ليلة 21 من شهر محرم الحرام 1445هـ

التفسير الفلسفي العلمي للقرآن في الميزان

تحرير المحاضرات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [النحل: 89]

صدق الله العلي العظيم

انطلاقاً من الآية المباركة نتحدث في محورين:

  •  ألوان تفسير القرآن الكريم.
  •  مضامين التدبر في القرآن الكريم.
 المحور الأول: ألوان تفسير القرآن الكريم.

هناك فرق بين الاستظهار والتفسير، الاستظهار هو عبارة عن العمل بظاهر اللفظ بحسب العرف العربي، ما يفهمه العرف العربي من اللفظ القرآني يُعتمد عليه ويسمى بالاستظهار، عندما نقرأ قوله تعالى: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ «1» وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا «2» فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا «3» [النصر: 1 - 3] آية واضحة بحسب الفهم العربي العام.

أو عندما يقول تبارك وتعالى: ﴿قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة: 275] آية واضحة عند العرف العربي.

فالآية الواضحة الظاهرة بحسب العرف العربي في معناها يؤخذ بظاهرها وهذا ما يسمى بعملية الاستظهار، أما عملية التفسير فهي أعمق وأدق من الأخذ بالظاهر، التفسير هو عبارة عن تحديد المعنى الواقعي للآية وليس مجرد الاستناد إلى ظاهر لفظ الآية، وإنما محاولة البحث عن المعنى الواقعي الحقيقي وراء اللفظ، وراء الظاهر، من هنا عملية التفسير عملية تحتاج إلى أدوات، وتحتاج إلى إعمال دقة عقلية حتى يصل الإنسان إلى تحديد المعنى المراد وراء ظاهر لفظ الآية، وهناك عدة ألوان وأقسام للتفسير: التفسير اللغوي، التفسير التاريخي، التفسير الفلسفي، والتفسير العلمي.

 القسم الأول: التفسير اللغوي.

تحديد المعنى للآية المباركة من خلال بعض الرموز والإشارات اللغوية في لفظ الآية، مثلاً زرارة بن أعين أحد أصحاب الإمام الصادق كان من أهل السنة والجماعة ثم تشيع وصار من أقرب أصحاب الإمام الصادق ومن فقهاء الإمامية، زرارة بن أعين سأل الإمام الصادق: من أين علمت أن المسح ببعض الرأس؟ قال له الإمام: لمكان الباء، إن الله تعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة: 6] فعلمنا أن الوجه يغسل كله، ﴿وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة: 6] لو لم يقل إلى المرافق لغسلنا اليد كلها من الكتف إلى الأصابع، ولكنه قال إلى المرافق، ثم قال: ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ [المائدة: 6] ولو كان يريد مسح الرأس كله لقال وامسحوا رؤوسكم كما قال فاغسلوا وجوهكم، وإنما قال وامسحوا برؤوسكم فدلت الباء على التبعيض، دلت الباء على أن محل المسح بعض الرأس وليس تمامه.

هذا تفسير لغوي بالاعتماد على إشارة لغوية في الآية المباركة.

ويقول الله تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ [التوبة: 61] المنافقون يسمون الرسول بالأذن، والأذن هو الذي يصدق كل ما يقال له، ﴿قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ [التوبة: 61] جاء عبد الله بن أبي سلول أحد المنافقين إلى النبي فقال له النبي : أخبرني الله أنك تظهر الإسلام ولكنك تبطن الكفر. قال: هذا اشتباه ومن أخبرك كلامه غير صحيح فأنا على الإسلام ظاهراً وباطناً. فأظهر له الرسول أنه قَبِل كلامه وصدق بما قال، فلما خرج من عند النبي قال: إن محمد أذن يخبره الله بشيء ويصدق، ثم أخبره بشيء آخر ويصدق، هو مجرد أذن. فنزلت هذه الآية المباركة: ﴿وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ [التوبة: 61] لاحظ اختلف الحرف، لما ذكر الله استخدم الباء، ولكن لما جاء إلى المؤمنين استخدم اللام، فرق بين التعديتين والحرفين، في حق الله استخدم الباء للإشارة إلى أن إيمانه بالله هو إيمان حقيقي واقعي، الباء تدل على التعدية الحقيقية أي إن إيمانه بالله إيمان حقيقي، أما إيمانه بالنسبة للمؤمنين فهو إيمان ظاهري وليس إيمان واقعي أي يظهر للمؤمنين أنه صدقهم، يظهر للمؤمنين أنه قبل كلامهم لا أن هناك تصديقاً واقعياً بكلام المؤمنين ففرق بين التصديقين، تصديقه بالله واقعي، وتصديقه للمؤمنين ظاهري لكنه يعتمد على وحي الله واقعاً، فهذا التصديق الظاهري استخدم فيه اللام. إذن اختلاف التعبير يعني اختلاف المعنى للإيمان.

