الأسئلة الواردة حول المحاضرتين الأولى والثانية
شبكة المنير - 15/09/2018م
هذه مجموعة من الأسئلة الواردة حول المحاضرتين:
الأولى: حاجة المجتمع الإنساني للقيادة النبوية
الثانية: التاريخ النبوي تحت مجهر البحث النقدي التاريخي
من محاضرات سماحة العلامة الحجة السيد منير الخباز في موسم محرم الحرام عام 1440هـ
الجواب

ذكرتم أن الطاقة لا تفنى ولا تستحدث، وهذا القانون يجري في الطاقة ذات الأبعاد الفيزيائية، وهي الطاقة التي يمكن أن تتحول إلى مادة، فهل يصح تطبيق القانون على الإنسان وهو مختلف عن الطاقة الفيزيائية؟

إن الروح الإنسانية التي تختزن الطاقات والقدرات والطموحات إما مادية أو مجردة، فإن كانت مادية كانت طاقة ذات أبعاد فيزيائية وشملها القانون، وإن كانت مجردة كان بقاؤها بعد موت الجسد بطريق أولى، إذ لو كانت الطاقة المادية لا تفنى بتحول المادة لصورة أخرى فمن باب أولى ألا تفنى الطاقة المجردة بتلاشي المادة.

لقد أكد علماء الفيزياء على وجود الثقوب السوداء، وأنها تفني وتمحو كل مايقترب منها حتى الشمس العملاقة، فكيف نوفق بين هذه المعلومة وبين قانون أن الطاقة لا تفنى؟

إن الثابت فيزيائيًا أن الثقوب السوداء تبتلع غيرها ولو كان نجمًا عملاقًا، وهذا يعني تحول الطاقة واتحادها مع الأفران الطاحنة في باطن الثقوب وليس فناءها وعدمها، فهناك فرق بين «الفناء» و«الاتحاد مع الطاقة الأقوى».

ذكرتم في المحاضرة الأولى أن الفيلسوف «جون غراي» يرى أن نظرية الانتخاب الطبيعي لو صحت فلا دور للعقل إلا خدمة الإنسان في مجال البقاء ومقاومة عوامل الانقراض، لا أنه أداة للوصول إلى الحقيقة، ولكن نظرية التطور لا تقول بذلك، بل ترى أن الإنسان وإن كان ينحدر مع الحيوانات المتعددة الخلايا من سلف مشترك، إلا أن الدماغ الناجم عن عملية التطور هو دماغ مجهز بالخلايا العصبية التي توصل للحقيقة، ودور الإنسان هو ذلك.

ذكرنا في المحاضرة أن الداروينية لا تدعي ما ذكره «غراي»، ويكفي في ذلك أن ثبوت نظرية في حد ذاتها يتوقف على كون العقل أداة للحقيقة، وإلا لم تثبت النظرية نفسها، وإنما استشهدنا بكلامه لبيان أن ما طرحه جزء من تيار فكري يتبنى التشكيك في قدرة العقل على الوصول للحقيقة، ثم سجلنا الملاحظات على الفكرة نفسها بغض النظر عن منشئها.

ذكرتم التأمل في زواج الخليفة الثاني من أم كلثوم بنت الإمام علي ، مع أن هناك روايات عن أهل البيت تؤكد الزواج، نحو ما ورد عن الإمام الصادق : ذلك فرج اغتصبناه. كما ذكرتم التأمل في رجوع السبايا يوم العشرين من شهر صفر، مع أن المشهور بين الشيعة هو ذلك، وزيارة الأربعين من أعظم الزيارات عند الشيعة الإمامية، فما تقولون في ذلك؟

إن هذه الأمثلة التي عرضناها - وهي: مثال زواج أم كلثوم من الخليفة ومثال رجوع السبايا في العشرين من صفر - لم يكن الهدف من عرضها إلا مجرد بيان كيفية التطبيق لمنهج البحث النقدي، وليس الهدف هو الحكم فيها بالنفي أو الإثبات، ونحن نعرضها الآن في الجواب كما عرضها الباحثون من كونها محل بحث، فنقول:

بالنسبة لمثال زواج أم كلثوم من الخليفة، وردت روايات من طرق الشيعة ذهب بعض المحققين لضعفها سندًا ومضمونًا، وهناك جمع من المحققين نفوا وقوع هذا الزواج وناقشوا الروايات الواردة - الشيعية والسنية - سندًا ومضمونًا، ومنهم الباحث الخبير السيد علي الشهرستاني في كتابه «زواج أم كلثوم الزواج اللغز»، ومنهم السيد ناصر السيد حسين الموسوي الهندي في كتابه «إفحام الأعداء والخصوم».

