نص الشريط
تربية الإرادة
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 6/1/1425 هـ
مرات العرض: 3724
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (3797)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ

الآية المباركة تحدثت عن عنصر الإرادة، الإنسان يتميز عن كثير من المخلوقات بأنه يمتلك إرادة التغيير.

المحور الأول: تحديد مفهوم الإرادة

الإرادة هي عبارة عن إعمال النفس البشرية لسلطتها وقدرتها بتحريك الجسد، بمعنى أن الإرادة لا تتحقق دفعة واحدة، بل تعتمد على مبادئ، على مقدمات:

المبدأ الأول: التصور

مثلا أنا أجيء إلى هذا المسجد، مجيئي إلى المسجد عمل صنعته وخلقته إرادتي، هذه الإرادة مسبوقة بعدة مقدمات:

المقدمة الأولى: أني تصورت مجيئي إلى المسجد.

المقدمة الثانية: التصديق بالفائدة، بمعنى أني درست الموضوع هل فيه فائدة أم لا، هل ذهابي للمسجد فيه فائدة ام لا؟ عرفت أن فيه فائدة، فائدة أخروية كالأجر والثواب، فائدة اجتماعية كلقاء الأصدقاء وأبناء المجتمع، فائدة علمية كاستفادة بعض المعلومات المفيدة، فائدة شخصية ترفيهية كأن أرتاح وينشرح صدري لرؤية الناس.

المقدمة الثالثة: دفع العوائق، هل هناك عوائق أم لا، أدرس الموضوع، هل هناك سيارة توصلني، هل هناك شخص يدلني على الطريق، هل هناك حواجز تمنعني من الوصول، أدرس العوائق وأدفعها.

المقدمة الرابعة: الرغبة والشوق.

إذا تصورت أني آتي إلى المسجد، وصدقت أن فيه فائدة، ودفعت الموانع والعوائق، حصل عندي شوق، إذا لدي الرغبة بأن أذهب للمسجد، بعد هذه المقدمات تأتي الإرادة، تقوم النفس بإعمال قدرتها، يعني أن تقوم النفس بأمر الجسد، تأمر الجسد بأن يتحرك، تصورت، صدقت، دفعت الموانع، اشتقت، إذا تحرك، أمر النفس للجسد بالحركة هذا ما نسميه بالإرادة.

الإرادة أمر النفس للجسد بالحركة، إعمال النفس لسلطتها وقدرتها بتحريك الجسد.

المحور الثاني: عدم المنافاة بين إرادة المخلوق وإرادة الخالق

مثلا: أن أردت أن أصلي فصليت، أردت أن أصعد المنبر فصعدت، أردت المجيء لهذا المسجد فجئت، هذا الفعل مجيئي للمسجد أليس هو فعلي؟ إذا كيف نقرأ قوله تعالى ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ ويقول تعالى ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ليس هناك شيء تخلقه أنت، كل الأشياء مخلوقة له، إذا صلاتي مخلوقة له، ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ صلاتي شيء، إذا هي مخلوقة لله، صعودي للمنبر شيء، إذا هو مخلوق لله، مجيئي للمسجد شيء، إذا هو مخلوق لله، فإذا كانت أعمالي وحركاتي مخلوقة لله إذا أين إرادتي؟ لو كانت عندي إرادة تحرك الجسد وتصنع الحدث لكانت هذه الأعمال مخلوقة لي، لو كانت إرادتي هي التي صنعت الصلاة، وهي التي خلقت الصلاة لكانت الصلاة مخلوقة لي، لكن الله يقول ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ صلاتك مخلوقة لله، كيف أوفق بين إرادتي وبين خالقيته تبارك وتعالى لكل شيء.

الأئمة أجابوا عن هذه النقطة، ورد عن الإمام الصادق : ”لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين“ ليست صلاتك من صنعك وحدك، وليست مما جبرت عليه، لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين، سيدنا الخوئي قدس سره في كتابه البيان في تفسير القرآن، وكذلك الجزء الثاني من المحاضرات في أصول الفقه يقول: لو فرضنا أن إنسان يده مشلولة واستطاع طبيب أن يحرك له يده بواسطة سلك كهربائي، الطبيب وصل اليد بالطاقة الكهربائية، بدأ الإنسان المشلول يحرك يده، عندما يحرك يده.

