نص الشريط
الفن الهادف
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 1/1/1432 هـ
مرات العرض: 3106
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (9393)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً

انطلاقًا من الآية المُبَاركة نتحدثُ في محاور ثلاثة:

  • تحديد مفوم العقل.
  • في تعريف الفن وَ الجمال والعلاقة بينهما.
  • في أهمية الفن الهَادف.

المحور الأول: العقل عندما تُطلق لفظة العقل، مَاذا تعني؟ العقل له مُصطلحات ثلاثة:

  1. مصطلح اللغوي.
  2. مصطلح فلسفي.
  3. مصطلح عرفاني.

العقل بحسب المصطلح اللغوي: هو عبارة عن الإمساك، يقال عقلت الناقة اذا أمسكتُ بها، ولذلك يقال عقال الناقة وهو الحبال الذي يربط عُنقها.

لكن العقل بحسب المصطلح الفلسفي: هو القوة المدركة للكليات، ما معنى هذا الكلام؟! معناه أن الإنسان يملك قوتان:

  1. قوة تُدرك الجزئيات.
  2. قوة تدرك الكليات.

القوة التي تدرك الجزئيات تسمى «بالقوة المتخيلية»، القوة التي تدرك الكليات تسمى «بالقوة العاقلة»، أضرب لك مثله: مثلاً أنا إذا تصورت صورة أمي أو صورة أبني، أو صورة صديقي هذه الصورة جزئية من الجزئيات القوة التي تدرك هذه الصورة تسمى «بالقوة المُتخلية» هذه ليست عقل وأنما القوة المتخيلة: هي التي تتصور صورة الأم، والأب، الصديق، بينما القضايا الكلية: نفترض مثلًا النظام جميل هذه قضية كلية، العدل شيء جميل هذه القضية كلية هذه القضايا الكلية تدركه قوة لدى الإنسان تسمى «بقوة العقل» فالعقل هو القوة الداخلية التي تكون وظيفتها إدراك القضايا الكلية، هذا المصطلح الفلسفي للعقل.

أما المصطلح العرفاني: فالعرفاء يقولون العقل الحقيقي هو المعرفة التي تقود إلى الله كل معرفة لا تقود إلى الله فهي سفه، ليست عقلًا، العقل الحقيقي: هو المعرفة التي تقود إلى الله، من أين هذا المصطلح؟! هذا المصطلح أخذ من الأحاديث والروايات والنصوص القرآنية نأتي مثلًا إلى قوله عز وجل: ﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ[1]  لو كان عدنا عقل حقيقي ما وقعنا في جهنم، وأيضاً قوله عز وجل ﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ[2]  يعني الإنسان الذي لا ينضبط ولا يلتزم بالطاعة لايعد إنسان عاقل، يعد إنسان سفيه، العقل هو ما يقود إلى الطاعة، أما ما يقود إلى المعصية فهو سفه وليس عقلًا، وأيضا نلاحظ قوله عز وجل: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى القُلُوبُ[3] وقال عز وجل: ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُون[4] .

إذاً العقل بحسب المُصطلح العرفاني القرآني هو: المعرفة التي تقود إلى الله تقود إلى الطاعة، وكذلك ورد عن النبي محمد : ”العقل ما عُبد به الرحمن وأكتسب به الجنان“ هذا هو العقل وإلا سفه وليس بعقل بعد أن عرفنا ما هو المقصود بالعقل، نأتي الآن إلى الملكات التي يتسم بها العقل البشري، العقل البشري يتضمن ثلاث ملكات:

  1. ملكة التحليل.
  2. ملكة الحرفية.
  3. ملكة البيان.

كل إنسان يمتلك ثلاث مواهب ثلاث ملكات، الملكة التحليلة: عندما تعرض عليك مسألة رياضية، كيف تتلقها، تتلقاها بالملكة التحليلية ملكت التحليل تستقبل المسألة الرياضية وتقوم بالتأمل فيها إلى أن تصل إلى الجواب هذا تسمى «ملكة التحليل».