والروايات المشار إليها هي:

1/ ما رواه الشيخ الطوسي في [التهذيب: ج9، ص363] عن القداح عن جعفر عن أبيه قال: «ماتت أم كلثوم بنت علي وابنها زيد بن عمر بن الخطاب في ساعة واحدة لا يدرى أيهما هلك قبل».

2/ ما نقله في كتاب «الخلاف» عن عمار بن ياسر: «أخرجت جنازة أم كلثوم بنت علي وابنها زيد بن عمر وفي الجنازة الحسن والحسين وابن عباس».

3/ ما نقله الشيباني في كتاب [الآثار: ج2، ص146] عن ابن أبي شيبة أن عبد الله بن عمر صلى على جنازة أم كلثوم وابنها زيد بن عمر.

وأما حديث «ذلك فرج اغتصبناه» فيحمل على أن زواج أم كلثوم كان ينبغي أن يكون برجل هاشمي، لما ورد عن الإمام علي : «بناتنا لبنينا»، وحيث لم يحصل ذلك قيل عنه غصب، وبعضهم يشكّك في الحادثة لصغر عمر أم كلثوم أثناء خلافة الخليفة الثاني.

وأما بالنسبة إلى زيارة الأربعين، فينبغي التفريق فيها بين ثلاثة أمور:

الأمر الأول: إن زيارة الأربعين زيارة مشهورة، رواها ابن فضال عن الإمام الصادق ، سواء تم رجوع السبايا أم لا، فلا ينبغي الخلط بين نفس الزيارة وبين رجوع السبايا.

الأمر الثاني: إن رجوع السبايا لكربلاء ربما يكون قد تحقق، وإنما الكلام في تاريخ تحققه.

الأمر الثالث: إن رجوع السبابا في نفس يوم العشرين قد تأمل فيه السيد ابن طاووس في [الإقبال: ص46]، وناقش فيه المحدث النوري في كتابه «اللؤلؤ والمرجان»، والشيخ المطهري أيضًا.

ولكن بعض أهل المنبر قام بتحقيق توصل فيه إلى أن الذهاب كان بطيئًا لأن الغرض منه كان الشماتة والتفرج، فكان يدخل بهم كل بلد لأجل ذلك، وأما الرجوع فكان سريعًا، ويكفي فيه ستة أيام بالمشي السريع، فإذا كان وصول السبابا إلى الشام قد تم في 19 يومًا، حيث دخلوا الشام في أول صفر، مع أنهم دخلوا بهم الكوفة في الأثناء، واستقروا بها، وداروا بهم في البلدان، فمن المحتمل أنهم أقاموا في الشام 10 أيام، ثم خرجوا بنحو السرعة وعبر طريق أقرب، فوصلوا كربلاء في العشرين من صفر، والله العالم.

ذكرتم في نقل حادثة بني قريظة أن النبي أمر بكشف عورات الذكور لمعرفة البالغين، فما هو مصدر هذا النقل؟

لقد ذكر هذه النقطة صحيح مسلم، وهي مذكورة في بعض مصادر الشيعة، فلاحظ مثلًا:

* في [تهذيب الأحكام: ج‌6، ص173]: أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ ع قَالَ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص عَرَضَهُمْ يَوْمَئِذٍ عَلَى الْعَانَاتِ فَمَنْ وَجَدَهُ أَنْبَتَ قَتَلَهُ وَ مَنْ لَمْ يَجِدْهُ أَنْبَتَ أَلْحَقَهُ بِالذَّرَارِيِّ.

* في [عوالي اللآلي]: وَ فِي الْحَدِيثِ: أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ حَكَمَ فِي بَنِي قُرَيْضَةَ بِقَتْلِ مُقَاتِلِيهِمْ وَ سَبْيِ ذَرَارِيِّهِمْ وَ أَمَرَ بِكَشْفِ مُؤْتَزَرِهِمْ فَمَنْ أَنْبَتَ فَهُوَ مِنَ الْمُقَاتِلَةِ وَ مَنْ لَمْ يُنْبِتْ فَهُوَ مِنَ الذَّرَارِيِّ وَ صَوَّبَهُ النَّبِيُّ ص‌

لكن الأولى مرسلة، والثانية ضعيفة بوهب بن وهب، وهو عامي من أكذب البرية، وصاحب العوالي ينقل عن العامة.