 القسم الثاني: التفسير التاريخي.

هذا التفسير لبيان مناسبة النزول، لو لا بيان مناسبة النزول لم يتضح من هو المقصود بالآية المباركة، مثلاً عندما يقول تبارك وتعالى: ﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ [الأحزاب: 37] هذا الرجل هو زيد بن حارثة الذي رباه النبي وكان متزوجاً من زينب بنت جحش، وهي قرشية وزيد بن حارثة من الموالي ولم يكن هناك تكافؤ في المستوى الاجتماعي، كان بينهما دائماً مشاكل وخلافات، وكان زيد يشكو إلى النبي أوضاعه مع زوجته زينب والنبي يصبره مع أن النبي يعلم أنه سيأتي يوم من الأيام وستصبح فيه زينب هذه زوجة له وهذا ما حدث بعد ذلك. لو لا وجود الرواية التاريخية التي شرحت الآية لم يتضح معنى الآية ومن هو المقصود بالآية، هذا تفسير تاريخي للآية المباركة.

أو عندما نأتي لقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ [المائدة: 55] نحتاج إلى الرواية التاريخية والتفسير التاريخي الذي يرشدنا من المقصود ومن هذا الرجل والولي، تأتينا الرواية التاريخية عن أبي ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه: سمعت بهاتين وإلا صمتا ورأيت بهاتين وإلا عميتا رسول الله وهو يقول: علي قائد البررة، علي قاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله، وذلك أن سائل أتى مسجد رسول الله ولم يكن عند الرسول ما يعطيه فأومأ إليه علي بخنصره وهو راكع وكان في خنصره خاتم له، فأخذه الفقير من يد الإمام علي وباعه واشترى بثمنه طعام له، فنزل قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ [المائدة: 55]

 القسم الثالث: التفسير الموضوعي.

عدة من العلماء قسّم التفسير إلى تفسير موضوعي وتفسير تجزيئي، السيد الطباطبائي صاحب الميزان قدس سره، والسيد الشهيد السيد محمد باقر الصدر قدس سره قسما التفسير إلى تفسير موضوعي وتفسير تجزيئي.

التفسير التجزيئي هو تفسير كل آية باستقلالها، لكن التفسير الموضوعي أن تجمع الآيات المتعلقة بمحور معين وموضوع معين ليستفاد منها مضامين لا تستفاد من التفسير التجزيئي، مثلاً عندما يتحدث القرآن عن النفس ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ [الأعراف: 189] من هي النفس؟ ما هي أقسام النفس؟

التفسير الموضوعي هو أن تجمع كل الآيات المتحدثة عن النفس، لأنك إذا جمعت كل الآيات التي تتحدث عن النفس ستكتشف حقيقة النفس وأقسامها، فمن جهة يقول: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا «7» فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا «8» [الشمس: 7 - 8] علمنا أن النفس هي نفس ملهمة للفجور والتقوى.

من جهة أخرى يقول: ﴿وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ [القيامة: 2] إذن هناك قوة من قوى النفس تسمى بالنفس اللوامة، المعبر عنها بالضمير.

وفي آية أخرى يقول: ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ [يوسف: 53] وعلمنا أن هناك قوة ثالثة من قوى النفس وهي القوة الأمارة التي تلح على الإنسان بإشباع حاجاتها.

وعندما يقول تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ «27» ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً «28» [الفجر: 27 - 28] نعلم أن هناك قوة رابعة للنفس وهي أعلى القوى وأسماها، وهي التي توصل الإنسان بربه ألا وهي قوة الاطمئنان والارتباط بالله عز وجل.

إذن عندما تجمع الآيات حول محور معين ألا وهو النفس تستفيد معنى النفس وقوى النفس وأقسام النفس من خلال ما يسمى بالتفسير الموضوعي.

