نص الشريط
الدرس 28
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 13/12/1434 هـ
مرات العرض: 2681
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (483)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

ما زال الكلام في أن المستفاد من أخبار: «لا تعاد» هل هو تعدد الأمر أم وحدة الأمر؟ وهل أن فيها إطلاقا لمورد الإخلال العمدي أم لا؟ وذكرنا سابقا أن في مقام الدلالة جهات ثلاث:

الجهة الأولى: في أن المحتمل ثبوتا وجود أمرين، فهل مقام الإثبات أي مقام دلالة حديث «لا تعاد» ينسجم مع ذلك أم لا؟

وخلصنا إلى أن مفاد حديث «لا تعاد» لا ينسجم مع فرض أو دعوى تعدد الأمر، ولكن بعض الآجلة في أصوله أشكل إشكالاً ثبوتياً على دعوى تعدد الأمر.

وبيان ذلك: أننا بعد أن فرضنا أن السنن مأمور بها أمراً نفسياً، فالأمر الآخر إما أمر نفسي بالفرائض، أو أمر نفسي بالمجموع من السنن والفرائض، فإن كان المدعى هو الأول أن هناك أمرين نفسيين: أمراً بالسنن، وأمراً بالفرائض، غاية ما في الباب أن المأمور به في الأمر الأول السنن في فرض الفرائض، بحيث لو أتى بالفرائض من دون السنن فقد فات عليه موضوع امتثال الأمر بالسنن؛ لأنَّ موضوعها حال الإتيان بالفرائض، فأفاد بأن لازم هذه المقالة تعدد الاطاعات والعصيانات، فإنه مع فرض تعدد الأمر وأن هناك أمراً نفسياً بالفرائض، وأمراً نفسياً بالسنن حال الفرائض، فإن أتى بالسنن والفرائض فقد صدرت منه طاعتان، وإن ترك الصلاة من الأصل فقد تعدد منه العصيان، وإن كان الأمر الآخر أمراً بالمجموع أي أن الصلاة ذات مرتبتين كما في تعبيرات المحقق الحائري «قدّس سرّه»: المرتبة الكبرى وهي الصلاة المشتملة على الفرائض والسنن، والمرتبة الصغرى وهي الصلاة المشتملة على الفرائض مع بعض السنن أو بدونها، وهناك أمر نفسي بالمرتبة الكبرى وأمر نفسي بالمرتبة الصغرى، فلازم ذلك ورود أمرين نفسيين على متعلق واحد، حيث إن الفرائض أو فقد حيث إن السنن مورد لأمرين نفسيين، أمراً نفسياً بالسنن، أمراً نفسياً بالمجموع، وتعلق أمرين نفسيين بشيء واحد وإن كان الفرق بالإطلاق والتقييد محال، يعني مطلق ومقيد.

وإن ادعي أن الأمر النفسي بالمجموع من السنن والفرائض ينحل إلى أمر غيري بالسنن، لا إلى أمر نفسي بالسنن، فمقتضى كونه أمراً غيرياً أن السنن جزء من المركب، ومقتضى جزئيتها بطلان المركب بفقدها وتحقق العصيان بذلك، وهذا لا يجتمع مع دعوى الصحة.

فهذا هو الإشكال الثبوتي على تصوير أن هناك أمرين أمراً بالفرائض وأمراً بالسنن حال الفرائض.

ولكن يلاحظ على هذا الإشكال: يمكن لمن يرى إمكان هذه الدعوى كالسيد الأستاذ «دام ظله» أن يجيب باختيار «الشق الأول» وهو أن هناك أمرين نفسيين: أمراً بالفرائض، وأمراً بالسنن حال الفرائض ويلتزم بتعدد الاطاعات والعصيانات، وهذا مما لا محذور فيه أن نقول: تعددت الاطاعات وتعددت المعصية.

ويمكن أن يختار «الشق الثاني» وهو أن هناك أمرين أمراً بالسنن وأمراً نفسياً بالمجموع، ولازم ذلك ورود أمرين نفسيين على طبيعة واحدة، وأيضاً هذا لا مانع منه؛ إذ لا مانع من اجتماع الوجوبين على محل واحد أو على مطلق ومقيد إلاّ محذور اللغوية، وإلا فاجتماع المثلين مما لا موضوع له في القضايا الاعتبارية، ومحذور اللغوية يكفي في ارتفاعه أن لأحد الأمرين محركية على فرض عدم وصول الآخر لهذه المكلف، فمتى ما اعتقد المكلف عدم ورود الأمر الأول عليه كان الآخر محركا وهذا كاف في رفع اللغوية.

