نص الشريط
حاجة الشعوب للسلم الاجتماعي
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
المكان: مأتم السيدة الزهراء (ع) - صفوى
التاريخ: 7/2/1443 هـ
تعريف: ذكرى شهادة الإمام الحسن بن علي المجتبى عليه السلام
مرات العرض: 4187
المدة: 01:05:55
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (333) حجم الملف: 18.8 MB
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [البقرة: 208]

السلم مأخوذ من مادة السلام، والسلام هو عبارة عن الأمن والاستقرار والاطمئنان، ولذلك من أسماء الله تعالى كلمة السلام ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ [الحشر: 23]؛ أي أنه تعالى هو مصدر الأمن وهو مصدر الطمأنينة، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد: 28]،

من السلام استخدم القرآن الكريم ثلاثة عناوين: السَّلَم، السَّلْم، السِّلْم، ولكل واحد من هذه العناوين معنى في القرآن الكريم:

العنوان الأول: السَّلَم؛ وهو عبارة عن الاستسلام والانقياد، كما في قول القرآن الكريم: ﴿فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا [النساء: 90]، ألقوا إليكم السلم أي استسلموا وانقادوا لكم.

العنوان الثاني: السَّلْم؛ هو عبارة عن وقف القتال عبر صلح وهدنة، كما في قول القرآن الكريم: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ «60» وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ «61» [الأنفال: 60 - 61].

العنوان الثالث: السِّلْم؛ مبدأ من المبادئ القرآنية والإنسانية، يقول القرآن الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [البقرة: 208]؛ السلم عبارة عن راية يلتقي تحتها المسلمون في أمن واستقرار وتعاون ألا وهي راية الإسلام ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ [آل عمران: 19]، ﴿ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً أي ادخلوا تحت هذه الراية التي تظللكم بالأمن والاستقرار والطمأنينة.

نريد أن نتحدث في هذه المحاضرة عن السلم الاجتماعي الذي دعا إليه القرآن الكريم ﴿ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً، والسلم الاجتماعي له معنيان: معنى لغوي ومعنى اصطلاحي.

  • المعنى اللغوي: السلم الاجتماعي هو عبارة عن الاستقرار والأمن، فالمجتمع الآمن هو الذي يعيش سلماً اجتماعياً، والمجتمع الآمن هو الذي يعيش استقراراً.
  • المعنى الاصطلاحي: عندما يعرف علماء الاجتماع هذه المفردة  السلم الاجتماعي  تعني عندهم كما عبر عنها خالد بن محمد البديوي في كتابه «الحوار وبناء السلم الاجتماعي» فقد عرف هذه المفردة بقول: هي ما يبتني على ثلاثة عناصر: الاستقرار الأمني، العدالة، احترام الآخر، فإذا توفرت هذه العناصر الثلاثة عاش المجتمع مبدأ السلم الاجتماعي.

عندما نريد أن نتحدث عن السلم الاجتماعي أمامنا محاور ثلاثة نتحدث فيها:

  • فلسفة السلم الاجتماعي.
  • الدين والسلم الاجتماعي.
  • مظاهر هذا السلم الاجتماعي في شخصية الإمام الحسن الزكي .
المحور الأول: فلسفة السلم الاجتماعي.

هذا مبحث في علم الاجتماع، باعتبار أن السلم الاجتماعي مبدأ وفلسفته تعتمد على عدة بنود:

البند الأول: أن هناك فرق بين التسامح وبين السلم، فالتسامح يعني استخدام مسكنات، عندما يحصل شجار بين شخصين أو بين قبلتين وللإصلاح بينهم ندعوهم للتسامح، والتسامح هو عبارة عن مسكنات لتقليل وتخفيف حدة التوتر والاختلاف بين الطرفين، وهو هدنة مؤقتة لا أكثر، ولكن لدينا شيء أعظم وأعمق من التسامح وهو السلم الاجتماعي، والسلم الاجتماعي يعني إعادة المختلفين إلى القيم الإنسانية.

