نص الشريط
الدرس 26
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 8/12/1434 هـ
مرات العرض: 2527
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (401)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

ما زال الكلام في الوجوه التي ذكرت لتخريج صحة الإتيان بالصلاة الناقصة عمدا مع الأمر بالصلاة التامة، أو صحة الإتيان بالإتمام عمدا مع الأمر بالقصر، والوجه الأخير هو وجود أمرين: أمر بالقصر، وأمر بالتمام بعنوان التمام، وهذا الوجه هو الذي أشكل عليه المحقق الأصفهاني «قدس سره» بأن هذين الأمرين إما في عرض واحد، أو بينهما طولية على نحو الترتب، فإن كانا في عرض واحد، فإما أن يكونا تعيينين أو تخييريين، فإن قلنا بأنهما تعيينيان بمعنى أن هناك أمراً تعيينيا بالقصر وأمراً تعيينيا بالتمام، فهذا خلف الضرورة من أنه لا يوجد أمران للصلاة المفروض، فهو إما قصر أو تمام، لا أنها مطلوبة قصرا أو تماما على نحو التعيين فهذا مناف للضرورة ضرورة الدين.

كما أن دعوى أن هناك أمرا تعيينا بالصلاة التامة وأمر تعيينيا آخر بالصلاة الناقصة أيضاً خلاف الضرورة.

وإن ادعي أنهما تخييريان أي أن المكلف مخير بين الصلاة التامة والصلاة الناقصة أو بين القصر والتمام، كما في موارد التخيير بين القصر والتمام، فيلاحظ على ذلك: أن صلاة التمام إما وافية بملاك الأمر فهي كصلاة القصر تماما في الوفاء بالملاك فمقتضى ذلك التأخير بينهما، ولكن لا يستحق عقوبة على ترك القصر، بينما المفروض لديهم أن من ترك القصر عمدا استحق العقوبة وإن أتى بالتمام، وهذا يتنافى مع كون التمام وافية بالملاك، وإن قلنا بأن التمام غير وافية إلاّ ببعض الملاك فالتخيير بينها وبين القصر غير معقول لأنّه تخيير بين الأقل والأكثر، والتخير بين الأقل والأكثر مساوق لعدم الإلزام بالأكثر فلا وجه للتخيير بينهما.

إذن فالنتيجة أن وجود أمرين عرضيين على نحو التعين، أو نحو التخير بين القصر والتمام، أو بين الصلاة التامة والناقصة، غير تام، فنأتي إلى فرض الطولية، وهو أن يقال: إن الأمر بالإتمام في طول الأمر بالقصر على نحو الترتب بأن يقول المولى: صل قصرا، فإن عصيت ذلك فصل تماما. أو بين الصلاة التامة والصلاة الناقصة، بأن يقول: أقم الصلاة بتمامها فإن عصيت فات بالناقصة. وهنا بناء على أن الأمر الثاني طولي على نحو الترتب وردت إشكالات ثلاثة:

الإشكال الأول: ما ذكره المحقق الأصفهاني «قدّس سرّه» من أن ذلك غير معقول، والوجه فيه: أن موضوع الأمر بالإتمام إما عصيان الأمر بالقصر، أو فوت ملاكها، أي إما أن يرجع الأمر الطولي إلى قول المولى: أقم الصلاة قصرا فإن عصيت فات بالتمام، أو يرجع قوله إلى: أقم الصلاة قصرا فإن فات ملاكها فات بالتمام. وكلاهما لا يصح.

