نص الشريط
الإنسان الهادف بين قيمة الحرية ومبدأ الكرامة
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
المكان: مجلس الغدير - النرويج
التاريخ: 3/1/1444 هـ
مرات العرض: 1804
المدة: 00:49:47
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (145) حجم الملف: 14.2 MB
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة: 256]

صدق الله العلي العظيم

تؤكد الثقافة الغربية على مبدأ الحرية، أن الإنسان حر في آرائه، حر في سلوكه، حر في دينه، حر في سائر تصرفاته، وفي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948م من الأمم المتحدة في المادة الثامنة عشر نص يقول: للإنسان حق الحرية في الفكر والوجدان والدين.

فمن حقه أن يعتنق أي دين وأن يعبر عنه بطقوسه وممارساته، ومن حقه أن يغير دينه متى شاء، وهذه النقطة هي التي تجعلنا نتساءل عن مبدأ الحرية، ما هي الحرية؟ وهل هناك حرية مطلقة أم لا؟ وما هي الركائز للحرية بحسب الرؤية الدينية؟

وهنا محوران:

  • في تعريف الحرية وحدودها.
  • في ركائز الحرية بحسب الرؤية الدينية.
 المحور الأول: في تعريف الحرية وحدودها.

في مدرسة الحقوق الطبيعية وهي إحدى المدارس الفكرية في الغرب تتحدث عن الحرية، أن الحرية قوام وجود الإنسان، بمعنى أن الإنسان إذا لم يكن حراً فليس بإنسان، الحرية قوام وجود الإنسان بلحاظ أن هناك مجموعة من الاستعدادات ولد عليها الإنسان، وبما أن هناك مجموعة من الاستعدادات ولد عليها الإنسان فمن حق الإنسان إشباع هذه الاستعدادات، الإنسان ولد وهو يمتلك ثلاث طاقات: الفكر كما قال تبارك وتعالى: ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ [الزمر: 18]، والإرادة، كما في قوله تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا «7» فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا «8» قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا «9» وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا «10» [الشمس: 7 - 10] فهو باختياره يزكي أو يدس، والبيان أي التعبير كما قال تبارك وتعالى: ﴿الرَّحْمَنُ «1» عَلَّمَ الْقُرْآنَ «2» خَلَقَ الْإِنْسَانَ «3» عَلَّمَهُ الْبَيَانَ «4» [الرحمن: 1 - 4]

إذن الإنسان ولد ولديه طاقة الفكر وطاقة الإرادة وطاقة البيان، فمن حقه وحريته أن يفكر كما يشاء وأن يريد كما يشاء، وأن يعبر عما شاء، فالحرية في الفكر والإرادة والتعبير هي قوام وجود الإنسان، ولكن هل يؤمن الغرب بأن للإنسان حرية مطلقة؟ هل الإنسان حر بأي لون وبأي سلوك وبأي صورة؟ أبداً، حتى الغرب لا يؤمن بالحرية المطلقة، أنقل لكم ثلاثة مقالات ترشد إلى أن مفكري الغرب وفلاسفتهم لا يرون الحرية المطلقة:

  • المقال الأول: ستيورد ميل الفيلسوف الإنجليزي يقول: المبرر الوحيد لاستخدام القوة ضد أي مواطن أن لا يعتدي على الآخرين.

أي ليس من حق الدولة أن تجبر مواطناً مثلاً على شرب الدواء، أو تجبر مواطن على التعلم، أو تجبر المواطن على علاقة معينة، ولكن من حق الدولة أن تجبر المواطن على أن لا يعتدي على الآخرين، فهو حر بشرط أن لا يعتدي على الآخرين ولا يؤذيهم، هو حر بشرط أن لا يسيء للآخرين، إذن الحرية محدود بأن لا تسيء للآخر ولا تؤذيه، وأن لا تحدث ضرراً على الآخر.

  • المقال الثاني: في موسوعة ستانفورد الفلسفية يُنقل عن ستانلي فيش وهو مفكر أمريكي معاصر، يقول: ليس من حق الإنسان حرية التعبير.

أي ليس من حق الإنسان أن يتحدث بحديث يحدث فتنة بين الناس، وليس من حق أي إنسان أن يخطب خطاباً تحريضياً يحرض فئة على فئة، ليس من حق الإنسان أن يتحدث بحديث يؤجج الكراهية والشحناء بين الناس، وهذا تفكير غربي وليس شرقي، إذن ليس من حق الإنسان حرية التعبير المطلقة.

