نص الشريط
حوار بين المنبر والمجتمع | الجزء 1
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 13/1/1438 هـ
مرات العرض: 2842
المدة: 00:59:08
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (1434) حجم الملف: 13.5 MB
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ

صدق الله العلي العظيم

انطلاقًا من الآية الشريفة نقوم بالإجابة عن مجموعة من الأسئلة التي وردت نتيجة المحاضرات السابقة، استكمالًا لتوضيح بعض النقاط أو تصحيح البعض الآخر.

السؤال الأول: لماذا اخترتم هذه الطريقة، وهي عرض المبادئ الدينية بطريقة علمية فيزيائية ورياضية وفلكية وغير ذلك؟

هنالك سببان:

السبب الأول: أنا منذ تسع سنوات وأنا أقيم كلّ سنة أيام الصيف في أوروبا، وشاهدت أنَّ ظاهرة الإلحاد تنتشر بين الشباب المؤمن، والتشكيكات تدخل إليهم من كل جانب ومكان، وذلك عبر شبهات تبتني على نقاط فيزيائية ورياضية، لا يدخلون إليهم عبر كلمات عامية أو شبهات خطابية، وإنّما عبر شبهات مبنية على مبادئ فيزيائية أو رياضية، لذلك رأيت من اللازم ومن الضروري أن يقوم رجل الدين بمراجعة هذه العلوم بحيث يكون على وفرة منها ليكون قادرًا على ردّ هذه الشبهات وعلى دفعها.

طبعًا سبقنا علماء ورجال دين سلكوا هذا المسلك، منهم الشهيد السيد محمد باقر الصدر قبل خمسين سنة وأكثر، استعان بالنظريات الفيزيائية في كتاب فلسفتنا وغيره في ردّ كثير من الأفكار الإلحادية، يعني هذا ليس أمرًا جديدًا. بدأت رحلة مع علم الفيزياء دراسةً وثقافةً حتى أدخل في هذا الطريق من أجل التمكّن من ردّ هذه الشبهات بهذا الأسلوب وبهذا الطريق.

السبب الثاني: أنّ المنابر كما ترون متنوعة، هنالك منابر متخصصة في التاريخ، هنالك منابر متخصصة في الفقه، هنالك منابر متخصصة في عرض المشاكل الاجتماعية وعلاجها، وكل منبر هو مشكور على جهده ومشكور على تعبه، ولكل منبر هواة، ولكل منبر راغبون، فنحن غربنا أن ننوع أدوار المنبر، كما أنّ للمنبر أدوارًا في مجال التاريخ والفقه والفلسفة والوعظ والإرشاد، فليكن للمنبر أيضًا دور في مجال الحديث العلمي في ردّ الشبهات ومواجهة التشكيكات، فهذا من باب تنويع أدوار المنبر، والناس باختيارهم يحضرون أيّ منبر يعجبهم، يفيدهم، يغذيهم بما هو صلاحٌ لهم.

السؤال الثاني: الفيزياء تخصّص له أهله، فكيف يقتحمه رجل الدين وتخصّصه هو الفقه والأصول، وربّما الفلسفة؟

صحيح أنّ رجل الدين تخصّصه غير الفيزياء، ولكن المحذور ما هو؟ المحذور هو أن يقتحم الإنسان تخصصًا ليس بتخصصه من دون مراجعة أهله ومصادره، إذا اقتحم الإنسان تخصصًا ليس له من دون مراجعة أهله ولا مراجعة مصادره فهذا محذور بلا إشكال، مفاسده أكثر من إيجابياته، ولكن الحمد لله نحن عندما قمنا بهذا المشوار مع الفيزياء والرياضيات أولًا شكّلنا فريق بحث منذ شهور، تتبعنا المصادر واستقرأناها مع فريق بحث يتكوّن من خمسة أشخاص لهم خبرة بهذا المجال.

ثانيًا: كنت أراجع أساتذة في الفيزياء يوميًا قبل محاضرتي على المنبر، وكنت أعرض تمام النقاط عليهم، نعم قد يصحّحون وقد يلاحظون وقد يؤيدون، هذا الشيء لا إشكال فيه، ولا يعني هذا أنّ المحاضرات كانت خالية من الأخطاء! الإنسان ليس معصومًا، ربما نقلت معلومة خطأ، ربما أخطأت في اللفظ، ربما كان التقريب للفكرة ناقصًا، هذا يحصل من المتخصص فكيف من غيره؟!

السؤال الثالث: ما ذكرتم من الأدلة على أنّ للكون بداية، وكان ذلك في الليلة الثانية، يشبه ما ذكره الدكتور عمرو الشريف في كتابه «كيف بدأ الخلق»، فإذا كان هذا هو المصدر لكلامكم فهذا يضعف الطرح العلمي؛ لأنَّ الكاتب غير متخصّص، مضافًا إلى أنّ مقتضى الأمانة العلمية أن تذكروا الكتاب.