الملكة الثانية الملكة الحرفية: الإنسان إذا يريد أن يصلح جهاز كيف يصلحه؟! يحتاج إلى قوة داخليه تساعده على أصلاح السيارة على أصلاح الجهاز الملكة التي تساعدك على الإصلاح تسمى «الحرفية»، هذه أيضاً ملكة موجودة عندك.

الملكة الثالثة ملكة البيان: أي القدرة على التعبير عندما تريد أن تعبر عما في فكرك، عما في مشاعرك، عما في عواطفك، فهناك قوة وملكة لديك تسمى «ملكة البيان» أو تسمى «بالعقل اللغوي» وهي التي تتكفل بالتعبير عما في نفسك وهذه الملكة أشار إليها القرآن الكريم عندما قال: ﴿الرَّحْمَنُ. «1» عَلَّمَ القُرْآنَ «2». خَلَقَ الإِنسَانَ «3» ‏عَلَّمَهُ البَيَانَ[5]  أي أعطاه الملكة الثالثة وهي ملكة القدرة على التعبير عما في نفسه بعض علماء النفس تقول لا يوجد ذكي وأذكى بعض الناس يقول لك فلان أذكى مني وأنا ليس ناجح في الرياضيات وهو ناجح هو أذكى مني وأنا ليس ناجح في علم اللغة العربية وهو ناجح إذاً هو أذكى مني علماء النفس يقولون هذا غير صحيحة هنا كلام غير صحيح لا يوجد ذكي وأذكى لماذا؟!

الإنسان كل إنسان لديه ثلاث ملكات: ملكة التحليل، ملكة الحرفية، ملكة البيان، كل إنسان يبرع في ملكة أكثر من الملكة الأخرى هنالك إنسان له براعة في ملكة التحليل فلذلك تجده في الرياضيات ممتاز وفي الفلسفة ممتاز لان الفلسفة والرياضيات تحتاج إلى «ملكة التحليل»، كل ما كان بارعًا في ملكة التحليل كان مُتفوقًا في هذا المجال لكن هذا الإنسان الفيلسوف ربما في القضايا البيانية والقضايا الحرفية يكون إنسان فَاشل لا يستطيع أن يصلح جهاز صغير هذا الفيلسوف، فالقضايا الحرفية لا ذكاء له ولا براعة له، بينما إنسان أخر في القضايا الحرفية يكون صَاحب مهارة وبراعة إنسان في القضايا الإلكترونية متحرك صاحب خبرة صاحب براعة هذه يعد في مجاله ذكي وذاك في مجاله ذكي وعندك إنسان أخر قد لا يكون بارعًا في ملكة التحليل ولا ملكة الحرفية ولكن بارع في ملكة البيان القدرة على التعبير تجده أديبًا شاعرًا عنده فن التشكيلي مثلًا هذه الفنون ترتبط بملك البيان ترتبط بالقدرة على التعبير فهو في مجال الفن ذكي كما أن ذاك في مجال الفلسفة ذكي والثالث في مجال الالكترونيات ذكي كل منهم في مجاله ذكي، ولا يوجد ذكي وأذكى.

المحور الثاني: ذكرنا أن الملكة الثالثة لدى الإنسان هي ملكة البيان.

وملكة البيان ترتبط بمفردتين نسمع عنهما دائمًا:

  1. مفردة الجمال.
  2. مفردة الفن.

ما هي العلاقة بين الفن والجمال؟! عندنا جمال وعندنا فن ما هي النسبة بينهما؟! طبعًا هذا بحوث فلسفية تتعرض لها الفلاسفة الشرقيون والغربيون، مسلمون وغير المسلمين عندما نرجع إلى عالم المعرفة عدد 267 ينقل لنا عن أرسطو عن كانت، ويلتوس، ثلاثة من الفلاسفة يتحدثون عن الجمال والفن والعلاقة بينهما يذكرون أمور ثلاثة أذكرها لك:

الأمر الأول: هناك فرق بين الحكم والذوق، وما الفرق بين الذوق والحكم.؟!، الحكم هو: الإدراك المستتبع للإذعان والقناعة، والذوق هو: الإدراك المستتبع للارتياح أو النفره، نضرب أمثلة: أنا الآن عندما أدرك قضية أن الله واحد،