جيء بامرأة ولدت لستة أشهر إلى الخليفة الثاني قيل له إن في هذه المرأة شبهة الزنا لأنه ما مر على زواجها إلا ستة أشهر فكيف ولدت ولداً تاماً سوياً، إلى أن التجئ إلى الإمام علي قال لا يوجد زنا وولدها شرعي وحملها صحيح ولا توجد شائبة للزنا. قالوا: كيف؟ قال: من آيتين من كتاب الله قوله تعالى: ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا [الأحقاف: 15] وفي آية أخرى قال: ﴿وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ [لقمان: 14] فإذا أسقطت العامين من ثلاثين شهر تبقى مدة الحمل ستة أشهر، إذن القرآن بنفسه يدل على أن مدة الحمل هي ستة أشهر وبالتالي لا يوجد أي شائبة زنا في البين.

الإمام الجواد أيضاً طُرح عليه نفس السؤال بحضرة المأمون العباسي من أين تقطع يد السارق؟ قال: من أصول الأصابع. قال له: من أين عرفت ذلك؟ قال: من كتاب الله. قال: من أين من كتاب الله؟ قال: من الجمع بين آيتين، في آية قال: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [المائدة: 38] وقال في آية أخرى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن: 18] المساجد جمع مسجَد، والمسجَد ما يُسجد عليه، كل عضو يُسجَد عليه أثناء السجود هو مسجَد، والمسجد لله، وما كان لله فلا يقطع، الإنسان إذا سجد أثناء الصلاة يسجد على باطن الكف فباطن الكف مسجَد والمسجد لله وما كان لله فلا يقطع إذن باطن الكف لا يقطع، والذي يقطع هو أصول الأصابع.

هاتان الروايتان كلاهما من نوع التفسير الموضوعي، تجعل آية قرينة على آية أخرى، آية تكون شاهد على معنى آية أخرى.

 القسم الرابع: التفسير الفلسفي.

وهو الاعتماد على بعض المسلمات في مجال الفلسفة، وهذا منهج سلكه السيد صاحب الميزان السيد الطباطبائي في كتابه الميزان في تفسير القرآن، طبعاً لا يوافقه كثير من علمائنا المفسرين لأنهم يعتبرونه تفسيرا في إطار علم بشري خاص وليس تفسير على طبق اللغة وعلى طبق العرف العربي.

مثلاً عندما نأتي لقوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء: 85] لماذا قال القرآن أن الروح من أمر ربي ولم يقل من خلق ربي؟ أليست الروح مخلوقة؟ يأتي هنا التفسير الفلسفي يقول: هناك فرق بين الخلق وبين الأمر، هذا الوجود قائم على عالمين: عالم الخلق وعالم الأمر. وفرق بينهما، القرآن الكريم يقول: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ [الأعراف: 54] والفرق بينهما أن الخلق هو الذي يعتمد على مادة ومدة، أي أن الموجود لا يوجد إلا ضمن مادة وضمن زمن، كل موجود يحتاج إلى عنصرين: مادة وزمن يسمى خلق، مثل جسم الإنسان حتى يوجد يحتاج إلى مادة ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ «12» ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ «13» [المؤمنون: 12 - 13] جاء الإنسان من مادة وزمن، مر بزمن معين حتى اكتمل جسده ولو لستة أشهر، إذن كل ما يعتمد وجوده على مدة ومادة فهو خلق.

أما ما يعتمد وجوده على الإيجاد اللحظي الدفعي بدون مادة ولا مدة فهو أمر، هناك موجودات أبدعت بلا مادة ولا مدة، ولم تمر بهذين العنصرين أبداً، هذا الموجود الذي يوجد بلا مادة ولا مدة يسمى موجود أمري وليس موجود خلقي، لأن الله تعالى يقول: ﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ [القمر: 50] هذا الموجود الذي يوجد دفعة ولحظة بدون مدة وبدون مادة هو الموجود الأمري ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس: 82]

إذن قسم من الموجودات هي خلق وجاءت عبر عنصري المادة والزمن، وقسم من المخلوقات جاءت أمر وليست خلق، جاءت بلا عنصري الزمن والمادة مثل الروح، الروح تختلف عن الجسد، الروح من عالم الأمر بلا مدة ولا مادة، والجسد من عالم الخلق يعني بمدة ومادة لذلك قال: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء: 85]

وقال في آية أخرى: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ «51» وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ «52» [الشورى: 51 - 52] هذه الواسطة الملكوتية بين الرسول وبين الله هي وجود ليس من عالم الخلق وإنما هي وجود من عالم الأمر، وجود لا يخضع لمادة ولا لزمن.

القسم الخامس: التفسير العلمي.