فالإنسان ليس من طبعه الصراع، الصراع كما يقول علم النفس الاجتماعي أنه طارئ في الإنسان، وأنه ليس من الإنسان ثقافة العنف، ولا ثقافة الصراع، ولا ثقافة الاحتراب، فإذا عاد الإنسان إلى جوهره الإنساني وجذوره الإنسانية المتأصلة في طبعه وفي فطرته ستختفي منه نزعة الاحتراب ونزعة العنف والصراع، إذن السلم الاجتماعي يعيد المختلفين إلى الجوهر الإنساني ويعيدهم إلى الجذور الإنسانية، وإعادة المختلفين إلى جذورهم الإنسانية يعني أن يخضعوا للقيم الإنسانية.

وفي قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا [الحجرات: 13] أي خلقناكم بآليات تدعوكم إلى التعارف، فإذا رجعتم إلى أصولكم الإنسانية ستتعارفون حتماً، وهذه الآليات نعبر عنها بالنزعة الاجتماعية.

فإذن ليس من فطرة الإنسان التوحش وإنما من فطرته الاجتماع، وبطبعه أنه يحب الآخر ويألفه ويتعاون معه، وهي نزعة اجتماعية موجودة في كل إنسان، تدعوه لكي يتعارف مع الإنسان الآخر، فالشعوب تتعارف، والأسرة تتعارف، والقبائل تتعارف، إذا رجعت إلى النزعة الإنسانية.

إذن الصراع طارئ والنزعة الاجتماعية هي الأصيلة، والمختلفون إذا عادوا إلى طبعهم الأصيل سينمحي الصراع وستنتهي ثقافة العنف.

البند الثاني: السلم الاجتماعي لا يعني محو الاختلافات، فتفاوت البشر في المستوى الذهني وفي المستوى الثقافي والاجتماعي يقتضي وجود اختلافات، والسلم الاجتماعي لا يعني محو هذه الاختلافات، إنما السلم الاجتماعي يعني إدارة الاختلافات، وإدارة الاختلافات في ظل القيم الإنسانية هو عبارة عن السلم الاجتماعي، فالشعوب المختلفة تدير خلافاتها عبر السلم الاجتماعي ويكون اختلافهم طريقاً لتكاملهم وليس طريقاً للتقاتل والتحارب، فعندما يجعلون الهدف من الاختلاف هو التكامل فقد أدروا الاختلاف إدارة إنسانية، وهذا هو مبدأ السلم الاجتماعي.

البند الثالث: عندما ننظر إلى مفردتين من المفردات التي نتعامل بها وهي العدالة والأمن، فهل يكون تحقيق العدالة أولاً فيتحقق الأمن أو تحقيق الأمن أولاً فتتحقق العدالة؟ أيهما أسبق في مقام التطبيق والتنفيذ؟ إذا تحققت العدالة تحققت البيئة الآمنة وإذا تحققت البيئة الآمنة تحقق الإنتاج، فمن المستحيل أن ينتج المجتمع بدون بيئة آمنة.

فالإنتاج فرع وجود بيئة آمنة، والبيئة الآمنة فرع وجود العدالة، إذن الأمن متفرع من العدالة وليس العكس، وهذا هو الرأي الذي يرجحه الجميع، ولكن يصر علماء الاجتماع على أنه حتى العدالة لا يمكن تطبيقها بدون أساليب سلمية، إذن السلم احتجنا إليه أولاً، فحتى العدالة التي هي مبدأ إنساني جوهري لا يمكن تطبيقه إلى عبر أساليب سلمية، فما لم يكن هناك سلم لا تتحقق العدالة، إذن بالنتيجة السلم الاجتماعي ثقافة مهيمنة على كل المفردات وكل الحقوق.

