نص الشريط
الدرس 34 | شواهد التناقض في منطق الديالكتيك ونقدها
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
المكان: مجلس آل جمعة
التاريخ: 28/10/1442 هـ
مرات العرض: 2946
المدة: 00:38:04
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (221) حجم الملف: 10.8 MB
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

في البحث عدة محاور:

المحور الأول: إن التناقض قائم في عملية كافة الأشياء.

ذكر «ماو تسي تونغ» [1]  أن التناقض قائم في عملية كافة الأشياء، وقد نقل مضمون عبارته السيد الشهيد «قدس سره» حيث قال: ”لقضيةُ عمومية التناقض أو الوجود المطلق للتناقض معنى مزدوج - أي التناقض له معنيان - الأول هو أن التناقض قائمٌ في عملية تطور كافة الأشياء - فلا يُوجد شيء خاضع للتطور إلا وهو يحمل في طياته التناقض، فالتناقض عامٌ لكافة الأشياء - والثاني هو أنه في عملية تطور كل شيء، تقوم حركة أضداد من البداية حتى النهاية - أي أن التناقض ليس دخيلا في التطور فقط، بل إن التناقض يلازم حركة كل شيء من البداية إلى النهاية - يقول إنجلز: إن الحركة نفسها تناقض“، وهنا سجل السيد الصدر «قدس سره» على هذا الكلام[2]  ملاحظتين:

الملاحظة الأولى: إن في كلامه خلطاً بين أمرين.

في هذا الكلام خلط بين أمرين وهما صراع الأضداد في ظاهرة واحدة وصراع الأضداد في وحدة وجودية مُعيّنَة ولتوضيح هذا نقول:

عندما نُلاحظ ظاهرة الموج عند الشاطئ كَيف تضرب الأمواج ضفة الشاطئ فهنا يوجد صراع بين النقائض والأضداد، ولكنه صراع بين الأضداد في ظاهرة واحدة، وهذه الظاهرة هي ظاهرة الأمواج عند الشاطئ، هذه الظاهرة معينة، وهذه الظاهرة تحمل صراع الأضداد وهو أن أمواج الماء وتياراته تصطدم بأرض الشاطئ، ومن ناحية أخرى صمود الأرض في وجه تيار الأمواج يُرجع الأمواج مرة أخرى إلى البحر فتتشكل الظاهرة، فهذه الظاهرة تشكلت عبر صراع بين طرفين وهما رد الأرض للأمواج وقصف الأرض من خلال الأمواج، إلا أن هذه الظاهرة ليست وجوداً واحداً، هي ظاهرة واحدة لكنها ليست وجوداً واحداً بل هناك وجودات تشكلت منها هذه الظاهرة، بينما لا يُوجد عندنا وحدة وجودية - أي وجود واحد - يحمل الأضداد، عندنا ظاهرة تحمل الأضداد أما وجود واحد يحمل في طياته أضداداً متصارعة فإن هذا أمر مستحيل.

إذن تونغ خلط بين أمرين، خلط بين صراع الأضداد في ظاهرة واحدة وهذا لا مانع منه وبين صراع الأضداد في وجود واحد في وحدة وجودية معينة وهذا أمر مستحيل.

الملاحظة الثانية: إن التطور متقوم بعدم التناقض لا العكس.

هم يقولون التطور متقوّم بالتناقض ونحن نقول بالعكس التطور متقوم بعدم التناقض، فلا يُعقل أن يوجدَ تطورٌ يحمل في طياته التناقض، فالتطور متقوّمٌ بعدم التناقض لا أن التطور متقوم بالتناقض كما أُريدَ في كلماتهم؛ وقد ذكرنا فيما سبق أن البيضة وجود بالفعل للبيضة ووجود بالقوة للفرخ، وأن وجود الفرخ وجود بالفعل للفرخ لكنه وجود بالقوة للدجاجة وهكذا، ولو وُجدت هذه الأضداد في وقت واحد لما كانت هناك حركة، فالحركة متقومة بأن لا توجد في وقت واحد، فتوجد البيضة دون أن يوجد الفرخ، ويوجد الفرخ من دون أن توجد الدجاجة، فلو وجدت هذه المراتب في وقت واحد وفي وجود واحد لانعدمت الحركة وانشل التطور، فالتطور متقوم أصلاً بعدم الاجتماع في وقت واحد لا أن التطور متقوم باجتماع النقائض في وجود واحد في وقت واحد.

”إن التطور متقوم بعدم التناقض لكوّن الحركة خروجا من القوة إلى الفعل، ولو اجتمعت الأضداد في الفعل لم تحصل حركة“.

