الليلة الحادية عشر من شهر محرم الحرام 1445هـ

هل خرجت آية التطهير عن سياق ماقبلها؟

تحرير المحاضرات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [النحل: 89]

صدق الله العلي العظيم

حديثنا انطلاقاً من الآية المباركة في عدة محاور:

  •  أصناف التدبر في القرآن الكريم.
  •  أهمية السياق القرآني.
  •  في سياق آية التطهير.
 المحور الأول: أصناف التدبر في القرآن الكريم.

أمرنا الله تبارك وتعالى بالتدبر في القرآن فقال: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا [النساء: 82] وقال تبارك وتعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد: 24] والتدبر في القرآن عبارة عن التأمل والتفكير بحيث يخرج الإنسان نتيجة التأمل والتفكير بمعانٍ مستخلصة من القرآن الكريم، لذلك التدبر على أصناف أربعة: الأخذ بالظاهر، التفسير، التأويل، والاستبطان.

الصنف الأول: الأخذ بالظاهر.

بمعنى أن الإنسان يتأمل في المعنى العربي المستفاد من الآية، ما هو المعنى الذي يستفيده العرف العربي من الآية هو ما يسمى بالظاهر، مثلاً عندما نقرأ قوله تعالى: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة: 1] نتأمل، العقود هي المعاملات بين طرفين هل أن هذه الآية تشمل العقود المستحدثة في زماننا أم تختص بالعقود المعاصرة لزمن النبي ؟

من العقود في زماننا عقد التأمين: التأمين على الحياة، التأمين على السيارة، هل أن عقد التأمين يدخل ضمن أوفوا بالعقود؟ هل المعاملة عبر الفوركس مثلاً تدخل ضمن العقود؟ هذا التأمل في ظاهر الآية هل يشمل العقود الجديدة أم يختص بالعقود التي عاصرها النبي ؟ هذا صنف من التدبر.

الصنف الثاني: التدبر عبر التفسير.

التفسير عبارة عن كشف القناع كما يعبر الشيخ الطبرسي في كتابه مجمع البيان، كشف القناع يعني أن المعنى غير ظاهر وليس كما الصنف الأول، فنحتاج إلى عملية تفسير للوصول إلى المعنى الحقيقي، مثلاً عندما يقول تبارك وتعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء: 85] المعنى غير ظاهر، لماذا خص الروح بأن تكون من أمر ربي؟ لماذا لا يكون خلق السماوات والأرض والإنسان من أمر الله كما قال تبارك وتعالى ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ [غافر: 57] لماذا السماوات والأرض لم يعبر عنها بأنها من أمر ربي، وعبر عن الروح بانها من أمر ربي؟ لأن المعنى ليس ظاهراً لذلك نحتاج إلى عملية تسمى تفسير وهي أعمق وأدق من الأخذ بالظاهر.

الصنف الثالث: عملية التأويل.

في القسم الأول المعنى ظاهر فنأخذ به، وفي القسم الثاني المعنى غير ظاهر فنحتاج إلى عملية تفسير، وأما في القسم الثالث المعنى ظاهر ولكن مع ذلك لا نستطيع أن نأخذ به فنحتاج إلى عملية التأويل، القرآن الكريم يقول: ﴿مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ [آل عمران: 7] التأويل من الأوْل، والأول هو رجوع الشيء إلى أصله وحقيقته، مثلاً تقول آلت الدار إلى الخراب، الدار كانت أرض ثم صارت بناء ثم رجعت إلى ما كانت فيقال آلت الدار إلى الخراب.

هناك بعض الآيات تحتاج إلى تأويل مثلاً قوله تبارك وتعالى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ [الأنعام: 158] بعض آيات ربك مثل الزلازل والبراكين، تأتي الملائكة للرسل والأنبياء، ولكن كيف يأتي ربك؟ المعنى بحسب العرف العربي واضح أن الله أتى ولكن لا يمكننا أن نأخذ بهذا المعنى، هذا المعنى الظاهر بحسب العرف العربي وإن كان ظاهر وواضح لكن لا يمكن الأخذ به والعقل لا يقبله لأن العقل يقول المجيء من صفات الأجسام والله ليس بجسم حتى يأتي أو لا يأتي، إذن نحتاج إلى عملية تأويل، نحتاج أن نعبر من الظاهر إلى حقيقة خلف الظاهر حتى نقوم بعملية تحديد المعنى عبر التأويل، وهنا يأتي دور الروايات الشريفة التي تقول ﴿أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أي يأتي أمر ربك، كما في قوله تعالى في آية أخرى: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر: 22] أي وجاء أمر ربك.