مثلاً شخصان مختلفان لا نستطيع أن نعالج اختلافهما بالقانون مباشرة، بل نحتاج إلى أساليب سلمية أولاً، ففي المرحلة الأولى يكون الخطاب التصالحي؛ أي كل واحد منهما يخاطب الآخر بخطاب يحترم فيه الآخر ويقر بموقع الآخر ويقر بحقوق الآخر، وفي المرحلة الثانية: مد جسور الثقة؛ بالقيام بخدمات يقدمها كل طرف للآخر لتمتد جسور الثقة وحسن النية، وبعد هذه المرحلة يصبح لدينا مناخ للتعايش والتعاون، فإذا تولد المناخ جاءت العدالة، إذن تطبيق العدالة يحتاج إلى أساليب سلمية تسبق تطبيق العدالة مما يعني أن ثقافة السلم تتدخل في كل المفردات وتهيمن عليها.

البند الرابع: العنف ليس حلاً لأي صراع، والحرب لم تقع حلاً لأي صراع من الصراعات البشرية، لأن البشرية لا تعيش أمناً واستقراراً إلا بتعزيز ثقافة السلم الاجتماعي، ففي العصر الحديث نعيش تقدماً تكنولوجياً وتحولاً رقمي أي أصبحنا أقرب إلى السلم من أي عصر آخر؛ لأن المجتمع الإنساني أصبح قرية واحدة يتأثر بعضه بالبعض الآخر شئنا أم أبينا، لذلك جاء مصطلح القوة الناعمة؛ أي بدل أن تحمي نفسك بالقوة العسكرية تستطيع أن تحمي نفسك بأساليب سلمية، أي أن المجتمعات والمنظومات والفئات الاجتماعية تستطيع أن تحمي نفسها بأساليب سلمية، وأعظم أسلوب سلمي تستطيع أن تحمي نفسك به هو الإنتاج.

الإنسان المنتج يحمي نفسه بالإنتاج، الإنسان المنتج سواء على مستوى الفن أو المعرفة أو القدرات المهنية أو العقلية يفرض نفسه على المجتمع فهو يحمي نفسه من خلال إنتاجه، الإنتاج يحمي الشخصية الإنسانية، ولذلك نرى أن الشعوب الغير منتجة تكون شعوباً ضعيفة ويمكن السيطرة عليها، فكل شعب يستطيع أن يحمي نفسه حينما يتألق في المظاهر الحضارية الثلاثة وهي الفن والإبداع والإنتاج، إذن هذه قوة ناعمة تحمي نفسك من خلالها، وأعظم أسلوب سلمي تحمي نفسك به ألا وهو الإنتاج.

البند الخامس: السلم الاجتماعي ليس تنظيرات مثالية ولا ترف فكري يحلق في الفضاء، السلم الاجتماعي لابد أن يتحول إلى ثقافة وثورة معرفية، ويتحول المجتمع إلى سلم اجتماعي إذا عاش ثقافة السلم، مالم يكن السلم ثقافة يبقى المجتمع متوتراً ومختلفاً.

فلابد أن يدخل في المفردات الأولية لكل إنسان ويكون أولها، وهذه المفردات هي الهوية، المواطنة، الانتماء، فهذه المفردات الثلاث يتدخل فيها السلم الاجتماعي وتعيد الإنسان إلى الأصول الإنسانية، هويتك أنك إنسان، مواطنتك بمقدار إنسانيتك، انتمائك لمحيط الإنسانية وللجذور الإنسانية.

إذن مالم تتحول ثقافة السلم إلى ثورة معرفية تدخل في الهوية، وتدخل في الانتماء، وتدخل في المواطنة لن يعيش أي مجتمع أجواء السلم الاجتماعي ومبدأ السلم الاجتماعي.

