نص الشريط
عَلِيٌّ عَلَيهِ السَلامْ .. كِتَابُ الله النَاطِق
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 22/9/1441 هـ
مرات العرض: 2827
المدة: 00:25:40
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (76) حجم الملف: 11.7 MB
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ [الرعد: 43]

صدق الله العلي العظيم

انطلاقاً من الآية المباركة نتحدث في ثلاث نقاط:

  • في بيان معاني لفظ الكتاب في القرآن الكريم.
  • البحث عن مراتب القرآن الكريم.
  • شواهد صدق نبوة النبي .
النقطة الأولى: في بيان معاني لفظ الكتاب في القرآن الكريم.

عندما يطلق القرآن الكريم كلمة الكتاب فهو يريد منها أربعة معان:

المعنى الأول:

كتاب الأعمال، قال تبارك وتعالى: ﴿مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا [الكهف: 49]

﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا «13» اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا «14» [الإسراء: 13 - 14]

وقال: ﴿فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ [الإسراء: 71]

وهذا هو عبارة عن الكتاب الذي يرصد أعمال الإنسان وحركاته وسكناته.

المعنى الثاني:

أن المراد بالكتاب هو كتاب التقدير، كل إنسان تمر أعماله بمراحل ثلاث: تقدير، وقضاء، وإمضاء.

ولذلك ورد عن الإمام الصادق عندما سُئل عن ليلة القدر قال: ”في ليلة التاسع عشر التقدير تقدير الأرزاق والأعمار، وفي ليلة الواحد والعشرين القضاء أي أن ما قدر من الأرزاق والأعمار يجري الإعداد له وتهيئة أسبابه في ليلة الواحد والعشرين، وفي ليلة الثالث والعشرين الإمضاء بمعنى تنفيذ ما قضي“ فهناك أولاً تخطيط وهو التقدير ليلة التاسع عشر، وهناك إعداد الأسباب من أجل التنفيذ وهو ليلة الواحد والعشرين، وهناك التنفيذ الفعلي على الأرض وهو ليلة الثالث والعشرين.

إذن هناك كتاب تُقدر فيه الأرزاق والأعمار، وتقدر فيه البلايا والمنايا، وهذا أحد معاني الكتاب في القرآن الكريم، يقول القرآن الكريم: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [التوبة: 51]

ويقول في آية أخرى عن هذا الكتاب الذي يحوي جميع التقديرات: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحديد: 22] أي من قبل أن تتحول إلى مرحلة القضاء والإمضاء.

المعنى الثالث:

وهو خارطة الوجود، الوجود كله بعوالمه المادية والمجردة، عالم الغيب وعالم الشهادة، كل الوجود له خارطة قد رُسمت وهو يسير عليها، وهذه الخارطة خارطة الوجود كله هي أيضاً عبَّر عنها القرآن الكريم بعدة ألفاظ، تارة يعبر عنها بالكتاب المبين، وتارة يعبر عنها بالإمام المبين، وتارة يعبر عنها باللوح المحفوظ، وتارة يعبر عنها بأم الكتاب، وتارة يعبر عنها بالعرش، نلاحظ قوله تعالى: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام: 59] الكتاب المبين هو خارطة الكون كله التي فيها كل أسرار الوجود وتفاصيل الوجود.

ويقول في آية أخرى: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ [يس: 12]، الإمام المبين هو خارطة الوجود.

ويقول في آية ثالثة: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه: 5]، العرش هو الموضع الذي فيه كل خارطة الوجود وأسراره وتفاصيله، العرش بمعنى مركز الاستخبارات والمعلومات، أي سيطر على مركز الوجود ومركز أسرار الوجود.

ويقول في آية رابعة: ﴿يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد: 39]

فهناك عالمان: عالم التغير وهو عالم المادة، والمادة لا تفنى ولا تستحدث ولكنها دائماً في حال تغير وتبدل، الإنسان يتغير، الشجر يتغير، الجو يتغير، والحال يتغير، لا شيء يثبت في عالم المادة، عالم المادة عالم التغير عالم محو وإثبات، لكن هناك عالم هو خارطة لعالم المادة، ذلك العالم الذي يتضمن خارطة عالم المادة هو عالم ثابت لا تغير فيه ولا زمن ولا مادة، وهو المعبر عنه بأم الكتاب، يمحو الله ما يشاء ويثبت في عالم المادة وعنده أم الكتاب ألا وهو العرش الذي رسمت فيه خارطة الوجود.

