أوّلًا: إنّ الغرض من هذا البيان هو إلزام غير المسلمين بكون القرآن إلهيًا لا بشريًا مستندًا لصنع الرسول ، وإلا فما ورد في حق الرسول في الكتاب وافٍ بكونه هو المظهر الأتم الأكمل للباري تعالى في صفاته الكمالية.
ثانيًا: إنّ القرآن الكريم ذكر بعض الأنبياء بوصف قد يوهم الذم، كما في التعبير عن آدم بالمعصية، وعن موسى بالخطأ، وكل ذلك من باب مخالفة الأولى، أو تدريب عملي على أكمل الدرجات بحسب القرينة الارتكازية.
ثالثًا: إنّ القرآن وصف بعض الأنبياء بأوصاف عظيمة قدسية لا ترتبط بالنبوة، كالتعبير عن عيسى بأنه روح الله وكلمته، وأن موسى هو المصطنع من قبله تعالى، لذلك فالمقصود بوصف القداسة في تعبيري أن القرآن الذي وصف النبي بأنه على خلق عظيم لم يصف النبي بالأوصاف التي ذكرها لغيره من الأنبياء، وهي كل وصف قدسي خارج إطار الرسالة وما يتفرع عليها من لوازمها الجعلية أو العقلية أو العرفية، لأنه لا شك في أن النبوة الخاتمة التي أثبتها القرآن للرسول من لوازمها كون رسالته رحمة للعالمين العقلاء، وأن ولايته ثابتة على الأنفس فضلًا عن غيرها، وأنه البشير النذير السراج المنير، وأنه لا ينطق عن الهوى، وأنه صاحب الفضل على الأمة، حيث قال في حقه: ﴿وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ﴾، فكل هذه المقامات الشريفة متفرعة على نبوته وولايته ، وليست وصفًا خارجًا عن إطار الرسالة.
الأول: إنّ المخاطَب - سواءً كان ربوبيًا لا يعترف بدين، أو غير مسلم، أو مسلمًا متأثرًا بالفكر القائل بأنّ النبوة كالشعر والمهارة الأدبية - لا يعترف للرسول إلا بالإنسانية، التي تعني عدم القدرة على القراءة والكتابة، وعدم القدرة على إتقان مهارات اللغات بنفسه، ما لم يكتسب ذلك عن طريق التعلم الحسي المادي.
الثاني: بما أننا متفقون مع الطرف المقابل على أنّ الرسول لم يكتسب اللغات ولا مهارة القراءة والكتابة بطريق حسي مادي بحسب معطيات التاريخ، فلنا إلزامه بعدم استناد القرآن لإنشاء الرسول ، لأن إنشاءه يقتضي اطّلاعه المادي الاكتسابي على كتب العهدين، وهو مما ينفيه التاريخ، إما لعدم ترجمتهما للعربية في زمانه، أو لعدم اكتسابه الحسي للغات الأخرى.