هل هذه الحركة إرادية أم جبرية؟ هل هذه الحركة من صنع المشلول أم من صنع الطاقة الكهربائية؟ ليست جبرية محضة، وليست إرادية محضة، بل هي بين أمرين، لأنه لو انقطع السلك الكهربائي، هل يستطيع الرجل تحريك يده؟ لا لا يستطيع لأنه لابد من الطاقة الكهربائية، ولكن إذا وصلت بالطاقة الكهربائية وقال له الطبيب حرك يدك، ورفض الرجل تحريكها، فهل ستتحرك اليد بالطاقة الكهربائية دون إرادته؟ لا

إذا حركة اليد استندت لعاملين الطاقة الكهربائية فإنها أعطت المدد والقدرة، والإرادة فإنها أعطت الاختيار، فعل الإنسان هكذا تماما، أنا عندما أريد أن أصلي، أحتاج إلى أن أتصور الصلاة، هذا التصور وجود في ذهني، من أعطاني هذا الوجود؟ صدقت بفائدة الصلاة، التصور وجود، التصديق بالفائدة وجود، دفع العوائق وجود، الشوق إلى الصلاة وجود، أمر النفس للبدن بأن يتحرك ويصلي وجود، كل هذا الوجود يحتاج إلى قوة تفيضه، التصور والتصديق ودفع العوائق والشوق هذه الوجودات كلها تحتاج إلى مفيض يفيضها، من الذي يفيضها؟ الله تبارك وتعالى.

إذا لولا إفاضته تعالى للوجود لما صليت، ولولا أنه تعالى ربط الصلاة بإرادتي لما صليت، لأن إرادتي شرط في وجود الصلاة، لأن الله هو الذي جعل هذا الشرط، فهناك عاملان: العامل الأول إفاضة الوجود، العامل الثاني الإرادة، فلا جبر محض، ولا تفويض محض، ولكن أمر بين أمرين.

المحور الثالث: عوامل ضعف الإرادة

كثير منا يشكو ضعف الإرادة، المجتمع لا يملك إرادة نحو التغيير، اقرأ مجتمعك، العاملون في المجتمع كثير أم قليل، العاملون في المجال الخيري، في مجال الجمعيات الخيرية كم نسبتهم إلى المجتمع، العاملون في الأنشطة الثقافية من المحاضرات والندوات والحوارات والمآتم، كم نسبتهم في المجتمع، العاملون للنهوض وللتغيير نسبتهم قليلة.

إذا من يملك إرادة التغيير قليل، والباقي يعيشون ضعفا في الإرادة، في إرادة التغيير، حتى أنا أيضا ضعيف الإرادة، لأنني ضعيف أمام شهواتي، أمام غرائزي، قد أكون أنا عاملا مهما في خدمة المجتمع، ولكنني ضعيف الإرادة أمام غرائزي، أمام شهواتي، إذا سمعت الصوت الجميل العذب من خلال الهاتف ضعفت إرادتي وبدأت أنساب في العلاقة الغير مشروعة، أنا إذا سمعت الموسيقى التي تهدئ أعصابي وتريح مشاعري انسبت إليها، فأنا ضعيف الإرادة أمام الموسيقى اللهوية، إذا أنا أيضا أشكو ضعف الإرادة.

علماء النفس يسلطون الأضواء على عوامل ضعف الإرادة، نذكر منها سبعة عوامل:

العامل الأول: الروح اليائسة

هناك قسم من الناس عندما تجلس معه ينتقد الواقع كله، مساجدنا ماذا بها من فائدة، خطباؤنا، علماؤنا، شعراؤنا، تراه يحمل نقد للمجتمع بأسره، كل شيء ينتقده، ماهر في تسجيل العيوب، في اكتشاف الأخطاء، قادر على أن ينقد المجتمع بأسره، هذا يحمل روح يائسة، متشائمة، روح لا تعرف التغيير، ولا تطمح للتغيير إذا جالسته يجعل منك إنسان يائس، يقول لك كل شيء سيبقى كما هو لن يتغير شيء، الروح اليائسة المتشائمة لا تعرف إلا النقد وتسجيل العيوب من دون أن تتقدم خطوة، أنت لو سألته: أنت ماذا قدمت للمجتمع، ماذا أعطيت، ماذا خدمت، هؤلاء تقدموا ربما أخطئوا ربما أصابوا، لكن أنت ماذا أعطيت للمجتمع، ماذا قدمت، ماذا نفعت.

