نص الشريط
الدرس 29
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 14/12/1434 هـ
مرات العرض: 2568
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (709)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

ما زال الكلام في عرض الوجوه التي استند إليها لإثبات عدم شمول قاعدة «لا تعاد» لفرض الإخلال العمدي:

الوجه الثاني: أن يقال: إن ظاهر قوله في صحيحة زرارة: ولا تنقض السنة الفريضة، أن السنة ثابتة في حقه ولكن إخلاله بها لا يوجب نقض الفريضة، لا أنها ليست سنة في حقه، فإن هذا التعبير ظاهر في أن من أخل بما هو سنة في حقه فإن إخلاله بالسنة لا يوجب نقض الفريضة، فإذا كان ظاهر ذيل الصحيحة أن الذي أخل به سنة في حقه، فمقتضى هذا الظاهر أن المقتضي للإعادة موجود لأنّه إذا كان ما أخل به سنة في حقه فمقتضى كونه سنة في حقه أن يعيد الصلاة من اجل تدارك السنة، فالرواية بنفسها ظاهرة في أن المقتضي للإعادة موجود وهو كون ما أخل به سنة في حقه، غاية الأمر أن الشارع تدخل امتنانا فرفع عنه الأمر، وإلا فالمقتضي للإعادة وهو كون ما أخل به سنة في حقه موجود، وبناء على هذا فلا شمول في الصحيحة لفرض الإخلال العمدي؛ لأنّه لو كان الإخلال العمدي غير ضائر من أول الأمر فلا مقتضي للإعادة في حقه، لأنّه من أول الأمر يجوز له أن يأت بالصلاة ناقصة، فمن يجوز له من أول الأمر أن يأت بالصلاة ناقصة إذن لا مقتضي للإعادة في حقه أصلاً، فمن الأصل يقال: أنت مخير بين أن تأت بالصلاة تامة أو ناقصة، لأنك حتى لو أتيت بها ناقصة فيسقط أمرها، فلا مقتضي لثبوت الإعادة في حق المرتكب للخلل عمدا كي يمن الشارع عليه بإسقاط الأمر مع قيام المقتضي، فإذا سلمنا في رتبة سابقة أن ظاهر: «لا تعاد» هو سقوط الأمر لمن كان المقتضي للإعادة ثابتا في حقه، وحيث لا مقتضي للإعادة في حق متعمد للإخلال فالرواية غير شاملة له.

هذا هو الوجه الثاني في عدم شمول «لا تعاد» لمن أخل عمدا.

ويلاحظ على ذلك: أنه ما هو المقتضي لثبوت الإعادة في حق من أخل؟ هل المقتضي إنما أخل به سنة بالفعل في حقه؟ أو أن المقتضي أن ما أخل به سنة في الجملة، وإن لم تكن سنة بالفعل في حقه؟

فإن كان المدعى أن ظاهر الرواية أن ما أخل بل سنة في حقه بالفعل ومع ذلك لا اثر لإخلاله، فإن هذا يوجب لغوية جعل السنة في حقه، كما سيأتي بيانه في بعض الوجوه الآتية؛ إذ لا وجه لاعتبار الفاتحة سنة بالفعل في حقه ومع ذلك إذا أخل بها فلا اثر لإخلاله، فإن هذا خلف كونها سنة بالفعل حين الإخلال، وإذا قلتم: لا، المدعى أن ما كان سنة في الجملة فإن أخل به عن عذر فإنه لا شيء عليه، فمن الواضح حينئذ أن ما كان سنة في الجملة ليس مقتضيا للإعادة، إذ لعله من أول الأمر قد تقيدت سنيته بعدم الإخلال عن عذر فمن أول الأمر المولى عندما جعل الفاتحة جزءا جعلها جزءا في حق من يجهل، أو جعلها جزءا في حق من ينسى، فجزئية الفاتحة من أول الأمر متقيدة بعدم الجهل أو النسيان، وحينئذ فلا مقتضي في حقه للإعادة، أي من كانت جزئية الفاتحة مقيدة من أول الأمر بعدم الجهل أو النسيان، ففي فرض الجهل والنسيان لا جزئية لها فلا مقتضي للإعادة، فيدور الأمر حينئذ بين فرضين كلاهما باطل: وهو إما أن نحمل لفظ السنة في الرواية على السنة بالفعل، ولا تنقض السنة الفريضة، أي ولا ينقض الإخلال بما هو سنة بالفعل حينئذ الإخلال بالفريضة، وهذا لغو، أو يحمل السنة في الرواية على السنة في الجملة، والسنة في الجملة ليست مقتضيا للإعادة، إذ لعل هذه السنة من حين جعلها محدودة بعدم الجهل أو النسيان أو الاضطرار أو الإكراه وما أشبه ذلك من الأعذار، فإذا أخل في فرض العذر فهي ليست سنة في حقه، وإذا لم تكن سنة في حقه فلا مقتضي للإعادة، فهذه النكتة المطروحة لبيان عدم شمول حديث «لا تعاد» لفرض الإخلال العمدي غير تام.