القرآن الكريم كتاب هداية وليس كتاب في علم الفلك، ولا هو كتاب في علم الفلسفة، ولا هو كتاب في علم الفيزياء، ولا هو كتاب في علم النفس أو علم الاجتماع، هو كتاب هداية، يقول القرآن الكريم عن نفسه: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة: 2]

ويقول: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء: 9]

هو كتاب هداية لكن الوصول إلى الهداية يحتاج إلى أساليب متعددة، القرآن استخدم كل الأساليب التي توصل الإنسان إلى الهداية ومنها الأسلوب القصصي، ذكر قصة الإنسانية من يوم آدم إلى يوم النبي محمد قال: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ [يوسف: 111]

إذن استخدم القرآن الأسلوب القصصي لغرض الوصول إلى الهداية وإلى العبرة.

واستخدم القرآن أسلوب التشريع، مادة لائحة تشريعية طرحها القرآن الكريم: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة: 43]، ﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ [النساء: 11]، ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ [النساء: 34] لائحة تشريعية، أيضاً هي أسلوب آخر وطريق من طرق الهداية.

والأسلوب الثالث هو الموعظة، القرآن يذكر بعض المواعظ بالنسبة إلى الإنسان لكي يتعظ بها ويصل إلى درب الهداية ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ [النساء: 56]، ﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم: 6]

ومن الأساليب التي سلكها القرآن في سبيل الإيصال إلى الهداية إشارة القرآن لحقائق علمية، وهذا ما نسميه بالتفسير العلمي للقرآن الكريم، بمعنى دلالة بعض الآيات على حقائق كونية لم يهتدٍ إليها الإنسان ولم يصل إليها إلا بعد مئات السنين من نزول القرآن الكريم، مثلاً قوله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ [فصلت: 11] العربي في زمن النبي يظن أن الدخان هو الذي ينتج عن النار، وأن السماء كانت هكذا. بعد مئات السنين يأتي موريس بوكاي وهو متخصص في علم الفلك ولاهوتي يقول في كتابه «القرآن والتوراة والإنجيل»: بالمقارنة اكتشفت أن أنباء القرآن عن الكون أنباء علمية حقيقية، في التوراة والإنجيل يركز على أن أصل الوجود هو الماء، بينما القرآن يركز على أن مادة الوجود هي الكتلة الغازية، العلم اكتشف أن بعد الانفجار الكبير الذي حصل بناء على هذه النظرية السماء هي كتلة غازية، هالة غازية تتضمن أجسام نارية صلبة وإلا هي هالة غازية، ولذلك كوزان مدير المرصد الفلكي في طوكيو يقول: السفن الفضائية اكتشفت أن بعض النجوم ما زالت هالة غازية إلى اليوم مما يرشد إلى أن أول ظاهرة انبثق عنها الوجود أنه كان كتلة غازية، ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ [فصلت: 11]

صحيح القرآن عبر بالماء، ولكن عبر بالماء كأصل للحياة وليس أصلاً للوجود، أصل الوجود يعني ما انبثق عن الانفجار، وأما أصل الحياة يعني أول مصدر للحياة على الأرض هو الماء، ففرق بين أصل الوجود وأصل الحياة لذلك قال تبارك وتعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ [الأنبياء: 30] بعد ما استقلت الأرض عن السماء وأصبحت مؤهلة للحياة جعلنا من الماء كل شيء حي.

مثال آخر: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا [الفرقان: 53] ما كان في المجتمع العربي آنذاك من له القدرة على اكتشاف هذه الحقيقة في عمق البحار أن هناك ماء عذب وماء مالح وبين الماءين خط وهمي لا يبغي أحدهما على الآخر ولا يختلط أحدهما بالآخر، وبعد مئات السنين اكتُشف أنه في أعماق المحيطات هناك ماء عذب وماء مالح ولا يختلط أحدهما بالآخر.

وفي آية أخرى: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ «19» بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ «20» فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ «21» يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ «22» [الرحمن: 19 - 22] الرازي في تفسيره الكبير يقول: إن البحارة يقولون لا يوجد لؤلؤ ومرجان في الماء الحلو وإنما يخرج من الماء المالح فقط، كأنما شبهة حول القرآن الكريم، وبعد أن انطوى الزمان اكتشف العلم أنه لا فرق بين الماء العذب والماء المالح في أن كليهما ينبت فيهما هذه النفائس ألا وهي اللؤلؤ والمرجان والألماس، لا فرق بين البحر المالح والبحر العذب من هذه الناحية.