أما الأول: فلان لازم ذلك أن لا أمر بالتمام إلاّ بعد خروج الوقت وإلا ما دام الوقت باق فهو لم يعص الأمر بالقصر، أي ما دام يسعه أن يأتي بركعتي القصر فالأمر بطبيعي القصر ما زال قائما وفعليا ولم يعصى، فلو كان الأمر بالتمام منوطا بعصيان الأمر بالقصر ولا يتصور عصيان بالأمر بالقصر إلاّ مع انتهاء الوقت وانقضاءه فلا أمر بالتمام إلاّ بعد انقضاء الوقت، والحال أن المدعى أنه في أثناء الوقت لو صلى تماما لكانت صلاته امتثال لأمر، وإن كان الموضوع هو الفوت، كما إذا قال: أقم الصلاة قصرا فإن فات ملاكها فات بالتمام. ففيه أن فوت ملاك القصر بالتمام نفسها إذ لا مفوت لها مع بقاء الوقت إلاّ فعل نفس التمام، فإذا كان المفوت لملاك القصر أثناء الوقت نفس الإتيان بالتمام، فلزم من الأمر بالتمام على تقدير فوت ملاك القصر طلب الحاصل.

والوجه في ذلك: أن الأمر في التمام فرع فوت ملاك القصر، وفوت ملاك القصر فرع الإتيان بالإتمام؛ إذ لا مفوت لملاك القصر لملاك القصر إلاّ الإتيان بالتمام، فرجع ذلك إلى أن الأمر بالتمام منوط بإتيان التمام، فإن أتى بالتمام فهو مأمور بها، ومن الواضح أن الأمر بالعمل على فرض حصوله طلب للحاصل، وهو محال.

فتلخص بذلك: أن الأمر بالتمام أمراً ترتبيا على فرض عصيان الأمر بالقصر، أو فرض فوت ملاك القصر باطل، فلا يصار إلى هذه الصياغة لتخريج صحة الإتيان بالتمام مع كون المكلف مطالبا بالقصر أثناء الوقت.

فما لم ينقض الوقت لم يكن عاصيا، فالأمر موجود والفرصة موجودة، وإلا كيف يمكن للمكلف التأخير في الواجبات الموسعة لو كان عاصيا لا يجب عليه المبادرة لو كان عاصيا بمجرد الترك لوجبت عليه المبادرة لكي لا يقع في المعصية.

ويلاحظ على هذا الإشكال الذي أورده المحقق الأصفهاني «قدّس سرّه» بالنقض والحل.

أما النقض: فبالترتب بين الواجبات الفورية والواجبات الموقتة حيث التزم بالترتب بينها، مثلا إذا قال المولى: أنقذ الغريق فإن لم تنقذ فأزل النجاسة أو أقم الصلاة فحينئذ يقال بأنه ما هو المعلق عليه؟ المعلق عليه هو العصيان، فكأنه قال: أنقذ الغريق فإن عصيت فأقم الصلاة. ولا يتصور عصيان للأمر بإنقاذ الغريق إلاّ مع فوت الغريق يعني إلاّ مع فوت الموضوع، وإلا ما لم يفت الموضوع ما زال قادرا على امتثال الأمر بإنقاذ الغريق، فلا يكون الترك عصيانا، فإنما يُتصور كون الترك عصانا عند فوت الموضوع، ومع فوت الموضوع لا معنى للترتب حينئذ؛ لأنَّ الترتب إنما هو علاج للتنافي بين الأمرين في مرحلة الفعلية، فإذا كان هناك أمران في عرض واحد ولم يمكن امتثالهما معا، وقع التزاحم والتنافي بينهما في مرحلة الفعلية، فيأتي الترتب علاجا للتنافي بينهما في مرحلة الفعلية، وأما إذا كان احدهما ساقطاً عن الفعلية من أصله لفوت موضوعه كقوله: أنقذ الغريق، حيث سقط عنه الفعلية لفوت موضوعه فالأمر الثاني بلا مزاحم ولا منافي فلا حاجة إلى الترتب، إذن ففي فرض الترتب بين الأمر بإقامة الصلاة وبين الأمر بإنقاذ الغريق يأتي نفس الإشكال، أنه بما أن المعلق عليه العصيان والعصيان لا يتحقق إلاّ بعد فوت الموضوع فلا وجه للترتب، إذ مع فوت الموضوع ينتفي المنافي وفعلية الأمر بإقامة الصلاة حينئذ بالأمر الأول لا بأمر ترتبي.

