نص الشريط
الدرس 25
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 6/12/1434 هـ
مرات العرض: 2508
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (421)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

كان الكلام في التخريجات التي يُبنى عليها أن الإخلال بالصلاة وإن كان عن عمد فهو غير ضائر بصحتها.

وكان التخريج الأول: أن هناك مصلحة في الصلاة التامة ومصلحة في الجامع ولكن الإتيان بالصلاة الناقصة مفوت للإتيان بالصلاة التامة، وقد سبق الكلام فيه وقلنا عدم تماميته لبعض الإشكالات.

الوجه الثاني: ما عبر عنه المحقق الأصفهاني «قدس سره» بأنه من باب تعدد المطلوب وبيان ذلك أن يقال: إن هناك أمراً واحدا مؤكداً بصلاة القصر مثلا، ومقتضى كون الوجوب المتعلق بصلاة القصر وجوباً مؤكداً، يتبين أن هناك مطلوبين:

المطلوب الأول: جامع الصلاة.

المطلوب الثاني: كون الصلاة قصراً.

فإذا أتى بالصلاة تماماً فقد حقق احد المطلوبين ألا وهو جامع الصلاة، وحيث إنه لم يأت بالمطلوب الآخر يكون مستحقا للعقوبة.

وهذا الوجه ناقشه المحقق الأصفهاني «قدس سره» بأنه هل أن الصلاة تماماً استفيدت مطلوبيتها من الأمر بالقصر أو أن هناك أمراً بالصلاة تماماً في رتبة سابقة؟

فإن كان المدعى أن الأمر بالقصر حيث إنه وجوب مؤكد هو الذي ترشح منه أمر بالصلاة تماماً، حيث إن الصلاة تماماً محققة لأحد المطلوبين وهو مطلوبية الجامع، أن ادعي هذا فهو باطل، والسر فيه أن النسبة بين صلاة القصر وصلاة التمام تباين، ولا يترشح الأمر من المباين إلى مباينه، فلا معنى لأنَّ يقال: إن مقتضى الأمر المؤكد بصلاة القصر تعلق أمر بالصلاة تماماً، فإن الصلاة تماماً بما هي تمام لا يمكن أن يترشح منه أمر من مباينها إلاّ وهو الصلاة قصراً.

وان ادعي أن هناك أمراً بالصلاة تماماً، ولكن حيث إننا لا نحتمل أن يؤمر بالصلاة تماماً بخصوصية التمام، بل بما هي مصداق للجامع، إذن فمتى كان هناك أمر بالصلاة تماماً لكونها مصداقا للجامع، فلا بد أن يتوجه أمر أيضاً بالقصر للجامع، إذ لا فرق في هذه الجهة بين القصر والتمام، فكما أن التمام متعلقة لأمر، لكن لا بما هي تمام، بل بما هي مصداق للجامع، فلا محال الأمر الذي تعلق بالتمام بما هي مصداق للجامع يتعلق بالقصر أيضاً إذ لا ميزة بينهما من هذه الجهة في كون كل منهما مصداق للجامع، وإذا تعلق أمر بالقصر مضافا للأمر المتعلق بها لزم اجتماع بعثين على متعلق واحد، الأمر بالقصر بخصوصيتها على نحو الوجوب المؤكد، والأمر بالقصر بما هي مصداق للجامع، واجتماع بعثين على متعلق واحد غير معقول؛ لأنَّ البعث مساوق لإمكان الانبعاث الاستقلالي عن هذا البعث، وبعد أن يكون العمل مبعوثا إليه فلا يتصور فيه إمكان الانبعاث الاستقلالي نحو هذا العمل عن بعث آخر، فلا يمكن اجتماع بعثين تأسيسيين على متعلق واحد.

والنتيجة: أن دعوى تعلق أمر مؤكد بصلاة القصر وينتزع منه كون الصلاة تماماً مطلوبة، بحيث إذا أتى بها حقق الجامع، وإن كان قد عصى الأمر بالقصر هذا الوجه غير تام؛ لأنّه إما أن لا تكون الصلاة تماماً مأموراً بها فانتزاع أمر بها من الأمر المؤكد بها بالقصر فغير معقول، أو تكون مأمورا بها، فلا محال الأمر بها يعني الأمر بصلاة القصر أيضاً، إذ لا ميزة بينهما من هذه الجهة، واجتماع بعثين على صلاة القصر محال.