  • المقال الثالث: نقولا حداد أستاذ في جامعة القاهرة لديه كتاب «الديمقراطية مسيرها ومصيرها» كتاب يتحدث عن الديمقراطية، يذكر ضمن هذا الكتاب: الحرية محدود بأن لا تؤذي الآخرين.

وهذا الحد معناه ليس من حق الإنسان رفض التعليم، وليس من حق الإنسان رفض الصحة، وليس من حق الإنسان رفض الأمن، ليس من حق الإنسان رفض نظام المرور أو البلديات، لأن المجتمع إذا رفض التعليم انتشر الجهل، وإذا انتشر الجهل أصبح الإنسان يؤذي الإنسان الآخر من حيث لا يشعر لأن الجهل طريق للأذى، وليس من حق المجتمع أن يرفض الوسائل والنظم الصحية، لأن رفض النظم الصحية يعني انتشار الأمراض، وانتشار الأمراض يؤذي الآخرين، وليس من حق الإنسان رفض الأمن لأن رفض الأمن يعني اختلال النظام والفوضى، وليس من حق الإنسان إحداث الفوضى لأنها تؤذي الآخرين، وليس من حق الإنسان التحايل على نظام المرور أو نظام البلديات لأن في ذلك تعريض للأملاك والأموال للتلف والضياع، إذن عندما نقول لك حق الحرية، فهي الحرية المحدودة بالتعليم والصحة والأمن وأنظمة المرور والبلديات والطرقات، إذن لا يستطيع أن يقول إنسان أريد حرية مطلقة، فإما أن تعيش في مغارات الجبال أو أدغال الوديان فتكون لك حرية مطلقة، وأما إذا أردت أن تعيش في المجتمع فلابد أن تلتزم بالنظم الاجتماعية، إذن لا توجد حرية مطلقة، بل يزيد على ذلك بعض الدول الغربية تقول ليس من حقك أن تتعرى عن القيم والأخلاق العامة، مثلاً بعض الدول الغربية تقول ليس من حقك ان تستعمل عطر ذا رائحة قوية لأنه قد يؤذي الآخرين، وليس من حقك أن تستخدم الجوال بصوت قوي في وسائل المواصلات كالباص أو القطار أو الطائرة، وليس من حقك أن تخرج إلى الشارع عارياً وتأكل القذارات لأن هذا قد يعلم الأجيال الصغيرة على عدم المبالاة وهذا إيذاء للآخرين، إذن من يتصور أن هناك حرية مطلقة بجميع الصور فهذا اشتباه وخطأ، لا توجد حرية مطلقة حتى في الفلسفة الغربية والفكر الغربي.

 المحور الثاني: في ركائز الحرية بحسب الرؤية الدينية.

هناك فرق بين الحرية القلبية والحرية السلوكية، هناك فرق بين الحرية التكوينية والحرية القانونية، الحرية القلبية تعني أنت حر في أن تحب أو تكره، تفكر أو تتخيل، أنت حر، يقول الدين القلب منطقة حرة لا يمكن لأحد السيطرة عليها، العين تستطيع أن تسيطر عليها، اللسان تستطيع أن تسيطر عليه، اليد تستطيع أن تسيطر عليها إلا القلب؛ فهو المنطقة الحرة الوحيدة التي لا يمكن لأي إنسان السيطرة عليها والتحكم فيها، ورد عن الإمام علي يقول: ”لو ضربت خيشوم المؤمن على أن يبغضني ما أبغضني، ولو صببت جمات الدنيا بيد المنافق على أن يحبني ما أحبني“ وذلك أنه قد قضي على لسان رسول الله فانقضى: ”يا علي لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق“.

فالمسألة مسألة قلبية، المؤمن حتى لو يضرب بالسيف على أن يغير قلبه ويبغض علي لا يستطيع ذلك، والمنافق حتى لو أعطي كنوز الدنيا على أن يغير قلبه ويحب علياً لن يحبه، القلب منطقة حرة لا يمكن السيطرة عليها، لذلك عندما تقرأ الآيات المباركات يفسرها البعض على أن الدين أعطانا الحرية لأن القرآن يقول: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف: 29]، ﴿فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ [يونس: 108]، ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ [البقرة: 256].