الترتب علاج لطلب الضدين وما تفرضونه يعني فعلية طلب الضدين، أنقذ الغريق فإن لم ترد كأنه قال هكذا، فصل، إذن صار الأمر بالصلاة فعليا في عرض فعلية الأمر بإنقاذ الغريق فلزم فعلية طلب الضدين، أنا ما زلت آمرك بإنقاذ الغريق، أقول: ولا يسقط الأمر عنك عدم إرادتك ما زال الأمر فعليا، وذلك يقول أيضاً الأمر فعليا، فما الحل؟

هذا هو النقض.

وأما الحل: فبالالتزام بالشرط المتأخر، كما أفاده المحققون في بحث الترتب، وأن المناط في الأمر الثاني هو العصيان للأول، لكن لا على نحو الشرط المقارن، بل على نحو الشرط المتأخر، فهو من أول الأمر يقول: أنت مأمور بإنقاذ الغريق فعلا، ولكن على فرض أن الذي سيتحقق في المستقبل - هذا شرط متأخر - هو عصيانك لهذا الأمر يعني سواء أنت أتيت بالصلاة أو لم تأت، الذي سيتحقق منك واقعا وفي علم جبرائيل هو عصيان الأمر بإنقاذ الغريق، فأنت مأمور فعلا بإقامة الصلاة، فالأمر بإقامة الصلاة منوط بعصيان الأمر بإنقاذ الغريق على نحو الشرط المتأخر لا على نحو الشرط المقارن، إذ لو قلنا أنه مشروط على نحو الشرط المقارن، فلابد أن تتحقق فعلية العصيان ولا تتحقق فعلية العصيان إلاّ بعد فوت الموضوع وإذا فات الموضوع انتفى المزاحم فلا معنى للترتب، بخلاف ما لو قلنا أن الشرط شرط متأخر، فأنت مأمور من الآن بإقامة الصلاة على فرض أن الذي سيتحقق في لوح الأمر والواقع هو عصيانك للأمر بإنقاذ الغريق، نظير أن يقول المولى: منذ غروب الشمس أنت مأمور فعلا بصوم غد على فرض أن المتحقق في لوح الأمر والواقع بقائك حيا قادرا إلى حين طلوع الفجر وهو مشروط بشرط متأخر.

ولذلك يلزم عليك تهيئة المقدمات من الآن على فرض حصول الشرط في ذلك الظرف.

ففي المقام يقال: من الممكن أن يكون الأمر بالإتمام منوطا بعصيان الأمر بالقصر على نحو الشرط المتأخر ولا يرد الإشكال، وبالإمكان أن يقال: إن الأمر بالإتمام منوط بأن بهذه الصياغة نقول: أنت مأمور بالإتمام إذا لم تأت بالقصر حتى دخلت في التمام فشرط الأمر بالإتمام هو أن لا يأتي بالقصر حتى يدخل في التمام، فإذا كان الواقع في علم الله منك انك تركت القصر حتى تتلبس بالتمام إذا كان هذا هو الذي سيقع في علم الله فأنت مأمور بالتمام من ألان، فلا إشكال في الترتب من هذه الجهة.

الأصفهاني يقول فات الوقت، يقول: لا يتصور العصيان إلاّ مع فوت الوقت ومع فوت الوقت إذن لا نحتاج إلى الترتب، نحن نقضنا عليه في ذلك الفرض

الآن إذا قال المولى: أنقذ الغريق فإن عصيت فصل هل يًتصور الترتب أم لا؟ إذا قال: يتصور، نسال، نقول له: العصيان لا يتصور إلاّ مع انتفاء الموضوع وإذا انتفى الموضوع يكون الأمر بالصلاة ليس أمراً ترتبيا فما هو الجواب؟ هذا الجواب الذي سنذكره هنا نحن نأخذه ونذكره في محل الكلام وهو قولك: أقم الصلاة قصرا فإن عصيت فصل تماما حيث قلت: بأنه لا يتصور عصيان إلاّ بعد مضي الوقت فإن الأمر بالتمام حينئذ لم أمراً ترتبيا، جواب هناك يأتي هنا ونحن جعلناه جواب حلي وهو أن الأمر المنوط به الأمر الترتبي العصيان لكن على نحو الشرط المتأخر.