كما يمكن له اختيار الشق الثالث: وهو أن يقال: هناك أمر نفسي بالمرتبة الصغرى وأمر نفسي بالكبرى إلاّ أنه ينحل إلى أمر غيري بالصغرى أيضاً، وغاية ذلك أن من لم يأت بالسنن لم يمتثل الأمر بالمركب، فالمركب باطل؛ لأنّه لم يأت ببعض أجزائه وهي السنن، ولكن هذا لا يعني أن عمله باطل بلحاظ جميع الأوامر، حيث إن هناك أمر نفسي بالصغرى فبلحاظ الأمر الآخر يكون ممتثلاً.

فتحصل أن هذا الإشكال غير وارد ثبوتاً على مبنى من يرى إمكان تعدد الأمر، فالإشكال ينحصر بالإشكال الإثباتي وهو ما ذكرناه في البحث السابق وهو أن ظاهر حديث «لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة» أن هناك مركباً مأموراً به بأمر واحد، وإن الإخلال بسنن هذا المركب لا يضر بصحة فرائضه، فليس هناك أمران، وإنما هناك أمر واحد، وسيأتي مزيد تدقيق في هذه النكتة.

هذا تمام الكلام في الجهة الأولى وهي: هل يمكن استفادة تعدد الأمر من حديث «لا تعاد» أم لا؟

الجهة الثانية: وهي هل لحديث «لا تعاد» إطلاق وشمول لموارد إخلال العمدي، بحيث لولا الإجماع على أن من أخل بصلاته عمداً فسدت صلاته، لولا الإجماع على ذلك لقلنا: بأن مقتضى «لا تعاد» صحة صلاته كما ذهب إلى ذلك الميرزا الشيرازي «قدّس سرّه».

وهنا نتكلم أولاً عن وجوه الشمول ثم نتكلم عن وجوه عدم الشمول حيث اختلفت الكلمات بين من ذكر وجوها لإثبات شمول «لا تعاد» وبين من ذكر وجوها لإثبات عدم ثبوت شمول «لا تعاد» لمورد الإخلال العمدي، فهنا مطلبان:

المطلب الأول: هناك وجوه ثلاثة لإثبات شمول «لا تعاد» لفرض الإخلال العمدي.

الوجه الأول: أن الجمع بين الدليلين يقتضي ذلك، فمن جهة لدينا إطلاق في أدلة الجزئية والشرطية، لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب، لا صلاة لمن لم يقم صلبه في الصلاة إذا قوي فليقم وأمثال ذلك. فمقتضى الإطلاق في أدلة الجزئية والشرطية فساد الصلاة ما لم يأت بهذا الجزء أو الشرط، وعندنا إطلاق «لا تعاد»، ومقتضى إطلاق «لا تعاد» صحة صلاته وإن أخل عمداً، فمقتضى الجمع بين الإطلاقين أن نقول: بأنه مأمور بالمركب التام ما لم يأت بالمركب الناقص، فمقتضى إطلاق أدلة الجزئية أن المأمور به الأول هو المركب التام، ومقتضى إطلاق «لا تعاد» أنه لو أتى بالمركب الناقص، ولو يكن مأموراً به سقط الأمر بالمركب التام. هذا الوجه الأول.

الوجه الثاني: أن يقال: نفس الأمر بالصلاة يقتضي ذلك فإن قوله: «أقم الصلاة» مطلق أي متى ما صدق على العمل الذي أتيت به أنه صلاة فقد امتثلت الأمر فمقتضى إطلاق «أقم الصلاة» سقوط هذا الأمر ولو بالامتثال الناقص ولكن هذا الوجه الثاني يحتاج إلى تأمل، والسر في ذلك: أننا تارة نقول، بأن «أقم الصلاة» مهمل من ناحية الإتيان بالناقص وعدمه فلا نظر له لذلك، بل هو في مقام بيان مطلوبية أصل المركب، وأما لو وقع امتثال ناقص فما هي وضيفتك فهو ليس في مقام البيان من هذه الجهة فهو مهمل من هذه الجهة إذن فلا يستفاد منه صحة الامتثال أو عدم صحته سقوط الأمر أو بقاءه.