الوجه الثالث: أن يقال كما في كلمات بعض المحققين وهو الشيخ مرتضى الحائري في كتابه الخلل: أن الحديث أي حديث «لا تعاد» منصرف عن فرض الإخلال العمدي لأنَّ تحقق الإخلال العمدي منعدم خارجا، أصلاً لا يوجد في الخارج إخلال عمدي؛ والسر في ذلك أن المكلف إما بانٍ على الامتثال أو ليس بانيا على الامتثال، فإن كان بانيا على الامتثال فلا يتصور ممن بنى على الامتثال الإخلال العمدي، وإما غير بانٍ على الامتثال فهو من الأول الأمر غير شارع في الامتثال، لا أنه امتثل وأخل بالامتثال عمدا، فوجود إخلال عمدي معدوم خارجا، ومع انعدام هذا الفرد، فحديث «لا تعاد» منصرف لفرض الإخلال غير العمد.

ومن الواضح أن ما ذكره مبني على أن ما في الخارج مؤثر على ظهور اللفظ، وقد تكرر مرارا في الأصول أن الندر أو العدم ليست من المناشئ العرفية للانصراف فإطلاق المطلق يشمل الفرد وإن كان نادرا أو معدوما فإن المستهجن حمل المطلق على الفرد النادر أو المعدوم لا شموله له، فمن هذه الناحية أصلاً لا، كلامه في شمول الإطلاق في هذا الفرد المعدوم لو وجد على نحو جدلي وجد، أن شخص دخل في الصلاة بعد ما دخل في الصلاة فترك التشهد مثلا.

الوجه الرابع: أن يقال: بأن لسان «لا تعاد» إنما يصح المخاطبة به لمن كان في نفسه داع للإعادة، فمن كان في نفسه داع للإعادة يخاطبه الشارع امتنانا بأنه ليس عليك إعادة، وأما من لم يكن في نفسه داع للإعادة فهو خارج تخصصا عن خطاب «لا تعاد»، والممتثل إذا أخل بجزء أو شرط عن عذر جهل أو نسيان أو اضطرار ثم التفت أو ارتفع العذر، ففي نفسه داع للإعادة لأنّه بان على إتمام الامتثال فحيث إن في نفسه داعيا للإعادة صح خطابه ب «لا تعاد»، وأما المخل عمدا فهو لا يتوفر على داع للإعادة من الأصل لأنّه ليس بانيا على تتميم الامتثال كي يكون في نفسه داع للإعادة فيخاطب امتنانا ب «لا تعاد»، إذن فمن أخل عمدا خارج موضوعا عن خطاب «لا تعاد».