فوا عجبا كيف يُعصى الإله

وفي   كل   شيء   له  iiآية

 
أم   كيف   يجحده   iiالجاحد

تدل    على    أنه    الواحد

عندما أدرك هذه القضية وتدعن نفسي بها هذا يسمى «حكم» أدركت قضية أذعنت نفسي بها وقنعت نفسي بهاهذا يسمى «حكم» وليس «ذوق»، وهناك شيء آخر يسمى «ذوق» وليس حكم أنت الآن عندما تشم وردة مثلًا تشم وردة طيبة هذا لا يسمى «حكم» يسمى «ذوق»، إذا شممت الورد وتلذذت برائحتها أو رأيت منظر جميل واستمتعت برؤيته هذا يسمى «ذوق» لا «حكم»، فعندنا «ذوق» وعندنا «حكم»، الجمال من شؤون الذوق وليس من شؤون الحكم، الجمال ليس قضية عقلية حتى يدركه عقلي الجمال شيء ينال الذوق يتذوقه الإنسان ويستمتع برؤيته أو بسماعه إذاً الجمال من القضايا الذوقية وليس من القضايا العقلية الفكرية هذا الأمر الأول.

الأمر الثاني: ما هي سمات الجمال.؟! عندنا عدت سمات للجمال:

السمة الأولى: أن الجمال هو التناسب كيف التناسب كيف تقول هذا وجه جميل؟! كيف تحكم عليه بأنه جميل؟! الوجه المتناسب إذا كان هناك تناسب بين أجزاء الوجه تناسب بين العين والأنف والفم إذا كان هناك تناسب بين أجزاء الوجه التناسب يخلق جمالًا، التناسب هو الجمال فالجمال مرتبط بعنصر التناسب بين الأجزاء هذه السمة الأولى من سمات الجمال.

السمة الثانية: أن الجمال قضية كلية الجمال لا يكون نسبي الجمال لا لا يكون عند شخص ولا يكون جمال عند شخص ثاني هذا «لا» هذا حب، تقول أنا أحب اللون البنفسجي غيري يحب اللون الأسود، هذا لا يسمى جمال الجمال قضية كلية مثلًا: كل من رأى ورد وزهر أستمتع به كل إنسان إذا لم يكن مريض يستمتع برؤية الربيع يستمتع برؤية الزهر والورد إذا الزهر والورد جميل لماذا؟! لأنه قضية كلية لا تستثني إنسان دون إنسان ليست القضية نسبية فالجمال أمر كلي وليس أمر نسبي وهذه السمة الثانية.

السمة الثالثة: من سمات الجمال البروز الجمال بارز، لا يحتاج تفكر فيه حتى تكشفه، الجمال هو يكشف نفسه بنفسه، هو يدل على نفسه جمال الصورة، جمال الصوت، جمال المنظر، جمال الخلق، جمال العقل وجمال الفكر الجمال يتحدث عن نفسه بنفسه ولا يحتاج إلى تفكير ولا إلى تأمل فالجمال بارز وواضح هذه السمة الثالثة من سمات الجمال.

السمة الرابعة: الجمال هو الصورة التي تستتبع اللذة والارتياح بخلاف الجلال، العرفاء يقولون: عندنا جمال وعندنا جلال، ما الفرق بين الجمال والجلال بين الجميل والجليل؟! الله له صفات جمال وصفات جلال، جمال الله وجلاله، ما الفرق بين الجمال والجلال؟!

الجمال: الصورة التي تولد ارتياحا في النفس متى ما تصورت تلك الصورة التي تشعر براحة وبلذة، الصورة التي تستتبع ارتياح وتلذذا تسمى «جمال» أما الصورة التي تستتبع رهبة وخشوع تسمى «جلال»، أنت من تتصور صورة البحر الصاخب إذا تتصور صورة البستان ترتاح هذا يسمى «جمال» أما إذا تصورت صورة بحر صاخب بأمواجه تشعر بنوع من الرهبة هذا يسمى «جلال» ولذلك الله تبارك وتعالى له صفات جمال وله صفات جلال، الرحيم، الودود، العطوف، المنعم هذه «صفاتجمال» إذا سمعها الإنسان بها يرتاح ويتلذذ أما إذا قيل المتجبر، المتكبر، الكبير، المتعال، القدوس، هذه «الصفات جلال»، إذا سمعها الإنسان يشعر بنوع من الخشوع والرهبة لهذه المعاني ولهذه المضامين، فعندنا جمال وعندنا جلال.

