نص الشريط
أصالة الصحة | الدرس 24
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 26/9/1437 هـ
مرات العرض: 2642
المدة: 00:17:48
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (1147) حجم الملف: 4 MB
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

الفرع الرابع: إذا شُكَّ في أن بيع الراهن للعين المرهونة اقترن بإذن المرتهن أم لا؟ فهل تجري أصالة الصحة لإثبات اقترانه بإذن المرتهن أم لا؟

وقد تعرّض السيد الأستاذ «دام ظله» في بحثه حول أصالة الصحة في هذا الفرع لجهات ثلاث:

الجهة الأولى: هل أن بيع الراهن للعين المرهونة يحتاج إلى إذن المرتهن أم لا؟

حيث ذهب المشهور إلى توقف النفوذ على إذن المرتهن، بينما ذهب بعض العامّة ك «ابن رشد» وبعض علمائنا ك «المحقق الإيرواني والسيد الخوئي» «قده»: إلى أنّ الرهان ليست مانعا من صحة البيع بل هي مثل حق الجناية، بمعنى أن حق المرتهن يثبت في نفس العين المرهونة لا أن حقه يثبت في التصرف في العين المرهونة. فإن مجرد كون العين المرهونة وثيقة عند العقلاء لاسترداد الدين عند عدم أدائه في الوقت المحدد لا يوجد ثبوت حقٍ في التصرف في العين بحيث لا ينفذ أي تصرف ما لم يرتفع حق الرهانة، بل غايته ثبوت حق الرهانة في نفس العين المرهونة، وبالتالي حيث لم يثبت الحق في التصرف وإنما في نفس العين فيصح التصرف في العين ببيعها، غاية ما في الباب أنها ليست ملكا طلقا بمعنى أنا تتنقل للمشتري وهي محقوقة لحق المرتهن، نظير العبد الجاني فإنه ينتقل إلى المشتري وهو محقوق بالجناية، فلا مانع من صحة البيع، وبناءً على ذلك فالبيع صحيح حتى لو قطعنا بعدم إذن المرتهن فضلاً عما إذا شككنا فيه المورد خارج عن أصالة الصحة موضوعاً. كما انه لو افترضنا انه بيع الراهن يتوقف نفوذه على إذن من المرتهن أو إجازته لاحقاً، فهل أن الإجازة اللاحقة كالإجازة السابقة والمقارنة؟ أم لا؟

فإذا قلنا بمسلك المشهور من أنه لا فرق في صحة بيع الراهن ونفوذه عند كونه مع الإجازة في كون الإجازة سابقة أو مقارنة أو لاحقة؟ فعلى مسلك المشهور يدخل المورد في صغيرات أصالة الصحة.

وأما إذا افترضنا كما يقول صاحب المقابيس من أن الإجازة اللاحقة لا أثر لها في بيع الراهن، فإن بيع الراهن إما صادر عن إذن من المرتهن سابق أو مقارن وإلا فهو فاسد ولا أثر للإجازة اللاحقة.

فبناءً على كلام صاحب المقابيس: إذا شككنا في اقتران بيع الراهن بالإذن السابق أو اللاحق فهو شك في الفساد وهو مجرى لأصالة الصحة ولكنه لا يكون صغرى من صغريات بحثنا من هذه الجهة وهي ما إذا دار الأمر بين الصحة الفعلية والصحة التأهلية، لأن الأمر حينئذٍ يدور بين الصحة والفساد الفعليين لا بين الصحة الفعلية والصحة التأهلية.

وأما على مسلك المشهور من ان البيع «بيع الراهن» من دون إذن المرتهن بيع باطل ولكن تصححه الإجازة اللاحقة، فإذا شككنا في اقترانه بالإذن وعدم اقترانه فحينئذٍ يدور الأمر بين الصحة التأهلية والصحة الفعلية، لأنه على أية حال واجد للصحة التأهلية، إنما الشك في وجدانه للصحة الفعلية، وبالتالي فيقال: إن اقترن به الإذن أو لحقه الإذن فهو صحيح فعلاً وإلا فهو صحيح صحة تأهلية. فيكون المورد حينئذٍ على مسلك المشهور من أن بيع الراهن دون إذن المرتهن باطل وان الإجازة اللاحقة كالسابقة والمقارنة يكون المورد «وهو مورد الشك في بيع الراهن» مورداً لأصالة الصحة من هذه الجهة التي نبحث عنها وهي دوران الأمر بين الصحة التأهلية والصحة الفعلية.