ولكن هذه الآيات ناظرة للحرية القلبية وليس للحرية السلوكية بمعنى أن الهداية موطنها القلب، والضلال موطنه القلب، الدين بمعنى العقيدة موطنه القلب، والكفر بمعنى العقيدة موطنه القلب، فالقرآن عندما يقول: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ [البقرة: 256] ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف: 29] أو عندما يقول القرآن: ﴿فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا [يونس: 108] يقصد الحرية القلبية، أن القلب لا يمكن السيطرة عليه لذلك الهداية في القلب إما أن توجد أو لا توجد، الإيمان في القلب إما أن يوجد أو لا يوجد، القلب لا يمكن السيطرة عليه، فالإنسان حر في أن يفكر ما يشاء وأن يميل إلى ما يشاء، أن يتخيل ما يشاء، كل هذه الظواهر ظواهر للحرية القلبية، أما السلوك فله حدود.

الحرية السلوكية ترتكز على أربع ركائز:

الركيزة الأولى: الاستخلاف، هل الإنسان في الكون أصيل أم وكيل؟

الرؤية الغربية تقول أن الإنسان أصيل لأن الإنسان موجود أصيل في هذا الكون فهو حر أن يمارس ما يشاء ويفعل ما يشاء ويقنن ما يشاء ويشرع ما يشاء، وأما الرؤية الدينية تقول أن الأصيل في هذا الكون هو الله، والإنسان مجرد خليفة ووكيل، القرآن الكريم يقول: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة: 30] بما أن الإنسان خليفة إذن على الخليفة أن يتبع نظام المستخلف، وليس للخليفة أن يشرع أو يقنن أو يطرح نظام، الخليفة دوره اتباع نظام المستخلف واتباع قانونه، إذن ليس من حق الإنسان أن يقول أنا حر في الواجبات والمحرمات، أنا حر أن أفعل الواجبات أو أترك، أن أفعل المحرمات أو أترك، ما دمتَ خليفة فلابد أن تجري وفق نظام من استخلفك ومن استعمرك في الأرض ومن سلمك الأمانة، القرآن الكريم يقول: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا [الأحزاب: 72] إذن أنت أمين أُعطيت أمانة ولابد أن تؤدي الأمانة كما أرادها المستأمن وهو الله تبارك وتعالى، إذن ليس لك الحرية إلا في إطار ما وضع الله لك إطار الحرية فيه.

الركيزة الثانية: الحرية في إطار الكمال.

 صحيح أن الإنسان خلق للعبادة لأن القرآن يقول: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56] ولكن العبادة هي طريق إلى الهدف وليست هي الهدف، وأما الهدف فهو أن تصل إلى الكمال، يقول القرآن الكريم: ﴿خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الملك: 2] الهدف الحقيقي أن تكون أحسن وأكمل، أن تصل إلى الكمال، العبادة طريق إلى الكمال ولذلك قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56]

فإذا وصل الإنسان إلى الكمال صار مظهراً لله، مرآة لله، كمال الإنسان مظهر لكمال الله، حسن الإنسان مظهر لحسن الله، خلقنا لكي نكون مظهر لكماله، خلقنا لكي نكون مظهراً لحسنه تبارك وتعالى، إذن الهدف وصول الإنسان إلى الكمال، فلو قال الإنسان أنا حر وأنا أريد النقص ولا أريد الكمال، أريد أن أمشي على غرائزي وشهواتي، ولكن يقال له لا، أنت خلقت لهدف والإنسان الذي يضيع هدفه ليس إنساناً حكيماً، أنت حر إذا قادتك الحرية إلى الوصول إلى الهدف ألا وهو الوصول إلى الكمال.

الحرية أن تتحرر من الغرائز لا أن الحرية أن تسير وراءها، الكثير من الناس يقول أنا في أن حر أشرب الخمر، وأقيم علاقات غير مشروعة، وأترك الواجبات، هذه ليست حرية بل هي عبودية وأنت أصبحت أسيراً لغرائزك وشهواتك ونزواتك، الحرية الحقيقية هي التحرر من الغرائز والشهوات.

كلمة جميلة لعلماء العرفان يقولون: اللذة في ترك اللذة، أي لو كان الإنسان والعياذ بالله تصدى لعلاقة غير مشروعة لفتاة أجنبية، فهو لو أشبع نهمه من هذه العلاقة سيحصل على لذة ولكنها لذة جسدية مؤقتة ولكن إذا ترك العلاقة غير المشروعة سيحصل على لذة أعظم وهي اللذة الروحية، فاللذة في ترك اللذة.