ولكن هذا النقاش من قبل الأصفهاني يمكن أن يلاحظ عليه بأنه لا مانع من اجتماع بعثين على متعلق واحد بعنوانين، ويكفي في صحة كل بعث إمكان الانبعاث الاستقلالي عنه على فرض عدم وجود البعث الآخر، مثلا إذا افترضنا أن المكلف نذر أن يصل صلاة الظهر الواجبة، فلا مانع من أن يتعلق بعثان بصلاة الظهر، بعث بعنوان صلاة الظهر وبعث بعنوان الوفاء بالنذر، فيتعلق بعثان بصلاة الظهر بعنوانين ويكفي في صحة كل منهما أنه باعث بالاستقلال على فرض عدم الآخر وهذا كاف.

فلو كان هناك أمر بالجامع بالتمام بما هي مصداق للجامع في رتبة سابقة ولازمه تعلق أمر بصلاة القصر بما هي مصداق للجامع وان استلزم ذلك اجتماع بعثين على صلاة القصر فلا مانع منه. نعم، هذا الوجه لا يكفي في تفسير الأحكام كلها فإن هذا الوجه غاية هذا الوجه غاية ما يفيدنا أنه لو أتى بالتمام لكانت صحيحة لأنها مصداق للجامع ومستحق للعقوبة لأنّه ترك القصر، ولكن لا يفسر لنا لماذا لا يمكنه الإتيان بالقصر بعد التمام، أي أن هذا الوجه لم يصحب بنكتة تفسر لنا لماذا لا يصح منه القصر بعد أن يأت بالتمام، فمن خلال هذه الجهة يكون هذا الوجه ناقصا في تفسير هذه الإحكام أن من أتى بالتمام موضع القصر صحة صلاته واستحق العقوبة على ترك القصر ولكن لا يمكنه استدراك القصر بعد أن أتى بالتمام.

لذلك نلجأ إلى وجه ثالث.

الوجه الذي بعده: ما ذكر في بعض الكلمات من أن هناك أمرين في الصلاة: أمر بالفرائض، وأمرا استقلاليا بالسنن في فرض الإتيان بالفرائض، فلنفترض أن فرائض الصلاة ستة: تكبيرة الإحرام والركوع والسجود والوقت والقبلة، فهناك أمر استقلالي بمجموع الفرائض وهناك أمر استقلالي بالسنن وهي التي سنها النبي بعد الأمر بالفرائض كالتشهد والقراءة وما أشبه ذلك.

فهناك أمران أمر بالفرائض وهو على نحو المجموع فلا بد أن يأتي بمجموع الفرائض، وأمر بالسنن على نحو الأمر الاستقلالي الانحلالي، بمعنى أن كل سنة من هذه السنن مأمور بها استقلالا، غاية ما في الأمر أنه مأمور بها في ظرف الإتيان بالفريضة، فإذا أتى بمجموع الفرائض فليأت بالسنة، بحيث لو أتى بالسنة في غير ذلك لم يعد امتثالاً لهذه الأمر، فمعنى وجود أمرين: أمر بالفرائض أمر استقلالي انحلالي بالسنن فإن أتى بالفرائض والسنن سقط الأمران، وإن أتى بالفرائض بدون السنن جميعاً أو ببعضها فقد امتثل الأمر بالفرائض، ولم يمتثل الأمر بالسنن، فاستحق العقوبة على ترك امتثال بعض السنن، ولكن حيث إن المأمور به السنة في ظرف الفريضة فبعد أن أتى بالفرائض لا يمكنه الآن الإعادة وهو أن يأت بالسنن التي تخلف عنها لأنها لا تصح إلاّ ضمن الفريضة، والفرائض قد أتى بها وامتثل أمرها.

