نص الشريط
الدرس 13
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 17/11/1434 هـ
مرات العرض: 2777
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (444)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

كان الكلام في وجه مبطلية الزيادة، حيث لا إشكال في أنّ الزيادة مبطلةٌ للصلاة وإنما الكلام في وجه ذلك، فهل الوجه في ذلك أنّ عدم الزيادة أُخذ جزءاً من المركب، وهذا سبق الكلام فيه، أمّ أنّ الوجه في المبطلية أنّ عدم الزيادة أُخذ شرطاً في المركب أو الجزء، وهذا سبق الكلام فيه.

ووصل البحث إلى ما ذكره السيّد الإمام «قده» في غير موضع من بحوثه أنّ الوجه في مبطلية الزيادة جعل الشارع للمانعية، جعلاً مستقلاً، بيان ذلك:

أفاد «قده» أنّه لا وجه لأن يُقال إنّ عدم الزيادة شرطٌ في المركب الصلاتي أو في الجزء، فضلاً عن اعتبار عدم الزيادة جزءاً، والسرّ في ذلك: أنّ العدم بطلانٌ محض، فإذا كان العدم بطلاناً محضاً فلا يُعقل أن يكون موصوفاً بالشرطية أو الجزئية، فإنّ العدم ليس، وما كان ليساً فلا يتصف بصفات الأيس من شرطية أو جزئية، وسائر ما يُحمل على العدم كقولنا عدم شيء علّة لعدم المعلول أو قولنا: عدم ذلك الشيء ملحوظٍ كل ذلك نُظر فيه إلى مفهوم العدم لا إلى واقع العدم، فمفهوم العدم موجود ذهني فهو من قسم الوجود، وأمّا واقع العدم فهو بطلانٌ محض، فلا يُعقل أن يكون شرطاً أو جزءاً.

فإن قلت: بأنّ أهل الحكمة جعلوا من أجزاء العلّة عدم المانع فقالوا بأنّ العلّة مؤلفة من المقتضي والشرط وعدم المانع، فعدم المانع جزءٌ من العلّة فكيف اتصف العدم بالعلية.

قلت: إنّ هذا مجرد تعبير مسامحي؛ لأجل التقريب وإلّا فالعدم لا علّية له.

فإن قلت: بأنّ أهل الحكمة ذكروا أن لعدم الملكة حظاً من الوجود.

قلت: هذا غير معقول؛ إذ لازمه اجتماع النقيضين؛ إذ كيف يكون عدماً وله حظٌ من الوجود، فهذا مجرد تعبير مجازي، بمعنى أنّ الفارق بين عدم الملكة والعدم المحمولي أنّ العدم المحمولي لم يؤخذ فيه القابلية، يعني قابلية المحل، بينما عدم الملكة أُخذ فيه قابلية المحل، وإلّا فلا فرق بين العدم المحمولي وعدم الملكة في أنّه ليس له حظٌ من الوجود، إذاً فإرجاع مبطلية الزيادة للصلاة إلى شرطية عدم الزيادة غير معقول أصلاً في نفسه.

فالصحيح أن نذهب إلى مبنى ثالث ومسلك ثالث في المسألة، فنقول: إنّ الشارع استقلالاً جعل المانعية للزيادة، فكما أنّ الشارع جعل الملكية جعلاً استقلالياً فقال: «من أحيا أرضا مواتاً فهي له» أو «من حاز ملك» فكذلك الشارع استقلالاً جعل المانعية، فقال: «الزيادة في الصلاة مانعٌ» فلأن الشارع جعل المانعية للزيادة كانت الزيادة مبطلة، لا من باب شرطية العدم، وهذا هو مقتضى ظلية وعاء الاعتبار لوعاء التكوين، حيث أفاد جمعٌ من المحققين ومنهم الإصفهاني «قده» أنّ عالم الاعتبار حاكٍ عن عالم التكوين، فكما أنّه في عالم التكوين الوجود مانع لا أنّ عدمه شرطٌ فكذلك في عالم الاعتبار، مثلاً: إذا قلنا إنّ رطوبة الجسم مانع من احتراقه، فمرجع ذلك في عالم التكوين إلى أنّ المؤثر في منع الاحتراق هو نفس الرطوبة، الرطوبة مانعٌ لا أنّه أُخذ تكويناً في علّية النار للاحتراق عدم الرطوبة، فإنّ عدم الرطوبة لم يؤخذ دخيلاً في علّية النار للاحتراق، وإنما المقام من باب تزاحم المقتضيين، وقد بيّنا ذلك في مسألة الضد في بحث الأصول، وبيان ذلك:

