نص الشريط
فلسفة الزكاة في الإسلام
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
المكان: مسجد الإمام علي (ع) بالقطيف
التاريخ: 28/9/1425 هـ
مرات العرض: 2781
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (1580)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ

صدق الله العلي العظيم

الحديث حول الآية المباركة من خلال عدة نقاط:

النقطة الأولى: فلسفة فريضة الزكاة.

فلسفة فريضة الزكاة في الإسلام تتجلى لنا من خلال عرض عدة مقدمات:

المقدمة الأولى: موت الأمم والمجتمعات.

المجتمع له حياة كما أن للفرد حياة، هناك وجودان: وجود للفرد كأنا وأنت والإنسان الآخر، وهذا الوجود - الوجود الفردي - يعرض عليه الموت، ويعرض عليه الحياة، ويعرض عليه الضعف، وتعرض عليه القوة، إذن فأنا كفرد أحيى وأموت وأضعف وأقوى، وأمرض وأصح، كما إن للفرد وجود، فإن للمجتمع أيضًا وجودًا، المجتمع بأسره، وهي التشيكلة التي تتألف من مجموع الأفراد، هذه التشكيلة المسماة بالمجتمع أيضًا لها حياة وموت ومرض وضعف وصحة وقوة، فالوجود الاجتماعي كالوجود الفردي، معرض لهذه الحالات ومعرض لهذه الأوصاف التي ذكرناها.

ولذلك تجد القرآن الكريم ينسب الموت والحياة للفرد، وينسب الموت والحياة للجتمع، يقول مثلًا: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا، فالأنفس تموت كما تحيى، وينسب الموت أيضًا للمجتمع، فيقول: ﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ، فالمجتمع له موت وحياة، ﴿إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ، فكما أن الإنسان يموت إذا جاءه ملك الموت، المجتمع يموت إذا تدهور اقتصاديًا أو ثقافيًا أو أمنيًا، وإذا انحطت حضارة المجتمع فلا يملك ثقافة ولا يملك علمًا ولا يملك حضارةً، إذن الموت يعرض على الفرد ويعرض على المجتمع.

المقدمة الثانية: ملكية المجتمع للثروة الفردية.

إننا إذا قرأنا الآيات المباركة، وجدنا أن الآيات تقرر أن الثروة ملك للمجتمع بالأصالة، وليست ملكًا للفرد، وهذه هي نقطة الخلاف الرئيسة بيننا وبين المنظور الرأس مالي، المنظور الرأس مالي يرى أن الذي يملك الثروة بالأصالة هو الفرد، بينما المنظور الإسلامي يرى أن الذي يملك الثروة بالأصالة هو المجتمع، لاحظ الآيات المباركة: ﴿خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا، ما في الأرض جميعًا ليس لزيد أو لبكر أو لخالد، ما في الأرض جميعًا لكم جميعًا، يعني الثروة ملك للمجتمع بأسره، وليست ملكًا للوجود الفردي، وقال تعالى في آية أخرى: ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا، يعني هذه الأموال لكم جميعًا، قوامًا تتقومون به، تتعيشون به. إذن، من هذه الآيات نستفيد أن الثروة بالأصالة هي للأمة، هي للمجتمع، هي للوجود الثاني وليست للوجود الأول.

المقدمة الثالثة: شراكة المجتمع في أموال الفرد.

بعد أن عرفنا أن للمجتمع وجود، وأن للمجتمع ثروة، حينئذن إذا قال الإسلام: خمس أموالك ليس لك وإنما هو للإمام وللسادة، ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ، وقال في آية أخرى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ، عندما يقول الإسلام: عشر أموالك للفقراء وللمساكين، خمس أموالك للإمام والسادة، بعض الناس يظن أن هذا استثناء، يعني أنا أملك الثروة بالأصالة، الثروة لي ولكن الإسلام أخذ من ثروتي خمسًا للإمام والسادة، أو أن الثروة لي لكن الإسلام أخذ عشرًا للفقراء والمساكين، لا، المسألة بالعكس، الثروة للمجتمع بالأصالة ولكنه أعطاك أربعة من أخماسها، والخمس أساسًا للإمام والسادة، لا أنه أخذ من ثروتك، الثروة أساسًا للمجتمع، أعطاك الإسلام من هذه الثروة تسعة أعشار. إذن، إعطاك الباقي هو الاستثناء، لا أخذ الخمس هو الاستثناء، الثروة بالأصالة للمجتمع، بمعنى أن الإمام والسادة شركاء معك من أول الأمر في أي ربح تربحه، في كل فائدة تستفيدها، الإمام والسادة شريك معك بنسبة الخمس، لا أن الثروة لك، وأُخذ منها الخمس، الثروة من الأساس للأصناف الثمانية - يعني الأصناف الثمانية التي عددتهم الآية المباركة - بمعنى أن الأصناف الثمانية شريكون معك في ثروتك إذا كانت من التسعة - يعني الموارد التسعة: النقدين، الأنعام الثلاثة، الغلّاة الأربع - هؤلاء الأصناف الثمانية شريكون معك في هذه الموارد التسعة من البداية، لا أن الإسلام أعطاهم من ثروتك، فكأنك متفضل عليهم بأن أخذ من ثروتك الخمس وأعطاه للإمام والسادة، أو أخذ من ثروتك العشر، وأعطاه للثمانية، هم يملكون الخمس والعشر من أول الأمر، أنت الذي تفضل عليك الإسلام بأن أعطاك أربعة أخماس وتسعة أعشار. إذن، بما أن الثروة ملك بالأصالة للمجتمع، فأخذ حق الإمام والسادة أو الأصناف الثمانية، هو من باب الشراكة، هم مشتركون معك أساسًا ومن أول الأمر في ذلك.