لذلك لننظر إلى الاختلافات الدينية والتي هي من أشكل المشكلات، نرى أن الكثير من الحروب الدينية منطلقاتها في الواقع ليست دينية بل هي حروب على الثروات والموارد ولكنها تأخذ غطاء ديني فتسمى حرب دينية كالحرب بين الإسلام والصليبية، وبين الصليبية واليهودية... وهكذا، الكثير من الحروب الدينية التي مرت على التاريخ هي في الواقع الدين فيها مجرد غطاء وإلا هي حروب على الثروات، وعلى الموارد والإستئثارات، لذلك الحروب الدينية هي من أعظم الحروب تدميراً للبشرية.

هانس كونج لاهوت[1]  يقول: لا يتحقق سلام بين الأمم حتى يتحقق سلام بين الأديان، ولا يتحقق سلام بين الأديان حتى يكون حوار بين الأديان، ومالم تكن هناك لغة الحوار بين الأديان وبين المذاهب والإيديولوجيات المختلفة لن يكون هناك سلام ديني بين الأمم، فالحوار هو تجسيد وترسيخ لمبدأ السلم الاجتماعي.

نرى الآن في واقعنا المؤلم مساحات كبيرة من شبابنا تركوا الدين ومن أهم أسباب ذلك هو الاختلافات الدينية، ومن أهم الأسباب المنفرة من الدين والتي تعكس صورة مشوهة للدين هي اختلافات المتدينين أنفسهم واختلافات أهل الدين أنفسهم، يختلفون في قضايا هامشية ويتركون مرحلة بناء الدين، وبناء الفكر الديني، وبناء قوام الدين، وينشغلون بقضايا هامشية يشغلون أنفسهم بها ويشغلون المجتمعات بقضايا هامشية ويتركون التأصيل والبناء للفكر الديني، وهذا أكبر منفر لكثير من شبابنا عن ساحة التدين وعن إطارها.

إذن السلم الاجتماعي لابد أن يكون ثقافة، وحتى يصبح ثقافة لابد أن تكون لغة الحوار لغة شائعة ورائجة، حتى يتحول السلم الاجتماعي إلى ثقافة متجذرة ومتأصلة.

المحور الثاني: الدين ومبدأ السلم الاجتماعي.

هل الدين يشجع على السلم الاجتماعي أم أن الدين يشجع على ثقافة الصراع والعنف؟

يوجد قسم في الفقه الإسلامي يسمى فقه الأقليات، وفيه يبين كيف تعيش الأقليات في ظل الدولة الإسلامية، فمثلا دولة إسلامية تعيش فيها أقلية مسيحية أو درزية أو أزيدية، هي أقليات لا تؤمن بالإسلام وتعيش ضمن الدولة الإسلامية فكيف تعيش؟ وهل لها حقوق متكاملة؟ هل أنها مثل سائر المواطنين تعيش حقوقاً متساوية؟

قد يستشكل أحدهم بقول أن الإسلام لا يراعي ثقافة السلم الاجتماعي، فلو كان يراعيها لراعى الأقليات، فنرى الإسلام من خلال مظهرين يصادر فيهما حق الأقليات:

  • المظهر الأول: الإسلام يحتكر القيادة، فلابد أن تكون القيادة لمسلم لا أن تكون القيادة لمسيحي مثلاً، يقول القرآن ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء: 141] السبيل للمؤمنين أي أن القيادة للمؤمنين وليست للكافرين.
  • المظهر الثاني: أن الإسلام يفرض على الأقليات أن يدفعوا جزية ما داموا يعيشون في الدولة الإسلامية وهذه مصادرة لحق من حقوقهم.

إذن كيف نقول أن الإسلام يرسخ العدالة ويرسخ مبدأ السلم الاجتماعي والحال بأن الإسلام يحرم الأقليات غير المسلمة من القيادة ويفرض عليهم دفع الجزية؟

الجواب: أن الإسلام كدين، وكمنظومة دينية فكرية متكاملة عندما ننظر إليه نجده في ثلاثة عناصر يدعم السلم الاجتماعي: العنصر البنائي، العنصر التربوي، العنصر القيادي.

العنصر الأول: العنصر البنائي.