الصنف الرابع: الاستبطان.

الاستبطان لم يرد في القرآن الإشارة إليه ولكن وردت في الروايات الشريفة الإشارة إلى أن للقرآن بطناً وراء ظهره، موثقة السكوني عن الإمام الصادق قال: قال رسول الله : إذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فإنه شافع مشفع، وهو الفصل وليس بالهزل، له ظهر وبطن، فظاهره حكم وباطنه علم، ظاهره أنيق وباطنه عميق.

عملية الاستبطان بمعنى الوصول إلى بطون القرآن الكريم تعني الإشارة إلى المتعدد، هو لفظ لكن هذا اللفظ فيه صلاحية لأن يتحمل عدة معاني. لفظ ربما يراد منه معنى واحد لكن لهذا المعنى لوازم ومصاديق، وربما لنفس اللفظ عدة مفاهيم. إشارة اللفظ الواحد للمتعدد تسمى بعملية الاستبطان وبطون القرآن.

مثلاً قوله تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ [الحجر: 21] كلمة النزول هنا قد تشير إلى معاني: النزول المادي، النزول الملكوتي، والنزول بمعنى مراتب المشيئة الإلهية.

  • المعنى الأول: هو النزول المادي، قال تبارك وتعالى: ﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ [الحجر: 22] الماء نزل من السماء، هذا نزول مادي.
     
  • المعنى الثاني: نزول ملكوتي وهو خاص بالإنسان، انتقل من عالم إلى عالم، القرآن الكريم يقول: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى [الأعراف: 172] أي أن الإنسان مر بمرحلة أشهد وشهد، كانت كل الأرواح في عالم الذر وذلك العالم هو عالم الشهادة لله بالربوبية، شهدت كل نفس بالربوبية لله ثم نزلت إلى عالم المادة، هذا النزول هو نزول ملكوتي ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ [الحجر: 21]
     
  • المعنى الثالث: مراتب المشيئة، في رواية صحيحة سئل العالم  والعالم في الرواية تارة يراد به الإمام الكاظم ، وتارة يراد به الإمام العسكري   كيف عِلْمُ الله؟ فأجاب: علم وشاء وأراد وقدر وقضى وأمضى، فأمضى ما قضى، وقضى ما قدر، وقدر ما أراد، وأراد ما شاء. إذن المشيئة مرت بمراحل ولها مراتب.

مثلاً وجود الإنسان مر بعدة مراتب يقول القرآن الكريم: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ «12» ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ «13» ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ «14» [المؤمنون: 12 - 14]

أولاً العلم، الله يعلم بالإنسان قبل أن يخلقه، «علم وشاء» ثم جاء دور المشيئة، المشيئة هي إعداد الأسباب، سبب الوجود الإنساني يكون بلقاء الذكر والأنثى، فإذا التقى الذكر والأنثى تمت المشيئة، «علم وشاء وأراد» ثم تأتي مرحلة الإرادة، والإرادة هي تنفيذ الأسباب بعد إعدادها، بعد أن أعدها نفذها عملياً، يعني لقاء الذكر والأنثى نتج عنه أن البويضة تلقحت واستقرت في جدار الرحم وبدأت تمتد في جدار الرحم، أي عبرنا المشيئة إلى الإرادة.

«علم وشاء وأراد وقدر» هذه البويضة الملقحة بعد أن استقرت في جدار الرحم وامتدت وضعت لها أقدار، ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر: 49]، ﴿إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا [الطلاق: 3] ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ [الرعد: 8]، ﴿مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ «18» مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ «19» [عبس: 18 - 19] التقدير وضع الحدود، عقله كذا، طوله كذا، جسمه كذا، مشاكله في الحياة كذا، هو سيكون كذا، كل هذه الأقدار حُددت للنطفة منذ بداية امتدادها وتحركها.

