نص الشريط
العلاقة الزوجية بين الوظيفة والعاطفة
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 8/1/1425 هـ
مرات العرض: 3003
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (1943)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَلَهُنَّ مِثلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ

الآية المباركة تتحدث عن الحقوق الزوجية وأن لكل طرف من أطراف الأسرة حقوقا على الطرف الآخر فللزوجة حقوق كما أن عليها حقوقا ﴿وَلَهُنَّ مِثلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ، حديثنا عن العلاقة الزوجية يستند إلى عدة نقاط:

النقطة الأولى: تعريف الحق

نحن عندما نقول لفلان حق، ماذا نقصد بكلمة الحق؟ هنا نرجع إلى المصطلحات الفقهية لنتعرف منها على أمور ثلاثة:

الأمر الأول: تحديد الحق

ما هو الحق؟ الفقهاء يعرفون الحق بأنه: سلطنة على عين أو فعل أو شخص، أن يثبت للإنسان سلطنة قانونية إما على عين من الأعيان، أو عمل من الأعمال، أو على شخص من الأشخاص، مثلا: أنا إذا دخلت المسجد وجلست في الصف الأول أو في الصف الثاني، بمجرد أن أسبق غيري إلى هذا المكان يثبت لي حق السبق، فأنا أحق بهذا المكان من غيري.

ما معني لي حق السبق؟ يعني أنه لا يجوز لغيري مزاحمتي ما دمت في المكان، ولا يجوز له أن يبعدني وأن يصلي في نفس المكان، إلا إذا أنا أسقطت حقي، إذن أنا لا أملك المكان، هذا المكان مسجد، والمسجد أرضه محررة، بمعنى أنها غير مملوكة، أنا لا أملك المكان ولكن لي سلطنة على المكان ثبتت لي بالسبق وهذه السلطنة معناها أنه لا يجوز لغيري مزاحمتي ولا يجوز احتلال هذا المكان إذا لم أسقط سلطنتي، هذه سلطنة على مكان، على عين من الأعيان.

وأحيانا يكون لي سلطنة على عمل من الأعمال، مثلا: لو ذهبت إلى السوق أريد أن أشتري جهاز فيديو أو جهاز تلفزيون مثلا، وأمامي عدة محلات تبيع الأجهزة، اشتريت جهاز الفيديو مثلا بألفين ريال وقيمته بحسب القيمة السوقية ألف وخمسمائة، عندما أخذت الفيديو ودفعت الأموال سألت أصحاب المحلات، قالوا لي: هذا قيمته ألف وخمسمائة، لو أرجعت الفيديو على صاحبه، وقلت له: إما أن تبيعني الجهاز بألف وخمسمائة مثل غيرك، أو أرجعه لك، لو قال لي: أنا لا أرجعه، فليس له حق، أنا الذي يحق لي فسخ المعاملة، لأني مغبون، والمغبون له خيار الغبن يعني بما أنني اشتريت الجهاز بأكثر من قيمته السوقية إذا لي حق فسخ المعاملة، أقول: أنا مغبون المغبون له خيار الغبن أنا فسخت البيع أرجع لي أموالي وخذ جهازك، إذا لم يرجع أموالي لا يجوز له التصرف فيها، تعد أموالا مغصوبة، ولا فرق في ذلك بين جهاز أو بين الأرض أو بين الثوب، هنا يثبت للمغبون سلطنة على عمل من الأعمال وهو فسخ المعاملة، هذا نسميه حق، سلطنة على عمل.

أحيانا يثبت سلطنة على شخص، مثلا: الزوجة لها حق على زوجها أن ينفق عليها، هذه سلطنة على شخص، للزوجة سلطنة على زوجها في أن ينفق عليها من ماله أو من غير ماله، إذن الحق سلطنة إما على مكان، أو عمل، أو على شخص.

الأمر الثاني: منشأ الحق

منشأ ثبوت الحق، إما العلاقة الفاعلية، وإما العلاقة الغائية، مثلا: هذا الكرسي الذي أجلس عليه له علاقتان، علاقة فاعلية بالنجار الذي صنعه، لأن النجار هو الذي صنع هذا الكرسي، وعلاقة هذا الكرسي بالجلوس عليه تسمى علاقة غائية، يعني أن الغاية والهدف من صنع الكرسي هو الجلوس عليه.