وقد يقال: إنه لا ظهور في بعض هذه الروايات في طلب النبي كشف العورات، وإنما هو طلب لتمييز العانة لمعرفة الإنبات فيها، وهو مما يمكن باللمس أو النظر من دون حاجة لكشف العورة، إلا أن بعضها قد يقال بظهوره في كشف العورة، وهو التعبير بكشف المؤتزر، ولذلك روى بعض العامة عن عطية القرضي أنه جرِّد من إزاره، كما في رواية المصنف لعبد الرزاق الصنعاني [ج10، ص 179]، وكذا في السنن الكبرى للنسائي [ج5، ص 185].

لقد نقدتم التفاصيل في حادثة بني قريظة، فما هو موقف علماء الإمامية من الحادثة نفسها؟

أصل حادثة بني قريظة صحيحة، اتفق المؤرخون عليها، وقد نزلت فيها آية من الذكر الحكيم: ﴿وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا.

وإنما الثابت منها أن الرسول قتل المقاتلة منهم لا جميع الرجال فضلًا عن البالغين، وهو حكم صحيح بالنظر إلى أن المقاتلة بقيادة حيي بن أخطب هم الذين نقضوا العهد والميثاق، وقد رضوا بحكم سعد بن معاذ سيد الأوس، فكان هذا هو حكمه.

وقد تعرض سماحة السيد جعفر مرتضى العاملي لمناقشة بعض تفاصيل الواقعة في كتابه [الصحيح من سيرة النبي : ج12، ص 88].

ما هو المانع من أن يطلب الحسين من عمر بن سعد أن يعطيه الفرصة للرجوع إلى المدينة أو الذهاب لثغر من ثغور المسلمين من أجل إقامة الحجة عليهم أمام التاريخ وأنهم لم يعطوه أية فرصة للحياة؟

في حركة الحسين عدة أدوار:

الأول: رفض بيعة يزيد بن معاوية، وهذا الهدف لم يتراجع عنه الحسين ، أولًا لأنه ذكر أن بيعة يزيد إذلال للدين، وقد أفصح عن ذلك في عدة خطابات، فلا يعقل أن يتراجع عنه، فإن في التراجع إذلالًا للدين. وثانيًا: إصراره على رفض الاستسلام إلى حين خطبته في يوم عاشوراء، كما نقل المؤرخون.

الثاني: مشروع الإصلاح الذي هو مقدم عليه على كل حال، سواء بقي يزيد في السلطة أم مات، حيث قال: «إني لم أخرج أشرًا ولا بطرًا ولامفسدًا ولاظالمًا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي»، ولم يصدر منه تراجع عن المشروع.

الثالث: مكان انطلاق المشروع هل هو الحجاز أم الكوفة أم اليمن مثلًا؟ فهذا يمكن للحسين تغييره، فإذا صحت الرواية أن الحسين طلب الرجوع للمدينة أو الذهاب لثغر من ثغور المسلمين من أجل انطلاق المشروع منه فلا مانع من ذلك.

لماذا تركزون في خطابكم على نقد المرويات الضعيفة أو التي يكون مضمونها شاذًا في كتب الشيعة مع أن ما هو موجود في كتب أهل السنة أضعاف ذلك؟

إنما نذكر الروايات الضعيفة سندًا أو مضمونًا في كتبنا الإمامية لوجهين:

الأول: بيان أن المدرسة الإمامية قد فتحت باب الاجتهاد في تقويم النص سندًا أو متنًا، كما تعرض لذلك الإمام الخوئي «قدس سره» في [معجم رجال الحديث، ج1] وغيره.

الثاني: منع ردة الفعل لدى بعض الشيعة، فإن البعض إذا التفت لوجود مثل هذه الروايات في كتبنا صدفة - مع عدم تصريح أهل العلم بذلك وإظهارهم أن أحاديثنا منقحة بنحو لا غبار عليه - تحصل لديه ردة فعل من المذهب نفسه أو من علمائه، ولكن إذا رأى وضوحًا في كلمات أهل العلم وأنهم يبرزون واقع الكتب الحديثية عندنا على ما هي عليه دون كتمان أو تزويق فإنه يجد نفسه في فكر واضح الأبعاد.

السيد منير الخباز
أرسل استفسارك