على نحو الطولية أم لا؟ ليس على نحو العرضية جيد، في فرض فعلية الأمر بإنقاذ الغريق وهو لم يغرق أقول له انتظر حتى اتمم الصلاة وبعد ذلك أنقذك، هم يقولون: الآن الاشتغال بالصلاة فعلي صحيح أم لا؟ هذا الأمر بالصلاة في فعلية الأمر بالغريق في عرض واحد يلزم طلب الضدين، أو في طولية فما هو وجه الطولية؟ هل وجه الطولية إرادة العصيان فقط فهذا لا يكفي في الطولية، وجه الطولية أن يكون على نحو الشرط المتأخر.

الأمر بالصلاة في ضيق الوقت هذا محل بحثهم في الترتب وليس الأمر بالصلاة مع سعة الوقت لأنّه لا يوجد مزاحمة، بين الأمر بالصلاة مع سعة الوقت وبين الأمر بالإنقاذ أصلاً لا يوجد مزاحمة حتى يقع الترتب، محل بحثهم في الأمر بالصلاة في ضيق الوقت مع الأمر بإنقاذ الغريق.

وإلا كيف لا يمكنه امتثال كليهما؟ الترتب علاج للتزاحم والتزاحم يعني عدم إمكان الجمع بين الامتثالين هذا إنما يتصور في فرض ضيق الوقت بالنسبة إلى الصلاة ولذلك قلت التزاحم بين الفوري والموقت بمعنى الموقت في حال ضيق وقته،

الأمر بالتمام على فرض تحقق العصيان في علم الله، لم يأمره بالتمام لا بشرط، أمره بالتمام على فرض أنه سيتحقق منه العصيان في علم الله، وليس أنه أمره بالتمام لا بشرط حتى تقولوا بالتمام كيف يكون عصيان، أمره بالتمام على فرض أنه سيتحقق منه مستقبلا عصيان.

مأمور بالقصر لا بشرط هذا معنى الطولية لأنّهم يقولون: إنما تتصور الطولية أنَّ الثاني مشروط الأول مطلق وهذا بحث الترتب، الأمر الأول لا بشرط والأمر الثاني مشروط، غاية ما في الأمر أن الشرط للأمر الثاني العصيان على نحو الشرط المتأخر ففعلية الثاني فعلية طولية، بينما الأول لا بشرط، لا يتوقف على الثاني بشيء.

الإشكال الثاني: ما أورده المحقق النائيني «قدّس سرّه» على القول بالترتب، وهو أن الترتب إنما يتصور في التضاد الاتفاقي لا في التضاد الدائمي، وبيان ذلك: أن التضاد بين الواجبين تارة يكون اتفاقياً، كما لو اقتصرت قدرته اتفاقا عن الجمع بين إزالة النجاسة عن المسجد والصلاة في ضيق الوقت اتفاقا هكذا حصل، وتارة يكون التضاد دائمياً، كالتضاد بين القيام والقعود فإن التضاد دائمي، أو التضاد بين الحركة والسكون بناء على أن السكون أمر وجودي فإن هذا التضاد دائمي، فإذا فرضنا أن التضاد اتفاقي فالترتب وارد.