الجهة الثانية: على مسلك المشهور من أن المورد مورد للبحث في هذه الجهة قد يمنع من جريان أصالة الصحة لأحد وجهين:

الوجه الأول: إن المقام من قبيل الشك في القابلية إما قابلية الفاعل وإما قابلية المورد، لأننا إذا شككنا في أن بيع الراهن هل اقترن بإذن المرتهن أم لا؟ فهو شك في أهلية الراهن بالبيع، أو شك في قابلية العين المرهونة للانتقال إلى المشتري مع عدم إذن المرتهن أم لا؟ فالشك راجع إلى الشك في أهلية العاقد أو قابلية المورد. وهذا ليس مجرى لأصالة الصحة، وقد دفعنا ذلك فيما مضى بأن الشك ما لم يرجع إلى الشك في القابلية العرفية فلا مانع من ان يكون موضوعاً لأصالة الصحة.

الوجه الثاني: أن يقال بأن دليل أصالة الصحة هو المرتكز العقلائي وهو دليل لبيّ القدر المتيقن منه ما إذا الأمر بين الصحة والفساد الفعليين، وأما إذا دار الأمر بين الصحة التأهلية والفعلية فليس مجرى لأصالة الصحة، وهذا وجه عام لجميع فروع هذه الجهة.

وفي المقام المفروض ان بيع الراهن بيع فضولي فهو واجد للصحة التأهلية ومشكوك في الصحة الفعلية وبالتالي فلا يحرز بناء العقلاء على جريان أصالة الصحة ما دامت الصحة التأهلية محرزة على كل حال. وقد سبق التأمل في ذلك في الفرع الأول. الآن نحن بنينا على جريان أصالة الصحة.

الجهة الثالثة: لو بنينا على عدم جريان أصالة الصحة في المقام. فإن كان هناك أصل موضوعي يثبت الصحة أو الفساد، كما إذا كان الإذن قائما سابقاً فمقتضى استصحاب الإذن صحة البيع، أو كان عدم الإذن قائما سابقاً، فمقتضى استصحاب عدم الإذن فساد البيع، فلا إشكال.

ولكن إذا تحقق فيما سبق الإذن والرجوع ولكن شككنا في المتقدم والمتأخر منهما، فهل يتعارض استصحاب الإذن مع استصحاب الرجوع والنتيجة هي أصالة الفساد، يعني استصحاب عدم ترتب أثر على هذا البيع أم لا؟ كما أفاده سيدنا «قده».

بتقريب: أن الأصلين يتعارضان ويتساقطان فتصل النوبة إلى أصالة الفساد، ولكنه في بحث خيار العيب في مصباح الفقاهة عدل عن ذلك، وقال بأن استصحاب الإذن يجري دون معارض، والسر في ذلك:

إنّ موضوع الصحة يجري في جزأين: البيع والإذن. والجزء الأول محرز بالوجدان، والجزء الثاني محرز بالاستصحاب فيتنقح بذلك موضوع الصحة الفعلية. ولا يعارض باستصحاب عدم البيع إلى حين الرجوع والسر في ذلك:

أن المراد باستصحاب عدم البيع إلى حين الرجوع هل هو نفي المركب أو نفي أحد جزئيه وهو البيع؟.