وتارة نقول بأن قوله: «أقم الصلاة» مطلق وليس مهمل، فقوله: «أقم الصلاة»، لابشرط من ناحية أنك أتيت بامتثال ناقص أم لم تأت، وحينئذ يأتي التنظر وهو هل أن عنوان الصلاة لوحظ على نحو المشيرية أو لوحظ على نحو الموضوعية؟ فإن لوحظ عنوان الصلاة على نحو المشيرية لمجموع الأجزاء والشرائط، فمقتضى إطلاقه العكس، لأنّه يقول: أقم هذا المجموع من الأجزاء والشرائط فلا يسقط الأمر إلاّ بإقامة هذا المجموع وحينئذ فمقتضى ذلك أن لا يكون امتثال الناقص مسقطاً للأمر. وأما إذا قلنا بأن عنوان الصلاة لوحظ على نحو الموضوعية يعني أقم ما يصدق عليه صلاة، أو ائت بما يصدق عليه صلاة. نعم، بناء على هذا المبنى يقال بأنه ما دام متعلق الأمر ما يصدق عليه أنه صلاة فمتى أتى بالفرائض مع السنن أو بدونها مع بعض السنن أو بدونها فقد تحقق مصداق الصلاة، وأما ما ورد في بعض السنن من لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب، أو لا صلاة لمن لم يقم صلبه في الصلاة، فليس المقصود منه نفي الماهية وإنما المقصود منه نفي هذه المرتبة بمعنى أن المرتبة التامة من الصلاة لا تتحقق إلاّ مع فاتحة الكتاب أو مع إقامة الصلب.

هو يقول من الأول: وجهي في بيان الصحة هو الأمر بالمركب، سواء صح الجمع العرفي بين أدلة الأجزاء والشرائط وبين حديث «لا تعاد» أو ما صح الجمع العرفي؛ لأنّه سيأتي من عندنا أن هذا ليس جمع عرفي، ليس الجمع بين دليل حديث «لا تعاد» وأدلة الأجزاء والشرائط بحمل أدلة الأجزاء والشرائط على ما لم يأت بالمركب الناقص هذا ليس جمعا عرفيا وسيأتي بيان ذلك، صاحب هذا الوجه يقول: تم هذا الجمع العرفي أو لم يتم أنا عندي جمع آخر وهو التمسك بإطلاق الأمر بالمركب «أقم الصلاة».

الوجه الثالث: ما ذكره السيد الإمام «قدّس سرّه» في بحث الخلل من أنه لولا دعوى الانصراف لكان ظاهر قوله: «لا تنقض السنة الفريضة» هو الشمول حتى لحال الإخلال العمدي؛ والسر في ذلك: ما ذكرناه سابقا من النكتة وهي أن ظاهر «لا تنقض السنة الفريضة» أن من أخل بالسنة بما هي سنة فإن ذلك لا يوجب نقض الفريضة، وهذا هو مقتضى أصالة الموضوعية في العناوين، أن الملاك في سقوط الأمر أن يكون الإخلال بالسنة فالإخلال بالسنة بما هي بالسنة مسقط للأمر، فإذا استظهرنا من الدليل ذلك وهو الظاهر بمقتضى أصالة الموضوعية في العناوين، فمقتضاه هو أنه لا فرق بين العمد وغير العمد؛ لأنَّ النكتة أن يخل بالسنة بما هي سنة، فلو قيدتم ذلك فيكون من أخل بالسنة حال العذر، إذن لم يكن للسنة موضوعية، فمقتضى الموضوعية للسنة أن المدار في سقوط الأمر على ذلك على الإخلال بالسنة من حيث هي سنة وهذا يمتد لحال العمد وحال العذر معا، وإلا لو خصصناه بحال العذر فلا موضوعية للإخلال بالسنة بما هي سنة بل للسنة عن عذر لا للسنة من حيث هي وهذا مناف لأصالة الموضوعية.

هو يقول: ظاهر الدليل والسنة و«لا تنقض السنة الفريضة» أن المناط في سقوط الأمر الإخلال بالسنة بما هي سنة بعد لا تذهبوا إلى الفرائض لا علاقة لنا به، ظاهر الدليل الإخلال بالسنة من حيث هي سنة، هذا المعنى إنما يتم إذا عممنا لحال العمد وحال.... هذا ما أفاده «قدّس سرّه».