المقدمة الرابعة: فلسفة التوزيع الإسلامي للزكاة.

الإسلام إنما وزّع الثروة بهذه الطريقة - يعني اعتبر الثروة ملكًا بالأصالة للمجتمع - وأعطاك أربعة أخماس من أرباحك، وأعطاك تسعة أعشار من الموارد التسعة؛ لرفع الطبقية وإيجاد التوازن والتعادل بين طبقات المجتمع، بحيث لا يكون المجتمع دائرًا بين طرفين: طرف رأس مالي يملك الثروات المالية، وطرف عامل كادح يجهد نفسه يوميًا حتى يحصل على لقمة العيش.

إذن، متى ما رأينا أن المجتمع يعيش طبقية، يعيش طبقتين: طبقة رأس مالية، وطبقة كادحة؛ نعرف أن هناك خلل في توزيع الثروة، أن هناك خلل في إدارة الثروة، أن هناك خللًا في طريقة توزيع هذه الموراد الانتاجية الطبيعية على جميع أبناء المجتمع، وهذا ما عبر عنه الإمام أمير المؤمنين : ”ما جاع فقير إلا بما مُتِّع به غني“، ما يستمتع به الغني من الثروات، ومن مظاهر الترف، هو حق للفقير أخذه نتيجة سوء توزيع الثروة، نتيجة الخلل في إدارة الثروة، لأن الثروة أساسًا للمجتمع، والغني أُعطي أربعة أخماس تفضلًا من الإسلام، فإذا لم تتم هذه النظرية تقنينًا وتتطبيقًا، فهناك خلل في توزيع الثروة، والنتيجة: وجود الطبقية، وتبيان أوضاع المجتمع.

النقطة الثانية: الفرق بين الأمر في آية الخمس والأمر في آية الزكاة.

الآية تقول: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً، الأمر توجه للنبي ، بينما في آية الخمس: الأمر توجه للأمة لا للنبي ، في آية الخمس خاطب الأمة: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ، ما هو الفرق؟ لماذا توجه الخطاب في آية الصدقة للنبي؟ وتوجه الخطاب في آية الخمس للأمة الإسلامية؟

تريد الآية المباركة أن تشير إلى أن الفرد يجب عليه الخمس إذا ربح، وتجب عليه الزكاة إذا تحقق النصاب في الموارد التسعة التي عددها النبي ، فالزكاة والخمس من واجبات ووظائف الفرد، لكن مسؤولية قبض الزكاة وقبض الخمس وتوزيعها، مسؤولية من؟ الفرد أم القيادة؟ الفرد يجب عليه إخراج الزكاة، ويجب عليه إخراج الخمس، لكن مسؤولية من قبض الأموال وتوزعها توزيعًا مُتقنًا؟ القبض والتوزيع مسؤولية من؟ هذه ضرائب مالية مفروضة على المسلم، لكن جمع هذه الضارئب وتوزيعها مسؤولية من؟ لذلك بعض المفسرين حاول أن ينتزع من الآيتين المباركتين أن في آية الخمس: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ، خاطب القرآن المسلمين ليبيّن أن وظيفة قبض الخمس وتوزيعه هي وظيفة الفرد وليست وظيفة القيادة، بينما في آية الزكاة: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ، جمع الزكوات في بيت مال المسلمين وتوزيعها توزيعًا شرعيًا متقنًا هي وظيفة القيادة وليست وظيفة الفرد.

