تبسم السيدة الزهراء ع بعد وفاة أبيها
محمد إبراهيم - الأحساء - 12/03/2014م
ذكرتم في محاضرة «همسات لكلا الزوجين» ان السيدة الزهراء ع لم تفارق الابتسامة في وجه الإمام علي ع حتى بعد وفاة ابيها، وانها كانت تبكي اذا خرج من البيت، سؤالي هو:

كيف حصل ذلك وهو كان جليس البيت الى أن ماتت؟ وماذا عن قول القوم: لقد آذتنا لكثرة بكائها؟ وماذا عن بيت الأحزان؟ في حين أنها روح النبي ص التي انفصلت عنه، فكيف تطيق التبسم وقد انفصلت عنه ص؟
الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

والجواب عن ذلك:

أولاً: إن مقتضى الإعجاز في شخصية السيدة الزهراء وكل شؤونها حيث تجلى الإعجاز في كل شأن من شؤونها هو قدرتها على الجمع بين الحزن العميق لأجل فراق روحها وقلبها وهو النبي والابتسامة لأمير المؤمنين علي الذي كان في أحوج الظروف لمن يقف معه ويدعمه؛ باعتبار ما ورد في بعض الزيارات الشريفة «السلام عليك يا أول مظلوم» فإن أول من ظلم من عترة النبي هو الإمام أمير المؤمنين بتنحيته عن أعظم منصب جعله الله له، ولذلك تحدث عن هذه المظلومية بحرقة وشجى في الخطبة الشقشقية عندما قال «فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى أرى تراثي نهباً» فبما أن الإمام علياً كان في مستوى من المظلومية العظيمة التي حلّت عليه فكان محتاجاً إلى الدعم النفسي والدعم الخارجي وقد أراد الله تبارك وتعالى من البتول الزهراء أن تكون هي القائم بالدعم من هاتين الجهتين، فكما دعمت الإمام أمير المؤمنين بخطابها في المسجد وبخطابها للأنصار وحثهم على الرجوع إلى رشدهم وتسليم المنصب لأهله الحقيقيين، وكما دعمته بجهادها بجسمها وضلوعها ودموعها، فقد قامت بالدعم النفسي له أيضاً وهو أنه كلما رأته ابتسمت في وجهه وأشعرته أنها معه في كل مناحي مظلوميته التي حلت عليه.

والجمع بين التأثر العميق لفقد النبي وبين الابتسامة لأمير المؤمنين هو من مظاهر الإعجاز في شخصية السيدة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها.

ثانياً: إن ابتسامة الزهراء لأمير المؤمنين لم تكن ابتسامة فرح أو ابتسامة بُشر كي تتنافى مع الحزن، وإنما هي ابتسامة الرضا بقضاء الله وقدره؛ فإن من مراكز التعلق بالله عز وجل التوكل والرضا والتسليم، فالزهراء بابتسامتها لأمير المؤمنين علي تُجسّد مرتبة من مراتب الذوبان والاستغراق في الله ألا وهي مرتبة الرضا والتسليم بقضاء الله وقدره، فهي ابتسامة الرضا وليست ابتسامة الفرح والبُشر كي يتنافى ذلك مع الغم والحزن العميقين الذين حلا بالزهراء . ولذلك تحدث عنها أمير المؤمنين وقال «وإني كلما رأيتها انجلت عني الهموم والأحزان» وكان يتحدث بذلك لا عن فترة حياة أبيها بل عن عشرته معها منذ أن تزوجها وحتى أن فارقت الحياة، وأنه كلّما رآها انجلت عنه الهموم والأحزان، وهذا يعني أنها كانت مظهراً للرضا، ومظهراً للدعم النفسي للإمام أمير المؤمنين ، وكانت بهجة جمالها وبهجة رضاها وابتسامتها سبباً في إزالة الغموم والأحزان عن قلب الإمام أمير المؤمنين .

ثالثاً: إن الإمام أمير المؤمنين كان أغلب وقته في الدار لا أنه لم يكن يخرج من الدار أصلاً كي يقال بأنه لا ينفك عن رؤية الزهراء .

مضافاً إلى أن ابتسامة الزهراء وقيامها بالدعم النفسي لأمير المؤمنين علي كان في أوقات اللقاء، بمعنى أنه إذا حصل لقاء مباشر بينهما وحديث بينهما فإن الزهراء في ذلك الحال تقوم إظهار الدعم النفسي وابتسامة الرضا لأمير المؤمنين ، لا أنها في كل أوقات اجتماعها مع أمير المؤمنين في البيت تقوم بذلك وإنما هذا ناظر لوقت لقائهما المباشر.

السيد منير الخباز
أرسل استفسارك