أنّه إنّما نرى التمانع بين الضدين في الوجود كالقيام والقعود، حيث لا يمكن اتصاف الجسم بالقيام والقعود في آن واحد، فيقال: الوصفان أو العرضان المتنافران تمام التنافر بحيث لا يستوعبهما الجسم معاً في آن واحد ضدان، فما هو مرجع التمانع بين هذين الضدين؟ هو التزاحم بين المقتضيين، بمعنى أنّ المقتضي لوجود القيام مزاحمٌ للمقتضي لوجود القعود، فنتيجة تزاحم المقتضيين امتنع اجتماع المتقضيين، أي الأثرين، وهناك تزاحم بين المقتضيات، فلم يؤخذ في مقتضي القيام عدم مقتضي القعود، ولم يؤخذ في مقتضي القعود عدم مقتضي القيام، بل كل منهما لمكافئته للآخر زاحمه ومنع من تأثيره، ففي عالم التكوين الوجود مانع ومزاحم لا أنّ عدمه دخيل في العلية والتأثير، فكذلك الأمر في وعاء الاعتبار، يعني في عالم الاعتبارات، فكذلك في وعاء التشريع فالمشرع عندما يقول: «الزيادة في الصلاة مانع من الصحة» فمعناها أنّ وجود الزيادة مزاحمٌ في التأثير لملاك الصلاة، فهناك عندنا مقتضيان متمانعان، مقتضٍ للصحة وهو ملاك الصلاة، ومقتضٍِ للفساد وهو الزيادة، فالزيادة مقتضٍ مزاحم للمقتضي الآخر، وهذا هو معنى مانعية الزيادة، لا أنّ عدم الزيادة دخيلٌ في تأثير ملاك الصلاة في صحتها، وبالتالي فالمشرع استقلالاً جعل المانعية للزيادة ولا وجه للف والدوران وجعل المسألة شرطية العدم، فقولوا من البداية المشرّع قال: الزيادة مانع، لا أنّ عدمها شرطٌ فإن هذا التواء لا حاجة له.

ويمكن للمشرع أن يجعل المانعية أو الشرطية بنحو مستقل، فمثلاً: المشرّع قال: «أقم الصلاة» باجزاءها المعروفة، ثم بعد ذلك رأى المصلحة في أن يضع شرطاً جديداً فقال: «قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام» فجعل التوجه للكعبة شرطاً لا بمعنى أنّه غير المركب، فالأمر بالمركب الصلاتي باقي على حاله لم يغيره الشارع وإنما أضاف إليه شرطية استقبال الكعبة، فشرطية استقبال الكعبة مثلاً مجعولة استقلالاً، كذلك المشرّع قال: «أقم الصلاة باجزاءها المعروفة» ثم جاء من قبل الصادق أنه قال: «لا تصلي في وبر ما لا يؤكل لحمه» فجعل المانعية لكون ساتر العورة ممّا لا يؤكل من دون أن يُغير الأمر بالمركب، بل أضاف إليه جعل المانعية، هذا تمام كلامه.

ويُلاحظ على ما أُفيد:

أولاً: بأنّ اعتبار الشرطية أو الجزئية للعدم هل هو ممتنع بلحاظ عالم الجعل أو هو ممتنع بلحاظ عالم الملاك؟ فإن كان منظوره «قده» أنّ الامتناع بلحاظ عالم الجعل، فمن الواضح أن الأمور الاعتبارية تابعة للمصحح العقلائي، فمتى ما كان للاعتبار مصححٌ عقلائي كان أمراً ممكنا، وجعل الشرطية للعدم أو جعل الجزئية مجرد اعتبار لا استحالة فيه، إنما يحتاج نفوذه وفاعليته إلى مصحح عقلائي، فمتى ما كان له مصححٌ عقلائي كان اعتباراً صحيحاً.

وإن كان منظوره عالم الملاكات، بمعنى أنه لا يُعقل أن يكون العدم دخيلاً في الملاك؛ كي يكون شرطاً أو جزءاً لأنّ العدم لا مؤثر ولا متأثر، فهذا إنما يتم إشكالا لو انحصرت ملاكات الأحكام الشرعية في الملاكات التكوينية، فإنّ الملاك التكويني لا عُلقة له بالعدم لا تأثرا وتأثيراً، هذا كلام صحيح.

ولكن المفروض أن لا دليل على حصر ملاكات الأحكام الشرعية بالملاكات التكوينية، بل قد يكون ملاك الحكم من المستقلات العقلية في باب الحسن والقبح، وقد يكون ملاك الحكم من الأمور الاعتبارية أصلاً، وقد بيّنا ذلك في الدرس السابق، فحيث يُحتمل أنّ ملاك الحكم من قبيل الحسن والقبح، او ملاك الحكم من قبيل الوهن والهتك التي هي أمور اعتبارية، فمن من المعقول أن يكون العدم قيداً في ملاك الحكم إذا كان ملاكا تكوينياً، هذه الملاحظة الأولى.

