيحا عندنا أم لا؟

ذكر جملة من الأعلام ذلك، وهو غير بعيد، وذلك لوجود أصل عقلائي وهو أصالة الالتزام العملي بما يتعهد به العامل، فمثلاً في باب الألفاظ اذا تحدث شخص بلغة معينة، وشككنا بأنه أراد المعاني لهذه الكلمات على طبق ما هي موضوعة له أم لا فنقول مقتضى التعهد النوعي وهو تعهد كل متكلم بلغة ان يقصد المعاني التي على طبق اللغة التي تكلم بها ومقتضى أصالة الالتزام العملي بما تعهد به ان يكون قاصدا لذلك، فهناك أصل عقلائي وهو الأصل في الإنسان الملتفت ان يكون ملتزما بما تعهد به تعهدا شخصيا أو نوعيا ارتكازيا فبما ان من صدر منه الكلام انسان ملتفت فمقتضى التفاته ان يكون ملتزما عملا بما تعهد به تعهدا شخصيا كما لو كانت له مصطلحات خاصة أو تعهدا نوعيا ارتكازيا كما لو كان من أبناء هذه اللغة أو من المطلعين على هذه اللغة فمقتضى أصالة الالتزام ان يكون قاصدا وجاريا على وفق ما تعهد به، فيحمل كلامه على المعاني اللغوية لهذه الكلمات.

ونفس هذا الأصل يمكن تطبيقه على الأفعال، فاذا صدر فعل لأي شخص ملتزم باي دين أو مذهب وشككنا بأن فعله الصادر على وفق مذهبه أو دينه أو اجتهاده اذا كان موافق لنا في المذهب ومخالف لنا في الاجتهاد والنظر فحينئذٍ اذا شككنا في ذلك فمقتضى أصالة الالتزام عملا بما تعهد به ان يكون عمله الصادر منه صحيحا على وفق رأيه سواء كان رأيه عن تقليد أو اجتهاد أو تبعاً لمذهب أو دين أو جرياً على قانون وضعي فإن أصالة الالتزام تشمل كل هذه الموارد وهذا الأصل غير بعيد.

إلا ان هذا غير حمل فعله على ما هو الصحيح الواقعي بمعنى أننا لا نرتب أثر الصحيح الواقعي على فعله، وإنما الأثر الذي يترتب على حمل فعله على ما هو الصحيح عنده الزامه بذلك والاحتجاج عليه بذلك، فالأثر التحميلي وهو الزامه بفعله أو الزامه بكلامه أو الزامه بإقراره يكون هذا الأثر التحميلي موضوعه هذا الأصل العقلائي وهو أصالة الالتزام عملا بما تعهد به.

المطلب الثاني: لو كان للصحيح عنده أثر بالنسبة الينا فهل يترتب هذا الأثر العلمي بالنسبة الينا أم لا؟

نقول نعم يترتب اذا قام عليه دليل خاص لا بمقتضى أصالة الصحّة.

ولنذكر لذلك ثلاثة موارد:

المورد الأول: موارد قاعدة الالزام، أي ما إذا كان الصحيح عنده موضوعا للصحة الواقعية عندنا ببركة دليل خاص، الا وهو دليل قاعدة الالزام، فبما اننا شككنا في ان طلاق العامي لزوجته طلاق صحيح على وفق مذهبه أم لا فاجرينا أصالة الصحّة بمعنى أصالة الالتزام فثبت بذلك انه صحيح على وفق مذهبه، وبما ان صحّة طلاقه على وفق مذهبه موضوع لأثر عملي شرعي بالنسبة الينا وهو بنينونة زوجته منه بحيث يجوز العقد عليها بعد انقضاء العدة ان كانت ذات عدة فحينئذٍ يصح لنا ان نرتب الأثر العملي على ذلك لا من باب أصالة الصحّة التي نبحث عنها بل من باب قيام الدليل الخاص وهو دليل قاعدة الالزام.

وتعبير بعض الاعلام كما في المنتقى بأن الصحّة الظاهرية بالنسبة إليه موضوع لأثر عملي بالنسبة الينا.

وهذا مبني على الخلاف في محله، وهو ان صحّة الطلاق الصادر من العامي هل هي صحّة ظاهرية باعتبار انها منافية للواقع أو صحّة واقعية بحسبه، فهناك من يقول بأن عمل العامي صحيح ظاهراً يعني بالنسبة إليه هذه الصحّة ظاهرية وبالنسبة الينا طلاقه من دون شاهدين عادلين فاسد واقعا، وصحيح ظاهرا، أي بالنسبة اليه، حيث انه لا يعلم بالخلاف أو بالواقع، فهي صحّة ظاهرية وهذه الصحّة الظاهرية موضوع للصحة الواقعية عندنا.

وهناك من يقول بأن طلاقه من دون حضور شاهدين عادلين صحيح واقعا ولكن صحيح واقعا بالنسبة للعامي، أي طلاق العامي من دون حضور شاهدين عادلين صحيح واقعا فهي صحّة واقعية وان كان موضوعها طلاق العامي لا طلاق الامامي، لا انها صحّة ظاهرية، وبالتالي ليس القياس المذكور ان ما هو الصحيح عندهم فهو صحيح واقعا بدليل قاعدة الالزام، بل مفاد دليل قاعدة الإلزام ان طلاقهم صحيح واقعاً، لا ان طلاقهم صحيح بالنسبة اليهم وما كان صحيحاً بالنسبة اليهم فهو صحيح واقعا أو يرتب عليه آثار الصحّة الواقعية، ليس القياس الاقتراني بهذا النحو، بل القياس الاقتراني هو ان دليل قاعدة الإلزام مفادها ان طلاق العامي صحيح واقعاً.