«علم وشاء وأراد وقدر وقضى» كان يمكن لهذه النطفة أن تُجهض وتسقط ولكن كل الموانع في الوجود تم دفعها لكي يكتمل، فالقضاء هو دفع الموانع حتى يتم الوجود، فلا إجهاض ولا سقوط، فمشت من مرحلة إلى مرحلة ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ [المؤمنون: 13] ﴿ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [المؤمنون: 14]

لما جئنا إلى النهاية جاءت مرحلة الإمضاء، انتقل من القضاء إلى الإمضاء ﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [المؤمنون: 14]

هذا التغير والانتقال من مرتبة إلى مرتبة أشارت إليه الآية بالنزول، إذن النزول في الآية له معاني: نزول مادي، نزول ملكوتي، نزول بمعنى تغير مراتب المشيئة.

أيضاً الآية التي افتتحنا بها المحاضرة وهي قوله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ [النحل: 89] هذا اللفظ تبياناً لكل شيء يشير إلى معنيين:

  • المعنى الأول: أن القرآن تبيان لكل شيء بالنسبة للرسول، فالقرآن بالنسبة للرسول غير القرآن بالنسبة لنا، القرآن بالنسبة للرسول تبيان لكل شيء، بينما القرآن بالنسبة للمسلمين هدى ورحمة وبشرى، فالذي علم بكل شيء من خلال القرآن هو الرسول وإنما نحن نأخذ من القرآن الهدى والرحمة والبشرى.
     
  • المعنى الثاني: أن المراد بتبيان كل شيء هو كل شيء من الهداية، أي كل شيء يرتبط بالهداية، يوصل إلى الهداية، يصدر عن الهداية، يحقق الهداية ذكرناه في القرآن، تبيان لكل شيء مما هو في إطار الهداية لأن الله تبارك وتعالى قال في آية أخرى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء: 9]

ربما إنسان يسأل لماذا القرآن هكذا؟ أليس الهدف من القرآن أنه كتاب هداية فلماذا لا يكون القرآن بمعنى واحد كله واضح؟ لماذا فيه تأويل وتفسير واستبطان؟ لماذا لا يكون كل القرآن واضحاً ظاهراً يفهمه الكل؟ ما هو الغرض من أن تكون معاني القرآن معاني متفاوتة بعضها يفهمه الكل وبعضه لا يفهمه إلا البعض؟

أراد الله تبارك وتعالى أن يكون القرآن منسجماً مع مستوى البشرية، وبما أن مستوى البشرية متفاوت وليس بنحو واحد فلكي يكون القرآن منسجماً مع مستوى البشرية كان القرآن متفاوت المعاني؛ لأن المستوى البشري متفاوت في العقلية، وفي القدرة، وفي الثقافة، وفي الفهم، بما أن مستويات البشرية متفاوتة في القدرات العقلية والكفاءات الثقافية جاء القرآن متفاوت المعاني، هنا الإمام أمير المؤمنين علي يقول: نزل الكتاب على أربعة أشياء: على العبارة، والإشارة، واللطائف، والحقائق. فالعبارة للعوام، والإشارة للخواص، واللطائف للأولياء، والحقائق للأنبياء.

إذن القرآن متعدد ومتفاوت المعاني، منه عبارة، منه إشارة، منه لطائف، منه حقائق لذلك ترى أن القرآن يتجدد تفسيره ويتجدد اقتناص المراد منه كلما تجددت مستويات البشر، كلما تطور المستوى العلمي للمجتمع البشري كلما تطور مستوى التفسير للقرآن ويبقى القرآن مواكباً لكل مستوى وكل تطور، مثلاً الإنسان العربي قبل 1400سنة عندما يقرأ قوله تعالى: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [يس: 38] ما كان يفهم معنى تجري، هل تجري الشمس كما يجري الإنسان؟ لماذا لم يقل تتحرك أو تمشي؟ فربما يفهم المعنى أنها تمشي.