أحيانا يثبت الحق بعلاقة فاعلية، وأحيانا يثبت الحق بعلاقة غائية، مثلا: أنا عندما آتي لأرض موات، البحر عندما يدفن تصبح الأرض موات، أي لا يملكها أحد، فلو جئت أنا وحجرت الأرض، أي وضعت عليها سور، بمجرد أن أحجر الأرض يثبت لي حق في الأرض، هي ليست ملكي لكن صار لي حق فيها، يسمونه حق التحجير، هذا الحق منشؤه علاقة فاعلية، يعني أنني قمت بفعل وهو التحجير، نتيجة التحجير - العلاقة الفاعلية - صار لي حق في الأرض، هذا الحق أستطيع أن أذيعه وأن آخذ عليه أموال.

أحيانا ينشأ الحق عن علاقة غائية، مثلا: المرأة تحمل الجنين في بطنها، إذا وصلت للشهور الأخيرة يحدث انتفاخ في ثدييها وتبدأ الغدد في الثديين تفرز مواد معينة إلى أن يولد الجنين، إذا ولد الجنين تتكون في كلا الثديين مادة اللبأ، بمجرد أن يضع الطفل شفتيه على ثدي أمه تنزل هذه المادة اوتوماتيكيا إلى فمه فيمتصها، ويبتلعها، الفقهاء يقولون: لهذا الطفل حق في هذه المادة، حق إرضاعه هذه المادة نشأ لا من علاقة فاعلية ولكن من علاقة غائية، يعني لولا وجود الطفل لما وجد اللبن، لو لم تحمل الأم لما وجد في ثدييها مادة لبنية، يعني أن الغاية من وجود اللبن هو وجود الطفل، وبما أن الغاية من وجود اللبن هي وجود الطفل إذا يثبت للطفل حق فيه بعلاقة غائية.

الأمر الثالث: آثار الحق

الفقهاء يقولون: هناك فرق بين الحق وبين الحكم، الفرق بينهما أن الحق يسقط بإسقاطه، والحكم لا يسقط بإسقاطه، مثلا: يجب على الولد بر أبويه، لو أن الأبوين قالا للولد نحن لسنا بحاجة لبرك، إذا كنت ستعقنا نحن راضيان، فلا يجوز له عقهما، لأن البر ليس حقا حتى يسقطه الأب، البر حكم وليس حق، يجب على الولد بر أبيه وإن تنازل أبوه، وإن رضي بترك البر، يجب على الولد بر أبيه فهذا حكم، والحكم لا يسقط بالإسقاط.

بينما الحق يسقط بالإسقاط، مثلا: الزوجة لها على زوجها حق النفقة، لو أنها قالت: أنا لا أريد هذا الحق - حق النفقة - أنت رجل فقير وأنا ثرية لا أريد منك حق النفقة، أسقطته عنك، فإن حق النفقة يسقط.

إذن الفرق بين الحق والحكم، أن الحق يسقط بالإسقاط، والحكم لا يسقط بالإسقاط.

النقطة الثانية: بيان ما هو المعيار والمقياس في العلاقة الزوجية

هل الأساس في العلاقة الزوجية المعيار العاطفي، أم المعيار الوظيفي؟ مثلا: أنت عندما تصبح موظف في شركة أو مؤسسة من المؤسسات، للمؤسسة عليك حقوق، ولك حقوق على المؤسسة، أن تلتزم بالأوقات، بالقوانين، أن تحافظ على أموالها وأملاكها، ولك حقوق عليها، توفير الراتب، تأمين التقاعد، الإجازات، وما شاكل ذلك، فلك حقوق وعليك حقوق، المعيار في علاقتك بالمؤسسة معيار وظيفي، أنت موظف، قد تكون تكره المؤسسة، قد المؤسسة تكرهك، لكن ما دمت موظفا عندها فهناك حقوق متبادلة، هذه تسمى العلاقة بمعيار وظيفي.

بينما علاقة الأم بجنينها وطفلها، لهذا الطفل حقوق، هناك علاقة بين الأم وبين الطفل، المعيار هنا معيار عاطفي، إنساني، يعني أن على الأم أن تقدم الخدمة والرعاية والتربية لهذا الطفل بدوافع إنسانية، عاطفية، بدوافع الرحمة والحنان والعطف.