خلق الإنسان لكي يصل إلى اللذة الروحية لا لكي يصل إلى اللذة الحسية والجسدية، الكمال أن تصل إلى اللذة الروحية، الكمال أن تتحرر من الغريزة، لذلك ورد عن الإمام أمير المؤمنين علي : ”من ترك الشهوات صار حراً“ الحرية أن تتحرر من الشهوات وليس الحرية أن تجري وراءها، وهذا المعنى يذكره الفيلسوف الألماني كانت يقول: الحرية أن تفعل الواجب لأنه الواجب. فهناك إنسان يأكل ليُشبع بطنه فهذه ليست حرية، وهناك إنسان يعمل ليملأ جيبه وهذه ليست حرية، وهناك من يتزوج ليشبع شهوته وهذه ليست حرية لأن كل هذه الأفعال إما إشباع لبطن أو إشباع لجيب أو إشباع لشهوة فهي كلها منطلقة من الغريزة وليست تحرراً من الغريزة إذن هي ليست حرية، الحرية أن تفعل الواجب لأن عقلك يدعوك إلى فعل الواجب، الإنسان يعدل بين الناس لأن العدل واجب، الإنسان يحسن إلى الناس لأن الإحسان واجب، الإنسان يقضي حوائج الناس لأن قضاء حوائج الناس واجب، فعل الواجب لأنه الواجب هو الحرية الحقيقية وليست الحرية الحقيقة هو الجري وراء الغرائز والشهوات.

الركيزة الثالثة: الحرية أن تكون في إطار النظام.

 ليست الحرية في أن تخترق النظام، الحرية أن تكون في إطار النظام ومعنى ذلك نحن عندما نقرأ قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ «204» وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ «205» [البقرة: 204 - 205]

يقول الفقهاء أن الفساد الإداري حرام شرعاً، والفساد المالي حرام، وفساد النظام حرام، أي مفسدة ترتكبها هي حرام، والالتزام بالنظام واجب شرعاً، نظام المرور يجب الالتزام به، نظام البلديات يجب الالتزام به، شرعاً يجب عليك ذلك هكذا يذكر السيد الخوئي والسيد السيستاني؛ لأن في الالتزام بالنظام درء للفساد والله لا يحب الفساد، فيجب تطبيق النظام وحفظه.

من هنا أريد أن أشير إلى هذه النقطة، إنسان يقول أنا مقيم في الغرب وأفعل ما أشاء، ولكن الأمر ليس كذلك، المواطنة هي وثيقة رسمية بينك وبين الدولة، هذه الوثيقة الرسمية تعني أنت محترم ما دمت تحترم النظام، حيث أن هناك أنظمة عليك احترامها فتكون محترماً، عند زيارتك لأي بلد فإن الزيارة تحتاج إلى فيزا والفيزا تعني عند السيستاني أنها عقد أمان بينك وبين الدولة التي تدخلها ومعنى هذا العقد أن لا تخل بأي نظام من أنظمة الدولة ولا أن لا تفرط فيه، إذن احترام النظام واجب شرعاً للمقيم، والمواطن، والزائر، لأجل ذلك يقال بأن الحرية أن تشعر بالمسؤولية تجاه النظام وليست الحرية أن تخترق الأنظمة، أما من يحتال ويخترق ويلف على الأنظمة والقوانين ليحصل على بعض الأرباح والأموال فهذا اختراق للنظام وليس حرية وإنما هو جري وراء الشهوات والغرائز، الحرية هي تقودك إلى الإحساس بالمسؤولية، والإحساس بالمسؤولية يقودك إلى احترام النظام والالتزام بالقانون.

لهذا عندما يقول الإنسان لماذا الإسلام يأمرنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أليس النهي عن المنكر تقييد للحرية؟ النهي عن المنكر لا ينسجم مع مبدأ الحرية فلماذا يأمر الإسلام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس إجبار ولا فرض ولا إكراه، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسيلة للتناصح والتشاور، وسيلة للتواصي من أجل حفظ النظام، تعبير الآية عندما يقول تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ «1» إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ «2» إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ «3» [العصر: 1 - 3] يوصي البعض البعض الآخر، كما حدث عندما مر وباء كورونا ألم يكن الناس يوصي بعضهم بعضاً بالالتزام بالأنظمة الصحية توقياً لخطر هذا الوباء، التواصي مسؤولية اجتماعية من أجل حفظ النظام ودرء الفساد.