كان الإنسان يعتقد أن الشمس هي من تمشي وهو واقف، ثم الإنسان بعد أن اكتشف الحقائق عرف أنه هو الذي يمشي لأن الأرض هي التي تتحرك به، بينما الشمس ليست جسماً طلباً حتى يتحرك الشمس كتلة من الغازات، الشمس كتلة هائلة من الغازات المنبعثة عن انفجارات نووية في عمق هذه الكتلة، والمناسب لهذه الكتلة الجريان كما يجري الزيت على الأرض، ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا إذن تعبير الجريان يناسب حقيقة جسم الشمس وحقيقة عيان الشمس ولا يناسب مثل الأرض والقمر مما هو جسم صلب.

 المحور الثاني: أهمية السياق القرآني.

بما أننا تحدثنا عن أصناف التدبر وذكرنا أن من أصناف التدبر الأخذ بالظاهر، ومن ظاهر القرآن سياق القرآن، لذلك نحن نتحدث في المحور الثاني عن سياق القرآن، فإن الأخذ بالسياق أخذ بالظاهر، ظاهر القرآن، والسياق هو الربط بين مدلولين في محور واحد بحيث ينتج هذا الربط الدلالة على معنى جديد.

والسياق صنفان: سياق مجموعي، وسياق أفرادي.

الصنف الأول: السياق المجموعي.

السياق المجموعي هو عبارة عن الجمع بين آيتين، هما آيتان منفصلتان كل منهما في سورة، منفصلتان زماناً ومنفصلتان سورة لكن نجمع بينهما، الجمع بين آيتين هو عبارة عن سياق مجموعي، ربط مدلول بمدلول في محور واحد ينتج لنا معنى جديداً، هذا السياق المجموعي له ثلاثة أمثلة:

المثال الأول: الجمع بين المطلق والمقيد، أو الجمع بين العام والخاص، مثلاً عندنا رد المجمل للمبين قال تبارك وتعالى: ﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ [المائدة: 1] لم يبين ما يتلى عليكم ولكن بينتها فيه آية أخرى مستقلة ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ [المائدة: 3] فالجمع بين الآيتين بين آية مجملة عامة وبين آية مبينة مفصلة هذا يسمى سياق مجموعي.

المثال الثاني: رد المتشابه إلى المحكم، قال تعالى: ﴿مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ [آل عمران: 7] الآية المتشابهة هي الآية الغامضة في معناها ولكي يتضح معناها يُجمع بينها وبين آية محكمة، مثلاً الآيات التي توهم الجبر، عندما نقرأ قوله تعالى: ﴿يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [النحل: 93] آية متشابهة توهم الجبر، أننا مجبورون على الهداية والضلال لأن الله هو الذي يضلنا وهو الذي يهدينا، وفي آية أخرى: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ [الأنعام: 125] آية محكمة، فالآيات المتشابهة حتى يتضح معناها نردها لآيات محكمة.

وكما في قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [الصف: 5] أي أن الزيغ يبدأ من الإنسان وليس من الله، هو يزيغ باختياره فيغلق على نفسه أبواب الهداية.

وقال تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد: 11] يغيروا ما بأنفسهم باختيارهم وإرادتهم، إذن الجمع بين الآيتين هو الذي أوضح لنا المعنى ولذلك يقولون القرآن بعضه قرينة على البعض الآخر.

المثال الثالث: بيان الحد من خلال الجمع بين آيتين، وأذكر مثالين لهذا:

  • في تفسير الصافي[1] ، سئل الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ما هو أقل الحمل؟ قال: ستة أشهر. قالوا من أين علمت؟ قال: من آيتين من القرآن. قالوا: وما هما؟ قال: الآية الأولى قوله: ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا [الأحقاف: 15] والآية الأخرى قوله تعالى: ﴿وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ [لقمان: 14] فإذا أسقطنا عامين من ثلاثين شهراً سيكون الباقي ستة أشهر.
     