هنالك مصادر كثيرة راجعناها وعرفناها، يمكن أن تراجع كتاب «عقل الإله»، وكتاب «الله والفيزياء الحديثة» للفيزيائي الشهير «بول ديفيز»، ويمكن أن تراجع كتاب «الكون والفلكيون» للفلكي الأمريكي «روبيرت ياسترو»، ويمكن أن تراجع كتاب «التصميم الذكي» وكتاب «ثورة التصميم» للرياضي المعروف «ويليام ديمبيكس»، هذه كتب باللغة الإنجليزية لكن لها تراجم، لها تلخيصات، لها من يعرفها، لها من يلج فيها.

نعم، كتب الدكتور عمرو شريف أيضًا كتب قيّمة، فيها جهود جبّارة، نحن أيضًا راجعنا أربعة كتب من كتبه: كيف بدأ الخلق، خرافة الإلحاد، رحلة عقل، الوجود رسالة توحيد. لخّصنا هذه الكتب، استقرأنا مصادرها، صحّحنا بعض ما فيها، هذه الكتب تحتاج إلى مراجعة المصادر، تنظيم المعلومات، والربط فيما بينها، أيضًا هذا ضممناه إلى المصادر التي قمنا بمراجعتها في ذلك.

السؤال الرابع: تحدّثتم في ليلة عن القلب، ونقلتم قضايا طبية تتعلق بالقلب، فما هي المصادر التي اعتمدتم عليها في إثبات ذلك؟

نحن ذكرنا عدّة معلومات عن القلب، منها: أنّ لكل خلية عضلية للقلب مجالًا كهرومغناطيسيًا، مصادر هذه النقطة: راجع ما ذكره «ميكراتي» وغيره في دراسة قُدِّمَت عام 1995 بعنوان «تأثير العاطفة على دقّات القلب في المدى القصير»، ونُشِرَت في الكورنال المجلة الأمريكية في بحوث الطب القلبي الكارديولوجي. أيضًا ما ذكره «سينغر» وغيره في دراسة عام 1998 بعنوان «العلاقة بين سرعة دقّات القلب وصلاحيتها مع الجنس والعمر» لتسعة عقود، ونُشِرَت في نفس العنوان السابق.

ذكرنا أيضًا أنَّ المجال المغناطيسي للقلب المتغيّر يفوق بخمسة آلاف ضعف ما للمخ من المجال المغناطيسي، وأنه يمكن رصد هذا المجال من 2 إلى 3 متر من جسم الإنسان، ذكرنا هذه المعلومة، ما هو مصدرنا؟ «دامسيو» في دراسة له نُشِرت عام 1994 بعنوان «الخطأ والعاطفة والاستدلال»، «واديكنز» في عام 1995 بعنوان «الإدراك والعاطفة والحصانة شبكة استتبابية» نُشِرَت في الربع - سنوية في الطب.

ذكرنا أنَّ القلب يستقبل الموجات الكهرومغناطيسية ويفكّ الشفرة ويترجمها إلى مشاعر وأحاسيس، ارجع إلى ما ذكره «باديسون» في دراسة عام 1998 بعنوان «الطاقة الخفية في القلب»، أيضًا «فريد ريكسون» في دراسة له «ما الفائدة من العواطف الإيجابية» نُشِر عام 1998.

ذكرنا أنَّ بين القلوب تواصلًا، بين قلب الأم وقلب الطفل، وإن لم يكن هنالك كلام، هذا موجود، راجع موقع «هارت ماث» يعني رياضيات القلب، و«كونشينز لاين نيوز» أخبار الحياة الواعية، المشرف عليه الدكتور «باولاك». ذكرنا أنَّ للقلب جهازًا عصبيًا، وذكرنا تفاصيل، ذكر ذلك «أورمر» و«أرديل» ونشرا أبحاثهما عام 1994 في «نيورو كارديولوجي» في نشرة «أكسفورد»، و«أورمر» أيضًا له بحث قام به عام 1991 بعنوان «بنية وعمل الأعصاب داخل الصدر»، وأيضًا «ساند مان» وغيره له دراسة عام 1982. بإمكان أيّ طبيب، أيّ طالب طب، أن يرجع إلى هذه المصادر، ويرى هذه المعلومات التي نقلناها.

قد يقول قائل: هذه المصادر لا تذكر أنّ هذه الأفكار ثوابت علمية حتى نحمل القرآن عليها، وإنّما هي مجرّد بحوث واستنتاجات.