لذلك قال القرآن الكريم: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران: 110] ويقول القرآن الكريم: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران: 104]

الركيزة الرابعة: الكرامة.

 ليست القيمة للحرية وإنما القيمة للكرامة، لاحظوا القرآن الكريم ركز على الكرامة ولم يركز على الحرية: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [الإسراء: 70] الحرية ليست غاية بل هي وسيلة لحفظ الكرامة، والمطلوب هو الكرامة ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا [الإسراء: 70]

كثير من الفتيات اليوم تقول من حريتي أن أخلع الحجاب وأن أظهر جمالي وأناقتي أمام الآخرين، لماذا يقيدني الإسلام بالحجاب؟

الهدف من الحجاب أمران: حفظ الكرامة، والاعتزاز بالرمز الإسلامي.

الحجاب عندما تلتزم به المرأة فهو يمنع لأن تكون المرأة وسيلة رخيصة لكل ناظر وكل متتبع، فهناك من يتخذ من جمال المرأة وأنوثتها وأناقتها طريقاً لإثارة الشهوة والوصول إلى العلاقات غير المحمودة، هناك كثير من المرضى من يستطيع أن يضرب على الوتر الحساس للأنثى وهو مدح جمالها وأناقتها وزينتها ليعبر إلى العلاقة غير المشروعة، وأراد الإسلام أن يمنع هذا حفظاً لكرامة المرأة وأن لا تكون سلعة مبتذلة لهؤلاء الطامعين ومرضى القلوب وأمرها بالحجاب ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب: 33] ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ [النور: 31] إذن الحجاب لحفظ الكرامة والحرية جميلة إذا حفظت بها الكرامة.

والهدف الثاني هو الاعزاز بالإسلام، اليوم في الغرب أكبر رمز للإسلام هو الحجاب، كل حضارة تعتز برمز حضارتها، وكل بلد يرفع علماً يرمز إلى حضارته وثقافته لأن المواطن من طبيعته الاعتزاز بحضارته وثقافته، من هذا الباب عندما تدخل بلد وترى منارة تعرف أن هناك مسلمين لأن المنارة تعني المسجد، وعندما ترى كنيسة تعرف أن هناك مسيحين لأن الكنيسة رمز للمسيحية، فالرمز دائماً يُعتز ويُفتخر به لأنه يرمز للحضارة والأصالة والثقافة، الحجاب اليوم في الدول الغربية رمز للحضارة الإسلامية ورمز لثقافتها، المرأة التي تلتزم بالحجاب تبرز افتخارها وعزتها بهذا الرمز الذي يرمز لحضارتها وعراقتها وأصالتها.

الإنسان ليس حراً في أن يسحق كرامته، ورد عن الرسول محمد : ”إن الله فوض إلى المؤمن كل شيء ولم يفوض إليه أن يذل نفسه“ ليس من حقك أن تذل نفسك، ليس الإنسان حراً في أن يسحق كرامته وأن يدوس على عزته وشرفه، الحرية هي التي تحفظ الكرامة وليست هي التي تهدر الكرامة، من هنا أصر الحسين يوم عاشوراء على الحرية التي تقود إلى الكرامة وقال: إن لم يكن لكم دين فكونوا أحراراً في دنياكم. أي لتكون الحرية لكم مجالاً للكرامة والاعتزاز والاستقلال.

ولذلك الحر بن يزيد الرياحي لما حفظ كرامته وتحرر من أسر المال والمنصب والشهوة وأقبل إلى الحسين تائباً وقف الحسين على مصرعه وقال: ”صدقت أمك حين سمتك حراً، أنت حر في الدنيا وسعيد في الآخرة“ لأن الحرية قادته إلى الشهادة والكرامة.

ولذلك يشير الحسين إلى الحرية التي تحفظ الكرامة عندما يقول لأمير المدينة: إنا أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ويزيد رجل فاسق شارب للخمر قاتل للنفس المحترمة ومثلي لا يبايع مثله. وأقبل بعزته وكرامته.

هل الاعتماد على القضايا الغيبية سبب تخلّف المسلمين؟
كيف نسيطر على ظاهرة القلق والكآبة في نفوسنا؟