  • سئل الإمام الجواد ما هو حد القطع في السرقة؟ قال: مفصل الأصابع. قالوا: لم؟ قال: من الجمع بين آيتين، قال تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [المائدة: 38] وجاءت آية أخرى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن: 18] المساجد جمع مسجَد والمسجَد هو ما يُسجد به، وهي أعضاء السجود التي يسجد بها الإنسان على الأرض، ما يسجد به على الأرض يسمى مسجَد وجمعه مساجد، ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا والمسجَد من اليد هو باطن اليد، الإنسان يضع باطن اليد على الأرض، وبما أن المسجَد هو الباطن والمسجَد لله وما كان لله فلا يقطع إذن حد القطع هو مفصل الأصابع، فالإمام الجواد استفاد ذلك وفسر آية بآية أخرى.

الصنف الثاني: السياق الأفرادي.

ويعني أن تأتي عدة مدلولات لموضوع واحد إما في سورة أو في آية واحدة، في سورة مثل قوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ «1» الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ «2» وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ «3» وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ «4» وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ «5» [المؤمنون: 1 - 5] كلها آيات تتحدث عن موضوع واحد وهو المؤمنون، عدة مداليل ترجع لموضوع واحد، هذا يسمى سياق أفرادي.

أو في آية واحدة كما في آية الكرسي ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة: 255] كل هذه المداليل ترجع إلى موضوع واحد وهو الله، وهذا يسمى السياق الأفرادي.

 المحور الثالث: في سياق آية التطهير.

بعد أن عرفنا أن السياق القرآني يؤخذ به لأن السياق القرآني نوع من الظهور والظهور حجة، وكل العقلاء يأخذون بظاهر الكلام ويرتبون الأثر عليه وما يعمل به العقلاء فهو حجة، فالأخذ بالظاهر حجة والسياق من الظهور إذن السياق حجة.

إذا كان السياق حجة لماذا الإمامية لا يعملون بالسياق؟ الإمامية يحتجون بآيات على خلاف السياق، والمثال الواضح آية التطهير فإن الإمامية يفسرون آية التطهير بالخمسة وهم محمد وعلي وفاطمة وحسن وحسين بينما السياق يتحدث عن نساء النبي فالإمامية خالفوا السياق، السياق يتحدث عن نساء النبي يقول: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا «32» وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا «33» [الأحزاب: 32 - 33] ومن ثم يرجع لنساء النبي ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا «34» [الأحزاب: 34] السياق من قبل يتحدث عن نساء النبي، ومن بعد يتحدث عن نساء النبي إذن في وسط الآيات المفروض أنه يتحدث عن نساء النبي أيضاً! إذا كان السياق حجة كما يقول علماء الإمامية فلماذا لا يأخذون بالسياق في آية التطهير ويقولون أن المراد بآية التطهير جماعة أخرى وهم الخمسة الأشباح، على الأقل يقولون بأن الآية تشمل الخمسة وتشمل نساء النبي، ولكنهم يقولون آية التطهير لا تشمل نساء النبي أليس هذا ضرباً للسياق ومخالفة له؟

الجواب: آية التطهير تحتاج بحوث وأنا أذكر لك فقط ثلاثة أجوبة سريعة:

الجواب الأول:

معنى الآية وهو آية التطهير هو معنى يفرض أن يراد بأهل البيت غير نساء النبي، المعنى يفرض علينا أن نجعل المراد بأهل البيت ما لا يشمل نساء النبي، وهذا المعنى جاءنا من عدة ألفاظ وهي «إنما» و«أهل البيت»، و«يذهب عنكم الرجس»، كلها لا تجتمع مع النبي.

اللفظ الأول: «إنما» في اللغة العربية للدلالة على الحصر، «إنما أريد منكم أن تستمعوا للمحاضرة» إذن أنا حصرت الإرادة في استماع المحاضرة، ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ظاهر الآية أنه أراد حصر المراد في فئة معينة وهم أهل البيت، فظاهر الآية أن ما بعد «إنما» حصر المراد في موضوع وفئة معينة وهم أهل البيت فما هو المعنى الذي ينحصر في أهل البيت؟

إذا رجعنا إلى نساء النبي فلا شيء ينحصر في نساء النبي، ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ [الأحزاب: 32] التكاليف لا تخضعن بالقول تكليف عام لا يختص بنساء النبي، ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأحزاب: 33] كلها تكاليف عامة لا تختص بنساء النبي، كل الأوامر التي جاءت قبل آية التطهير هي آيات عامة وتكاليف عامة لا تختص بفئة دون فئة، بينما ما بعد إنما في آية التطهير يدل على أن هناك معنى ينحصر في أهل البيت فلو فسرنا أهل البيت بنساء النبي لا يوجد معنى ينحصر في نساء النبي، كل التكاليف التي أُمر بها نساء النبي هي تكاليف عامة، إذن هناك معنى ثانٍ.