الملاحظة الثانية: أنّه أفاد أنّ المشرّع ممّا يمكنه أن يجعل المانعية مستقلاً للوجود، فيقول: الزيادة مانع، فتكون المانعية مجعولةً استقلالاً وقد أصّر على هذا المطلب في علم الأصول، قال: إنما يُحكى من أنّه لا يصح جعل الجزئية والشرطية والمانعية جعلاً استقلالياً، هذا المحكي وهم، بل يمكن جعل هذه الأمور جعلاً مستقلاً، فلا حاجة إلى اللف والدوران وأن نقول عدمها شرطٌ، نقول هي مانعٌ.

ولكن ذُكر في كلمات المحققيين «النائيني والإصفهاني» وجهان لإثبات امتناع جعل المانعية للوجود أو لغوية الجعل.

الوجه الأوّل: وهو ما أفاده الميرزا النائيني «قده» في «فوائد الأصول»، في بحث الأحكام الوضعية في جريان الاستصحاب في الأحكام الوضعية في الجزء الرابع، بمناسبة أنّ الحكم الوضعي منتزع من الحكم التكليفي أو أنّه مجعولٌ استقلالاً، دخل في هذا البحث.

فأفاد المحقق «قده» بأنه لا يعقل جعل الشرطية أو الجزئية أو المانعية استقلالاً، غير معقول، والسر في ذلك: أنّ عنوان الشرطية والمانعية من المعقولات الثانوية، بمعنى أنّ الذهن لا يتعقله حتّى يتعقل مفهوماً قبله، فإذا قيل: «الوضوء شرطٌ فالذهن لا يتعقل شرطية الوضوء حتّى يتعقل وجود مشروط» فلولا أنّه هناك أمراً بمشروط لما كان الوضوء شرطاً، فتصور الشرطية للوضوء متفرعٌ على تصور أمر بمشروط يكون الوضوء شرطٌ له، وتصور الجزئية للركوع متفرع على تصور أمر بمركب يكون الركوع جزءاً منه، وتصور مانعية القهقهة للصلاة، عندما نقول: «القهقهة مانعٌ، البكاء مع الصوت مانع» تصور المانعية له فرع تصور أمرٍ بمركب، يكون هذا مانعا، فبما أنّ الشرطية والجزئية والمانعية من المفاهيم التي لا تُتعقل إلّا مسبوقة بأمر بشيء إذاً فلا محالة عنوان الشرطية منتزع من الأمر بالمشروط، فمتى ما أمر بالمشروط اُنتزع من الأمر بالمشروط عنوان الشرطية، ومتى ما أمر بالمركب اُنتزع منه عنوان الجزئية، وما متى أُمر بالممنوع أُنتزع منه عنوان المانعية، فمرجع الشرطية والجزئية والمانعية عند التحليل إلى مفهوم منتزع من أمر بشيء، لا أنّ المقنن ابتداءً يقول: الزيادة مانع، مانع من أي شيء؟ يقول: مانع، الوضوء شرط، شرطٌ لأي شيء؟ يقول: شرطٌ مجعول استقلالا، فلابد أن يقال: شرطٌ للصلاة، شرط للصلاة يعني ماذا؟ يعني أن الصلاة أُمر بها أُمر بها مقترنة به، فلأجل ذلك أصبح شرطاً، ولذلك التزمت مدرسة النائيني «قده» بأنّ دليل البراءة لا يرفع الشرطية والجزئية والمانعية حتّى يرفع منشأ الانتزاع ألا وهو الأمر بالمركب أو الأمر بالمشروط.

إذاً ما أفاده الميرزا النائيني «مسمار في لوح» وهي أنّ المشرّع إمّا أن يجعل الأمر بالصلاة مع هذا الشرط وهو الوضوء والاستقبال أو لا يجعل؟ فإن جعل الأمر معه أغنى عن جعل الشرطية استقلالاً، وإمّا أن لا يأمر بالصلاة معه فالف مليون مرة يعتبر الاستقبال شرطاً سوف تصح الصلاة بدونه ما لم يؤمر بالصلاة معه، إذاً فيمكن للمكلف أن يأتي بالصلاة بدونه، وقد امتثل الأمر؛ لأن الامر أُخذ على نحو اللابشرط من جهته، فتأمّل ودقق!

والحمد لله رب العالمين

الدرس 12
الدرس 14