وهذا الوجه محل تأمل؛ والسر في ذلك: أن لسان «لا تعاد»، ليس إلاّ إرشاد لسقوط الأمر وعدم سقوطه، فإذا قال المولى: من زاد في صلاته فإن عليه الإعادة، فإن قوله: فإن عليه الإعادة، ليس حكما تكليفيا ولا خطابا مولويا وإنما هو مجرد إرشاد إلى مانعية الزيادة، أن الزيادة مانعة في الصلاة، كما أن قوله: «لا تعاد»، إرشاد، فكما أن قوله إرشاد إلى البطلان، فإن قوله: «لا تعاد»، إرشاد إلى الصحة، وإذا كان الخطاب إرشاديا لا مولويا، فلا تجري أصالة الاحتراز في خصوصيات الخطاب بحيث يقال: حيث عبر ب «لا تعاد»، وإنما يصح التعبير في ذلك في حق من كان له داع للإعادة، فلا شمول في هذا التعبير لمن ليس له داع للإعادة، فإن الأخذ بخصوصيات الخطاب لو كان الخطاب مولويا يراد امتثاله، وأما إذا كان مجرد إرشاد إلى مدلول معين وهو صحة الصلاة أو فسادها، فلا تأتي أصالة الاحتراز في خصوصيات الخطاب فهو مجرد بيان عرفي للصحة أو عدم الصحة.

الوجه الخامس: أن يقال: بأن لسان «لا تعاد» إنما هو يتصور في حق من مضى في العمل، فبما أن لسان «لا تعاد» إنما يصح توجيهه لمن مضى على الخلل فيقال له: اعد أو لا تعد، لذلك فموضوع «لا تعاد»، من تحقق منه المضي على الخلل، وهذا يعني أنه اخذ في صحة الصلاة المضي على الخلل، فبما أن لسان «لا تعاد»، إنما يصح في حق من مضى على الخلل أي صدر منه الخلل ثم التفت إليه فأراد التدارك فقيل له: «لا تعاد»، إذن مقتضى ذلك أن يتشكل مدلول التزامي وهو أنه اخذ في صحة الصلاة المضي على الخلل، وبناء على ذلك فلا تشمل الرواية من أخل عمدا؛ لأنَّ من أخل عمدا فصحة صلاته ثابتة من أول الأمر فأننا إذا بنينا بأن من أخل عمدا فإن إخلاله غير ضائر في صحة صلاته، فهذا يعني أن صحة صلاته غير منوطة بمضيه على الخلل، بل هو من أول الأمر يقال: صليت ناقصة أو تامة فصلاتك صحيحة، فلم يؤخذ في صحة صلاته مضيه على الخلل، فلو كانت الرواية شاملة لمن أخل عمدا لاستخدم فيها تعبير يشمل من كانت صلاته صحيحة من أول الأمر سواء مضى على الخلل أو لم يمض، لكن حيث إن الرواية استخدمت تعبيرا لا يصح خطابه إلاّ في حق من مضى على الخلل، استفيد من ذلك أنه يعتبر في صحة الصلاة المضي على الخلل، وهذا المضي حيث لا يتصور في حق العامد، إذن فالنتيجة لا شمول في هذه الصحيحة للعامد.

متى يقال: «لا تعاد»؟ غير واحد صدر منه الخلل فلما صدر منه الخلل أراد أن يعيد فقيل له: «لا تعاد الصلاة»، فبعد ما دخل في العمل واتى بالخلل والتفت في نفسه للخلل فإذا قال: إنه مطالب للإعادة فيقال له: لا تعد، إنما يصح التعبير ب «لا تعاد» لمن مضى على الخلل يعني صدر منه الخلل، حيث إن «لا تعاد» إنما يصح الخطاب بها في هذا المورد إذن هذه قرينة على أنه اخذ في الصحة المضي على الخلل فلو أردنا أن نعممها للعامد، العامد إذا يقول: صلاته صحيحة فمن أول الأمر جئت بصلات تامة أو ناقصة أنت من أول الأمر مقبول منك. بينما تعبير «لا تعاد» لا يستفاد منه صحة قبل المضي على الخلل، وإنما غاية ما يستفاد منه صحة بعد المضي على الخلل.

والجواب عن هذا الوجه هو الجواب السابق وهو أنه إذا بنينا على أن «لا تعاد» إرشاد إلى الصحة فلا تجري أصالة الاحتراز في خصوصيات العبارة.