المحور الثاني: في بيان الشواهد على أن الحركة ناشئة عن صراع النقائض.

الماركسيون - الديالكتيكيون - الذين أصروا على أن الوجود يعني الحركة، وأن الحركة تعني التناقض، وأن حركة كل شيء ناشئة عن صراعٍ بين الأضداد في داخله وفي صميم محتواه، ذكروا شواهدَ متعددة لإثبات أن الحركة ناشئة عن صراع النقائض، نحن اقتصرنا على شواهد خمسة باعتبار أنها أوضح الشواهد ذكرناها مع ذكر المناقشة في كل شاهد من هذه الشواهد:

الشاهد الأول: التناقض في صميم الوجود بين الحياة والموت.

كل موجود حي فهو حي وميت في آن واحد، فكل موجود يحمل الحياة فهو يعيش الصراع بين الموت والحياة ولو لم يعش صراعا بين الموت والحياة لم يتطور، وهنا نذكر تصريحَ هنري لوفر قال: ”ورغم ذلك، أليسَ من الواضح أن الحياة هي الولادة والنمو غير أن الكائن الحي لا يُمكن أن ينمو دون أن يَتطور“ وهذا واضح وكلام سليم، ومعنى دون أن يتطور هو ”دون أن يكف عن كون ما كان“ أي لا يقدر أن يُصبح دجاجة حتى يكف عن كونه فرخاً، ولا يستطيع أن يكون فرخاً حتى يكف عن كونه بيضة، ”دون أن يكف عن كون ما كان، وكي يصير رجلاً عليه أن يترك الصبا ويفقده، وكلُّ شيء يلازم السكون ينحط ويتأخر، - إلى أن يقول وهو المهم عندنا - فكل كائن حي يناضل الموت لأنه يحمل موته في طوايا ذاته، فكل كائن حي يحمل موته في طي ذاته ولو لم يحمل موته في طيب ذاته لما عاش نمواً وتطوراً“.

النقاش في هذا الشاهد:

قالوا أن هذا الشاهد هو شاهدٌ على صراع النقائض في الوجود الواحد، فجسم واحد هو يعيش حياة ويعيش موتاً في آن واحد، ويلاحظ على هذا الشاهد:

أن الحياة والموت عمليتان لكن في صنفين من الخلايا لا في الخلية الواحدة، فخلايا تموت وخلايا تحيى لا أن الخلية الواحدة تحمل موتاً وحياةً في آن واحد لكي يُقال اجتمعت في وجود واحد فكان شاهداً على تقوم الحركة بصراع النقائض، ولذا يقول السيد الشهيد: ”فالموت والحياة يتقاسمان الخلايا، فالخلية تفنى في لحظة غير الخلية التي تحيى في تلك اللحظة، وهكذا يبقى الكائن الحي متماسكاً لأن عملية الحياة تعوضه عن الخلايا التي ينسفها الموت بخلايا جديدة فتستمر الحياة“، فلا يقال اجتمع النقيضان إلا لو اجتمع الموت والحياة في لحظة في جميع خلايا الكائن الحي، وهذا ما لم يحصل.

الشاهد الثاني: التناقض في عالم المعرفة.

قالوا أن التناقض ليس فقط في عالم الوجود بل حتى في عالم الذهن وفي عالم المعرفة بالأشياء يوجد تناقض، والتناقض في عالم المعرفة له موردان:

المورد الأول:

قال انجلز: ”كما رأينا أن التناقض بين مقدرة الإنسان على المعرفة مقدرةً متأصلة لا محدودة - كل إنسان يمتلك المقدرة على المعرفة مقدرة لا محدودة - وبين تحقيق هذه المقدرة تحققاً فعلياً في البشر الذين هم مقيدون بظروفهم الخارجية وبقابليتهم الذهنية“ فهو من جهة لا محدود ومن جهة مقيد، لا يقدر أن يتعرف على أشياء متجاوزاً الظروف، لا يقدر أنظ يتعرف على الأشياء متجاوزاً مستواه الذهني، فهو يمتلك قدرة لا محدودة ومحدودة في آن واحد، ”ويجد حلوله في تعاقب الأجيال تعاقباً لا محدوداً في التقدم اللامتناهي“.