 ذكرت أنا في المحاضرة أنّ هذه ليس ثوابت، ذكرت في المحاضرة أنّ هناك من يخدش في القرآن الكريم، ويقول بأنّ قول القرآن الكريم: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ، قال: هذا الكلام من القرآن الكريم مخالف للحقيقة العلمية؛ لأنّ القلب مجرّد مضخّة دم. نحن كان غرضنا أن ندفع هذه الشبهة، لا نريد أن نقول بأنّ ما ذكره هؤلاء العلماء في مقالاتهم ثابت، إنما نريد أن نقول: ما هو ظاهر القرآن من أنّ القلب يعي هذا له موافق، مجموعة من الأبحاث والمقالات، ربما هذه لم تصل إلى أن تكون حقائق علمية أو ثوابت، لكن لا يصح أن نشكل على القرآن بأنه مخالف للحقيقة العلمية مع وجود بحوث ومقالات منذ عشرين سنة كُتِبَت في مجال وعي القلب، وهذا البحث مستمرٌ في هذا الطريق.

هنالك نقطة أيضًا، بعض الأطباء ناقشني، أنا مستغرب من هذه المناقشة. نحن عندما نقول: القلب يعي، ما هو مرادنا؟ يعني مثل وعي المخ؟ لا، هنالك فرق بين الوعي البسيط والوعي المركّب، أنا أعي وأعي أنني أعي، هذا يسمّى وعيًا مركّبًا، أنا واعٍ لوعيي، هذا يسمّى وعيًا مركبًا، هذا لا ندّعيه للقلب، لا نقول: القلب يعي وعيًا مركبًا، حتى تقولوا بأنّ هذه الأبحاث لا تثبت هذه الدرجة من الوعي، وإنما ندّعي أنّ القلب يعي وعيًا بسيطًا، مثل الحس، الأعصاب، كل عصب في الإنسان له درجة من الإحساس، درجة من الوعي، لكن هذا الوعي وعي بسيط وليس وعيًا مركبًا، فما كان الغرض الإشارة إليه هو الوعي البسيط لا الوعي المركّب، حتى يقال بأنّ هذا لا دليل عليه أو لم تثبت الدراسات أو المقالات التي أشرت إليها.

السؤال الخامس: ذكرتم في محاضرة لكم أنَّ المجموعات الشمسية كواكب تدور حول نجم واحد، والحال أنّ هنالك كواكب تدور حول نجمين.

صحيح، ناسا نشرت عام 2011 أنّها رصدت بعض الكواكب تدور حول نجمين وليس نجمًا واحدًا، لكن هذا لا يخلّ بكلامنا، صحيح هذه المعلومة صحيحة، بعض الكواكب تدور حول نجمين، لكن هذا لا يخل بكلامنا، لماذا؟ إذا راجعتم المحاضرة، كنّا نقول: وحدة الكون تدلّ على وحدة الله، وذكرنا مظاهر للوحدة، من مظاهر الوحدة أنّ منبع الكون واحد، وهو الطاقة، وأنّ لبنة الكون واحدة، وهي الذرّة، وأنّ البناء الربطي واحد، ما هو البناء الربطي؟ كل الكون دائر على نسق واحد من البناء، الكواكب والإلكترونات تدور حول نواة، هذه النواة نجم واحد أم نجمان؟ هذا لا يؤثر على الفكرة، افترض أنّ النواة عشرة أنجم، هذا لا يؤثر على الفكرة، الفكرة أنّ البناء واحد لا أنّ النواة واحدة، ليست الفكرة أنّ النواة واحدة حتى يقال: هنالك كواكب تدور حول نجمين! الفكرة أنّ البناء واحد، يعني نسق البناء واحد، دائمًا كواكب تدور حول نواة، ربّما النواة تكون نجمًا وربّما تكون عشرًا، الإلكترونات تدور حول نواة، ربما هذه النواة تكون ذرة وربما تكون ذرات، ليس الكلام في وحدة المركز وإنما الكلام في وحدة البناء، أنّ البناء له نسق واحد، فهذا لا يضرّ بفكرتنا إطلاقًا.

السؤال السادس: ذكرتم في محاضرة القلب أنَّ القلب واعٍ وعنده إحساس ويستقبل رسائل ويفكّ رسائل، لماذا لا نحمل القلب في القرآن على المعنى المعنوي؟ لماذا نحمل القلب المذكور في القرآن على القلب المادي؟ فلنحمله على القلب المعنوي.

حمل القلب على القلب المعنوي يمكن في بعض الآيات، كقوله تعالى: ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً، لكن بعض الآيات من الواضح أنها تتكلم عن القلب المادي، كقوله تعالى: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ، ويقول في آية أخرى: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ، من الواضح من المقارنة بين الفؤاد والحواس أنه يقصد بالفؤاد الفؤاد المادي. إذن، مع هذه الآيات لا مجال لحملها على القلب المعنوي، القلب المادي هو المراد، والقلب المادي له درجة من الوعي والإحساس.