العامل الثاني: كثرة التشكيك

هناك قسم من الناس عقليته مبرمجة على الاحتماليات دائما، على التشكيك دائما، لا يصل إلى شيء راجح، لا يصل إلى شيء حاسم، دائما يعيش حالة من التأرجح، حالة من الحيرة، أي مشروع تطرحه عليه يأتي بالاحتمالات، عقليته مبنية على التشكيك وأن يعتني بالاحتمالات، حتى لو كانت احتمالات وهمية وضعيفة.

العامل الثالث: سرعة الانفعال

هناك قسم من الناس طيب يحب أن يخدم المجتمع وينفعه، لكنه سريع الانفعال، يغضب بسرعة، ينفعل بسرعة، يتهور بسرعة، سرعة الانفعال تقضي على الإرادة المنتجة، الفاعلة، لأن الله تبارك وتعالى كما أمر بالعمل، أمر بحسن العمل ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وقال في آية أخرى ﴿إِنَّا لَا نُضِيع أَجْر مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا.

العامل الرابع: الركود

مثلا: هناك بعض المجالس تزورها تجد فيها الشاي والتلفزيون وتجلس ساعة ساعتين وهذا هو الحال طوال عشر سنين أو عشرين سنة لم يتغير شيء ولم ينتج شيء، في ركود، هذه المجالس مجالس الموت، مجالس العقم، هذه المجالس تحتاج إلى من ينعشها، من يغذيها، من يعطيها روح، مثلا تحيي هذا المجلس بمسألة شرعية، عقائدية، اجتماعية، أدبية، لماذا لا يكون في المجلس حركة ثقافية، علمية، عملية، مجالس الركود من عوامل ضعف الإرادة، ضعف إرادة التغيير.

العامل الخامس: العقل الجمعي

أحيانا تسيطر علينا الأعراف الاجتماعية إلى حد لا يمكننا أن نمتلك إرادة التغيير، الأعراف الاجتماعية هكذا تقول، الأعراف الاجتماعية تحكمنا، فلا تكون لدينا إرادة التغيير، الناس ربما يتلقون من آبائهم ووجهائهم ثقافة تسيطر عليهم، فلا يملكون إزائها إرادة التغيير أصلا، العقل الجمعي يأسرهم، الثقافة الجمعية تمنعهم، مثلا: عندما ترى مستوى المجتمع من صفوى إلى سيهات تجده مجتمع حي، فيه طاقات علمية، أدبية، خطابية، قلمية، عملية، لكن هذه الطاقات أغلبها على مستوى الرجال، أما على مستوى النساء فلا يوجد، أين الطاقات العلمية في النساء، أين الطاقات الادبية، الخطابية، القلمية، أعداد لا تذكر لماذا؟ هل المرأة أقل ذكاء وقدرة من الرجل؟ لا، ترى الآن المرأة تعمل طبيبة في المستشفى، ممرضة، مدرسة في المدرسة، مربية، لكن عندما تريد أن تأسس جمعية خيرية، يكون الجواب لا، ما هو الفرق؟ هذا مجتمع نسائي لا ربط له بالرجال، أي مانع من أن يضم هذا المجتمع النسائي عالمات، خطيبات، أديبات، كاتبات، على مستوى النساء، ما هو المانع؟ الأعراف الاجتماعية، ثقافة العقل الجمعي سيطرت فمنعت إرادة التغيير.

العامل السادس: التقلب

الإنسان المتقلب المزاج، والمنهج لا يمكن الاعتماد عليه في إرادة التغيير، فهذا ما ابتلى به الإمام علي في الكوفة، جماعات متقلبة المزاج، إذا جاء الصيف قالوا: كيف نقاتل وحرارة الصيف شديدة، وإذا جاء الشتاء قالوا: كيف نقاتل وبرودة الشتاء قاسية ”مالي إذا دعوتكم إلى جهاد عدوكم دارت أعينكم كأنكم من الموت في سكرة ومن الذهول في غمرة ما بالكم ما داؤكم ما دواؤكم ما طبكم ملأتم قلبي قيحا“.

العامل السابع: عدم التمركز

مثلا: يكون إنسان عضوا في الجمعية، وعضوا في لجنة كافل اليتيم، وعضوا في الحملة الفلانية، وعضوا في المأتم الفلاني، من أين لك الوقت والقدرة والجهد كي تغطي هذه الفراغات كلها؟ لابد أن تتمركز في عمل معين، أن تختص بحقل معين، إذا الإنسان لم يتمركز على جهة معينة، وعلى اختصاص معين، لن يبدع، ولن يعطي، الإبداع والعطاء يتوقف على التمركز، أن تتمركز في جهة معينة، حتى تبدع وتعطي فيها.