إذا علاقة الزوج بالزوجة بأي معيار؟ هل الإسلام ينظر إلى علاقة الزوج بالزوجة بالمعيار الوظيفي أم بالمعيار الإنساني العاطفي، هل الزوج والزوجة موظفان في شركة واحدة؟

المعيار في علاقة الزوج بالزوجة معيار إنساني، عاطفي، يعني أنه على الزوج أن ينفق على الزوجة لا لأنه ابتلى بها، بل بدوافع إنسانية، عاطفية، أن تعتبر زوجتك جزءا منك، فكما تصرف على نفسك تصرف على زوجتك، الدوافع دوافع إنسانية، المعيار معيار إنساني، وكذا العكس على الزوجة أن تحسن العشرة لزوجها، ورد عن الرسول محمد : ”جهاد المرأة حسن التبعل ما استفاد امرئ بعد الإسلام فائدة أفضل من زوجته تسره إذا نظر إليها وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله“ قلت: يا رسول الله إن لي زوجة إذا أقبلت استقبلتني، وإذا خرجت شيعتني، وإذا رأتني مهموما قالت: ما يهمك وما يغمك؟ قال : ”بشرها بالجنة“ على الزوجة أن تعامل زوجها لا على أنه شيء مفروض عليها بل بدوافع إنسانية، بدوافع العطف والحنان.

نحن عندما نقول المعيار في العلاقة والحقوق الزوجية هو المعيار الإنساني وليس المعيار الوظيفي ما هو مستندنا، وما هو مدركنا؟ لدينا مدركان:

1- المنظور القرآني:

القرآن يركز على أن المعيار هو المعيار الإنساني، يقول القرآن الكريم: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا هذا تعبير عن عمق الحب، يعني أنا عندما أحب شخص حتى أعبر عن عمق حبي له، أقول هذا نفسي، هذا مني، الرسول محمد يقول: ”حسين مني وأنا من حسين“ تعبير عن شدة وعمق العلاقة النفسية بينهما، ”علي مني وأنا منه“ ﴿خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا القرآن يعتبر المرأة هي مصدر استقرار الأسرة وليس الرجل، المرأة تستطيع أن تحول الأسرة إلى جحيم، وتستطيع أن تحول الأسرة إلى جنة خضراء، المرأة هي مصدر استقرار الأسرة ﴿لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا هي المنبع الذي يشبع الزوج بالحنان والعطف، هي المنبع الذي يعطي الزوج استقرارا في عواطفه، ومشاعره، وميوله، المرأة نهر فياض بالعاطفة والدفء والحنان، تغمر زوجها وأبنائها بمشاعرها وعواطفها ﴿لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً لاحظوا التعبير القرآني الآخر، القرآن يقول: ﴿وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ ناشز: يعني شاذ ونافر، الزوجة إذا لم تعطي زوجها حنانها يعتبرها القرآن شاذة، يعني أنها شذت عن الطبيعة الفطرية، عن البيت المبني على العاطفة والحنان، ناشز يعني نافرة عن الطبيعة، وهذا الوصف ليس للزوجة فقط بل هو للزوج أيضا، يقول القرآن الكريم: ﴿وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ إذا كما أن المرأة تنفر عن طبيعتها، كذلك الرجل ينفر عن طبيعته الفطرية عندما لا يعامل زوجته على طبق الفطرة، فطرة العطف والحنان والدفء العاطفي.

تعبير القرآن تعبير دقيق ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ اللباس وقاية وزينة وتعبير عن الذات، إذا الزوجة وقاية وزينة وتعبير عن الذات، كما أن الرجل يحتاج إلى ثوب يقيه من الحر أو البرد، فهو يحتاج إلى زوجة تقيه من الانزلاق الجنسي وراء شهواته وغرائزه، كما أن الزوج يحتاج إلى ثوب أنيق يتزين به، فإن زوجته زينة له، كما أن الزوج يحتاج إلى ثوب يعبر به عن ذاته، فالزوجة تعبير عن شخصية الزوج أيضا، الزوجة التي تملك الأخلاق النبيلة، والسيرة الحسنة، والسمعة الاجتماعية الحسنة هي تعبر عن زوجها، عن عقليته الإدارية للأسرة، عن كيف يعاملها من خلال شخصيتها فالزوجة مظهر للزوج والعكس ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ إذا القرآن يعتبر المعيار في العلاقة الزوجية هو المعيار الإنساني، العاطفي