يبني الإسلام المجتمع على أربعة أركان:

  1. الركن الأول: العدالة ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ [النحل: 90]، ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ [المائدة: 8]
     
  2. الركن الثاني: التعاون، ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة: 2]
     
  3. الركن الثالث: الأخوة، العلم الاجتماعي يكتفي بالتعايش السلمي، ولكن الدين الإسلامي يقول بأننا نحتاج إلى درجة أقوى من التعايش السلمي، نحتاج إلى مبدأ الأخوة ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات: 10]، يدعو الدين إلى ما هو أكثر من التعايش والسلم، يدعو إلى مبدأ الأخوة كركن من أركان بناء المجتمع.
     
  4. الركن الربع: الشهادة؛ أي الرقابة الاجتماعية، فحتى تحقق العدالة تحتاج إلى رقابة، لذلك يقول القرآن الكريم ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة: 143] ويقول: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران: 110]

العنصر الثاني: العنصر التربوي.

من أصغر تعليم إلى أكبر تعليم في التعاليم الإسلامية تدعو إلى السلم، ويتجلى في عدة مظاهر:

  1. المظهر الأول: التحية وهي «سلام عليكم»؛ أي أمن وسلم، فحتى في مجال التحية لابد أن تُستخدم مفردة تدل على الأمن والسلم، ﴿وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ [يونس: 10] ولذلك يقول القرآن: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا [النساء: 94]، أي أنه ما دام حياكم بتحية السلام فاقبلوا تحيته واعتبروه آمناً، فالتحية مظهر للأمن وللسلم الاجتماعي.
     
  2. المظهر الثاني: حسن الظن، ثم تأتي بناء جسور الثقة بينك وبين أخيك ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ [الحجرات: 12] أي لابد أن تعيش حالة ثقة وإقبال على الآخر وحسن الظن.
     
  3. المظهر الثالث: الكلمة الطيبة ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ «24» تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ «25» [إبراهيم: 24 - 25] تعامل مع الآخر بالكلمة الطيبة.
     
  4. المظهر الرابع: التعامل الحسن، ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت: 34].

إذن ترى أن الإسلام يراعي السلم في اللفظ، وفي السلام، وفي الكلمة الطيبة، وفي التعامل، وحتى في الظنون والخواطر، يربي الإنسان على مبدأ وثقافة السلم مع الآخر.

العنصر الثالث: العنصر القيادي.

الرسول الأعظم محمد هو رأس القيادة الإسلامية، لما جاء المدينة أبرم وثيقة بين المسلمين واليهود على أن يعيشوا مجتمعاً آمناً، أبرم وثيقة بين قبيلتي الأوس والخزرج وكانتا قبيلتين متحاربتين فأصبحتا متآخيتين، الرسول الأعظم أبرم صلح الحديبية مع المشركين الذين حاربوه وقاتلوه، الرسول الأعظم عندما فتح مكة رفع الراية البيضاء من ألقى السلاح فهو آمن ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، إذن القيادة مثَّلت ثقافة السلم الاجتماعي.

الكلمة الذهبية الموجودة في مبنى الأمم المتحدة التي قالها الإمام علي في عهده لمالك الأشتر: وأشعر قلبك الرحمة للرعية والحب لهم واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم فإن الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق.

إذن من خلال هذه العناصر نفهم أن الإسلام يرسخ ثقافة السلم الاجتماعي، فإذا كان الإسلام كذلك فلماذا يحرم الأقليات من القيادة؟

الجواب: نظام القيادة هو نظام عالمي، فمثلا ألمانيا لا يحكمها من لا يحمل الجنسية الألمانية، والولايات المتحدة لا يقودها شخص لا يحمل الجنسية الأمريكية، وبنفس المنطق المجتمع المسلم لا يحكمه إلا شخص مسلم؛ لأنه الأقدر على إدارته والأعرف به وباتجاهاته وميوله، وهذا مطلب إنساني وليس احتقار للأقليات، وبالتالي الأقليات ليست محرومة من المناصب الأخرى كالوزارة أو العضوية في مجلس الشورى أو في أي منصب آخر، ولكن بالنتيجة القيادة للمسلم لأنه الأعرف بقيادة هذا المجتمع.