طبعًا أنا لن أستطيع الإجابة عن الأسئلة كلها، ولهذا قسّمت الأجوبة على المجالس الثلاثة، في هذا المجلس سأجيب على جزء من الأسئلة، في المجلس الثاني والثالث سأجيب عن الجزء الآخر من الأسئلة، لا يمكنني استيعاب إجابة المسائل كلها في هذه الساعة المخصّصة في هذا المجلس، خصوصًا أنّ الأسئلة كثيرة، وهذا شيء يفرحني، يفرحني أنّ موسم عاشوراء في هذه البلدة الطيبة في الكويت كان موسمًا مباركًا موفقًا، والدليل على أنه موسم مبارك زخم الحضور وكثرة الأسئلة التي وردت من داخل الكويت ومن خارجه، وإن كنت أنا أرتّب حسب كثرة الأسئلة، الكويت درجة أولى، عمان درجة ثانية، المنطقة الشرقية - القطيف والأحساء - درجة ثالثة، البحرين درجة رابعة، أوروبا وأمريكا درجة خامسة، لعله العراق جاءتنا منها أسئلة قليلة، المهم أنّ هنالك تفاعلًا حول هذه الموضوعات، وكثير من الأسئلة وردت، طبعًا حذفنا المكرر، تركنا غير المهم، بالنتيجة مجلس واحد لا يكفي، لذلك أجيب على بقية الأسئلة في بقية المجالس.

السؤال السابع: ما يتعلّق بمحاضرة الليلة الثالثة، هنا عدّة إشكالات:

الإشكال الأول: أنتم ذكرتم كلام «نيكوس» من أنَّ الأرض تقليدية، تدور حول نجم تقليدي، في أحد ذراعي مجرة تقليدية، ثم رددتم على «نيكوس» بأنَّ الكون قابل للفهم الرياضي، فما هي علاقة الرد بالإشكال؟ أنتم تقولون الكون قابل للفهم الرياضي، هذا لا ينفي أنَّ الأرض كوكب تقليدي.

صحيح، وضعت كلام «نيكوس» في المحور الثاني، وكان من المفروض أن أضعه في المحور الثالث، ولذلك أنا في المجلسين الآخرين وضعته في المحور الثالث، كلام «نيكوس» كان يتعلّق بالمحور الثالث، وهو غائية الكون، وليس في المحور الثاني. لذلك، في المحور الثالث عندما تحدّثنا عن غائية الكون، تحدثنا عن خصائص الأرض، وأنها كوكب متميّز، وكان هذا ردًّا على كلام «نيكوس» من أنه كوكب تقليدي يدور حول نجم تقليدي في مجرّة تقليدية.

الإشكال الثاني: الكون فيه مئة مليار مجرّة، مجرتنا التي نحن فيها - وهي درب التبّانة - فيها مئة مليار كوكب، فما المانع من أن تكون الأرض صدفة أصبحت قابلة للحياة؟ من بين مئة مليار كوكب يصبح كوكب واحد قابل للحياة صدفة، لا مانع من ذلك، لو كان هو الكوكب الوحيد لصحّ أن نقول: كيف صار قابلًا للحياة صدفة؟! هذا دليل على أن هنالك هدفًا وغاية، أما من بين مئة مليار كوكب هناك كوكب واحد قابل للحياة، هذا يمكن أن يكون على سبيل الصدفة.

 ذكرنا تلك الليلة مقدار حجم الأرض، مقدار بعدها عن الشمس، مقدار الغلاف الجوي المحيط بها، مقدار سرعتها، مقدار دورانها حول نفسها، الخصائص الكيميائية المتوفرة في الأرض، إذا لاحظنا هذا المجموع كله فهذا يضعِف احتمال الصدفة ولو كان من بين مئة مليار كوكب، بالنتيجة اجتماع هذه المظاهر والشواهد كلها في كوكب واحد يضعف احتمال الصدفة، ولذلك قلنا: هنالك تناسب عكسي بين فرضية الصدق وفرضية الكذب، اجتماع هذه القرائن يقوّي احتمال الهدفية والغائية ويضعف احتمال الصدفة، إلى أن يصل الاحتمال إلى درجة لا يعتنى به، فمجرد كون الأرض كوكبًا ضمن مئة مليار كوكب لا يعني الصدفة، بل يبقى احتمال الصدفة احتمالًا ضعيفًا نتيجة لتراكم الشواهد والقرائن التي تضعف احتمال الصدفة وتجعله ضئيلًا.

الإشكال الثالث: استشهدتم في المحور الثالث بكلمات جملة من العلماء الغربيين على هدفية الأرض، بينما مصبّ كلام العلماء الغربيين هدفية الكون وليس هدفية الأرض، وأنتم استشهدتم بذلك على هدفية الأرض.