وأما إذا افترضنا أن التضاد دائمي فلا ترتب، بل أن هناك تعارض وبيان ذلك - هذه من آيات المحقق النائيني «قدّس سرّه» - أنه إذا كان التضاد دائمياً كما هو الحال بين القيام والقعود أو بين الحركة والسكون فالمولى ملتفت إلى الضد من حين الجعل، لأنَّ مقتضى التضاد الدائمي أن يلتفت إليه فإذا أمر المولى بالقيام كان ملتفتا إلى القعود حين أمره بالقيام بمقتضى التضاد الدائمي بينهما، وإذا كان أمراً بالقيام كان ملتفتا إلى القعود حين الأمر بالقيام لمقتضى التضاد الدائمي بينهما ومع التفاته إليه فلو كان الأمر بالقعود مقيدا بعدم القيام لقيده به لأنّه ملتفت إليه وفي معرض بيانه، فعدم تقييد الأمر بالقعود بعدم القيام كاشف عن إطلاق وعدم تقييد الأمر بالقعود بعدم القيام كاشف عن إطلاقه فالأمر بالقعود مطلق حتى في حال القيام، والأمر بالقيام مطلق حتى لحال القعود فيحصل التعارض بين الإطلاقين، فيكون من موارد التعارض وليس من موارد التزاحم؛ لأنَّ التكاذب بين الإطلاقين في مرحلة الجعل، باعتبار أن المولى حين الأمر بالضد ومع ذلك اطلب الأمر مع التفاته للضد الآخر، فهذا شاهد على أن الأمر بالضد يشمل حال التلبس بضده والعكس، فيقع التعارض والتكاذب بين الإطلاقين، والترتب إنما هو علاج ممتاز للتزاحم وليس للتعارض.

وأما إذا كان التضاد اتفاقياً: فليس من شان المولى أن ينظر إلى جميع حالات الموضوع وملابساته فعندما يأمر المولى مثلاً، فيقول: أزل النجاسة فهو يلتفت إلى جميع الملابسات التي تحصل لجميع المكلفين ومنهم زيد فإنه في ذلك اليوم وفي ذلك الفرض الذي أزال فيه النجاسة هل كان عنده ماء في البيت أم لم يكن؟ هل كان نائما أم لم يكن؟ هل كان مثلا مزاجه متعرجا أم....

ومن الواضح أن الأوامر والخطابات القانونية على نحو القضايا الحقيقية لا ينظر فيها إلى تمام الملابسات التي تحتف بالمكلف حين أداء الوظيفة، وإنما ينظر إلى الملابسات الارتكازية الواضحة وهي الضد الدائم لا الضد الاتفاقي فعلى هذا يكون المولى حينما أمر بالإزالة لم يك في مقام البيان من جهة هل الأمر بالإزالة يشمل حال التلبس في الصلاة أم لا؟ ما كان في مقام البيان من هذه الجهة، فلم ينعقد إطلاق للأمر بالإزالة حتى لحال إقامة الصلاة والأمر بالعكس أيضاً كما أن قوله أقم الصلاة لم يكن في مقام البيان من جهة عروض الإزالة على المكلف وعدم عروضها فلم يكن مطلقا من هذه الجهة، فحيث إنه لا إطلاق لكل منهما لفرض التلبس بالآخر لم يقع تعارض وتكاذب بين الإطلاقين، وإنما هذا الأمر وهو الأمر بالإزالة أصبح أمره فعليا لوجود النجاسة وهذا الأمر ألا وهو الأمر بالصلاة أصبح موضوعه فعليا لأنَّ المكلف بالغ عاقل ملتفت إلى الأمر فحصل التزاحم بين الأمرين في مرحلة الفعلية نتيجة قصور قدرة المكلف للجمع بين امتثالين فتحققت صغرى التزاحم فاحتاجت إلى علاج والعلاج هو الترتب.

إذن فمحصل آية النائيني «قدّس سرّه» أنه الترتب علاج للتزاحم والتزاحم إنما يتصور في مورد التضاد الاتفاقي ولا تزاحم في مورد التضاد الدائمي، بل تعارض فلا يتصور ترتب في مورد التضاد الدائمي، وبما أن بين القصر والتمام تضاد دائمي. إذن فالأمر بالقصر والأمر بالتمام متعارضان لا متزاحمان كي نحل التزاحم بواسطة الترتب، هذا إشكال الميرزا النائيني.

ولكن الصحيح مناقشة الكبرى والصغرى.