إذن العرش هو إحدى معاني الكتاب التي وردت في القرآن الكريم.

المعنى الرابع:

القرآن الكريم، أي كتاب التشريع، يقول تبارك وتعالى: ﴿الم «1» ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ «2» [البقرة: 1 - 2] ذلك الكتاب أي القرآن الكريم، فالكتاب يراد به أحياناً الكتاب السماوي القرآن، الإنجيل، التوراة ﴿مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ [المائدة: 48]

النقطة الثانية: البحث عن مراتب القرآن الكريم.

القرآن الكريم له درجات ومراتب مر بها إلى أن وصل إلينا، الوجود العرشي والوجود الملكوتي والوجود المادي، والوجود البياني.

الوجود الأول: الوجود العرشي للقرآن.

كل شيء له وجود عرشي حتى الإنسان كان له وجود عرشي، نقرأ قوله تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ [الحجر: 21] كل شيء في عالم المادة كان مخزن في عالم آخر قبل أن ينزل إلى عالم المادة، الإنسان كان مختزن في عالمٍ ثم نزل إلى عالم المادة، القرآن كان مختزن في عالمٍ ثم نزل إلى عالم المادة ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ إنا كل شيء خلقناه بقدر.

الإنسان أيضاً قبل أن ينزل إلى عالم المادة كان مختزناً في عالم الذر، كان مختزناً في ذلك العالم ولم يكن له أقدار ولا أب ولا أم ولا درجة من الرزق ولا من العقل، ولما نزل إلى عالم المادة نزل محفوفاً بهذه الأقدار وأب وأم وأخ وأخت ورزق، وذكاء، وطاقة معينة، نزل بأقدار معينة.

أيضاً القرآن كان مختزناً في عالم آخر ثم نزل إلى عالم المادة، وذلك العالم الآخر هو الوجود العرشي، والقرآن نفسه يتحدث عن هذا الوجود عندما يقول: ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ «3» وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ «4» [الزخرف: 3 - 4] كان هذا القرآن موجوداً في أم الكتاب موجوداً في العرش وفي خارطة الوجود، كان هذا القرآن له وجود عرشي قبل أن ينزل إليكم وكان هذا الوجود العرشي وجوداً علياً حكيماً.

ويقول في آية أخرى: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ «77» فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ «78» لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ «79» [الواقعة: 77 - 79]، قبل أن ينزل إليكم كان في كتاب مخبأ لا يمسه إلى المطهرون.

ويقول في آية ثالثة: ﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ «21» فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ «22» [البروج: 21 - 22] قبل أن ينزل إليكم كان في لوح محفوظ، إذن القرآن مر بالمرحلة الأولى ألا وهي مرحلة الوجود العرشي.

الوجود الثاني: الوجود الملكوتي.

القرآن الكريم قبل أن ينزل وحيه كان موجوداً في قلب النبي أودعه الله في قلبه، والقرآن نفسه يقول ذلك: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ «16» إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ «17» فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ «18» ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ «19» [القيامة: 16 - 19]

ويقول في آية أخرى: ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ [طه: 114]

إذن كان القرآن في قلب النبي ونهي عن أن يتعجل به حتى يأتي الوحي ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ «193» عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ «194» [الشعراء: 193 - 194] وهذا ما يظهر من الآية المباركة.

﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ [هود: 1] أي أن القرآن مر بمرحلتين مرحلة إحكام ومرحلة تفصيل، أُحكمت ثم فصلت، كان القرآن كله آيات محكمة ثم أصبحت آيات مفصلة، الآيات المحكمة هي قواعد القرآن وأصوله التي انطلقت منها التفاصيل، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ [آل عمران: 7] هن أم الكتاب أي قواعد الكتاب وأصوله، وآخر متشابهات التي هي آيات التفاصيل.