 لا، كان مصبّ كلامنا في المحور الثالث على هدفية الكون، واستشهدنا بالكلمات على هدفية الكون، ولكن حيث أن من المؤيدات والمؤكدات على هدفية الكون هدفية الأرض استعرضنا أيضًا هدفية الأرض، لا لخصوصية فيها، بل لتكون شاهدًا على هدفية الكون، مضافًا إلى أن كلمات العلماء الغربيين التي دلّت على أنّ الكون هادف انطلقت من الإنسان الهادف، نقلنا بعض كلماتهم، قالوا: كيف يخلق كون أعمى بلا هدف مخلوقًا هادفًا وهو الإنسان؟! إذن هم انطلقوا من هدفية الإنسان، بما أنهم انطلقوا من هدفية الإنسان إذن بالنتيجة نحن نقول: الإنسان الهادف دلّ على هدفية الكون، وبما أنّ الإنسان الهادف من الأرض وإلى الأرض إذن هدفية الإنسان تعني هدفية الأرض، فبين هدفية الإنسان وهدفية الأرض تلازم، فالاستدلال على هدفية الكون بهدفية الإنسان هو عبارة أخرى عن الاستدلال على هدفية الكون بهدفية الأرض؛ لتلازم الإنسان والأرض.

السؤال الثامن: ذكرتم أنّ المرتكز في ذهن آينشتاين أنّ الكون أزلي، بينما الذي طرحه آينشتاين هو أنّ الكون ثابت لا يقبل التمدّد ولا الانكماش، ولم يطرح أنّ الكون أزلي.

إذا راجعنا موقع space يعني الفضاء، هنالك مقال في هذا الموقع عنوانه «أكبر خطأ فادح وقع فيه آينشتاين»، يذكر في هذا المقال أنّ آينشتاين كان يعتقد بأبدية الكون، أن الكون أبدي، يعني لا يزول، نحن نستنتج من ذلك، إذا كان آينشتاين يعتقد أن الكون أبدي إذن هو يعتقد أن الكون أزلي، لأنه لا يعقل أن يكون أبديًا وليس بأزلي، يعني بعبارة واحدة يفهمها أي متخصص: المادة محدودة أو لا محدودة، إذا كانت المادة محدودة إذن الكون ليس أبديًا، لأنها محدودة ستنتهي، وإذا كانت غير محدودة إذن الكون أزلي، لا يمكن أن نفكك فنقول: الكون أبدي لكنه ليس بأزلي، التفكيك غير ممكن، إما المادة محدودة فليس بأبدي، أو غير محدودة إذن هو أزلي، فهناك ملازمة بين الأبدية والأزلية، خصوصًا إذا اعتمدنا على هذا القانون: المادة لا تفنى ولا تستحدث، لا تفنى يعني أبدية، لا تستحدث يعني أزلية، إذن بالنتيجة: هذا كان تمسّكًا بلازم واضح لمعتقد آينشتاين في تلك الفترة الذي عدل عنه بعد ذلك.

السؤال التاسع: ذكرتم في إحدى المحاضرات أنّ طول بلانك - الذي هو أصغر طول تكون عليه المادة - هو 1 على عشرة أس سالب 33، وهذا خطأ لأنه يجعل الرقم كبيرًا جدًا.

هذا صحيح، حصل عندي سبق لسان، وأصلحته في المجالس الثانية، لأنه بحسب القاعدة الرياضية إذا كان سالبًا في البسط نستطيع أن نضعه في المقام بحذف السالب، يعني هذا العدد نستطيع أن نعبر عنه ب1 * 10^33 أو نقول 10/1 أس - 33، هذا الكلام صحيح، كلا الصيغتين يمكن التعبير بها بحذف السالب في إحداهما.

السؤال العاشر: ذكرتم أنّ سرعة تمدّد الكون تفوق سرعة الضوء بمليار مليار مرة، وقلتم هذا مستحيل فيزيائيًا، والصحيح أنه ليس بمستحيل، في الزمكان نعم، يعني هل توجد مادة داخل الزمكان - يعني داخل المكان والزمن - هي أسرع من الضوء؟ لا، هذا مستحيل، لكن الزمكان نفسه - يعني الكون بزمانه ومكانه - يكون امتداده أسرع من الضوء، هذا ليس مستحيلًا فيزيائيًا.