الوجه السادس: ما في كلمات الميرزا النائيني «قدّس سرّه» وذكرها سيدنا الخوئي «قدّس سرّه» من أن لسان «لا تعاد» إنما يصح توجيهه لمن يصح توجيه اعد إليه فتقابل «لا تعاد» مع «أعد» تقابل الملكة والعدم، فلا يصح أن يخطاب المكلف ب «لا تعاد» إلاّ إذا صح خطابه ب «أعد»، ولا يصح خطابه ب «أعد» إلاّ إذا التفت للخلل بعد وقوعه، كما لو أوقع الخلل جاهلا أو ناسيا أو مضطرا ثم رفع الاضطرار، وإلا فمن كان حين الخلل ملتفا إلى أنه خلل ومع ذلك أتى به فهذا لا يصح خطابه باعد بل يخاطب بالأمر الأول نفسه، فيقال له: مازلت لم تمتثل أمري، لا انك عليك الإعادة، فهناك فرق بين من التفت إلى الخلل بعد وقوعه وبين من الفت للخلل حين إيقاعه، فمن التفت للخلل بعد وقوعه صح خطاب باعد فيصح خطابه بلا تعد، ومن كان حين الخلل ملتفتا إلى أنه خلل ومع ذلك أتى به فهذا ليس مخاطبا ب «أعد» بل مخاطب بنفس الأمر وهو قوله: أقم الصلاة، إذن فالمخل عمدا خارجا تخصصا عن مفاد «لا تعاد».

والجواب عن ذلك مضافا لما ذكرنا من أن «لا تعاد» إرشاد إلى الصحة إننا لو سلمنا بما أفيد وهو أنه حتى الأوامر الإرشادية لا يلاحظ مدلولها الالتزامي، بل تراعى الخصوصيات المذكورة في المدلول المطابقي وإن لم تكن مرادا جديا للمتكلم؛ لأنَّ مراده الجدي المدلول الالتزامي وهو الإرشاد إلى الصحة، وأما المدلول المطابقي «أعد» أو «لا تعد» فليس مرادا جديا للمولى، فلو سلمنا أن أصالة الاحتراز لدى العقلاء تجري حتى في الخطاب الإرشادي بلحاظ مدلوله المخاطبي وإن لم يكن مرادا جديا للمولى، مع ذلك نقول: المدار في صحيحة «لا تعاد» على الكبرى المذكورة في الذيل، لا على الصغرى المذكورة في الصدر، فمع ما ذكر في صدر الرواية وهو «لا تعاد الصلاة» ما هو إلاّ تطبيق للكبرى المذكورة في ذيل الرواية على الصلاة والكبرى المذكورة في ذيل الرواية هي قوله لا تنقض السنة الفريضة، والتشهد سنة والقراءة سنة ولا تنقض السنة الفريضة فبما أن ظاهر الرواية أن الكبرى ما ذكر في الذيل وما في الصدر مجرد تطبيق فالمفروض أن ما ذكر في الذيل عام لمن يصح خطابه باعد ولمن لا يصح خطابه باعد، فمقتضى عموم الكبرى المذكورة في الذيل شمول «لا تعاد» حتى للمخل عمدا أو العمدي.

الوجه السابع: ما أشار إليه المحقق الشيخ مرتضى الحائري ابن المحقق الشيخ عبد الكريم: من أن «لا تعاد» وارد في مورد الإمضاء للمرتكز العقلائي، وما قام عليه المرتكز العقلائي أن من أخل بالامتثال عن عذر من جهل أو نسيان أو اضطرار، فهو مرفوع إلاّ، فجاء الشارع امضي المرتكز العقلائي وقيده إلاّ في الخمسة فقال: «لا تعاد الصلاة إلاّ في الخمسة»، فبما أن ظاهر حديث «لا تعاد» أنه إمضاء للمرتكز العقلائي محدود بعدم الإخلال بالخمسة فلا بد أن نرجع لما عليه المرتكز العقلائي وإذا رجعنا لما عليه المرتكز العقلائي فإننا نجد أنه لا يرى المعذورية في فرض الإخلال العمدي، ففرض الإخلال العمدي خارج عن موضوع الصحيحة.