فإذن هناك خلاف في ان طلاق العامي صحيح ظاهرا بالنسبة إليه وما كان صحيح ظاهرا بالنسبة إليه فهو صحيح واقعا بالنسبة الينا أو يجوز لنا ان نرتب عليه آثار الصحّة الواقعية أو ان مفاد دليل قاعدة الإلزام انه صحيح واقعاً.

وبالجملة فتطبيق أصالة الالتزام هنا صغرى من صغريات المسالة لان المسالة لا تنحصر بحالة الشك بل حتّى لو علمنا بأن طلاق العامي صدر من دون حضور شاهدين عادلين، وهو فاسد عندنا مع ذلك هو صحيح واقعاً فيرتب عليه آثار الصحّة الواقعية، لا ان موضوع الحمل هو فرض الشك.

نعم اذا شككنا في ان طلاق العامي هل صدر على وفق مذهبه أم لا فمقتضى أصالة الالتزام ان نحمله على صدوره على وفق مذهبه.

نعم هذا صحيح الا ان موضوع آثار الصحّة الواقعية ليس هو فرض الشك في طلاقه بل حتّى لو احرزنا ان طلاقه فاسد عندنا مع ذلك نرتب عليه آثار الصحّة الواقعية فإجراء أصالة الالتزام عند الشك في ان طلاقه على وفق مذهبه أم لا هذا من صغريات قاعدة الإلزام لا ان موضوع ترتيب آثار الصحّة الواقعية عليه هو فرض الشك وفرض إجراء أصالة الالتزام عملاً.

المورد الثاني: قاعدة سوق المسلمين، كما لو فرضنا ان الذبح صدر من العامي أو ممن يختلف معنا من الامامية كما لو صدر ذبحٌ وشككنا انه بالماكينة أم باليد، بالحديد أم بالاستيل، فهنا تجري أصالة الالتزام عملا ومقتضى أصالة الالتزام عملاً انه ذبح صحيح وفق مذهبه اجتهادا أو تقليداً، ولكن ترتيب آثار التذكية عليه بالنسبة إلينا ليس من باب أصالة الصحّة بل إما من باب قاعدة أمارية سوق المسلمين أو أمارية يد المسلم أو من باب الدليل الخاص وهو ما دل على ان الإخلال بالتسمية أو الاستقبال أو فري الأوداج الأربعة عن جهل قصوري ليس مانعا من تحقق التذكية، أو من باب قيام السيرة على ترتيب آثار المذكى على ذبائح العامة أو المختلفين معنا في النظر اجتهادا أو تقليدا، فعلى أية حال المقصود ان ترتيب آثار التذكية الواقعية ليس من باب أصالة الصحّة المبحوث عنها بل من باب قيام الدليل الخاص.

المورد الثالث: هو مورد حديث لا تنقض السنة الفريضة فلو فرضنا ان الإمام ترك السورة، والان نريد ان نأتم به في الركوع ولا ندري ان هذا العمل صدر منه صحيحا على وفق نظره أم لا فنحن نحتمل ان الإمام اجرى البراءة عن جزئية السورة لعدم وصوله لدليل يدل على جزئية السورة، أو ان الإمام صلى في ثوب مأخوذ من حيوان لا يحل أكله ولا ندري انه اعتمد في ذلك على جريان استصحاب العدم الأزلي أي شك في ان الثوب من حيوان محرم الأكل أم لا فأجرى استصحاب عدم كون الثوب من حيوان محرم الأكل على نحو استصحاب العدم الأزلي، بالنتيجة صدر من الإمام عمل نشك في صحته على وفق مذهبه أو نظره أم لا إما لشبهة حكمية عنده أو لشبهة موضوعية عنده، فهنا يصح الائتمام به لان صلاته صحيحة واقعا في حقه بلحاظ دليل لا تنقض السنة الفريضة فإن مقتضى هذا الدليل انه اذا اخل بأي سنة عن جهل قصوري فإن صلاته صحيحة بل حتّى لو احرزنا انه ترك ذلك عن غفلة أو نسيان فإن صلاته صحيحة واقعاً بمقتضى دليل لا تنقض السنة الفريضة.

والمتلخص: انه في هذه الموارد الثلاثة إنما نرتب أثر الصحة الواقعية لدليل خاص قائم على أن ما هو صحيح عنده يترتب عليه آثار الصحّة الواقعية لا بأصالة الصحّة بالمعنى المبحوث عندنا.

المطلب الثالث: هل تشمل أصالة الصحّة فرض إحراز جهله أم لا وهل تشمل أصالة الصحّة فرض الاختلاف بيننا وبينه على نحو التباين أم لا؟.

والحمد لله رب العالمين.

أصالة الصحة | الدرس 8
أصالة الصحة | الدرس 10