أما عندما نأتي لمسألة الجزية فالجزية ضريبة، والمسلم يدفع ضريبة أكثر من غير المسلم، فكل مسلم في الدولة الإسلامية يدفع ضريبة أكثر مما يدفع غير المسلم، الزكاة ضريبة مقدارها العشر ونصف العشر وهي أكثر من الجزية.

﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة: 60]، الصدقات تعني الزكاة، والزكاة ضريبة على كل مسلم، وهذه الضريبة نسبتها أكبر من ضريبة الجزية التي يدفعها غير المسلم، فالدولة الإسلامية تحمي الأقليات وتحمي حقوقهم، وتوفر لهم ثرواتهم، وتوفر لهم فرص العمل، وفي مقابل هذه الحماية يدفعون ضريبة للدولة الإسلامية، كما أن المسلم يدفع ضريبة للدولة الإسلامية في مقابل حماية الدولة له وإعطائه فرصة العمل واكتساب الثروة.

إذن ليس في فقه الأقليات ما يدعو إلى احتقارهم، أو يجعل الإسلام مغاير لثقافة السلم الاجتماعي.

المحور الثالث: مظاهر السلم الاجتماعي في شخصية الإمام الحسن الزكي .

من أكبر الإنجازات والمشاريع التي تحدث عنها التاريخ الإسلامي هو مشروع الإمام الحسن عندما صالح معاوية بن أبي سفيان، وهذا الإنجاز وهذا المشروع الذي قام به الإمام الحسن له عدة منطلقات نذكر منها ثلاثة:

المنطلق الأول: صيانة القيادة الإسلامية عن الإذلال.

فلو حصلت المعركة بين الإمام الحسن وبين معاوية فالنتيجة محسومة لمعاوية مسبقاً، فمعاوية يمتلك جيش عقائدي وقوي عدة وعتاداً وتضحية وإصراراً، جيش وصل إلى عمق العراق أي إلى عمق الدولة التي يقودها الإمام الحسن، وبقيت عدة مدن ومحافظات تحت دولة الإمام الحسن، الحرب مع معاوية محسومة عسكرياً لأن الانتصار العسكري هو لمعاوية، إذن نتيجة الحرب لن يقتل معاوية الحسن لأنه ريحانة رسول الله بل سيأسره، النتيجة أن الجيش يأسر الإمام الحسن ويقوده بالأقياد والأغلال إلى معاوية، ينتظر رحمته وعفوه وتسامحه، وهذا إذلال لموقع القيادة الإسلامية، فالإمام الحسن إمام معصوم ومنصوص عليه بالإمامة وغير هذا هو قائد اجتماعي، فالصحابة لم يباعوا معاوية بل بايعوا الإمام الحسن بعد مقتل أبيه الإمام علي على أن يكون خليفة وقائداً للمجتمع الإسلامي، إذن الموقع القيادي للإمام الحسن موقع شرعي واجتماعي وإسلامي لا كلام فيه، لذلك أَسْرُ الإمام الحسن هو إذلال لمنصب القيادة فأراد الإمام أن يفوت الفرصة على معاوية، بأن لا يقع الإمام الحسن أسيراً بين يديه فيكون ذلك إذلالاً لموقع القيادة، لهذا قال: والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني إليه سلماً فلئن أسالمه وأنا عزيز أحب إلي من أن يقتلني وأنا أسير، أو يمن علي بالعفو فتكون سبة على بني هاشم لا يزال يمن بها معاوية هو وعقبة على الحي منا والميت.

المنطلق الثاني: مبدأ السلم الاجتماعي.