مثلاً عندما نقرأ قوله تعالى: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر: 22] تصف المجيء على الله، كيف يجيء الله والله ليس بجسم! وعندما نقرأ قوله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ «22» إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ «23» [القيامة: 22 - 23] فكيف تنظر إلى ربها والله ليس مادة حتى يُنظر إليه! هذه تفاصيل، متشابهات، ولا يمكن معرفة المتشابهات التي تتحدث عن التفاصيل إلا بإرجاعها إلى المحكمات، وهذا ما يسمى بعملية التأويل.

﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ [آل عمران: 7]

الوجود الثالث: الوجود المادي.

نزل القرآن حروف وألفاظ بعد أن كان فقط معاني محكمة، أصبح القرآن حروف وألفاظ وآيات وسور، وهذا هو الوجود المادي للقرآن الذي يُتلى ﴿وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا [الفرقان: 32]

الوجود الرابع: الوجود البياني.

القرآن ليس واضحاً بكل تفاصيله ومضامينه ويحتاج إلى بيان، ولذلك يقول القرآن الكريم: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [الجمعة: 2] يعلمهم الكتاب عبارة عن الوجود البياني للكتاب.

وقال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل: 44] أي لتشرح الكتاب وتعلم الكتاب.

النقطة الثالثة: شواهد صدق نبوة النبي .

الآية المباركة عندما قالت: ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ [الرعد: 43] أطرح عليكم شاهدين يشهدان بصدق على صحة نبوة النبي وصدق دعوته:

الشاهد الأول:

هو الله، وهو من أنزل الكتاب على النبي، ونفس إنزال القرآن عليه هو معجزة ودليل على صدق النبوة، إنزال القرآن هو عبارة عن شهادة الله له بأنه نبي.

قال تبارك وتعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ «51» وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ «52» [الشورى: 51 - 52]

الشاهد الثاني:

من عنده علم الكتاب، هناك شخص لديه كل هذا الكتاب، ولديه علم بأسرار التشريع، وعلم بأسرار التدوين، وعلم بأسرار القرآن، وهو لأنه يعلم كل الأسرار فهذا أقوى شاهد على صدق نبوته وصحة دعوته، وهذا الشخص الذي حوى أسرار الكتاب حتى عبَّر عنه القرآن الكريم ﴿وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ [الرعد: 43] ليس المراد به أهل الكتاب اليهود والنصارى لأن اليهود والنصارى ليس عندهم علم بكل الكتاب، هذه الآية تتحدث عن شخص يمتلك علم الكتاب كله، فإذا قارنا بينه وبين آصف بن برخيا وزير سليمان الذي قال عنه القرآن الكريم: ﴿قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ [النمل: 40] آصف كان لديه علم من الكتاب، أما هذا الشاهد الثاني على صدق نبوة النبي محمد فلديه علم الكتاب كله، ولا طريق لمعرفته إلا من خلال القرآن والسنة.

القرآن الكريم يقول: ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ [العنكبوت: 49] القرآن محفوظ بمعانيه ومضامينه في صدور الذين أتوا العلم ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ [آل عمران: 7] يقول القرآن الكريم عن الراسخين في العلم ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ «77» فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ «78» لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ «79» [الواقعة: 77 - 79] لا يمسه ليس معناه اللمس، المس بمعنى النيل، كما في الآية التي تعبر عن أيوب ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ [ص: 41] مسني أي وصلني ونالني، ﴿لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ «79» أي لا يناله ولا يصل إليه وإلى كنهه وجوهره إلا المطهرون.

والمطهرون هم الراسخون في العلم، المطهرون هم الذين قال عنهم القرآن: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا [الأحزاب: 33] وهم أهل البيت وفي طليعتهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي يقول عن نفسه ”لقد كفلني رسول الله في حجره وكان يرفع لي كل يوم علماً من أخلاقه ويأمرني بالاقتداء به وكنت أتبعه إتباع الفصيل أثر أمه وما وجد لي كذبة في قول ولا خطلة في فعل، ولقد سمعت رنة الشيطان عند نزول الوحي، قلت: يا رسول الله ما هذه الرنة؟ قال: هذه رنة الشيطان يأس من عبادته إلى عبادة الله، إنك لتسمع ما أسمع وترى ما أرى غير أنك لست بنبي“.

دَولَةُ الإنْسَانِ فِي عَهدِ أمِيرِ المُؤمِنِينَ عَلَيهِ السَلَام
كيف نحظى بالسعادة في ليلة القدر