اللفظ الثاني: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا «33» هذا لا معنى له إلا العصمة، وهو إذهاب الرجس كله الذي يقترن بالتطهير التام، وهذا لا ينطبق إلا على العصمة، لا على التقوى ولا على الإيمان ولا على التدين. إذهاب الرجس المقترن بالتطهير التام لا ينطبق إلا على العصمة، فإذن آية التطهير تتحدث عن عصمة، فلو كانت تعني نساء النبي أو تشملهم لكان ذلك يعني أن نساء النبي معصومات ولم يقل أحد من المسلمين بعصمة امرأة من نساء النبي قط، فإذا كانت آية التطهير تدل على العصمة والعصمة لا تنطبق على نساء النبي فنحن نضطر أن نقول أن أهل البيت غير نساء النبي.

اللفظ الثالث: أهل البيت. فرق بين أهل الرجل وأهل بيته، أهل البيت من يجمعك معهم لحمة النسب وأهلك هي زوجتك، الزوجة ليست من أهل البيت، ولذلك يقول القرآن عن الزوجة أهله ولم يطلق عليها أهل بيته إلا في موضع واحدة وهي سارة زوجة إبراهيم، عبر عنها بأهل البيت لأن سارة كانت مع إبراهيم من جد واحد. أهل بيت الرجل هم أبناؤه وأما زوجته فهي أهله.

اللفظ الرابع: الضمير، كان الضمير ضمير النسوة، ثم تغير لضمير العقلاء المذكرين.

فإذن اجتمعت عدة ألفاظ فرضت أن يكون معنى آية التطهير خارج عن السياق، أي لا يشمل نساء النبي، فكلمة «إنما» تدل على الحصر ولا يوجد معنى ينحصر في نساء النبي، كلمة «يذهب عنكم الرجس ويطهركم» تدل على العصمة والعصمة لا تنطبق على نساء النبي، كلمة «أهل البيت» لا تشمل الزوجة، الضمير نفسه يخاطب فيه الجمع المذكر.

الجواب الثاني:

من أساليب البلاغة في القرآن الالتفات على نحو الإضراب، تتحدث في معنى وتنتقل إلى معنى ثاني ومن ثم تعود إلى المعنى الأول مرة ثانية، مثلاً أنا الآن أتحدث معكم عن تفسير آية التطهير فجأة أقول إياكم والغيبة فإن الغيبة من المحرمات ومن ثم أرجع إلى آية التطهير.

ذكرت في الليالي السابقة الحديث عن عزاء الشور وصارت هناك أسئلة كثيرة عنه، الشور نوعان نوع لا إشكال فيه وهو عبارة عن العزاء السريع جداً، العزاء السريع بمعنى الضرب السريع وذكر لفظ الإمام الحسين بنحو التكرار السريع لا إشكال فيه، الإشكال فيما يعرض على بعض القنوات ومما يضم إلى هذه السرعة في اللطم واللفظ، نغمة معينة وحركة تشبه حركة الصوفية في حركاتهم، وعندما أقول فيه إشكال ليس تحكيم لذوقي الشخصي، بل سألت ستة وأربعين شخصاً من المؤمنين المتثبتين عن رأيهم بعزاء الشور من خلال مقطع لمجلس يقام فيه عزاء الشور، فقالوا هذه الصورة التي نراها تناسب مجالس اللهو.

فنحن لسنا نحارب العزاء أو نقدح المعزين، حتى الذين يعزون في عزاء الشور هم لا يقصدون ارتكاب محرم أو التشبه بمجالس اللهو، هم جاؤوا لعزاء الحسين ولرفع راية الحسين وأهدافهم نبيلة ونحن نحثهم على مواصلة العزاء لأجل الحسين وتحقيق هذا الهدف النبيل وإنما نرجو منهم أن يزيلوا بعض هذه الأمور ويبقى العزاء كما هو من دون حاجة إلى هذه النغمة وهذه الحركة الخاصة ويكون العزاء فاعلا هادفاً يؤتي ثماره إن شاء الله تعالى.