فهذه الصياغة تفسر لنا من جهة صحة العمل  أي الصلاة الناقصة  لو أتى بالفرائض وحدها أو الفرائض مع بعض السنن، وتصحح لنا استحقاق العقوبة على فرض ترك الصلاة التامة عن عمد؛ لأنّه أخل بامتثال الأمر الاستقلالي بالسنن أو بعضها، كما تفسر لنا سقوط الأمر بالصلاة بهذه الصلاة الناقصة؛ لأنَّ المأمور به الباقي هو الأمر بالسنة في ظرف الفريضة، وهما لا يمكن امتثاله بعد أن سقط الأمر بالفرائض لأجل امتثاله.

الوجه الرابع: ألا وهو دعوى تعدد الأمر بهذا النحو بأن يقال: إن المكلف مأمور بصلاة القصر المقيدة بعدم سبق التمام بحيث يكون هذا القيد من قيود الواجب وهناك أمر آخر بالجامع بين القصر المقيدة بعدم سبق التمام، وبين التمام، فإن أتى بالقصر فقد امتثل كلا الأمرين الأمر بالقصر والأمر بالجامع، وإن أتى بالتمام فقد امتثل الأمر بالجامع، ولا يمكنه بعد ذلك امتثال الأمر الثاني لأنَّ المأمور به في الأمر الثاني القصر المقيدة بعدم سبق التمام وهو قد أتى بالتمام، فيسقط الأمر الثاني للعجز عن امتثاله.

هذا الوجه ألا وهو تعدد الأمر أشكل عليه بإشكالين يستفادان من إشكالات الميرزا النائيني «قدس سره»:

الإشكال الأول: هذه من البناءات المبنائية التي بنى عليه السيد الخوئي «قدس سره»: أنه لا يجتمع الأمر بالطبيعي على نحو اللابشرط مع الإلزام بالفرد، مثلا أن يأمر المولى بطبيعي الصلاة على نحو لا بشرط وينهى عن الصلاة في مواطن التهمة لا يجتمعان والسر في ذلك أن المقوم للابشرط هو الترخيص التكليفي بالتطبيق فإن معنى قول: أقم الصلاة على نحو لابشرط، أنك مرخص تكليفا في تطبيق هذا الطبيعي على أي فرد فإذا كان ممنوعا تكليفا عن تطبيق هذا الطبيعي في الصلاة بالحمام أو الصلاة في مواطن التهمة إذن حصل التهافت بين الأمر بالصلاة على نحو لا بشرط، وبين تطبيق هذا الطبيعي على فرد، أو كان بالعكس يعني مو لازم أنه نهي قد يكون أمر، كما لو أمر بطبيعي الصلاة على نحو لا بشرط في يوم الجمعة ثم ألزم بصلاة الجمعة، لا يجتمعان، لأنَّ معنى كون الأمر لا بشرط أنه مرخص في عدم تطبيق الطبيعي على صلاة الجمعة بينما مقتضى الإلزام بها ليس مرخصا في عدم التطبيق فلا يجتمعان فهناك تهافت بين الأمر بالطبيعي على نحو لا بشرط وبين الإلزام بالفرد فعلا أو تركا، وبعد المفروغية عن هذه الكبرى، تطبيقها على محل الكلام، حيث إن صاحب هذا الوجه التزم بوجود أمرين: أمر بصلاة القصر وأمر بالجامع أو أمر بالصلاة التامة وأمر بالجامع بين الناقصة والتامة فيقال: لا يجتمع الأمر بالجامع على نحو اللابشرط مع الإلزام بالقصر أو الإلزام بالصلاة التامة فإن هذا تهافت في الجعل.

وبناء على ذلك فالسر في عدم تمامية هذا الوجه هو أنه افترض أمرين أمر بالجامع على نحو اللابشرط وأمر بالفرد.

ولأجل ذلك لا نقاش لهذا الكلام إلاّ المناقشة المبنائية وهو إنكار المبنى فنقول كما بنى عليه السيد الصدر والسيد السيستاتي أنه ليس الأمر بالطبيعي على نحو اللابشرط متقوماً بالترخيص التكليفي، وإنما هو متقوم بالترخيص العقلي أو الترخيص الحيثي.