كما تعلمون، قضية الزكاة تختلف عن الخمس، الخمس لا تتنوع مصارفه، لا تتنوع موارده، الخمس معروف أنه سهمان: سهم للإمام ، وسهم للسادة الفقراء. بينما الزكاة لها مصارف اجتماعية متنوعة: الفقراء، المساكين، العاملين عليها، المؤلفة قلبوهم، في الرقاب، في سبيل الله، ابن السبيل، مصارف الزكاة مصارف اجتماعية متنوعة، لأجل ذلك بما أن مصارف الزكاة، مصارف اجتماعية متنوعة، أوكلت مسؤولية جمعها وتوزيعها للقيادة، فصار هذا المنصب منصبًا من مناصب القيادة الإسلامية، يعني من وظائف القيادة الإسلامية: جمع الزكوات في بيت مال المسلمين وتوزيعها على طبق الأسس الشرعية؛ لأن مصارف الزكاة مصارف متنوعة، لو أوكلت هذه المصارف للأمة الإسلامية لحصل الاختلاف بين أبناء الأمة الإسلامية في تحديدها وتشخيصها، وبالتالي، يضيع الهدف من تشريع الزكاة، وهو رفع الطبقية وإنعاش أوضاع المجتمع، لذلك أوكلت مسؤولية الجمع والتوزيع للقيادة.

بينما الخمس، الخمس مصرفه واضح، يتقسم الخمس إلى سهمين: سهم للإمام وسهم للسادة، سهم الإمام يُصرف في ما يرضي الإمام ، مثلًا: بناء مسجد، بناء مشروع ثقافي إسلامي، وهكذا أي مصرف يُقطع بأنه يرضي الإمام ، القسم الآخر واضح للسادة الفقراء، بما أن مصارف الخمس واضحة، لذلك أوكلت مسؤولية الصرف والتوزيع للفرد نفسه. الفقهاء المتأخرون يحطاطون فقط، لا أنهم يفتون، يقولون: الأحوط وجوبًا استئذان الفقيه في صرف سهم الإمام، سهم السادة يصرفه الإنسان حسب ما يرى، لكن الأحوط وجوبًا استئذان الفقيه في صرف سهم الإمام في موارده، باعتبار أن الفقيه أعرف بما يرضي الإمام «عليه اسلام»، وإلا لو قطع الإنسان با يرضي الإمام ، لا حاجة حينئذن إلى استئذان الفقيه بالتصرف، إذن، هذا هو الفرق بين التعبير في قوله: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ، وبين التعبير في قوله: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً.

النقطة الثالثة: الفرق بين التطهير والتزكية.

﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا، ما هو الفرق بين الطهارة والتزكية؟ ما هو الفرق بين عامل التطهير وعامل التزكية؟ التطهير: رفع المانع، والتزكية: رفع القاطع، هناك فرق - بحسب المنظور الفلسفي - بين المانع والقاطع، ما هو الفرق؟ مثلًا: أنا عندما أريد أن أزرع شجرة، ما هو هدفي من غرس الشجرة ومن زراعتها؟ هدفي أن تكون الشجرة مثمرة، شجرة معطاء، إذا كان هدفي من غرس الشجرة، ومن زراعتها أن تكون شجرة معطاء، هناك موانع من الثمرة، وهناك قواطع للثمرة.

الموانع: هي التي تحول بين الشجرة، وبين الإثمار من أول الأمر، يعني وظيفتها الدفع - دفع الإثمار - مثلًا: فساد التربة، ملوحة الماء، هذه نسميها موانع، لأنها تحول بين الشجرة وبين الإثمار من أول الأمر، هذه تسمى موانع لأنها حواجز تحول بين الجذور وبين الإثمار من البداية.

إذا أفترضنا أننا أزلنا الموانع، بتوفير التربة صالحة، والماء العذب ليسقي هذه الشجرة، الشجرة قامت وأصبحت تثمر، بعد أن بدأت الشجرة تثمر، أتت فواصل أخرى، دبت الديدان في الشجرة، بعض الأنواع من الدود الذي يقتل الشجرة بعد حيويتها، وبعد نضارتها، يقتل النخلة بعد نضارتها وبعد حويتها، أو تلوث الهواء الذي يمنع أن تنبت هذه الشجرة ثمرة طازجة ونقية ومفيدة، الديدان وتلوث الأرض تسمى قواطع لا موانع، لأن وظيفتها الرفع وليست وظيفتها الدفع.