هذا أيضاً التفات على نحو الإضراب، كنت أتحدث بموضوع ومن ثم فاجأت المستمعين بالحديث عن موضوع آخر ورجعت للموضوع الأول.

يقول أهل البلاغة لو ذكرت هذا الموضوع ضمن سياق آخر لما كان يجلب الانتباه، لكن عندما تخترق السياق وتخرج لموضوع وترجع مرة أخرى يكون ما ذكرته في الوسط أكثر رسوخاً في أذهان الناس لأنه يجلب انتباههم ويجعلهم منصتين.

فالالتفات على نحو الإضراب أكثر جذباً للانتباه وأكثر ترسيخاً للمعنى من هنا استخدم القرآن الالتفات على نحو الإضراب في أكثر من ثمانية عشر موضعاً، مثلاً في سورة القيامة يقول: ﴿يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ «6» فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ «7» وَخَسَفَ الْقَمَرُ «8» وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ «9» يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ «10» كَلَّا لَا وَزَرَ «11» إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ «12» يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ «13» بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ «14» وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ «15» [القيامة: 6 - 15] كل هذه الآيات تتكلم عن يوم القيامة، ومن ثم تغير السياق ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ «16» إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ «17» فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ «18» ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ «19» [القيامة: 16 - 19] انتقل بشكل مفاجئ للحديث عن القرآن الكريم، ومن ثم يعود للحديث عن يوم القيامة ﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ «19» كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ «20» وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ «21» وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ «22» إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ «23» [القيامة: 19 - 23]

نفس الصور موجودة في آية التطهير تحدث عن نساء النبي، ثم تحدث عن المعصومين ثم رجع للحديث عن نساء النبي، وكأنه يريد أن يقول نحن نقول ذلك ونصرّ عليه لأن لكم ارتباط بأهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.

الجواب الثالث:

حتى لو قلنا بحجية السياق وقرينية السياق علماء البلاغة يقولون هناك قرينة عامة وهناك قرينة خاصة، ولا يؤخذ بالقرينة العامة مع وجود القرينة الخاصة، السياق قرينة لكنه قرينة عامة، والقرينة الخاصة هي مناسبة النزول، والقرينة الخاصة تقدم على القرينة العامة وإلا لو لم نأخذ بمناسبات النزول في القرآن للزم ترك تفسير القرآن في كثير من آياته، وهنا يقول السيد عبد الحسين شرف الدين قدس سره صاحب كتاب المراجعات يقول: وردت هذه الرواية في سبعين رواية، ومن أربعين طريق، بعضها من الصحابة كأم سلمة، عائشة، ابن عباس، أبي سعيد الخدري، ثوبان. ومن أهل البيت وردت عن الإمام علي، والسجاد، والباقر، والصادق، والكاظم والرضا . سبعين رواية تتحدث عن مناسبة واحدة كيف لا يؤخذ بها! وهذه المناسبة أن الرسول اشتمل بالكساء على محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامتي، لحمهم لحمي، ودمهم دمي.

وفي رواية جاءت أم سلمة وقالت: أأنا معكم يا رسول الله؟ قال: إنما أنتِ على خير. فبعد أن وردت الروايات في تفسير الآية بالخمسة الأطهار دون غيرهم لابد أن نأخذ بالقرينة الخاصة ونرفع اليد عن القرينة العامة، ولذلك أيضاً أهل البيت أكدوا على هذه الوصلة والعلقة بهذه الشجرة المباركة ألا وهي شجرة العصمة، شجرة أهل البيت، أهل البيت دائماً يؤكدون الانتساب إلى هذه الشجرة المباركة، ولهذا تجد أحدهم يقول انسبوني من أنا ثم ارجعوا إلى أنفسكم فحاسبوها، هل يحل لكم قتلي؟

[1]  الجزء الخامس/ ص14