الأمر الثالث: الفرق بين الجمال والفن ما هو؟! البعض يتصور أن الفن هو الجمال «لا» الفن تصوير للجمال، الفن يحكي عن الجمال وليس الفن هو الجمال، العلاقة بين الفن والجمال علاقة الحاكي بالمحكي ولذلك يقولون الفن: عملية شعورية واعية هي عبارة عن تصور الجمال والفن عملية رمزيه، ما المقصود بعملية رمزيه؟! يعني الآن الفنان التشكيلي، الفن التشكيلي يرسم لك لوحة هذه اللوحة ترمز إلى خيال مجنح لذا هذا الفنان ترمز إلى معاني تعيش في ذهن هذا الفنان، فالفن عملية رمزيه تصوير للجمال تعبر وتحكي عما يختلج في قلب هذا الفنان وعن ما يختلج في داخل الفنان فعرفنا النسبة بين الجمال وبين الفن.

المحور الثالث: الفن الهادف، أهمية الفن الهادف، هنا نطرح جهتين:

الجهة الأولى: بعض الباحثين كتب أن الإسلام ألغى قيمة الفن، الإسلام لم يحترم الفن مع أن الفن قيمة إنسانيه بارعة لكن الإسلام ألغا القيمة الإنسانية ولم يحترمها، إلا وهي قيمة الفن وما هو الدليل على ذلك؟! الدليل على ذلك إن الإسلام عندما ذم الشعر مع أن الشعر فن، الشعر صورة من صور الفن مفرده من مفردات الفن لكن الإسلام ذم الشعر وقال ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي[6]  يعني لا يليق به أن يكون شاعروقال: ﴿وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ[7]  وقال: ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ «224» أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ «225» وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ «226» إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا فإذا الإسلام ذم الفن لأنه ذم الشعر.

الجهة ثانيا: ما رأينا نص في القران أو السنة النبوية يحث على الفن يحث على الرسم التشكيلي مثلا يحث على الغناء مثلا بل على العكس ذم الغناء مثلا في تفسير قوله تعالى: ﴿اجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُواقَوْلَ الزُّورِ[8]  جاءت الرواية عن الصادق ”قول الزور هو الغناء“ إذا الإسلام ذم الفن وقبر الفن وألغى قيمة إنسانيه إلا وهي قيمة الفن، هذه المقالة يكتبها بعض الباحثين ولكن هذه المقالة غير صحيحة لماذا؟! اذكر لك وجهان:

الوجه الأول: الإسلام لم يلغي الفن كطاقة، وإنما ذم مفرده من مفردات الفن، الفن كطاقة وهي تصوير الجمال الذي عبرنا عنه عمليه شعورية إبداعيه وهي تصوير للجمال هذه الطاقة لم يذمها الإسلام وإنما ذم جزئيه صغيره وهي الشعر الجاهلي فقط، الشعر في الجاهلية كان يرتكز على أغراض الحماس والفخر بين القبائل بحيث تتناحر القبائل بينهم لمجرد بيت من الشعر:

ألهت بني تغلب عن كل مكرمة   قصيدة  قالها  عمرو بن iiكلثوم

أو مثلا التركيز على التغزل بالمرأة، بما يثير كوامن الشهوات والغرائز، الإسلام ذم الشعر الجاهلي المرتكز في الغرضين لا لأنه ذم الشعر كالطاقة وكعملية إبداعية أبدا، ولذلك تجد الإسلام حث على فن آخر، صورة آخره من الفن حث عليها الإسلام لاحظ مثلا قوله عز وجل في القرآن الكريم ﴿كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ورَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً[9]  الترتيل فن يحث عليه القرآن، يحث عليه الإسلام﴿أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا[10] الترتيل أداء القرآن بصوت جذاب، يجذب إلى مضامين القرآن﴿لَوْ أَنزلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ[11]  القرآن له موسيقى خاصة له نغم خاص له رنيم خاص، ترتيل القرآن أيصال هذا الصوت الإلهي إلى قلوب الناس بأداء حسن وكان الإمام زين العابدين من أحسن الناس صوتًا، وكان إذا قرأ القرآن وقف المارة في الطريق يستمعوا إلى أدائه للقرآن، ترتيل القرآن نوع من الفن يحث عليه الإسلام، الآن تشوف في مجتمعا هذه الظاهرة جيده مثل إيران أحياء القرآن مجالس القرآن نوادي القرآن، هذه المجالس هذه النوادي التي تركز على ترتيل القرآن، هذا الفن من الفنون التي يحث عليه الإسلام ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا.