عندما نقول مستحيل فيزيائيًا لا نعني أنه ممتنع الحصول، كاجتماع النقيضين، اجتماع النقيضين يمتنع أن يحصل، لكن عندما نقول: هذا الشيء مستحيل فيزيائيًا، ليس مقصودنا أنه ممتنع، بل مقصودنا أنه لا يخضع للقانون الفيزيائي، خارج القانون، هذا مقصودنا بأنه مستحيل، يعني هذا أمر خارج القانون، وإلا هو ليس مستحيلًا، لو كان مستحيلًا لما وُجِد الكون، وجود الكون ابتنى على تمدّد الكون بسرعة تفوق سرعة الضوء بمليار مليار مرة، لو كان مستحيلًا لما وُجِد الكون، ليس مستحيلًا بمعنى أنه ممتنع، بل يمكن أن يحصل، لكنه لا يخضع للقانون الفيزيائي، ولا يمكن للقانون الفيزيائي تفسيره، ولذلك احتجنا لقوّة خارج القانون تقوم بإبداع ذلك وبإيجاده.

السؤال الحادي عشر: ذكرتم أنّ القوى الأربع تحكم الكون كله، والحال أنّ الذي يتفاعل مع القوى الأربع خصوص الكواركات.

ذكرت في نفس المحاضرة أنّ القوى الأربع في ضمن المفردة، كلها كانت مجتمعة ضمن المفردة التي نص قطرها صفر، وبحسب نظرية الأوتار اُكْتُشَف إمكان اجتماع القوى الأربع، ما دامت القوى الأربع يمكن أن تجتمع، فهذا معناه أنَّ جذور القوى الأربع موجودة في كلّ أجزاء الكون، ما دام يمكن اجتماعها إذن جذورها موجودة في سائر أرجاء الكون، وإن لم تتمثل بشكل فعلي في جميع الأجزاء.

السؤال الثاني عشر: ذكرتم أنَّ احتمالية نشء الكون صدفة واحد على عشرة أس 123، والرقم الصحيح هو 1 على عشرة مضروبة في نفسها عشرة أس 123 مرة.

هذا أيضًا ذكرت الآن الجواب عنه، «كولينس» هو الذي قال: إنَّ تأثير القيم الكونية على نشأة الحياة صدفة احتماله واحد في عشرة أس سالب 123، وهذا الرقم لا يمكن حتى كتابته، لأننا لو وضعنا على كل جسيم صفرًا فسوف نتوقّف عند عشرة أس 80 وهي عدد جسميات الكون.

السؤال الثالث عشر: ذكرتم أنّ الكون قائم على تزاوج المادة والمادة المضادة، كل شيء فيه مادة ومادة مضادة، مثل الإلكترون والإلكترون المضاد، ولكن علميًا يقال: إذا تصادمت المادة والمادة المضادة فنيت، فلو كانت المادة والمادة المضادة متساوية في الكون لما وُجِدت أي مادة، والحال أنّ المادة موجودة.

كلّ مادة تحمل نقيضها، لكن لا على نحو الفعلية، تسمّى قوة، قابلية. أضرب لك مثالًا: تأتي مثلًا إلى بذرة شجرة تفاح، هذه البذرة فيها قابلية لأن تصبح شجرة، هي الآن حبّة صغيرة، لكن فيها قابلية لأن تصبح شجرة، يعني عناصر الشجرة موجودة في هذه البذرة لا بالفعل بل بالقوة والقابلية، هذا الحويمن المنوي يصبح إنسانًا، يعني عناصر وجود الإنسان موجودة في هذا الحويمن المنوي لكن بالقوة والقابلية، كل موجود مادي هو يحمل المادة المضادة لكن على نحو القوة والقابلية، لا على نحو الفعلية والتساوي، حتى يوجب ذلك فناء المادة.

السؤال الرابع عشر: ذكرتم في نسبية الشر أنّ الوجود لا يوجد فيه شر، يعني جواب الفلاسفة، هو خير لجهة، شر لجهة، مثل الحشرة، الحشرة شر للإنسان خير لبعض النباتات، ولكن بعض الشرور ليس فيها خير أبدًا، كالسرطان، طفل مصاب بالسرطان منذ ولادته، أين الخير؟! هذا شر محض.

هنالك شرور تنتسب إلى الله، وهنالك شرور تنتسب إلى العباد، نحن نتحدّث عن الشرور التي تُنْسَب إلى الله، أب مريض ونقل المرض إلى أبنائه، ثم نقول: هذا شر من الله! هذه عوامل وراثية فعلت مفعولها. إنسان عاش في بيئة ملوّثة فأصبح مريضًا، نقول: والله هذا شر! هذا ليس منتسبًا إلى الله، نحن نتكلم عن الشرور المنتسبة إليه، مثل الزلازل، البراكين، الأشياء التي تحدث حدوثًا كونيًا طبيعيًا، هذه كيف نعالجها؟ أما الشرور التي تنشأ عن خلل بشري، هذه ناشئة عن خلل بشري، راجعة للبشر وليست راجعة لله تبارك وتعالى. ولذلك ورد عن النبي محمد : ”من زوّج ابنته شارب خمر فقد قطع رحمها“، يعني هذا الذي يعيش على المسكر بالنتيجة بمقتضى العوامل الوراثية ينتقل إلى ذريته، إلى نسله، هذه مسألة ترجع إلى خلل بشري وليست راجعة إلى الله تبارك وتعالى.