السيد الصدر «قدس سره» يقول: أن الموضوع مختلف، فالموضوع الذي يتصف بالمقدرة اللامحدودة غيرُ الموضوع المتصف بالمقدرة المحدودة، فالموضوعان مختلفان، فالموضوع المتصف بالمقدرة اللامحدودة ليس الإنسان بل المجتمع البشري بأسره لا الفرد، فإذا نظرنا للمجتمع البشري كوجود قلنا أن هذا المجتمع البشري من آدم إلى آخر آدم فهذا المجتمع البشري إذا ننظر إليه كوجود واحد نقول هذا يمتلك مقدرة لامحدودة والدليل على أنه يمتلك مقدرة لا محدودة هو أنه في كل جيل يتطور ويقفز قفزات في عالم المعرفة، فلا يعيقه شيء عن التطور، بينما إذا نظرنا لكل إنسان بمفرده فإن هذا الإنسان بمفرده تفصله عن المجتمع البشري فإن مقدرته على المعرفة مقدرة محدودة وليست لا محدودة لأنها محدودة بالظروف ومحدودة بالمستوى الذهني الذي يمتلكه، إذن بالنتيجة أن الذي اتصف باللامحدود غير الذي اتصف بالمحدود.

المورد الثاني:

ذكر لينين حيث قال: ”إن التناقض يبدأ بأبسط القضايا وأكثرها عادية مثلا أوراق الشجر خضراء - هذا تناقض -، إيفان هو رجل - تناقض أيضاً جوشكا كلبة - تناقض -؛ لأن لازمه أن الخاص هو العام وهذا يعني أن الأضداد متماثلة، وأن الضروري والعرضي والظاهر والجوهر موجودة“، نأتي ونُطبق كلامه، عندما نقول: إيفان رجل - إيفان خاص - بينما مفهوم رجل عام لأنه ينطبق على إيفان وألف إيفان، إذن اجتمع الخاص والعام وهذا تناقض، هو خاص لأنه إيفان وهو عام لأنه رجل، فاجتمع الخاص والعام، أو عندما نقول «الإنسان ماشي» فالإنسان جوهر وماشي عرض فكيف اجتمع الجوهر والعرض؟! كيف اجتمع الموصوف مع الوصف؟ فهذا كله اجتماع للأضداد في وجود واحد، إيفان موضوع للخاص وموضوع للعام، «الإنسان ماشي» موضوع للجوهر وموضوع للعرض، فهذا اجتماع للأضداد.

ويلاحظ على ذلك:

الخلط بين الحمل الأولي والحمل الشائع - وهذا في كتاب منطق المظفر - فهم عندهم خلط بين الحمل الأولي والحمل الشائع، خلط بين المفهوم والمصداق، فالفرق بين الحمل الأولي والحمل الشائع أن الحمل الأولي حمل بين المفاهيم وبين الماهيات، فعندما تقول «الإنسان حيوان ناطق» فأنت لا تنظر للإنسان الخارجي بل تنظر لمفهوم وماهية الإنسان، هذا المفهوم - الإنسان - هو ذات هذا المفهوم الذي نعبر عنه بحيوان ناطق، فهناك وحدة بين المفهومين، الوحدة بين المفهومين حمل أولي، وعدنا حمل شائع وهو الاتحاد في المصداق لا الاتحاد في المفهوم، فعندنا مفهومان متغايران لكن اتحدوا في المصداق، نأتي إلى كلمة «الإنسان» ونأتي إلى كلمة «ماشي»، ف «الإنسان» له مصداق و«ماشي» لها مصداق فحتى الحيوان يمشي، لكن عندما تقول «الإنسان ماشي» فهذا المفهوم مع هذا المفهوم مع أنهما متغايران اجتمع في وجود واحد اسمه زيد، فالاتحاد في المصداق حمل شائع والاتحاد في المفهوم حمل أولى.

هؤلاء خلطوا بين الحمل الأولي والحمل الشائع فجاؤوا وقالوا: إيفان رجل، فهو جمع الخاص والعام، لكننا نقول أنهم لم يجمع الخاص والعام، فنحن لو حملنا مفهوم «رجل» على مفهوم «إيفان» حملاً أولياً لكان اجتماعاً للضدين، فمفهوم خاص هو ذات المفهوم العام غير معقول، إلا أنك لم تجمعهما في المفهوم بل جمعتهما في المصداق فقلت عندي مفهوم أعبر عنه بإيفان وهذا هو مصداقه الذي يمشي، وعندي مفهوم اسمه كلمة رجل وهذا هو مصداقه الذي هو مصداق إيفان فاجتمع المفهومان في مصداق واحد، اجتماع في مصداق واحد ليس من اجتماع الأضداد لأن ما يحكيه إيفان خاص وكلمة رجل لا يُراد بها مفهوم الرجل الذي ينطبق على زيد وبكر بل يُراد بها حصة من الرجولة تحققت في إيفان لا المفهوم العام وإنما حصة من الرجولة تحققت فيه، فالرجولة حصص فهناك رجل بمعنى الكلمة وآخر بنصف الكلمة ونحو ذلك، كذلك بالنسبة للجوهر والعرض لم يجتمعا وإنما هو من باب الحمل الشائع.