نأتي مثلاً إلى فن التشكيلي القرآن تحدث عن الفن التشكيلي عندما يتحدث عن النبي سليمان ﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ[12]  ﴿مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَورد عن الصادق ”ليس هي بتماثيل الأرواح“ يعني ليس تماثيل الإنسان وإنما تماثيل الشجر والحجر، إذا هناك فن تشكيلي يذكره القرآن الكريم فالإسلام لم يذم الفن وإنما صرف الأمة صرفة المجتمع من نوع من الفن وهو الشعر الجاهلي إلى أنوع أخرى، وصورة أخرى من الفن ولذلك شجع الإسلام على الشعر الهادف كما ورد عن النبي محمد حيث قال ”أن من الشعر لحكمة وأن من البيان لسحر“ وكان يشجع حسان بن ثابت ويقول ”لازلت مؤيد بروح القدس مادمت مادحنا“.

إذاً الشعر الهادف فن حث عليه الإسلام حتى التبليغ لأحظ كثير من الناس يظن أن التبليغ وظيفة يعني يصعد على المنبر ويأمر بالمعروف وينهى عن المُنكر، وانتهت القضية.! لا، تبليغ الإسلام الدعوة إلى الإسلام ليس مجرد وظيفة بل هُو فن، الدعوة إلى الإسلام تحتاج إلى أسلوب جذاب، تحتاج إلى فن في مقام الأداء، الدعوة إلى الإسلام عبر المنابر عبر القنوات عبر الكتاب أو أي شيء آخر، الدعوة إلى الإسلام فن ووظيفة وهو فن يحتاج إلى حسن في الأداء، فلذلك قال القرآن: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ[13] إذاً الدعوة تحتاج إلى فن في الأداء فن جذاب فالإسلام صرف المجتمع الإسلامي من مفردة الشعر الجاهلي إلى صور آخرى من صور الفن الهادف من الفن المعبر هذا أولًا.

الوجه الثاني: قد تلاحظ في بعض الكتابات يكتب فن إسلامي وفن غير إسلامي، وهذا التعبير غير صحيح لا يوجد عندنا فن إسلامي وفن غير إسلامي لماذا؟! الأمور كلها كما يقول أهل المعرفة تارة أمور اعتبارية وتارة أمور واقعية، الأمور الاعتبارية هي التي الأمور التي تقبل التخطئة، كيف تقبل التخطئة؟! أي نستطيع أن نقول هذا الفكر فكر ماركسي هذا الفكر فكر رأس مالي، هذا الفكر فكر إسلامي، لماذا؟! لان الفكر أمر يقبل التخطئة بما أن أمر يقبل التخطئة لذلك نستطيع أن نقسمه إلى فكر إسلامي وفكر غير إسلامي، فكر ماركسي، فكر شيوعي، فكر علماني وهكذا..

الفكر أمر يقبل التخطئة فيقبل التقسيم، أما الأمور الواقعية لا تقبل التخطئة مثل الرياضيات لا يصير رياضيات إسلامية ورياضيات غير إسلامية أمور واقعية، يصير رياضيات إسلامي ورياضيات غير إسلامي؟! أنت سامع مثل هذا.!، لا ما يصير لان الرياضيات معلومات واقعية لا تقبل التخطئة، لذلك لا يصح تقسيمها إلى إسلامي وغير إسلامي، فالأمور الواقعية التي لا تقبل التخطئة لا يصح تقسيمها، أمالأمور التي تقبل التخطئة كالفكر، يصح تقسيمها إلى إسلامي وغير إسلامي.