أضرب لك مثالًا: إنسان عائلته ليست معروفة بالذكاء، بحكم العوامل الوراثية لا يولَد ذكيًا، هل يقال: هذا من الله! لماذا لم يجعله ذكيًا؟! هو انحدر من أعراق هي بهذه الصفة، نتيجة لتزوج أبيه بأمه هو صار هكذا، ولا يصح أن ننسب كل شيء إلى الله، نتيجة عمل بشري حدث هذا الأمر، هذا إنسان ينحدر من أعراق معروفة بالذكاء، يخرج ذكيًا، هذا إنسان ينحدر من أعراق معروفة بالمهارة في الفنون، يكتسب المهارة، العوامل الوراثية تؤثر أثرها، لا أنّ كلّ أمر ننسبه إلى الله، ونعتبره مخالفًا للعدالة وللحكمة وللرحمة.

السؤال الخامس عشر: ذكرتم أنَّ الشر نسبي، هذا معناه أنه موجود وليس معدومًا.

قلنا أنه نسبي منتزع من أمر عدمي، والأمر المنتزَع لا يزيد على منشأ انتزاعه، إذا كان منشأ انتزاعه عدميًا إذن هو عدمي، وقد بيّنت ذلك، قلت: الحشرة والإنسان، كيف انتزعنا الشر؟ نتيجة عدم انسجام الحشرة مع بعض خلايا الإنسان، نتيجة العدم انتزعنا فكرة الشر، فالشر فكرة منتزعة من العدم، ولذلك هي عدمية وليست وجودية.

السؤال السادس عشر: هنالك اختلاف في ترقيم القرآن، الترقيم المدني 6214، الترقيم المكي 6219، الترقيم الشامي 6226، الترقيم الكوفي 6236، وفي رواية الكليني... الشيخ الكليني في كتاب الكافي روى عن الإمام أنّ القرآن الذي نزل به جبرئيل على النبي 17 ألف آية، فكيف نجمع بين هذه الأمور؟

أولًا: بالنسبة إلى رواية الكليني توجد نسختان للكافي، في نسخة قال: سبعة آلاف آية، وفي نسخة قال: 17 آلاف آية، والترجيح لنسخة 7 آلاف آية لأنها نسخة الفيض الكاشاني الذي راجع نسخ الكافي وقام بتصحيحها، عندما نأتي إلى رواية الكافي التي هي سبعة آلاف آية نجد في طريقها محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد، أحمد بن محمد ليس معلومًا هل هو أحمد بن محمد بن عيسى الثقة، أم أحمد بن محمد السيّاري الذي لم تثبت وثاقته، خصوصًا أنّ هذه الرواية موجودة في كتاب السيّاري، فهذه الرواية لم تتم سندًا.

على فرض أنّ الرواية تامّة سندًا، فهذا راجع إلى اختلاف الترقيم، بعض الآيات اُخْتُلِف في ترقيمها، مثلًا: الآية التي فيها آية التطهير: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا، هذه كلها آية واحدة أم عدة آيات؟ بعض الترقيمات تعتبرها كلها آية واحدة، بعض الترقيمات تعتبرها عدة آيات، إلى قوله: ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى آية، إلى قوله: ﴿وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ آية ثانية، إلى قوله: ﴿وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا آية ثالثة، بعضهم يعتبرها ثلاث آيات وبعضهم يعتبرها آية واحدة.

كذلك البسملة، البسملة عند إخواننا أهل السنة ليست آية من كل سورة، بينما المعروف عند علماء الشيعة أنها آية من كل سورة، إذن نتيجة هذا الاختلاف سوف يصبح اختلاف في الترقيم، نتيجة الاختلاف في الترقيم تحمَل هذه الرواية - رواية الكليني - على أنها من باب الاختلاف في الترقيم، لا أنّ هناك اختلافًا في مادة القرآن، مادة القرآن ليس فيها زيادة ولا نقيصة، وإن وقع اختلافٌ في ترقيم الآيات.