 صلح الإمام الحسن هو امتداد لصلح رسول الله وخطه للمبدأ النبوي والمبدأ العلوي، فالرسول الأعظم عندما جاء إلى المجتمع العربي كان مجتمعاً متناحر يقتل بعضه بعضاً، والقوي يأكل الضعيف، والغني ينهب الفقير، والسيد يستعبد العبد، مجتمع طبقي بامتياز ومتناحر بامتياز، استطاع الرسول خلال سنوات قليلة أن يحول هذا المجتمع المتناحر إلى مجتمع أخوي.

المستشرقين الألمانيين يقفون هنا بإجلال أمام رسول الله، ويقولون أن أكبر شاهد على عبقرية محمد نبي الإسلام أنه حول المجتمع العربي من مجتمع متناحر إلى مجتمع متآخٍ وهذه أكبر معجزة تدل على عبقريته وهو ما أشارت إليه السيدة الزهراء : كُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النّارِ، مُذْقَةَ الشّارِبِ، وَنُهْزَةَ الطّامِعِ، وَقُبْسَةَ الْعَجْلانِ، وَمَوْطِئَ الأقْدامِ، تَشْرَبُونَ الطّرْقَ، وَتَقْتاتُونَ الْوَرَقَ، أذِلَّةً خاسِئِينَ، ﴿تَخافُونَ أنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِكُمْ، فَأنْقَذَكُمُ اللهُ تَبارَكَ وَتَعالى بِمُحَمَّدٍ .

وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم إذ يقول: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا [آل عمران: 103] حولهم النبي من المجتمع المتناحر إلى مجتمع الأخوة عبر نشر ثقافة السلم الاجتماعي، وهذا المبدأ النبوي.

وأما المبدأ العلوي فقد قال الإمام علي : لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلا عَلَيَّ خاصة. فالإمام علي عليه الإسلام إمام منصوص عليه بالإمامة من قبل الله عزوجل، ولكن عندما لم يصل إلى منصبه الإلهي دار الأمر إما أن يشن حرباً حتى يسترجع هذا المنصب، أو يمشي على مبدأ السلم الاجتماعي، فبنى على ما بنى عليه رسول الله وقال: لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلا علي خاصة.

هذا المبدأ النبوي وهذا المبدأ العلوي هو الذي جسده الإمام الحسن الزكي صلوات الله وسلامه عليه، فقال لحجر بن عدي عندما جاء يناقشه: إن الأمر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية هو حق لي تركته لإصلاح أمر الأمة وحقن دمائها، وقال: ما أردت بصلحي هذا إلا أن أدفع عنكم القتل.

المنطلق الثالث: الإسلام له مظهر وله مخبر.

ومظهر الإسلام هو المآذن والمساجد وصوت الأذان وغيره، والبلاد الإسلامية تعج بالمظاهر، ولكن مخبر الإسلام الذي هو الإسلام الحقيقي هو عبارة عن الصلاة والصوم والعمل الصالح، يقول القرآن الكريم: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ [التوبة: 19]، ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ «2» إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ «3» [العصر: 2 - 3]

إذا دار الأمر بين المظهر والمخبر فأيهما يقدم؟ إما أن نحافظ على مظاهر الإسلام مساجد ومآذن، وإما أن نحافظ على مخبر الإسلام يعني وجود ثلة حقيقية من المسلمين، فبالطبيعي المخبر أولى من المظهر وهذا ما ركز عليه الإمام الحسن ، فلو خاض الإمام الحسن الحرب مع معاوية فسوف تكون النتيجة قتل ثلة من المؤمنين، ويقتل خيرة الصحابة، والأفذاذ القادة من المجتمع الإسلامي، سيبادون ويقضى عليهم، فرأى الإمام الحسن أن الميزان إما أن يحافظ على المظهر فيقاتل معاوية وبالنتيجة سيموت هؤلاء الأفذاذ من الامة الإسلامية، وإما أن يحافظ على المخبر وأن يحافظ على هذه الثلة والصفوة والأفذاذ من الصحابة والتابعين وأهل البيت ، فقدم المخبر على المظهر لذلك ورد عنه صلوات الله وسلامه عليه في تبريره للصلح وحديثه عن الصلح مع معاوية قال: إني خشيت أن يُجْتث المسلمون عن وجه الأرض فأردت أن يكون للدين ناعي.