2- المنظور العلمي:

هناك كتاب جيد يقرؤه المتزوجون وهو كتاب «العلاقة الحميمة بين الزوجين» للدكتور هشام الحناوي هذا الكتاب يتناول الكثير من مفردات هذه العلاقة بما ينسجم مع التشريع ومع النصوص الإسلامية، يذكر هذا الدكتور في كتابه يتحدث عن رؤية علم النفس الاجتماعي لمعيار العلاقة بين الزوجين، يقول: أساس الخلاف بين الزوجين عدم قراءة الشخصيتين، إذا أردنا أن نتفادى الخلاف، فعلى الزوج أن يقرأ شخصية زوجته، وعلى الزوجة أن تقرأ شخصية الزوج، كل منهما وظيفته قراءة شخصية الآخر، فهي حصن أمام الاختلافات والمشاكل الزوجية، على كل أن يقرأ شخصية الآخر، كيف؟ قبل أن يتم عقد الزواج يكون مثقفا، هناك كتب تتحدث عن خصائص الرجل، وهناك كتب تتحدث عن خصائص المرأة، ينبغي للرجل أن يفهم المرأة قبل أن يتزوجها، وينبغي للمرأة أن تفهم الرجل قبل أن تتزوجه، يعني أنه ينبغي لهما أن يكونا مثقفين بخصائص كل منهما، حتى يتم ميثاق الزوجية بينهما، هناك عدة أمثلة:

المثال الأول:

ما هو منشأ حب الرجل للمرأة، ربما يتبادر للذهن أنه يحبها لأجل الجنس، أو لأجل إشباع شهواته، لا بل هناك أمور أخرى، نعم الجنس يتدخل، العواطف تتدخل، لكن هناك أمور أخرى، يقول علماء النفس: الرجل أناني بطبعه، يحب ذاته، راحته، يحب أن يأتي من العمل وغداؤه جاهز، يحب أن ينام على الوسادة الناعمة، يحب أن تهيئ الأجواء لراحته واستقراره، يحب نفسه، يحب راحته، هذا طبيعي فالرجل أناني بطبعه.

ولكن هل يبقى أنانيا على طول الخط؟ لا فالمرأة قادرة على أن تحول الرجل من إنسان أناني إلى إنسان معطاء، يخلص لزوجته، ولأولاده وينفق ويغدق عليهم من العطاء بلا حدود لأنه يحبهم ويتعلق بهم بلا حدود، الرجل يعتز بشخصيته، دائما يرى أن لنفسه شخصية في الأسرة، ينظر لنفسه بمرآة الرجولة والشخصية والقيادة للأسرة، دائما الرجل يرى نفسه بهذا المنظار، الزوجة عليها أن لا تغفل عن ذلك، يعني عليها أن تدعمه نفسيا في هذا المنظار، دائما تشعره بعباراتها، بمعاملاتها، بتصرفاتها أنه هو شخصية الأسرة، قيادة الأسرة، أنه هو مصدر العطاء، دائما تشعره الزوجة بأنه يملك طاقات، ويملك من القدرات ما يستطيع أن يحقق طموحات كبيرة، فإذا أشعرت المرأة زوجها بأنه رجل ويملك قدرة وطاقة ويملك نبعا من القدرات والطاقات، إحساس الرجل بأن زوجته تركز على هذه النغمة، وعلى هذا الوتر، يجعل الزوج يهيم بزوجته، ويتعلق بها ويحترمها ويجلها، لأنها تغذي إحساسا طبيعيا عنده، فبالتالي يتحول من إنسان أناني إلى إنسان معطاء، ولكن بمجرد أن تنسحب الزوجة عن هذا العالم، يبدأ الزوج بالانسحاب، يعني أن الزوج يعود إلى أنانيته، وإلى غطرسته، فما دامت المرأة تعيش معه عليها أن تركز على هذه النقطة في شخصية الرجل.