المحور الرابع: مناشئ تربية الإرادة

نتحدث عنها في مجالين: مجال التغيير الاجتماعي، ومجال التغيير السلوكي.

المجال الأول: مجال التغيير الاجتماعي

عندما نريد أن نغير أوضاعنا إلى الأفضل، عندما نريد أن ننهض بهذا المجتمع إلى مستوى ثقافي وخيري وسلوكي أفضل، عندما نريد التغيير، فكيف نربي في أنفسنا إرادة التغيير، ماهي المناشئ لتربية الإرادة، بحيث نمتلك إرادة حديدية صلبة نحو التغيير، نتعرض لعدة مناشئ:

المنشأ الأول: التعويد

الخير عادة والشر لجاجة، لكل امرئ من دهره ما تعودا، الإنسان على ما عود نفسه، أنا مثلا أول مرة أخاف أن أصعد على المنبر وأتحدث إلى الناس، ولكن بعد عشر مرات أو عشرين مرة أعتاد، فيكون أمرا طبيعيا، أيضا أنا لست متعودا على خدمة المجتمع، والعمل من أجل المجتمع لم أتعود أن أكون في جمعية أو مأتم، أو مركز ثقافي، فلأعود نفسي فتعتاد، ولذلك ورد عن أمير المؤمنين : ”إذا خفت من شيء فقع فيه فإن انتظارك له أشد من وقوعك فيه“ وورد عنه : ”إن لم تكن حليما تتحلم الغضب جمرة الشيطان توقد في قلب ابن آدم“ وورد عن الرسول محمد : ”الغضب ضرب من الجنون لأن صاحبه يندم فإن لم يندم فجنونه مستحكم“.

المنشأ الثاني: الثقة بالنفس

عندما يقول الإنسان: ليس لدي ثقة بالنفس، ليس لدي قدرات ولا طاقة حتى أعمل، بمجرد أن ينظر الإنسان لنفسه هكذا فلن يعمل ولن يتقدم خطوة، لابد أن يثق بنفسه، لابد أن يتحمل، أن يزرع في داخله أنه قادر، أنه قوي، أنه يمكنه الوصول لهدفه ومبتغاه، وهناك فرق بين الغرور وبين الثقة بالنفس، لا نخلط بينهما، هناك غرور بالنفس، وهناك ثقة بالنفس، ما هو الفرق بينهما؟ الغرور يمنع الإنسان من أن يستفيد من الآخرين، ولذلك ورد عن الإمام علي : ”من استبد برأيه هلك“ أما الواثق بنفسه هو الذي يستقي من تجارب وخبرات الآخرين ويستفيد منها ليندفع وينطلق من خلالها نحو مساره ونحو مشروعه، كما ورد عن الإمام أمير المؤمنين : ”أعقل الناس من جمع عقول الناس إليه“.

المنشأ الثالث: التوكل على الله

﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ كثير من العاملين يخاف من النقد، مثلا لو أصبح خطيبا يخاف من نقد الناس لموضوعاته، لو أصبح إمام مسجد وطرح بحوثا علمية سوف تسجل عليه الملاحظات وتبدأ المقصات تقص شخصيتي يوما فيوما، لابد أن يتحمل هذه الآلام، ويطوي هذه الجراح، وإلا فلا يمكنك أن تتقدم خطوة واحدة، إذا أردت أن تتقدم، أن تعطي، أن تنتج، فاضرب بهذه الملاحظات عرض الحائط، إذا لم تكن ملاحظات بناءة، أما إذا كان نقد بناء، فأنا لا أنمو حتى أعرف عيوبي، إذا كانت ملاحظات بناءة أستقبلها، أما إذا كانت ملاحظات شخصية وقضايا نفسية اضرب بها عرض الحائط وسر نحو الأمام، لا يمكنك أن تمتلك إرادة التغيير حتى تسير من دون صرف النظر إلى مثل هذه الملاحظات الشخصية.