وقوله تعالى: ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ [النساء: 56] هنا يأتي التفسير العلمي إذا راجعت كتاب براهين النبوة للدكتور سامي عامري ينقل عن مجلة الإعجاز العدد الرابع مقالاً بعنوان الإعجاز بعيونهم، في هذا المقال ينقل عن بروفيسور صيني وهو تيجانس في مدينة شنغماي وهو عميد كلية الطب في هذه المدينة يقول: ثبت علمياً أن الحروق الكبيرة عندما تأكل اللحم وتصل إلى العظم لا يشعر الإنسان بالألم، أي أن مركز الألم هو الجلد، بدون الجلد لا يشعر الإنسان بالألم، فحتى يشعر بالألم ويتذوق الألم يحتاج إلى أن يستعيد الجلد حياته فيعود مرة أخرى، كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها حتى يتألموا ويذوقوا العذاب، هذا هو التفسير العلمي للقرآن الكريم.

بالطبع التفسير العلمي للقرآن الكريم يحتاج إلى عدة شروط:

  1. الشرط الأول: أن تكون دلالة الآية دلالة واضحة لا غبار عليها، مثلاً فسّر بعض المفسرين هذه الآية ﴿رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا [الرعد: 2] أن هناك أعمدة غير مرئية وقالوا هذه إشارة إلى قوة الجاذبية والقوة المضادة، لو لا القوة الجاذبية لتبعثر الكون، كل المجموعة الشمسية تصير مبعثرة لا يوجد جاذبية ولو لا القوة المضادة لارتطم الكون بعضه ببعض، إذن قامت السماوات بما فيها على عمادين قوة الجاذبية والقوة المضادة. 

    وهذا التفسير يحتاج وضوحاً حتى نقول بأن هذا تفسير علمي للقرآن الكريم، صحيح هي حقيقة علمية لكن لا دلالة واضحة في الآية على هذه الحقيقة العلمية.
     
  2. الشرط الثاني: أن تكون المادة العلمية حقيقة وليست مجرد نظرية، لا يصح تفسير القرآن بنظريات لأن النظريات قابلة للتغير والتبدل، فإذا تغيرت فتفسير القرآن بها يوجِدُ طعناً إما في التفسير أو في القرآن نفسه، لابد في التفسير العلمي أن يكون على حقيقة علمية ثابتة مصدق بها، مثلاً عندما نقرأ قوله تعالى: ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ [الذاريات: 47]

    يأتي التفسير العلمي فيقول هابل في نظريته أن الفضاء يتمدد في كل لحظة بسرعة الضوء فإذن هذه الآية تشير إلى هذه النظرية، ولكن هي ما زالت نظرية فلا نستطيع أن نعتبرها تفسير للآية المباركة، الاحتمال موجود ولكنها ليست تفسير لأنها ما زالت نظرية.
     
  3. الشرط الثالث: أن لا تكون الحقيقة معلومة من زمان النبي لأنها إذا كانت حقيقة منذ زمان النبي ما بقي للتفسير العلمي مجال لأنه شيء معلوم من الأول، ذكر أحد فقهائنا الكبار قدس سره في تفسيره أن هذه الآية القرآنية وهي قوله تعالى: ﴿وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ [الحجر: 19] قال هي تدل على الإعجاز العلمي للقرآن لأن هذه الآية تدل على أن لكل نبت وزن حتى لو كان ذرة من مليون ذرة من القطن مثلاً، هذا شيء ثبت علمياً لكنه ثابت منذ زمان النبي، أي كان من المعلومات العربية المعروفة آنذاك أن لكل نبت وزن، فالآية عندما نزلت جاءت على معنى واضح لدى العربي آنذاك.
 المحور الثاني: في مضامين التدبر في القرآن الكريم.

القرآن الكريم يقول: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا [النساء: 82] التدبر يعني اكتشاف دبر الآية، اكتشاف ما وراء اللفظ، أخذُ اللفظ نفسه ليس تدبراً بل استظهار، وأما التدبر فهو أن تطلب ما في دبر الآية، أي ما وراء اللفظ وما وراء المعنى الظاهر، خصوصاً التدبر الذي يقود إلى الموعظة والعبرة والارتباط بالله تبارك وتعالى، ومن هذه الآيات قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [الأنعام: 94] الآية المباركة تشير إلى حقيقة أننا خلقنا مرتين، مرة خلقنا فرادى ومرة خلقنا من أب وأم.