ما هو سر ميول المرأة للرجل؟ المرأة بطبعها معطاء، تعطي وقتها، عقلها، بدنها، قدراتها، ولكن هذه المرأة بمرور الأيام وأثبتت التجارب ذلك، الدراسات الميدانية التي قام بها علماء النفس أثبتت أن المرأة بعد عشر سنوات تبدأ تقرأ التجربة، تبدأ تحاسب، تقول: أنا أعطيت وأعطيت، أعطيت قدراتي، طاقاتي، مهجتي وروحي، أعطيت مشاعري وعواطفي، على ماذا حصلت في المقابل، بذلت لزوجي كل ما عندي، ماذا أعطاني في المقابل؟ تبدأ المرأة تركز على هذا الوتر، أنني أعطيت ولكن لم أعطى، قدمت ولكن لم أجد مقابلا، فما هو الحل؟

الحل من أول يوم قبل أن تصل الأمور إلى هذا، الزوجة لا تريد من الرجل شيء سوى الرعاية، شعور المرأة بأن هناك صدرا، وهناك ذراعا، وهناك عينا تغدق عليها الدفء العاطفي، الرعاية، البسمة، الكلمة العذبة، التشجيع، الامتداح، أن يمتدح الرجل جمالها، أنوثتها، يذكر لها كلمات عذبة، يخاطبها دائما بعبارات المحبة، يشجعها على مشاريعها، على أعمالها، يستشيرها في بعض الأمور، يصوب رأيها في بعض الأمور، شعورها بأن زوجها يهتم بها، يجعلها دائما مخلصة لزوجها، تبذل كل ما عندها، مادام زوجها يهتم بها، المرأة عندها الرجل كل شيء، والرجل عنده المرأة شيء، المرأة تعلم ذلك، لكنها تريده أن يعاملها كما يعامل أشياءه الأخرى، أن يهتم بها كما يهتم بأشيائه الأخرى.

إذا المرأة تميل إلى الرجل من خلال الرعاية والاهتمام، فعلى الرجل أن يلتفت إلى ذلك، أن المسألة هي مسألة رعاية واهتمام بمشاعر المرأة وبعواطفها، وكما ذكرنا كل المعيار في العلاقة والحقوق الزوجية هو المعيار العاطفي، المعيار الإنساني كما مثلنا وذكرنا.

المثال الثاني:

إذا صارت مشكلة للزوج، فكيف يتصرف، وإذا صارت مشكلة للزوجة فكيف تتصرف؟

الرجل إذا أصيب بمشكلة لا يحب التحدث مع زوجته، ربما يتحدث مع أصدقائه لكن لا يتحدث لزوجته، هذه طبيعة الزوج، حتى لا تخدش الزوجة في رجولته أو في إدارته، إذا دخل الزوج البيت ورأت الزوجة قسماته متغيرة وعرفت أنه واقع في مشكلة، هو يعيش أزمة الآن، الزوج لا يريد أن يتحدث، وهي تجبره على التحدث، الزوج بطبعه لا يريد أن يتحدث، لا يريد أن يفتح هذا الملف، هذا طبع فيه، ولذلك ترى المرأة أن زوجها مشغول بهذه المشكلة، ربما 95% من وقته مشغول بهذه المشكلة، ربما 5% يصغي لزوجته ولأولاده، وإلا فهو يعيش حالة طوارئ واستنفار، كلها مع المشكلة التي يعيشها، وقد ينشغل عن الزوجة يشاهد التلفاز، يقرأ جريدة، يخرج يلعب كرة، وإلا هو منشغل بمشكلة يريد أن يقضي الوقت كيف ما كان، هنا لا تحاول الزوجة أن تلح عليه فإنه ينفر ويصاب بردة فعل وقد تتحول المسألة إلى كارثة، الزوجة عليها أن تلاطفه، تجعله كما يريد، تعرض عليه خدماتها إذا أبى فتتركه على راحته، لا تحاول أن تدخل إليه لا من قريب ولا من بعيد، فإن هذه المسألة حساسة بالنسبة إلى الزوج.

بعكس الزوجة، إذا أصبحت في مشكلة فهي تريد أن تتحدث، تجلس مع الزوج وتبدأ تتحدث وتذكر المشاكل فصلا فصلا، لأن طبيعتها هكذا لا تستطيع أن تستفرد المشاكل مشكلة بعد مشكلة، قضية بعد قضية وتأتي بأشياء لا ربط لها، ماذا يصنع الزوج؟

بعض الأزواج مع الأسف يبدأ يقدم الحلول ويلومها، فتصاب بردة فعل عنيفة وتتحول إلى ثورة غاضبة، وربما تتحول المسألة إلى قطيعة، لأن المرأة إذا تحدثت عن مشاكلها لا تريد حلول، بل تريد أن ينصت الزوج لها، طبيعة المرأة هكذا، عندما تتحدث عن مشاكلها هي لا تريد حلولا، هي تريد رعاية، تريد تعاطف، وليس حلول، تريد من زوجها أن يترك التلفاز أو الجريدة يلتفت ويصغي إليها، تريد أن يتعاطف الزوج معها في مشاكلها، فإذا تعاطف الزوج معها في مشاكلها، وأفرغت ما في نفسها تنتهي المشكلة.