الشاهد الثالث: التناقض العلمي.

قالوا حتى في العلوم هناك تناقض، وقد ذكروا له موردان:

المورد الأول: التناقض الفيزيائي.

وهذا الذي نُكرره وهو اجتماع الموجب والسالب في نواة هذه الذرة ونواة هذا الوجود، وقد تعرض له السيد الصدر «قدس سره» [3] : ”قالوا إن الشحنتين الموجبة والسالبة تجتمعان في موقع واحد، ولولا اجتماع هاتين الشحنتين لما تولدت الحركة، فالحركة ناشئة عن صراع بين ضدين موجب وسالب“.

السيد الصدر يرد على ذلك فيقول: ”الشحنة الكهربائية الموجبة هي المماثلة للكهربائية المتولدة في القضيب الزجاجي، والشحنة الكهربائية السالبة هي المماثلة للشحنة الكهربائية المتولدة على الأيونين ففرق بينهما“ أي أنهما وجودان لا أنهما وجود وعدم، فهما اجتمعا في موقع واحد لا أنهما اجتمعا في وجود واحد كي يُقال أن هناك تناقض علمي في عالم الفيزياء.

المورد الثاني: التناقض الميكانيكي.

قالوا: ”أن لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه“، وهذا تناقض ففعل ورد الفعل في آن واحد متساويان في المقدار ومتعاكسان في الاتجاه فإن هذا تناقض.

السيد الصدر «قدس سره» يلاحظ ذلك فيقول: ”ويلاحظ عليه أنهما قوتان قائمتان بجسمين لا بجسم واحد، مثال ذلك عجلتا السيارة تدفعان الأرض بقوة، وهذا هو الفعل، والأرض تدفع عجلتي السيارة بقوة أخرى مساوية في المقدار للقوة الأولى معاكس في الاتجاه، وهذا هو رد الفعل، ولولا ذلك لم تتحرك السيارة، لكن النتيجة لم يحتو الجسم الواحد على دفعين متناقضين وإنما هما جسمان السيارة والأرض، فلم يجتمع الضدان في جسم واحد أو في وجودٍ واحد“.

الشاهد الرابع: التناقض الرياضي.

أي في الرياضيات[4] ، حيث ذكر «مرحبا»: ”يُمكن أن يجتمع التناهي واللاتناهي في الكميات المتسلسلة إلى ما لا نهاية له“، والمثال الذي يذكره السيد الصدر مثال واضح وهو «½، ¼...... إلى ما لا نهاية»، أنت ماذا تُسمي هذه الكمية متناهي أم غير متناهي؟ فهل هذه الكمية من المتناهي أم من اللامتناهي؟ يقول مرحبا: ”إن مبدأ عدم التناقض - الذي يقول به الفلاسفة - يقرر أن كل كمية إما متناهية أو غير متناهية، ولا يمكن أن تكون كذلك في وقت واحد، ولكن انظروا إلى سلسلة اللا متناهي مثل «½، ¼...... إلى ما لا نهاية» ففي هذه السلسلة المحتوية على الكميات التي لكل واحدة نصف الكمية السابقة عليها يجب أن يكون كل جزء منها متناهي فـ «½» متناهي و«¼» متناهي بينما الكمية التي تجمع كلها هي كمية لا متناهية، فإذا استمرت إلى غير نهاية كان لدينا تتابع لا متناهي من كميات كل واحدة منها لا متناهية، فمجموع أجزاء السلسلة عدد لا متناهي لكميات متناهية“.

السيد الصدر يقول: من أجوبتنا عمّا سبق من الشواهد اتضح الجواب عن هذا الشاهد، فإن هناك كميتين، إحداهما هي كمية الأعداد بما هي وحدات اجتمع بعضها مع البعض - أي انظر لها كأنها خيط واحد، فإذا نظرت لها كأنها خيط واحد فإن هذه لا متناهية - والأخرى كمية مدلولاتها الرياضية، فكل كيمة لها مدلول رياضي يختلف عن الأخرى، فكل كمية لها مدلول رياضي متناهية وليست لا متناهية، فلم يجتمع التناهي واللاتناهي في كمية واحدة.

الشاهد الخامس: التناقض الاجتماعي.