بيان ذلك: إذا قال المولى: أقم الصلاة على نحو اللابشرط، فالمقصود باللاشرطية أن العقل يقول: جميع أفراد الصلاة متساوية الإقدام من حيث كونها محققة لملاك الأمر بالصلاة، فالمقصود باللاشرطية حكم العقل بأن جميع أفراد الصلاة من حيث كونها محققة لملاك الأمر على حد سواء متساوية الإقدام، ماكو هناك ترخيص استكشاف العقل أن جميع أفراد الصلاة متساوية الإقدام واستكشاف العقل لا يتنافى مع أمر مولوي بالإلزام فعلا أو تركا فالعقل يقول: حتى مع وجود هذا الأمر المولوي هذا الفرد الذي نهي عنه أو الزم به من حيث كونه صلاة فهو كباقي الأفراد، وأما من حيث هي أخرى  وهو كونه منهياً عنه لعلة من العلل أو ملزما به لخصوصية من الخصوصيات  فهذا شيء آخر، أو يكون الترخيص تكليفياً، ولكنه ترخيص حيثي وليس ترخيص فعلي، فيقول المولى: معنى أمري لك بالصلاة على نحو اللابشرط يعني أني رخصت لك في تطبيق هذا الأمر، لكن من حيث إنها صلاة، وهذا لا ينافي أن أمنع عنك لا من حيث إنها صلاة، بل من حيث إنها من مواطن التهمة أو ألزم بها لا من حيث إنها صلاة من حيث إنها جمعة، فلا يتنافى الترخيص التكليفي الحيثي مع الإلزام الفعلي، سواء كان بالترك أو بالفعل، فلابد من مناقشة المبنى، فمع مناقشة المبنى نقول: لا مانع من اجتماع أمرين: أمر بجامع الصلاة على نحو الطبيعي لا بشرط وإلزام بصلاة القصر أو إلزام بالصلاة التامة.

نجي إلى المناقشة الثانية لهذا الوجه: وهو أن يقال: إن وجود الأمر بالجامع لغو، وذلك أن المكلف إما أن لا يعلم بوجود الأمر بالجامع فلا يكون الأمر بالجامع محركا لأنّه أساساً لا يعلم به وإنما الذي يعلم به الأمر بالقصر، وإن كان يعلم بوجود الأمر بالجامع فهو على أي حال ملزم بالقصر والأمر بالقصر يتضمن أمراً بالجامع فلم يبق بالجامع محركية فالأمر به لغو، إذن فالمكلف الذي توجه إليه أمران أمر بالقصر وأمر بالجامع، إما أن لا يعلم بالأمر بالجامع فهو ليس محركا له، أو يعلم به والأمر بالقصر كاف في المحركية فالأمر بالجامع لغو.

ويلاحظ على هذا الوجه أنه يكفي في عدم لغوية الأمر بالجامع أنه مصحح للصلاة في فرض الجهل فلو فرضنا أن المكلف جاهل بوجوب القصر وأتى بالتمام يكفي في صحة صلاته تماماً أن هناك أمراً بالجامع فيكفي في عدم لغويته أنه مصحح في بعض الفروض ولو كان هو فرض الجهل بوجوب القصر عليه أو جهل المكلف أن هناك أمراً بالصلاة مع جلسة استراحة فلم يأت بجلسة الاستراحة فقد امتثل الأمر بالجامع بين الصلاة التامة والصلاة الناقصة وهذا كاف.

هذا مضافا إلى المناقشة في الكبرى التي ذكرناها عدة مرات وهو أنه ليس الأمر الفعلي متقوماً بالمحركية كما يراه المحقق الأصفهاني بحيث ما لم تكن له محركية فليس بأمر فعلي، وإنما يكفي في فعلية الأمر تطابقه مع الملاك وإن لم يكن محركا بالفعل والمفروض أن الأمر بالجامع مطابق للملاك حيث إن هناك مرتبة لزومية من الملاك موجودة في الجامع فما دام الأمر مطابقا مع حدود الملاك فهو أمر فعلي وإن لم يكن محركا.

هذا تمام الكلام في هذا الوجه وقد تبين أنه وجه سليم في لتفسير هذه المجموعة من الأحكام ويأتي الكلام في الوجه الذي بعده وهو الترتب.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 24
الدرس 26