إذا هذه ليست مسائل تافهة، بل هي مسائل حساسة تترتب عليها خلافات كبيرة، فعلى الزوجين مراعاة المعيار الأساس وهو المعيار العاطفي، الإنساني والالتفات إليه دائما.

النقطة الثالثة: هموم وحقوق المرأة العاملة

قبل ثلاثين سنة أو عشرين سنة لم تكن في مجتمعنا ظاهرة الزوجة العاملة، خرجت الزوجة من البيت لتعمل ولتكون موظفة، وقد خلق هذا تغيرا جذريا في مجتمعاتنا، وخلق مفاهيم جديدة، مفاهيم اجتماعية، اقتصادية، بل حتى مفاهيم سياسية، نتيجة خروج المرأة من بيتها لأجل العمل.

خروج المرأة العاملة مسألة تناولها علماء الاجتماع، راجع كتاب الدكتورة كاميليا عبدالفتاح «سيكولوجية المرأة العاملة» تتحدث عن هذه الظاهرة في الوطن الإسلامي، والوطن العربي، ظاهرة الزوجة العاملة، نحن عندما نريد أن نتحدث عن الظاهرة نتحدث عنها من زوايا ثلاث مختصرة:

الزاوية الأولى: دوافع المرأة للعمل

الدافع الأول: دافع اقتصادي، الزوجان يحتاجان لبناء منزل، إلى تأثيث منزل، إلى أن تكون حياتهما مرفهة، فالدوافع الاقتصادية تدفع المرأة لكي تكون موظفة فتساهم مع الزوج في النهوض بالأسرة إلى مستوى اقتصادي جيد.

الدافع الثاني: دافع اجتماعي، الآن المجتمع بحاجة ماسة للمرأة العاملة، مجتمعاتنا بحاجة ماسة إلى الطبيبة، الممرضة، المدرسة، المربية، إذا الضرورة الاجتماعية فرضت على المرأة مع أنها متزوجة أن تخرج إلى العمل.

الدافع الثالث: دافع ذاتي، كثير من النساء لديها مواهب وتريد أن تنمي مواهبها، لديها طاقة إبداعية، خلاقة، تريد أن تبرز مواهبها، طاقتها، ملكاتها من خلال العمل، فتعمل طبيبة، ممرضة، معلمة، لإبراز مواهبها وطاقتها الخلاقة الإبداعية.

الدافع الرابع: دافع سلبي، قد لا تكون لديها حاجة اقتصادية، وليس هناك من يفرض عليها العمل، ولكن لقتل الفراغ، مثلا ليس لديها أطفال، أو أن أطفالها كبروا، فهي لقتل الفراغ الذي تشعر به تملأ فراغها بالوظيفة، فالوظيفة بدافع القضاء على أوقات الفراغ.

الزاوية الثانية: المشكلات التي ترتبت على عمل المرأة

المرأة خرجت للعمل أصبحت هناك إيجابيات، غطت المرأة حقول في الطب والتمريض والتدريس وفي التربية، غطت حقولا عديدة، وخدمت مجتمعها من خلال هذه التغطية، ولكن ماذا ترتب على ذلك من مشاكل، هناك مشكلات أربع:

المشكلة الأولى:

المشكلة التربوية، المرأة العاملة تفقد الوقت الكافي لتربية أبنائها، إذا عادت من العمل خصوصا إذا كانت طبيبة أو إذا هي معلمة، ترجع من العمل لا تملك وقت، ولا قدرة جسدية، ولا قدرة عقلية، ولا تملك مزاج، أي أن عملها يفقدها مزاجها، يفقدها قدرتها النفسية، فليس لديها طاقة لأن تحتضن أولادها أو تعلمهم وتجلس معهم وتذاكر لهم وتحنو وتعطف عليهم، لا تملك الوقت ولا المزاج ولا القدرة الإنسانية على ذلك، ولذلك الأطفال إن لم يكن لهم جدة، أو لم يكن لهم خالة، أو لم يكن لهم عمة يشعرون بالفراغ العاطفي، يشعرون أنهم لم يربوا بطريقة متكاملة، عندما يشعرون بالفراغ العاطفي، فيملؤون هذا الفراغ العاطفي بالتلفاز، بالإنترنت، بعوامل أخرى.