أما مناقشة الكبرى فإننا وإن سلمنا أن لا تزاحم إلاّ في موارد التضاد الاتفاقي، ولا يتصور التزاحم في موارد التضاد الدائمي لأنَّ هناك تعارض ولكن لا ينحصر الترتب بكونه علاجا للتزاحم حتى يختص بموارد التزاحم فإن الترتب كما عبر عنه الميرزا نفسه - هو الذي شيد مباني الترتب وأسسه - بأن الترتب تارة يكون آمرياً وأخرى مأمورياً، فالترتب المأموري هو الترتب الذي يحكم به العقل في موارد التزاحم وإلا المولى لم يقل به في مرحلة الجعل وإنما العقل عندما أدرك أمراً بإنقاذ الغريق وأمر بإزالة النجاسة وأدرك أن المكلف عاجز عن الجمع بينهما قال العقل: أما قول المولى: أنقذ الغريق فهو مطلق لأهميته، وأما قول المولى: أزل النجاسة فلا يقارن الغريق بالنجاسة، فأما قوله: أزل النجاسة لا محالة لا إطلاق لفرض الاشتغال بإنقاذ الغريق لأنَّ هذا خلف أهمية إنقاذ الغريق فلا محالة لا إطلاق له لذلك، لكن لو لم يأتي بإنقاذ الغريق أصلاً فلا مانع من الأخذ بإطلاق قوله: أزل النجاسة، فهذا ما يعبر عنه بالترتب المأموري بمعنى أن يقوم العقل به استنادا لإطلاق الخطابين، فيقول: الخطاب الأول مطلق، والخطاب الثاني لا إطلاق له لفرض الاشتغال بالأول لأهميته لكن له إطلاق لفرض عدم الاشتغال به.

وأما الترتب الآمري فهو صياغة يقوم بها المولى نفسه في مرحلة الجعل، فالترتب الآمري كصياغة يقوم بها المولى نفسه في مرحلة الجعل، لا فرق في صحتها بين أن يكون هناك تزاحم أو لا يكون، فإذا كان المولى في مرحلة الجعل قد قال: أد الدين، فإن لم تؤده فحج، فالأمر بالحج أمر ترتبي ولكنه من الترتب الآمري الذي صاغه المولى بنفسه وبينه نفسه، إذن فالترتب قد يكون آمرياً مجعولاً من قبل المولى نفسه فلأجل ذلك يصح في المقام أن نقول: يمكن تصحيح الصلاة تماما مع الأمر الفعلي بالقصر وإن لم يكن بينهما تزاحم لأنّه ليس من موارد التضاد الاتفاقي لأنَّ التضاد بينهما تضادا دائمياً، مع ذلك يصح من المولى لتصحيح الصلاة تماما أن يأمر بها أمراً ترتبيا، ويكون من الترتب الآمري.

وأما الصغرى فقد ناقش فيها سيدنا «قدّس سرّه» والسيد الصدر قال بأنه: لو نظرنا إلى خصوصية القصر وخصوصية التمام لكان بينهما تضاد إذ لا يمكن الجمع بين الخصوصيتين ولكن لو نظرنا إلى الصلاة تماما والصلاة قصرا فليس بينهما تضاد فلو سلمنا بكبرى النائيني لم نسلم بالصغرى، فليس بين الصلاة تماما والصلاة قصرا تضاد دائمي، والحال أن مقصودهم بالتضاد الدائمي التعاند العرفي لا التضاد الاصطلاحي وهو أن يكون بين الوصفين تمام المنافرة بحيث لا يجمعهما وجود واحد في أن واحد، بل المقصود التضاد العرفي بمعنى أنه لا يسع المكلف الإتيان بهما وهذا صادق على الصلاة تماما والصلاة قصرا، أو على التمام والقصر، فلا فرق في النظر بين أن يكون منظورنا خصوصية القصر والتمام أو يكون منظورنا الصلاة قصرا والصلاة تماما، فإنهما من قبيل الضدين في المرتكز العرفي للمعاندة بينهما.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 25
الدرس 27