ولكن يلاحظ على ما أفيد في هذا الوجه أنه إذا قلنا لنحن وحديث «لا تعاد» مع غض النظر فهناك قرينتان: قرينة لفظية وقرينة سياقية، تدلان على أن مثل هذه الكبرى وهي: «لا تنقض السنة الفريضة» لا شمول فيها لحال الإخلال العمدي، أما اللفظية فإن قوله: «لا تنقض السنة الفريضة»، إنما يشمل حال العمد إذا كان هناك تعدد في الأمر أو كان الإتيان بالناقص مانعا من استيفاء ملاك الأمر بالصلاة ولا يتصور أن يصح العمل مع الإخلال العمدي إلاّ بأحد هذين الوجهين، فإن من أتى بالناقص مع مطلوبية التام منه لا يتصور منه أن ما أتى به مسقط للأمر إلاّ بأحد هذين الوجهين أن يكون هناك تعدد في الأمر وقد امتثل أمراً وعصى أمراً آخر.

أو أن الأمر واحد ولكن متى ما أتى بالناقص امتنع استيفاء ملاك التام، وهذه العبارة وهي: «لا تنقض السنة الفريضة»، نافية لكلا الاحتمالين. أما الاحتمال الأول وهو احتمال تعدد الأمر فإنه لو كان هناك أمر بالفرائض وأمر للسنن، فعدم ضائرية أحدهما بالآخر بالبداهة لأنَّ أساساً الأمر متعدد فلا يحتاج أصلاً إلى البيان فلا حاجة هناك إلى أن يقال: «لا تنقض السنة الفريضة»، لأنَّ عنوان السنة وعنوان الفريضة لا موضوعية له بل الموضوعية لتعدد الأمر فحيث إن هناك أمراً بالفرائض وأن هناك أمراً بالسنن، فمن الطبيعي أن يكون عصيان أحدهما غير ضائر لامتثال الآخر، سواء كان الجميع من باب السنن أو الجميع من باب بالفرائض أو مختلفين، فلا يبقى أية موضوعية لعنوان السنة والفريضة وهذا خلاف الظاهر فإن ظاهر قوله: «لا تنقض السنة الفريضة»، أن عدم ضائرية الإخلال بالسنة بسقوط الأمر بلحاظ أنها سنة لا بلحاظ أن لها أمراً يخصها.

وأما الاحتمال الثاني: وهو دعوى أنه أن أتى بالناقص امتنع عليه استيفاء ملاك التام فإنه أيضاً منفي بظاهر ذلك لأنَّ ظاهره أن من أتى بالسنة لم يخل بالملاك فملاك الصلاة باق ببقاء الفرائض لا أنه امتنع عليه استيفاء الملاك فإن من امتنع عليه استيفاء الملاك لا يقال له: «لا تنقض السنة الفريضة»، بل يقال له: إن السنة إذا حصلت امتنع عليك إدراك الفريضة، لا أن السنة إذا لم تحصل منك فيكفيك حصول الفرائض، إذا هذا اللسان وهو قوله: «لا تنقض السنة الفريضة»، ظاهر عرفا في أنه حقق الملاك المطلوب من الأمر فلأجله سقط الأمر لا أنه امتنع عليه استيفاء الملاك بالإخلال بالسنة

فالنتيجة مقتضى هذه القرينة الاسنادية يعني «لا تنقض السنة الفريضة» هو عدم شمول «لا تنقض السنة الفريضة» لحال الإخلال العمدي فإن الشمول فرع هذه الوجهين وكلاهما منفيان بظاهر هذه الفقرة.

وهناك ظهور سياقي وهو قوله في صدر الرواية: «لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة»، فإن ظاهر الاستثناء أن هناك أمراً واحدا بمركب مشتمل على خمسة وغيرها وأن الإخلال بغير الخمسة غير ضائر بامتثال بالصلاة بخلاف الإخلال بها، فدعوى شمول: «لا تنقض السنة الفريضة»، لفرض الإخلال العمدي بوجه «طبعا هذا لا يشمل كلا الوجهين هذه القرينية السياقية» بوجه تعدد الأمر مناف للقرينة السياقية.

وأما ما ذكره هو «قدّس سرّه» من أن مقتضى الموضوعية بين الفريضة والسنة شمول هذه الكبرى لحال الإخلال العمدي فيرد عليه ما أفاده جمع من الأعلام من أن غاية ما تقتضيه أصالة الموضوعية أن للسنة مدخلية لا أنها تمام الموضوع في ذلك فمقتضى أن لها دخلا أن الإخلال بها عن عذر غير مفسد بينما الإخلال بالفريضة مفسد على كل حال.