إذن، الحواجز على قسمين: قسم يسمى موانع، وهو ما وظيفته دفع الإثمار، وقسم يسمى قواطع، وهو ما هو وظيفته رفع الإثمار بعد وجوده. إزالة الموانع يسمى تطهير، وإزالة القواطع يسمى تزكية، طهرت الشجرة يعني اخترت لها تربة صالة، ماء عذب، رفعت الموانع، فرفع الموانع يسمى تطهير. فأما رفع القواطع التي تحول بين الشجرة وبين الإثمار بعد وجودها وبعد حيويتها يسمى تزكية، فالتطهير رفع الوانع، والتزكية رفع القواطع.

نفس الأمر بالنسبة للأموال والثروات، يعني مثلًا: أنا عندي ثروة، ورد عن الرسول محمد : "لا تخطو قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، الثروة التي عندي، من أين اكتسبتها؟ إن كنت قد اكتسبتها عن طرق محرمة، مثلًا: اكتسبت الثروة عن طريق الإيداع في البنوك بشرط الفائدة، أو اكتسبت الثروة عن طريق المعلات البنكية الربوية، أو اكتسبت الثروة عن طريق تدوال الأسهم البنكية من دون مراعاة الشروط الشرعية، إذا كانت طرق اكتساب الثروة طرقًا محرمة؛ فحرمة الطرق موانع وليست قواطع، يعني أساسًا الثروة وصلت لي عن طرق محرمة، فعدم مشروعية الطرق - طرق الاكتساب - موانع، يعني تمنع هذا المال من أن يتحول سعادة لي في الآخرة، تمنع هذا المال من أن يصبح عيشًا رغيدًا لي في الآخرة.

وعندنا قواطع، بعد أن حصلت على الثروة من الطرق المحللة، لا من الطرق المحرمة، أنا حصلت على ثروتي من الطرق المحللة والمباحة، من تعبي وجهدي لا من الطرق المحرمة، بعد ذلك أحيانًا، يصل لي حق الفقير من حيث لا أعلم، كيف؟ لأنه أحيانًا أنت تقوم بمعاملة صحيحة، لكن من سبقك اكتسب الثروة عن طريق محرم، أو من سبق من سبق من سبق من سبق من سبقك، يكون اكتسب الثروة عن طريق محرم، أنا بالنسبة لي اكتسبت الثروة عن طرق حلال، لكن وصلت لي أموال الآخرين، وحقوق الفقراء، أصبحت بيدي نتيجة سوء في توزيع الثروة، نتيجة خلل في إدارة الثروة، وصل لي ما هو حق للفقير، فهذه قواطع وليست موانع. الزكاة ما وظيفتها؟ وظيفتها إزالة الموانع والقواطع، تطهر وتزكي، تطهرهم وتزكيهم بها، ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا.

النقطة الرابعة: صلاة النبي والاستقرار النفسي.

قوله تعالى: ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ، يعني ادعو لهم، الصلاة بمعنى الدعاء كما في قوله تعالى في آية أخرى: ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم، يعني لا تدعو له، فالمراد بالصلاة: الدعاء، ﴿إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ، ما العلاقة بين هذه الآية وبين قوله تعالى: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ؟ كما أن ذكر الله يغرس في القلب الاطمئنان والهدوء ويشعر الإنسان بالأمن والاستقرار، كذلك دعاء النبي يغمر الإنسان بالسكينة، يغمر الإنسان بالطمأنينة، يغمر الإنسان بالهدوء.

إيمان الإنسان بأن الله «تبارك وتعالى» بيده كل ما في الوجود من أصغر ذرة إلى أعظم مجرة، إيمان الإنسان بأن الوجود بأسره تحت قبضته تعالى، ﴿وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ، هذا الإيمان يقودك إلى الهدوء والاستقرار، إذا جرى على لسانك ذكر الله، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ، كما أن إيمننا بأن الله بيده مقاليد القلوب، فذكره سبب من أسباب الاطمئنان، إيماننا بأن النبي مظهر لقدرة الله، النبي مجمع لصفات الله تبارك وتعالى، قلب النبي مجمع للجمال والجلال الإلهيين، شخص النبي مجمع للأسماء والصفات الإلهية، وجود النبي هو سورة حاكية عن الباري تبارك وتعالى، وظله حاكي عن الذات القدسة تبارك وتعالى، فكما أن الله بيده الأمور كلها، وذكره يكون سببًا للاطمئنان، فالنبي صورة حاكية عن الأسماء والصفات الإلهية، لذلك يكون دعاؤه مصدرًا للاستقرار والسكينة والاطمئنان، ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ.

الصدقة في الإسلام جـ2
العبادة في شخصية الحسن الزكي (ع)