المشكلة الثانية:

أن المرأة العاملة عادة وليس كل امرأة يقودها العمل إلى البرود في العلاقة الزوجية، ليس لديها وقت لتعطي زوجها حنانا، ليس لديها وقت لتعطي زوجها عطفا، فإذا بردت العلاقة وشعر الزوج بأن المعين العاطفي بدأ يجف لجأ الزوج إلى أبواب أخرى سواء كانت أبواب مشروعة أو غير مشروعة.

المشكلة الثالثة:

أن بعض النساء في بعض أماكن العمل تبتلى بالاحتكاك بالرجل.

المشكلة الرابعة:

أن بعض الأزواج يستغلون الزوجة العاملة لصالح معيشتهم، يأخذ راتب الزوجة حتى يبني له أرض، حتى يؤثث المنزل، حتى يشتري السيارة، يأخذ أموالها ورواتبها وبعد عدد من السنين إذا صار الخلاف بين الزوجين طالبته الزوجة بأنني صرفت، فيرد بأنه ليس لديها إثبات.

الزاوية الثالثة: الحلول

أولا: لابد من حوار بين الزوج والزوجة من أول يوم للزواج حول توزيع الأدوار والأوقات، تربية الأولاد مسؤولية الطرفين، لابد أن يتفاهم الزوجان على توزيع الأدوار وتوزيع الأوقات، الزوج اليوم مشغول مع العمل الزوجة تقوم بالمذاكرة للأطفال وبرعايتهم، يوم غد تكون المسؤولية على الزوج، إذا حصلت إجازة يتفرغ الزوج والزوجة للعناية التامة بالأطفال ومعرفة مشاكلهم وقضاياهم، إذا لابد من حوار ينتج تفاهم واتفاق في توزيع الأوقات والأدوار بين الزوجين، هكذا كان علي وفاطمة ، الإمام الصادق يقول: ”كان علي يحتطب ويستقي ويكنس“ فلو قالت الزوجة لزوجها يا أبا فلان اكنس الدار هذا اليوم أو اغسل الأواني هذا اليوم فما المانع من ذلك ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ”وكانت فاطمة تطحن وتعجن وتخبز“

ثانيا: أن تختار المرأة العمل الذي ينسجم مع قدرتها على تربية الأطفال، نحن نحتاج إلى طبيبات وممرضات ومعلمات لكن كحالة عامة على المرأة أن ترى الأولوية لتربية الأطفال، ما يزاحم تربية الأطفال يكون مسألة ثانوية، الأولوية لتربية الأطفال، فإذا أرادت أن تعمل عليها أن تختار عملا من حيث وقته وجهده وطبيعته ينسجم مع قدرتها وكفاءتها على تربية الجيل وتربية الأطفال.

ثالثا: مسألة الأموال، حرام شرعا أن يأخذ الزوج من أموال زوجته فلسا واحدا، حرام أن يستغلها، هذه مسألة استغلال، حتى لو كانت هي راضية، مثلا: لو توفيت الزوجة وجاء أبوها وأمها يطالبان بأموالها، يرثها أمها وأبوها وأولادها، فيقول الزوج صرفت على المنزل والأثاث والسيارة، ذهبت الأموال، يطالبانه بالإثبات، لعلها أعطتك هذه الأموال قرض، وبالعكس لو توفي الزوج والزوجة أعطته هذه الأموال على سبيل القرض، الآن كيف تحصل على أموالها بعد وفاته وليس عندها أي إثبات.

لابد أن يتفق الزوجان على الكتابة، كل فلس وكل ريال تصرفه المرأة لابد أن يكتب، صرفت كذا مبلغ على المنزل، على الأثاث، على السيارة، هناك شهود على ما صرفت، إذا حدث أي حدث صار خلاف أو طلاق أو موت، كل أموالها مسجلة، فإن رضيت وسامحت الزوج فهذا شيء آخر، وأما إذا طالبت بأموالها فهي أحق بها.

التربية في فلسفة الإسلام
الفقه الرمزي للحجاب