المنشأ الرابع: تثقيف النفس بالأهداف العليا

نحن ليس لدينا ثقافة بالأهداف، الآن تجد الكثير من شبابنا ليس لديه طموح، يتخرج من الثانوية ويجد له أي عمل، أو يأخذ شهادة جامعية ويصبح معلم، هذا ليس طموح، وليست أهداف عليا، على الإنسان أن يثقف نفسه للأهداف العليا، المهم أن أصير طبيبا ماهرا في تخصص معين، أن أصير مهندسا كبيرا في تخصص معين، أن أكون أبرز الشعراء، أبرز الأدباء، أبرز الخطباء، أبرز العلماء، أبرز المصلحين، دائما ثقف نفسك بالأهداف الكبيرة، من ملك الأهداف الكبيرة، ملك الإرادة الكبيرة، الإنسان الذي لا طموح له، لا إرادة له، أما الإنسان الذي يمتلك أهداف كبرى، أهداف عظمى، فإنه يمتلك إرادة حديدية صلبة بمستوى أهدافه.

إذا لابد أن نثقف أبناءنا بالأهداف العليا، هذه وظيفة منابرنا، مساجدنا، مدارسنا، وظيفة الأساتذة، أن يثقفوا الأجيال بضرورة الأهداف الكبيرة، يعلموهم على الطموح، أن ينظروا للأهداف العليا، حتى يمتلكوا الإرادة العليا، قوة وعظمة الإرادة بقوة وعظمة الهدف،

وإذا  كانت النفوس iiكبارا   تعبت في مرادها الأجسام

المجال الثاني: مجال التغيير السلوكي

مثلا شخص والعياذ بالله سلوكه منحرف يستمع إلى الأغنية، يشاهد الفلم الخليع، يقيم علاقات غير مشروعة من خلال المحادثات والسوق، لا يتورع عن أكل اللحم الغير مذكى، ولا يتورع عن الغيبة، ولا يتورع عن النميمة، فكيف يغير سلوكه؟

﴿نَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ التغيير بيدك، أنت تغير نفسك بالإرادة، إذا ملكت الإرادة ملكت التغيير، هذه هي البطولة، وليست البطولة بالجسم، البطولة أن تقول لشهوتك لا، وأن تقول لغريزتك لا، وأن تقول للنفس الأمارة بالسوء لا، الإنسان لديه شهوات ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي

إذا بالنتيجة كيف أغير من سلوكي؟ إذا ملكت الإرادة، إذا استطعت أن أقول لشهواتي لا، وإلا فأنا إنسان منهزم، ضعيف، ولست بطل،

ليس من يقطع طرقا بطلا   إنما  من  يتقي الله iiالبطل

اتق الله، فتقوى الله ما جاورت قلب امرئ إلا وصل، البطل هو من يمتلك الإرادة، هو من يقول: ”وإنما هي نفسي أروضها بالتقوى“ ورد عن الرسول محمد : ”أفضل الجهاد من جاهد نفسه“ جهاد النفس هو مظهر البطولة، إذا كيف أربي في نفسي إرادة التغيير؟ هناك عدة مناشئ:

المنشأ الأول: تربية الخوف من الله

هل أنا أخاف الله؟ أنا أقول بلساني، ولكن لا أخاف الله واقع، لو كنت أخاف الله لما أقدمت على المعصية، ولما تعمدت الرذيلة، أنا أخاف أن أقوم بالجريمة خوفا من الدولة، أخاف أن أفعل المعصية خوفا من أن تفضحني الاسرة، أخاف أن أرتكب الرذيلة خوفا من أصدقائي، ولكن هل عندي ذرة من خوف الله عز وجل! ﴿إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ اقرأ دائما آيات العذاب، آيات النار، آيات العقاب، سجلها لديك في ورقة، اقرأها دائما، دع هذه الآيات تمثل أمام عينك، الآيات التي تتحدث عن العذاب والنار، دعها أمام عينك، حتى تزرع في قلبك الخوف من الله، ورد عن الإمام الصادق أنه قال: ”خف الله كأنك تراه فإن لك تكن تراه فإنه يراك وإن كنت ترى أنه لا يراك فقد كفرت وإن كنت ترى أنه يراك ثم برزت له بالمعصية فقد جعلته من أهون الناظرين إليك“.

المنشأ الثاني: الحياء من الله

هل فعلا نحن نستحي من الله؟ نحن نخجل من آبائنا نعم، أنا أخجل آخذ بعض الأموال، أسرق بعض الأموال من والدي، أخجل منه، رباني وتعب علي، أنا أخجل أن يطلع أهل البيت على أني أمارس المعصية، لكن هل أخجل من الله، هل أستحي من الله! زليخة كانت امرأة جميلة، أبرزت لنبي الله يوسف مفاتنها، أغلقت الأبواب وأغفلت الرقباء أعدت له الفرصة الكافية لأن يقوم بالرذيلة، بالذنب، وماذا صنع يوسف ﴿وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ تربية النفس على الخجل من الله عز وجل.