نأتي إلى الفن: الفن أمر واقعي لماذا؟! لان الفن عملية إبداعية هذه العملية الإبداعية أمر واقعي ما يصير هذه العملية نقسمها إلى إسلامي وغير إسلامي، نأتي مثلا إلى صوت جميل هذا الصوت الجميل إسلامي، لا يوجد صوت جميل إسلامي وغير إسلامي.!! ما يصير الصوت الجميل ك الوجه الجميل، جميلٌ والمنظر الجميل جميل هذه أمور واقعية، لا تنقسم إلى إسلامي وغير إسلامي.

أذاً الإسلام يهذب الفن لا يلغي الفن الإسلام لم يأتي بالفن الإسلامي مقابل الفن الغير الإسلامي وإنما يهذب الفن ويوجهه مثلًا من يملك صوت جميل فهو يملك فنًا، الإسلام لا يلغي هذا الصوت الجميل ولكن يوجه إلى أن يصرف في حث الناس على عبادة الله والارتباط بالله تبارك وتعالى.

الجهة الثانية: الفن الهادف هو الذي يريده الإسلام وبعبارة آخرى الآية المباركة تقول: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ[14] كل ما هو دعوة إلى الخير فهو مطلوب في الإسلام، والفن الهادف دعوة إلى الخير أذاً هو مطلوب في الإسلام، الآن نحن في مجتمعنا يوجد عندنا ظواهر ثلاث أشير إليها:

الظاهرة الأولى: ظاهرة التمثيل، التمثيل فن ممتاز هذا الظاهرة بدأت تكبر وتقوى في مجتمعنا عدنا نحن الآن مجموعة تسمى قيثارة مجموعة من الشباب سموا أنفسهم قيثارة هذه المجموعة قامت بعدت أفلام فلم رب ارجعون، دمك حياة، بقايا طعام، هذا الفن فن التمثيل فن يحتضنه الإسلام يرعاه الإسلام المهم أن يكون مأطر بإطارين:

الإطار الأول: أن يكون ضمن الضوابط الشرعية.

الإطار الثاني: أن يكون هادف يعبر عن المجتمع يعبر عن مبادئ المجتمع، التمثيل أمر علينا أن نشجعه، علينا أن نشجع ظاهرة التمثيل علينا أن نحي ظاهرة التمثيل لأنه ظاهره إذا رعيناها ضمن الضوابط الشرعية، وضمن الأهداف الإنسانية النبيلة أصبحت فنًا هادفًا، وإذا أصبح فن هادف أصبحت مصداق إلى الخير ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِنحنُ نحتاج إلى أن نُمثل كربلاء، كربلاء إلى الآن لم تمثل لو مثلت بتمثيل متقن فنًي بديعًا لكان هذا التمثيل أسلوب أعلامي بارعًا، كمسلسل نبي الله يوسف «عليه وعلى نبينا وآله أفضل الصلاة والسلام» كم أثر؟!، كم أعطى؟! كم خدم؟!، هذا النوع من المسلسلات التي تقع ضمن الضوابط الشرعية وتكون هادفة معبرة عن قيم ومبادئ سماوية وخلقية وتربوية، تعتبر دعوة إلى الخير، أسلوب من أساليب الدعوة إلى الخير.

عندنا الظاهرة الثانية الصوت الجميل: الكثير من أبنائنا وأخواننا يصبح رادود يعني هو عنده صوت جميل شجي من خلال هذا الصوت الجميل الشجي يشارك في مراثي أهل البيت ومدائحهم هذا الأصوات الجميلة الشجية الناشئة علينا رعايتها وتشجيعها واحتضانها المهم أن تكون مأطرة بإطارين وتحت الضوابط الشرعية هذا من ينشد قصيدة مدحًا أو رثًا يتجنب الإلحان المتعارفه في مجالس الفسوق وتكون القصيدة هادفة ذات مضامين سماوية أو خلقية أو تربوية، متى ما كان الصوت الجميل فنًا هادفًا كان أسلوب من أساليب الدعوة إلى الخير، ربما الآن الرادود يؤثر في الناس أكثر من الخطيب ربما يؤثر الردود بصوته الجميل الشجي فيفي دعوة الناس الى الحسين وجدبهم إلى مبادئ الحسين أكثر مما يؤثر الخطيب وإمام المسجد، لماذا؟! لأنه استخدم الفن كأسلوب من أساليب الدعوة إلى الله وإلى الحسين .