عندما نركز على القيم الإنسانية التي هي محور السلم الاجتماعي نرى أن الإمام الحسن كيانٌ كله قيم إنسانية، ثلاث خصال إذا توفرت في إنسان فهو يعتبر في أعلى درجات الإنسانية: كرم، حلم، وسلم، والإمام الحسن بجميع أبعاده هو إنسان اجتماعي من حيث كرمه فهو إنسان اجتماعي، من حيث حلمه فهو إنسان اجتماعي، من حيث سلمه فهو من إنسان اجتماعي، الكرم والحلم والسلم مظاهر ثلاثة تكشف عن روح واحدة، روح اجتماعية بأعلى درجات الإنسانية، وهكذا كان الحسن الزكي ، معروف بأنه كريم أهل البيت يأتيه الطارق يطرق بابه فيقول: أعطوه ما في الخزانة، فيقول الطارق: سيدي انتظر مسألتي وهلا عرفت حاجتي. قال:

نُحنُ   أُناسٌ   نَوالُنا   iiخَضِلٌ
كُلُّ   فَتىً   لَيسَ  في  مَوَدَّتِهِ
لَو  أَبصَرَ  البَحرُ فَيضُ iiأَنمُلِهِ

 
يَرتَعُ   فيهِ   الرَجاءُ   iiوَالأَمَلُ
مَذقٌ   وَلا   في  خِلالِهِ  iiخَلَلُ
فاضَ عَلى وَجهِ فَيضِهِ الخَجَلُ

تأتي إلى حلمه، مر على السوق فرآه رجل شامي فشتمه وشتم أباه أمير المؤمنين، التفت إليه الإمام الحسن وقال له: يا هذا أظنك اشتبهت فينا، فإن كنت جائعاً أشبعناك وإن كنت طريداً آويناك، وإن كنت خائفاً آمناك، فهلا حولت رحلك إليك ونزلت ضيفاً علينا، فإن لنا منزلاً رحباً وجاها عريضاً ومالاً وفيراً. فلم يتمالك الرجل حتى انكب على يديه يقبلهما وقال: بأبي أنتم وأمي، الله أعلم حيث يجعل رسالته فيكم أهل بيت النبوة.

وفي السلم فهو قد صالح معاوية من منطق القوة لا من منطق الضعف، من منطق الحكمة لا من منطق التخاذل، لذلك لم يتوقف الإمام الحسن عن قرع معاوية مع أن السلطة بيده، كتب إليه معاوية: يا أبا محمد أنا خير منك لأن الناس أجمعت علي ولم تجمع عليك، فكتب إليه الإمام الحسن: إن الذين اجمعوا عليك بين مكره ومطيع، فأما المكره فهو معذور في كتاب الله، وأما المطيع فهو عاص لله، وأنا لا أقول أنا خير منك لأنه لا خير فيك، فلقد برأني الله من الرذائل كما برأك من الفضائل.

فإذن الإمام الحسن قد صالح معاوية، ولكنه بقي في موقع القوة والعزة والشأن الاجتماعي العام، عزيزاً وعظيماً بين المسلمين حتى إذا وقف على قارعة الطريق امتنع المارة عن المرور هيبة وإجلالاً له، كما يقول واصل بن عطاء: رأيت الحسن فرأيت عليه سيماء الأنبياء وبهاء الملوك.

فالإمام الحسن الزكي كانت حياته تقلق معاوية وكان وجوده يؤرقه فما صبر وما تحمل حتى دس للإمام سماً ذعافاً نقيعاً عن طريق زوجته جعدة.

والحمدلله رب العالمين

[1]  سويسري المنشأ، كاهن كاثوليكي في ألمانيا.