المنشأ الثالث: المحاسبة والمعاتبة

ورد عن الرسول محمد : ”حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا“ بادر لاغتنام الفرصة ”بادر بأربع قبل أربع بشبابك قبل هرمك بصحتك قبل سقمك بغناك قبل فقرك بحياتك قبل موتك“ ثابر وبادر واغتنم الفرصة في التوبة والإنابة إلى الله، الله يحتضنك، يدعوك، يقبل عليك ﴿إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ كيف نحاسب أنفسنا؟ هل أنت تخلو بنفسك في الليل أم لا، أقنع زوجتك وأولادك بأنك تحتاج للخلوة تحتاج إلى ربع ساعة تخلو فيها مع ربك، لابد أن أقنع أولادي وزوجتي وأربيهم على ذلك، أربيهم على مبدأ الخلوة، أن يخلو بأنفسهم ربع ساعة في الليل، لكي يفكروا في أنفسهم، تفكر في يومك، ماهي ذنوبي التي ارتكبتها اليوم، ماهي أخطائي، ماهي تجاوزاتي، وأبدأ أزيل النقاط السوداء، أزيل البقع السوداء من صحيفة أعمالي، أبدأ أرفع الذكريات المخيفة، المظلمة، من صحيفة أعمالي، أبدأ أخلو بنفسي، أفكر، أما كان علي يقلب كفيه على ما مضى، يسأل نفسه ماذا فعلت، ماذا صنعت، لماذا كذا، ولماذا كذا؟

خلوة الليل عنصر ضروري في تربية الإرادة، للمحاسبة، للمعاتبة، أحاسب نفسي على أعمالي، صلي صلاة الليل، إذا لم تستطع صلي على الأقل ركعتين، واجلس بعدها فكر، حاول أن تبكي، أن تتألم، أن تخوف نفسك، أن تذكر نفسك بالآخرة، بالقبر، بالعذاب، بالحساب، حاول، إذا حاولت مرة ستكرر، وإذا كررت ستعتاد، وإذا اعتدت ستقوى عندك الإرادة، إرادة التغيير السلوكي، لأنك تخلو بنفسك، تحاسب نفسك، تعاتب نفسك، زين العابدين يعلمنا كيف نحاسب أنفسنا، كيف نوبخها، كيف نؤنبها، وَمَا عَصَيْتُكَ إِذْ عَصَيْتُكَ وَ أَنَا بِكَ شَاكٌّ، وَ لَا بِنَكَالِكَ جَاهِلٌ، وَ لَا لِعُقُوبَتِكَ مُتَعَرِّضٌ، وَ لَكِنْ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي، وَ أَعَانَنِي عَلَى ذَلِكَ سَتْرُكَ الْمُرْخَى بِهِ عَلَيَّ، فَالْآنَ مِنْ عَذَابِكَ مَنْ يَسْتَنْقِذُنِي، وَ بِحَبْلِ مِنَ أَعْتَصِمُ إِنْ قَطَعْتَ حَبْلَكَ عَنِّي، فَوَا سَوْأَتَاهْ غَداً مِنَ الْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْكَ، إِذَا قِيلَ لِلْمُخِفِّينَ جُوزُوا وَ لِلْمُثْقِلِينَ حُطُّوا، أَمَعَ الْمُخِفِّينَ أَجُوزُ، أَمْ مَعَ الْمُثْقِلِينَ أَحُطُّ، وَيْلِي كُلَّمَا طَالَ عُمُرِي كَثُرَتْ خَطَايَايَ وَ لَمْ أَتُبْ، أَ مَا آنَ لِي أَنْ أَسْتَحِيَ مِنْ رَبِّي".

ثُمَّ بَكَى وَ أَنْشَأَ يَقُولُ:

أَتُحْرِقُنِي   بِالنَّارِ  يَا  غَايَةَ  iiالْمُنَى

أَتَيْتُ     بِأَعْمَالٍ     قِبَاحٍ     iiزَرِيَّةٍ

 
فَأَيْنَ    رَجَائِي   ثُمَّ   أَيْنَ   iiمَحَبَّتِي‏

وَمَا فِي الْوَرَى خَلْقٌ جَنَى كَجِنَايَتِي

الفقه الرمزي للحجاب
الموت في تراث أهل البيت