قتل المرتد
وئام - 12/11/2013م
ما حكم قتل المرتد ؟ وما الحكمة منه ؟ وما الأدلة الدالة على ذلك ؟ وهل ينافي حرية الاختيار ؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
 
المرتد على قسمين:
 
1» المرتد الملي: وهو من كان من أهل الكتاب ثم دخل في الإسلام ثم ارتد عن الإسلام. وهذا يستتاب ثلاثاً، فإذا لم يتب حُجم عليه بحد القتل.
 
2» المرتد الفطري: وهو من كان مسلماً من الأصل، ثم ارتد عن الإسلام، وحكمه إقامة الحدّ عليه.
 
والمرتد إنما يحكم عليه بإقامة الحد بشروط، لا بمجرد ارتداده بينه وبين نفسه، ومن تلك الشروط:
 
1. أن يعلن الارتداد.
 
2. أن لا تكون في حقه شبهة.
 
فلو عرفنا أن هذا الرجل الذي ارتدّ إنما ارتدّ لقصور في عقلهن ولشبهة لم يستطع الإجابة عنها، فإنه لا يحكم عليه بالقتل؛ فإن الحدود تُدرأُ بالشبهات، وإنما يقام الحد على رجل أُقيمت الأدلة والحجج المقنعة عليه ولم يكن له منطق علمي مقابل هذه الحجج والأدلة ومع ذلك أصرّ على الارتداد.
 
وأما الحكمة فقد تعرضت إليها الآية المباركة القائلة ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ، فإن الحكمة من ردع المرتد بقتله هي وأد الفتنة الفكرية؛ فإن من الأهداف الإسلامية العليا التي طرحها القران الكريم أن يكون المجتمع الإسلامي مجتمعاً موحداً، ومن الواضح أن فتح الباب أمام ظاهرة الارتداد في المجتمع الإسلامي تخلق فتنة اجتماعية بين مؤيد ومعارض، والآثار السلبية للفتنة الاجتماعية أهم بكثير من المحافظة على حياة هذا المرتد؛ فإن الفتنة ـ كما ذكر القران الكريم ـ ﴿أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ، حيث إن الفتنة تجرّ إلى الاقتتال والاعتداء والفرقة والتناحر، وكذلك صيانة المجتمع الإسلامي عن الفتنة الفكرية؛ لأن فتح الباب أمام ظاهرة الارتداد سيوجب افتتان الطبقة الضعيفة من الناس التي لا تحمل رصيداً فكرياً كافياً سيوجب افتتانها بكلمات المرتدين، وبالتالي حتى لو وجد إعلام إسلامي كافٍ ووافٍ، إلا أن الضَّعَفَة من الناس سيفتتنون بإعلان ظاهرة الارتداد. فمن أجل صيانة المجتمع الإسلامي عن الفتنة الاجتماعية والفتنة الفكرية وُضِع هذا الحد للمرتد الذي يعلن ارتداده ولم تكن لديه شبهة محتملة في حقه.
 
وأما الأدلة فهي مجموعة من الروايات الواردة عن الأئمة الطاهرين يرجع إليها المتخصص، وأما من لم يكن متخصصاً فيمكنه الرجوع إلى المتخصصين في هذا المجال.
 
وأما القول بمنافاته للحرية؛ فإن هناك نوعين من الحرية: 1» الحرية التكوينية، 2» والحرية الاجتماعية.
 
أما الحرية التكوينة فهي بمعنى أن الإنسان صاحب إرادة والقرار بيده أن يفعل أو لا يفعل كما في قوله تعالى ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ، وكما في قوله تعالى ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا، فالإنسان له حرية تكوينية في هذا المجال.
 
وأما الحرية الاجتماعية بمعنى: هل للإنسان حق أن يعلن شيئاً للمجتمع أم لا؟ فهذا لا يرتبط بالحرية التكوينية، وإنما يرتبط بالحرية الاجتماعية، وهذا النوع من الحرية له حدود وقيود في جميع الوانين الوضعية والدولية فضلاً عن القانون الإسلامي فمثلاً لو أراد الإنسان ان يفتح له مصنعاً في وسط المدينة، وهذا المصنع يوجب تلوث بيئة المدينة التي يعيش فيها هذا الإنسان فإنه ليس من حريته أن يقوم بهذا المصنع وإن كانت الأموال ملكاً له، بل تكون حريته متقيدة بان لا يُحدث ضرراً على غيره، ولو أراد الإنسان مثلاً ان يقوم بحفلة غنائية صاخبة في وسط سكني معين، فإنه ليس له ذلك بحجة أنه حرّ ما دام هذا يوجب ضررا وإيذاءً لغيره من الناس.
 
إذن فهناك فرق بين الحرية التكوينية والحرية الاجتماعية، فلأجل ذلك نقول: الإنسان وإن كان حراً تكويناً في أن يعتقد بالله أو لا يعتقد أو يعتقد بالإسلام أو لا يعتقد إلا أن حريته الاجتماعية في ذلك مقيدة بأن لا يعلن ذلك أمام الناس لأن لا يكون سببا لإحداث فتنة فكرية أو اجتماعية، فلو أعلن فقد تصرف في المجتمع الإسلامي، فكونه حراً لا يعني ان له الحرية في أن يتصرف في أجواء المجتمع الإسلامي بما يريد من دون قيد ولا شرط.
 
وأما قوله عز وجل ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ، فليس المقصود به أنه لا يجوز وضع قيد أمام الحرية الاجتماعية لأن المقصود من الآية أن المطلوب من الإنسان أن يلتزم بالدين عن قناعة لا عن إكراه، فلو أن إنساناً التزم بالدين عن إكراه فإن هذا لا يفيده يوم القيامة، بل لابد أن يلتزم بالدين عن قناعة، فالمقصود بالآية الكريمة أنه بعد أن تبيّن الرشد من الغي واتضحت أدلة الإسلام فإنه ليس للإنسان أن يأخذ بهذا الدين عن إكراه، بل بعد اتضاح الأدلة سيكون التزامه بالدين عن قناعة، وليس عن إكراه، وليس المقصود بهذه الآية أن للإنسان حرية اجتماعية بحيث يجوز له أن يتصرف في الأجواء الفكرية والأجواء الاجتماعية للمجتمع الإسلامي من دون قيد أو شرط.
السيد منير الخباز
أرسل استفسارك