قال ماوتسي تونغ: مثل للتناقض - اجتماع التناقض في الوجود الاجتماعي - فقال تناقضات الحرب، فهناك هجوم ودفاع في آن واحد، نصر وهزيمة، تقدم وتأخر وكلها ظواهر متناقضة ولا وجود للواحدة من دون الثانية، وهذان الطرفان يتصارعان كما أنهما يتحدان ببعضهما فيؤلفان الحرب، فلا تستطيع أن تقول أن هذه حرب إلا كان فيها الضدان، فاجتمعت النقائض في ظاهرة واحدة اسمها الحرب.

يقول السيد الصدر: ”وهذا النص أكثر النصوص غرابة، فالحرب في التحليل الاجتماعي عبارة عن كثرة من الحوادث لم تتوحد إلا في التعبير فقط، فالنصر غير الهزيمة، والجيش المنتصر غير الجيش المنهزم، ونقاض القوة غير نقاط الضعف، فكيف تكون قد اجتمعت النقائض في وجودٍ واحد؟!“

إذن تلخص من الشواهد الخمسة أن الفلسفة التقليدية تتحدى المنطق الديالكتيكي أن يأتي بشاهد يُثبت اجتماع الضدين في وجود واحد.

المحور الثالث: ما هو الهدف من طرح المنطق الديالكتيكي؟

قالوا: الغرض هو هدف سياسي، وهذا الهدف السياسي هو أن يسود الاقتصاد الماركسي، وإذا ساد على العالم فالماركسية حكمت العالم، لأن الوسيلة للحكم هو الاقتصاد، فأنت لما تسيطر على الاقتصاد سيطرت على الحكم، فإذا ساد الاقتصاد الماركسي في العالم سادت الماركسية العالم، وهذا هو الهدف.

ولهذا قالوا: ”إن الغرض الأساسي من إنشاء المنطق الجديد أن يكون سلاحاً فكرياً للماركسية في معركتها السياسية في مقابل الرأس المالية، ولذلك افترضت الماركسية أن المجتمع في كل دور يتحرك طبقاً للتناقضات الطبقية المحتواة في داخله، وترتيباً على ذلك استنتجت الماركسية أن المحتوى التحليلي للمجتمع الرأس مالي[5]  هو الصراع بين التناقضات التي ينطوي عليها بين الطبقة العاملة من ناحية والرأس مالية من جهة أخرى، وهذا الصراع يمد المجتمع بالحركة التطورية التي سوف تحل التناقض الرأس مالي حتى تُسلم القيادة إلى الطبقة العاملة“.

نحن صغنا العبارة هكذا: ”الهدف من منطق التناقض الديالكتيكي بعث مسار اقتصادي جديد يبتني على صراع الطبقة العاملة والطبقة الرأس مالية إلى أن ينمحي التنوع الطبقي“، فإذا انمحى التنوع الطبقي فإن المجتمع البشري سوف يصل إلى درجة راقية اسمها الماركسية، فالماركسية هي أعلى درجة يُطمح للمجتمع البشري الوصول إليها، ولذلك السيد الصدر ينقل بعض العبارات عنهم: ”فإذا قُضي على التنوع الطبقي في المجتمع الاشتراكي المقترح انطفأت شعلة الصراع، وتلاشت الحركات التناقضية نهائياً“ فيقول السيد الصدر أن هذا بالنتيجة كان سكوناً وليس تطوراً، فالنتيجة أن المجتمع إذا وصل إلى الماركسية وقف على هذا المستوى لأن الماركسية لا تقبل فكراً آخر، فهي تؤمن بالتناقض إلا ما يناقض فكرها، إلا أن يتوصل المجتمع إلى نقيض للماركسية وهذا غير مقبول وهو تخلف، ولذلك السيد اختتم قوله بهذا: ”أليس من الجدير بعد هذا أن ننعت التفسير الديالكتيكي للتاريخ والمجتمع هو وحده التفسير الذي يحتم على البشرية الجمود والثبات دون التفسير الآخر الذي يضع رصيد التطور في معين لا ينضب وهو الوعي بمختلف ألوانه“ أي الذي يقبل الأفكار.

والحمد لله رب العالمين

[1]  1893 - 1976م، ثوري شيوعي صيني ومؤسس جمهورية الصين الشعبية.
[2]  وإن كان هذا الكلام قد مر البحث فيه وإنما نعرضه هنا ملخصاً لربطه بالمحور الثاني.
[3]  ص246.
[4]  السيد الصدر لم ينقل الشاهد عمن حيث قال «بعض الكتاب» ثم في الحاشية قال «محمد عبد الرحمن مرحبا» في كتابه المسألة الفلسفية ص103.
[5]  المجتمع الغربي رأس مالي، والمجتمع الأفريقي كذلك.

الدرس 33 | تكامل الحقيقة واقع أم خيال؟
الدرس 35 | قفزات التطور في منطق الديالكتيك