الظاهر الثالثة الفن التشكيلي: ما شاء الله أبنائنا عندهم القدرة الآن على الرسم والفن التشكيلي، نحن نحتاج إلى هذا مثل ما في البحرين ف الكويت في عمان معرض الحسين معرض هناك معرض يقام سنوياً يشارك فيه الألف من الفنانين والرسامين نحن نحتاج أيضاً إلى معرض بهذا المستوى بهذا الثقل معرض يصور مسيرة الحسين منذ خروجه من المدينة إلى رجوع أهله إلى المدينة يصور لنا المسيرة كلها بإبداعات بعبقريات فنيه من قبل أصحاب هذا الفن نحن نحتاج إلى أن تشجع أصحاب هذا الفنون من تكوين أسلوبا من أساليب الدعوة إلى الخير وتندرج تحت الآية المباركة ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ.

الشعر الحسيني: الشعر الحسيني مصداق من مصاديق الفن الهادف شعر السيد حيدر الحلي، السيد جعفر الحلي، شعر الشيخ صالح الكواز، الحجي هاشم الكعبي، هذا الشعر الذي بقي خالداً الآن مائتين أو ثلاث مئة سنة، هذا الشعر صورة كربلاء تصوير إبداعي رائع وأصبحت له قيمة فنية رائعة وجذابة عندما تقرأ مثلاً شعر شيخ صالح الكواز:

تِلكَ  الوجوهُ المُشرِقاتُ iiكأنّها   الأ قمارُ تَسبحُ في غَديرِ دِماءِ

هذا الفن تصوير جميل عندما تقرأ شعر السيد جعفر الحلي وهو يصف العباس :

فأكب  منحنيا  عليه  iiودمعه

ألفاه  محجوب  الجمال iiكأنه

 
صبغ البسيط كأنما هو عندم

بدر  بمنحطم  الوشيج  iiملثم

تصوير رائع، تصوير إبداعي للقضية للواقعة هكذا شعراء يتفننون في هذه الجهة تأتي مثلاُ تقرأ قصيد ة الجواهري يصف قبر الحسين، هذه الهالة القدسية هكذا المعبر لقبر الحسين :

فداءٌ لمثواك من مضجع   تنور    بالأبلج   iiالأروع

إلى أن يقول:

كأن يداً من وراء الضريح

تَمُدُّ   إلى   عَالَمٍ  iiبالخُنُوعِ

لتبدل  منه  جديب iiالضمير



 
حمراء   مبتورة   iiالإصبع

وَالضَّيْمِ  ذي  شَرَقٍ  مُتْرَعِ

بآخر   معشوشب   iiممرع

إذا هذا كله تصوير جميل للواقعة لذلك الشعر الحسيني من أجمل الفنون التي حث عليها الشرع الشريف من خلال النصوص والروآيات وهذا مصداق من مصاديق الدعوة إلى الخير، وذلك نرى الأئمة يحث الشعراء على أنشاد الشعر في قضية الحسين، على الأعلام الحسيني، الإمام الصادق يستقبل ذا الرمه أنشدني في جدي الحسين...

[1]  سورة الملك، آية 10.
[2]  سورة البقرة، آية 130.
[3]  سورة الحج، آية46.
[4]  سورة العنكبوت، آية 43.
[5]  سورة الرحمن، آية1 - 4.
[6]  سورة يس، آية69.
[7]  سورة الحاقة، آية 41.
[8]  سورة الحج، آية30.
[9]  سورة الفرقان، آية 32.
[10]  سورة المزمل، آية4.
[11]  سورة الحشر، آية 21.
[12]  سورة سبأ، آية13.
[13]  سورة النحل، آية 125.
[14]  سورة آل عمران، آية 104.

نزعة التأويل في الفكر الإمامي
النقد بين الضرورة والإشكالية