فإن كان المنظور فيه نفي المركب فالمفروض ان موضوع الصحة ليس هو المقيد كي ينفى، وإنما موضوع الصحة هو المركب والمركب معناه ان كل من الجزأين دخيل لا ان المركب منهما هو الدخيل، فلو قلنا بأن موضوع صحة البيع هو المجموع المؤلف من البيع والإذن بحيث يكون التركب والتألف منهما دخيلاً في صحة البيع صح نفي هذا المركب باستصحاب عدم البيع إلى حين الرجوع، ولكن المفروض ان موضوع الصحة ذات الجزأين من دون دخل للتركيب والاقتران والتألف في الصحة، فإذا كان موضوع الصحة مركبا من ذات الجزأين وهما البيع في نفسه، والإذن في نفسه، من دون دخالة لعنوان الاقتران أو التركب أو التألف في صحته، إذن فلا معنى لنفي المجموع لاستصحاب عدم البيع إلى حين الرجوع، وان كان الغرض من استصحاب عدم البيع إلى حين الرجوع نفي احد الجزأين وهو البيع، لأن المفروض ان الإذن مقطوع به فنريد ان ننفي الجزء الآخر وهو البيع، ففيه: ان البيع أيضاً مقطوع به، فكما ان هناك قطعاً بإذنه في زمان، هناك قطع بالبيع في زمان، فلا معنى لنفي البيع مع القطع بتحققه، إذن استصحاب عدم البيع إلى حين الرجوع لا يعارض استصحاب الإذن إلى حين البيع المصحح للبيع، لان الغرض من استصحاب عدم البيع إلى حين الرجوع اما نفي المجموع والمجموع ليس موضوعاً للصحة، وإما نفي الجزء وهو البيع وهو مقطوع بحصوله وتحققه.

الجواب عن ذلك كما ذكر في الاصول: إن الغرض من استصحاب عدم البيع إلى حين الرجوع هو نفي هذا الجزء وليس الغرض إثبات شيء كي يقال بأنه أصل مثبت، بل الغرض هو نفي هذا الجزء، ودعوى أن البيع مقطوع التحقق ممنوعة، لأن ما هو مقطوع التحقق هو البيع في نفسه، وأما البيع حين عدم الرجوع فهو مشكوك، فالبيع في نفسه بما هو بيع مقطوع، ولكن حصة من هذا البيع مشكوكة، وهي البيع حال عدم الرجوع، البيع ما قبل الرجوع، بما أن هذه الحصة مشكوكة فننفي حصولها بالعدم، فنقول: كما نستصحب الإذن إلى حين البيع فيكون البيع صحيحاً نستصحب عدم البيع إلى حين الرجوع والغرض من ذلك نفي هذه الحصة وهو البيع حال عدم الرجوع، وإذا انتفت هذه الحصة يعني لا بيع إلى حين الرجوع فإذن ينتفي ما هو موضوع الصحة. فإن موضوع الصحة وإن كان مؤلفاً من ذات الجزأين: البيع والإذن. من دون دخل للاقتران ولا للتألف ولا للتركب في الصحة، إلا أننا إذا نفينا وجود البيع حال الإذن فقد نفينا ما هو الجزء الآخر، وبالتالي فمقتضى تعارض الاستصحابين الوصول إلى أصالة الفساد.

نعم، الحينية هنا مأخوذة على نحو المشيرية لا على نحو الموضوعية كي لا يقال بأن أخذ الحينية على نحو الموضوعية بلا وجه لأنه ليس دخيلاً في صحة البيع، فكما أن الاقتران والتألّف والتركب ليس دخيلا ً في صحة البيع فإن الحينية أيضاً ليست دخيلة في صحة البيع فلا معنى لنفيها بالاستصحاب.

نقول نعم، الحينية على نحو الموضوعية ليست دخيلة في صحة البيع وإنما الدخيل في صحة البيع، البيع حين الإذن على نحو تكون الحينية مجرد عنوان مشير لواقع اجتماع الجزأين، فإذا نفينا البيع حال الإذن أو نفينا البيع إلى حين الرجوع فقد نفينا واقع الاجتماع الذي هو موضوع للصحة الفعلية. هذا تمام الكلام في هذا الفرع.

والحمد لله رب العالمين.

أصالة الصحة | الدرس 23