هذا تمام الكلام في المطلب الأول وهي الوجوه التي طرحت لإثبات شمول «لا تعاد» لفرض الإخلال العمدي.

المطلب الثاني: وهي الوجوه المذكورة لبيان عدم شمول: «لا تعاد»، لفرض الإخلال العمدي وهي تسعة وجوه:

الوجه الأول: دعوى أن مقتضى قرينة الامتنان وهي ورود «لا تعاد»، مورد الامتنان اختصاصها بفرض الإخلال عن عذر، ولا شمول فيها لفرض الإخلال العمدي، وهذه الدعوى لا بد لنا من تحليلها والتأمل فيها كما ذكر ذلك في بحث الأصول في حديث الرفع وبيان ذلك: هل أن مصب الامتنان في عالم الامتثال أو أن مصب الامتنان في عالم الجعل؟

فإن كان المنظور إليه في قرينية الامتنان مقام الجعل بمعنى أن في هذا الجعل وهو صحة الصلاة مع الإخلال بالسنة امتنانا فلعل الامتنان في تقيد السنة بما إذا لم تأت بالفرد الناقص، أي أن جزئية السنة ليست جزئية مطلقة، وإنما هي جزئية مقيدة بما إذا لم تأت بالناقص فمثلا فاتحة الكتاب جزء من الصلاة ما لم تأت بالمركب الناقص وفي هذا التقيد امتنان، إذن فما دام الملحوظ الامتنان بالنظر لمقام الجعل، فمن أين صح لكم أن تقولوا: بأن الامتنان في مقام الجعل مختص بفرض الإخلال عن عذر، بل قولوا لعل الامتنان بالتقيد وهو أن المولى قيد جزئية السنة بما إذا لم يأت بالفرد الناقص وفي هذا التقييد امتنان، ومقتضى الشمول لفرد الإخلال العمدي أيضاً.

وإن كان المنظور الامتنان بلحاظ مقام الامتثال بمعنى: أننا لو قلنا أن المطلوب من المكلف الصلاة التامة فإن أخل بها وأتى بالفرد الناقص فالشارع... وإلا الجعل لم يتغير، الجعل باق، يعني أن جزئية كل سنة جزئية مطلقة، وما أتى به ليس امتثالا أصلاً، مع ذلك الشاعر الشريف يقول: بأنه ما أتى به وإن لم يكن امتثالاً، بل كان عبثاً وخللاً مع ذلك أنا امتن عليه بسقوط الأمر، فهو ناظر لمقام الامتثال، فهنا يتجلى الامتنان «كتحليل لكلامه» فيقال: إذن تصحيح عمله مع عدم سقوط العقوبة عنه خلاف الامتنان، بأن يقول الشارع سقط: الأمر لكن يستحق العقوبة؛ لأنّه لم يأت بالمركب التام، فبما أن «لا تعاد» واردة مورد الامتنان فلا معنى للامتنان بإسقاط الأمر مع بقاء استحقاق العقوبة، فإما أن تقولوا برفع اليد عن استحقاق العقوبة وهذا خلف صدور المعصية منه بترك امتثال الأمر بالمركب التام، وإما أن تقولوا برفع اليد عن شمولها لفرض الإخلال العمدي وهو المتعين.

إذن مقتضى ورود «لا تعاد» مورد الامتنان عدم شمولها لحال الإخلال العمدي إذ لا معنى للامتنان مع إبقاء استحقاق العقوبة.

ولكن قد يقال: إن في هذا الحكم الوضعي وهو سقوط الأمر في نفسه امتنانا حيث تترتب عليه آثار وضعية أخرى كما في المترتبين، كما لو افترضنا أن الأمر بصلاة الظهر قد سقط صح منه الإتيان بصلاة العصر وإن كان مستحقا للعقوبة، كما أنه لا يجب على ولده الأكبر القضاء عنه، فيكفي في تحقق الامتنان ترتب اثر على هذا الحكم الوضعي ألا وهو سقوط الأمر، وإن لم يكن امتنانا شاملا من جميع الجهات، فإنه لا يستفاد من: «لا تعاد»، أنه من أخل فإنه محفوف بالامتنان من قرنه إلى قدمه.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 27
الدرس 29