السؤال السابع عشر: لماذا لم يُخْلَق الكون مثاليًا؟ لماذا خلق الله خيرًا وشرًا ومشاكل؟ لماذا لم يخلقه مثاليًا، كل شيء فيه مريح؟ لماذا خلقه بهذا النحو؟ لماذا لا يخلق كونًا مثاليًا؟

أجبنا عن ذلك بجوابين: الجواب الأول: ذكرنا في تلك الليلة - ليلة الحادي عشر من المحرم - أنّ خلق الكون ممزوجًا بخير وشر للإشارة إلى جلاله تعالى وجماله، لأنّ من مظاهر جلاله الشرور، البراكين، الزلازل، الأعاصير، من مظاهر جلاله، وإنّما عبّر عن جلاله بالشرور لإبراز الفقر الوجودي لدى الإنسان، ومدى حاجته إلى أن يعرف موقعه في الوجود وصغر حجمه في الوجود.

السبب الآخر: أنت كل شيء تريد أن تأخذه بالراحة؟! أنت لا تبحث إلا عن الراحة؟! كل شيء لا تريد أن تصل إليه إلا بالراحة؟! الله خلق عالمًا مثاليًا، وهو الآخرة، الجنة، ولكنّ الله تبارك وتعالى يرى أنّ كمال الإنسان أن يصل إلى المثالية عن جدارة واستحقاق، لا أن يصل إلى المثالية بشكل جاهز. مثلًا: أنت تأتي إلى طفلك، طفلك عمره خمس سنوات، تعطيه شهادة دكتوراه، هل يستفيد منها؟! لا يستفيد منها، لأنه لم يصل إلى هذا الكمال عن جدارة واستحقاق، وصل إليه بشكل جاهز.

الكمال متى تحصل عليه؟ إذا وصلت إليه عن جدارة واستحقاق، كل كمال تصل إليه عن جدارة واستحقاق تشعر بطعمه، تشعر بالسعادة به، لأنك وصلت إليه عن جهد وتعب، كل كمال تصل إليه عن جهد وتبع تشعر بطعمه، تشعر بالسعادة بالتفاعل معه، وأما لو حصلت على منصب هكذا صدفة! أو حصلت على مبلغ مالي لا تلحم به صدفة! الشيء الذي تصل إليه بجهد وتبع هو الذي تشعر بالسعادة عند التفاعل معه، وهو الذي تشعر بكماله وطعمه، ولذلك أراد الله تبارك وتعالى أن نصل إلى العالم المثالي - وهو الجنة - عن جدارة واستحقاق، عن إرادة، عن مجاهدة، ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، وقال: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا.

لذلك اختلف الناس، منهم من وصل إلى الشر، منهم من وصل إلى الخير، منهم من ارتفع، منهم من هوى، كما قال تبارك وتعالى: ﴿وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى، هذا سار نحو الحفيرة، سار نحو النزول، وهنالك من سار نحو الصعود، فإذن هنالك فرق بين البشر، والكل باختياره وإرادته، هنالك فرق بين الحر بن يزيد الرياحي وعمر بن سعد، عمر بن سعد كان جنديًا في جيش الإمام علي، عمر بن سعد ابن خالة علي الأكبر، بينه وبين علي الأكبر نسب، وكان جنديًا في جيش الإمام علي وقريبًا من بيت الإمامة، لكنه ختم حياته بالسوء، ولذلك الإمام الحسين جلس معه ليلة العاشر قبل أن تقع الواقعة، وذكّره بالماضي، وذكّره في أي موقع كان، لكنه أصرّ على أن يتّخذ هذا الموقف، ولذلك قال له الحسين: لا أكلت برَّ العراق، وفعلًا بعد قتل الحسين ما استطاع أن يأكل بيده بدعوة الحسين ، هذا عمر بن سعد ختم حياته بالسوء.

والحر بن يزيد الرياحي جاء لقتال الحسين، جاء في زهاء ألف فارس لقتال الحسين بن علي، لكن يوم العاشر من المحرَّم، إلى يوم العاشر وهو ما زال على طريقه، يوم العاشر من المحرّم عندما استعر القتال، ورأى الذبح والفتك بآل بيت رسول الله، التفت إلى عمر بن سعد، قال: أنت مصر على قتال هؤلاء؟ قال: نعم قتالًا أهونه أن تطير الرؤوس وتقطَع الأيدي، وإذا به يرتعش بدنه، قال أحد أصحابه: ما أصابك أيها الحر؟ لو قيل: من أشجع أهل الكوفة ما عدوتك، قال: ما أصابني شيء ولكن أخيّر نفسي بين الجنّة والنار، والله لا أختار على الجنّة شيئًا أبدًا. يمّم نحو الحسين، وقال: هل لي من توبة؟ قال الحسين: إذا تبت تاب الله عليك، ولما قُتِل وقف الحسين على جسده وقال: صدقت أمّك حين سمّتك حرًّا؛ أنت حرٌّ في الدنيا وسعيدٌ في الآخرة. ختم حياته بالحسنى، هذا الحر.

علاقة الحياة بالمبدع الحي
حوار بين المنبر والمجتمع | الجزء 2