جئتمونا فرادى كما خلقنا أول مرة فرادى، كنتم في عالم الذر أرواح تسبح الله وتقدسه، لم يكن لكم عشيرة ولا أهل ولا أولاد ولا أب ولا أم، كنتم فرادى، أنتم بعد الموت عندما يأتي ملك الموت تعودون إلى الله فرادى كما جئتم أول مرة.

إذن هنا ينبغي أن يعتبر الإنسان في هذه اللحظة الحاسمة التي يعود فيها إلى ربه، هذه اللحظة لحظة الانطلاق من عالم المادة إلى عالم الأرواح والأشباح، عالم غريب ستنفتح عليه في تلك اللحظة، هي مجرد لحظة أقل من مليون من الثانية، أنت بين الدنيا والآخرة، لاحظ قوله تعالى عندما يقول: ﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق: 19] كنت تريد أن تبتعد عن هذه اللحظة ولكنها جاءت ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ «20» وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ «21» لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ «22» [ق: 20 - 22]

بمجرد أن تغمض هذه العين الدنيوية المادية انفتحت عينك الأخروية ستشاهد عالم غريب ما كنت تشهده، مليارات من الأرواح والأشباح والملائكة والجان وأصناف المخلوقات وما يرى وما لا يرى، عالم غريب بأصنافه وألوانه وأشباحه، كنت غافلاً عن هذا العالم كله بالمرة، فاستعد للقاء، استعد لذلك اليوم كما قال أمير المؤمنين .

﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم: 6]

أنت مسؤول عن هذه الشهادة الأبوية والرقابة الأسرية، أنت مسؤول عن كل يوم يمر على أسرتك وأنت تعيش لا مبالاة بحجاب زوجتك، ولا بصلاة ولدك ولا بالتزام ابنتك.

﴿وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ الحجارة كما يقال في علم الأحياء من الأجسام الرديئة في التوصيل للحرارة، كل جسم يفقد الحرارة بسرعة إلا الحجر فإنه يكتسب الحرارة ببطء وتفرغ منه الحرارة ببطء، والحجر هو أشد الاجسام في حال الحرارة على جسم الإنسان.

والناس قسمان: ناري ونوري. قسم منهم قطعة من النور، وهذه القطعة من النور عندما تأتي يوم القيامة يقول عنها القرآن الكريم: ﴿نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا [التحريم: 8]

والقسم الآخر قطعة من النار تتحرك على الأرض لأنه مملوء بالمعاصي والذنوب، مملوء بالرذائل لا توبة عنده، لا نبض قلب عنده، لا موعظة تفيده، لا عبرة ترشده، هو قطعة من النار لا يبالي بالذنوب والمعاصي مصر على الرذائل، لذلك يقول القرآن الكريم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء: 10] ما يأكله يتحول إلى نار حقيقية

ويقول القرآن الكريم: ﴿إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الطور: 16]

أعمالكم هي جزائكم، صلاتك تتحول إلى شجرة مثمرة، ومعصيتك تتحول إلى قطعة من النار، ولأجل ذلك الآية المباركة ﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أي أن الناس نفسهم هم وقود النار ولو لا الناس ما ولدت هذه النار، هم من يولدون النار ويأججونها.

﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد: 24] هذا القلب مقفل بالذنوب، القلب مقفل بالمعاصي، بالغفلة والقساوة ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [البقرة: 74] القلب قاس كالحجارة أو أشد، هذا القلب المقفل القاسي يحتاج إلى أن تفتحه وتفك أقفاله، وفك أقفاله يكون بالموعظة القرآنية، بالتدبر في المواعظ القرآنية ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج: 46] لذلك لا بد من الالتفات إلى حيثيات الآيات القرآنية ونكاتها ورموزها حتى تصل إلى معانيها المطلوبة المؤثرة، عندما دخل الإمام زين العابدين علي على عبيد الله بن زياد في مجلسه، استغرب عبيد الله من ذلك لأن الحسين وأهل بيته أبيدوا فكيف ما زال هذا الرجل موجود، قال: من هذا؟ قالوا: هذا علي بن الحسين. قال: أوليس قد قُتل علي بن الحسين؟ فأجابه الإمام زين العابدين : كان لي أخ يسمى علي بن الحسين قتله الناس. قال: بل قتله الله. قال: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الزمر: 42] قتله الناس وما قتله الله. قال: ألك جرأة على رد جوابي، خذوه.