وهذا المدعى عهدته على من ادعاه فإننا لا نجد في الرواية قرينة سياقية أو لفظية على ورودها مورد الإمضاء للمرتكز العقلائي، بل ظاهرها أنها بيان ابتدائي من قبل الشارع وهو أن المركبات الاعتبارية الصادرة منه يكون الإخلال بها على قسمين إخلال ضائر وإخلال غير ضائر، فالإخلال بالسنة غير ضائر والإخلال بالفريضة ضائر.

الوجه الثامن: أن يقال كما مضى بيانه في مناقشة ما أفاده السيد الإمام «قدّس سرّه» في بحث الخلل من أن ظاهر الذيل وهو قوله: لا تنقض السنة الفريضة أن الأمر واحد بمعنى أن ما خوطب به المكلف أمر واحد بمركب من سنن وفرائض وإخلاله بسنن هذا المركب غير موجب لنقض فرائضه فهذا هو الظاهر من قوله: لا تنقض السنة الفريضة وإلا لو كان هناك أمران مستقلان لم تكن هناك حاجة لبيان أن الإخلال بالسنة لا تنقض الفريضة، فمن الواضح أن الإخلال بأمر لا يوجب عدم امتثال أمر آخر، فنفس قوله: لا تنقض السنة الفريضة، ظاهر في وحدة الأمر في مركب أخل بسننه، والإخلال بسننه لا يوجب نقض فرائضه وإن لم نستفد هذا من الذيل فانه يستفاده من الصدر حيث إن قوله: «لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة» ظاهر في أن المورد وجود أمر مركب من خمسة وغيرها والإخلال بغير الخمسة غير ضائر، بخلاف الإخلال بالخمسة، فإذا استظهرنا من الرواية ذيلا أو صدرا أو كليهما أن موردها الأمر بالمركب فلا محالة حينئذ يتشكل من هذا الظهور مدلول التزامي وهو عدم الشمول لفرض العمد لأنّه إذا كان مورد الرواية من أمر بمركب فأخل بسننه لم يكن إخلاله بسننه ضائر فهي منصرفة عن مورد الإخلال العمدي؛ والسر في هذا الانصراف أن شمولها لفرض الإخلال العمدي موجب للغوية التشريع فلا يمكن الجمع بين تشريع جزئية الفاتحة وإعطاء الخيار بيد المكلف أن شاء أتى بها وإن لم يشأ لم يأت بها، فإن ذلك يعني إناطة التكليف باختيار المكلف موجب للغوية التكليف؛ إذ الغرض المصحح للتكليف أن يكون هو الباعث والمحرك لاختيار المكلف، فلو كان التكليف منوطا باختياره وإرادته لم يكن باعثا ولا محركا، فالتكليف حينئذ لغو، إذن لا يمكن التحفظ على الجزئية من جهة المستفادة من صحيحة زرارة، وشمول الرواية للإخلال العمدي لأنَّ مرجع ذلك إلى إناطة الجزئية باختيار المكلف أو فقل في عبارة أخرى أو بوجه آخر: أن ذلك موجب لنقض الغرض، فإنه لا محالة يكون تشريع الجزئية منظورا به الوصول إلى غرض، فإذا كان الأمر راجعا لاختيار المكلف فإناطة الجزئية باختياره نقض لغرض المولى من تشريع هذه الجزئية عرفا.

فتحصل أنه وإن أمكن عقلا «فعقلا ممكن» أن يؤمر المكلف بمركب ثم يقال له: لو أخللت به حتى عمدا فإن الأمر يسقط عنك، إلاّ أن هذا موجب للغوية العرفية ونقض الغرض بحسب المنظور العرفي ويكفينا أن اللغوية العرفية أو محذور نقض الغرض بحسب النظر العرفي في تحقيق الانصراف أي انصراف الرواية عن فرض الإخلال العمدي، فإذا لم يتم هذا الوجه وهو وجه لا باس به تصل النوبة إلى أنه «لا تعاد» في نفسها ظاهرة وشاملة للإخلال العمدي، فهل هناك قرينة «لأننا كنا نبحث عن القرائن الداخلية» فهل هناك قرينة خارجية توجب عدم شمولها للإخلال العمدي أو لا؟ وهذا ما نبحث عنه في الدرس الآتي.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 28
الدرس 30