نص الشريط
الدرس 60
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 24/3/1435 هـ
مرات العرض: 2545
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (542)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

كان الكلام في أن الفرد الاضطراري كالصلاة الاضطرارية في أول الوقت هل يمكن أن تكون موردا للمبغوضية المستلزمة للفساد أم لا؟ فهل يمكن أن تكون الصلاة جالسا في أول الوقت بالنسبة للمريض أمراً مبغوضاً وان مبغوضيته مستلزمة لفساده في حقه فتكون صلاة فاسدة، أم أن هذا مما لا يمكن؟

فهنا ذكر جمع من الأصوليين أن الصلاة الاضطرارية بناء على كونها مفوتة لملاك الصلاة الاختيارية بمعنى انه لو صلى الصلاة الاضطرارية لم يمكنه بعد ذلك تحصيل ملاك الصلاة الاختيارية، بينما لو انتظر إلى أن يزول مرضه في الوقت أمكنه تحصيل ملاك الصلاة الاختيارية فالصلاة الاضطرارية سبب موجب لتفويت ملاك الصلاة الاختيارية، فبناء على هذا المحتمل هل تتصف الصلاة الاضطرارية بالمبغوضية لأنها مفوتة لملاك لزومي للمولى؟ وعلى إثر اتصافها بالمبغوضية تقع فاسدة بلحاظ أن مبغوضية العمل مانع من صلاحيته للمقربية فتقع الصلاة فاسدة، أم لا يمكن ذلك؟

فهنا ذكر وجهان لمنع اتصافها بالمبغوضية المستلزمة للفساد:

الوجه الأول: - ما ذكره العراقي وغيره - من: أن هذه المبغوضية مما يلزم من وجوده عدمه، وما يلزم من وجوده عدمه فهو محال، فمن المحال أن تتصف هذه الصلاة بالمبغوضية المؤدية للفساد، «بيان ذلك»: أن الصلاة الاضطرارية المفوتة للملاك هي الصلاة الصحيحة إذ لا يعقل أن تكون الصلاة الاضطرارية مفوتة لملاك الصلاة الاختيارية وهي في حد ذاتها صلاة فاسدة، فإنما يكون لها اثر بحيث يتعذر على المكلف استيفاء ملاك الصلاة الاختيارية إذا كانت الصلاة صحيحة فمفوتيتها للملاك فرع صحتها، فإذا كان كذلك فلو اتصفت بالمبغوضية والمبغوض موجب للفساد والفساد لا يمكن أن يكون مفوتا لملاك الصلاة الاختيارية فلازم عدم مفوتيتها لملاك الصلاة الاختيارية عدم مبغوضيتها؛ لأنها إنما تكون مبغوضة إذا كانت مفوتة وإذا لم تكن مفوتة فليست بمبغوضة فالمبغوضية فرع كونها مفوتة للملاك وكونها مفوتة للملاك فرع صحتها وصحتها فرع عدم مبغوضيتها فلزم من مبغوضيتها عدم مبغوضيتها وما يلزم من وجوده عدمه فهو محال، إذن فمن المحال ومن الممتنع أن تتصف الصلاة الاضطرارية في أول الوقت بكونها مبغوضة، فضلا عن أن تقع فاسدة.

قد يقال: بأن هذه النكتة - وهي ما يلزم من وجوده عدمه فهو محال - نكتة فلسفية لا ربط لها بالفقه.

ولكن يجاب عليه: بأنه قد استند إلى هذه النكتة جمع من الفقهاء في عدة موارد في الفقه ونذكر بعض الأمثلة:

المثال الأول: لو نذر المكلف أن يأتي بالصلاة جماعة فأتى بها فرادى، فبناء على أن حنث النذر يتحقق بالصلاة فرادى يقال: حَنثَ نذره بالصلاة فرادى، حيث إنه بصلاته فرادى قد اسقط الأمر بالظهر فكان بصلاته فرادى حانثا للنذر، إذن فقد يقال: إن الصلاة فرادى قد اتصفت بالمبغوضية لأن الحنث مبغوض واتصافها بالمبغوضية يعني فسادها.

فيُرد على ذلك: لا يعقل أن تتصف صلاة الفرادى بالمبغوضية فإن هذا مما يلزم من وجوده عدمه فإن اتصاف صلاة الفرادى بالمبغوضية فرع كونها حنثا وكونها حنثا فرع صحتها وإلا لو كانت فاسدة لم تكن حنثا وصحتها فرع عدم مبغوضيتها إذ لا تجتمع المبغوضية مع الصحة فلزم من مبغوضيتها عدم مبغوضيتها وما يلزم من وجوده عدمه فهو محال، فمن المحال أن تتصف صلاة الفرادى بكونها مبغوضة.

المثال الثاني: - كما في العروة - اذا نذر أن يصوم هذا اليوم أو يصلي فيه تماما فسافر بغرض ترك الواجب، أي أنه نذر أن يصلي اليوم تماما أو يصوم فسافر من اجل أن يتخلص من هذا الواجب وهو الصلاة تماما أو الصوم، فإذا سافر بهذا الغرض وهو ترك الواجب أصبح سفرَ معصية وسفرُ المعصية حكمه التمام فعليه أن يصلي تماما، فهو سافر من اجل أن لا يصلي تماما ولكن بسفره خوطب بالصلاة تماما. إذن فيلزم من إيجاب التمام عليه لكون سفره سفر معصية عدم وجوب التمام عليه، لأنّه بوجوب التمام عليه وفى بالنذر وإذا كان قد وفى بالنذر إذن فلم يتحقق سفر المعصية وحيث لم يتحقق سفر المعصية فلا يجب عليه التمام إنما يجب عليه القصر لكونه مسافرا فلزم من وجوب التمام عليه عدم وجوب التمام عليه، وما يلزم من وجوده عدمه محال إذن من المحال أن يخاطب هذا المكلف بوجوب التمام.

والسيد الخوئي بعد هذا المثال قال: ونظيره - يعني نظير هذا المثال - ما إذا قصد بالسفر أن يصلي تماما تشريعا فقال: أنا أسافر لغرض واحد وهو أن أصلي في السفر تماما تشريعا، مع أن حكم المسافر القصر لكنه أراد أن يصلي في السفر تماما تشريعا منه، فإذا قصد بسفره أن يصلي تماما تشريعا أصبح سفره «سفرا قُصِدَ به المعصية» والسفر المقصود به المعصية حكمه التمام فيجب عليه التمام فإذا وجب عليه التمام لم يتمكن من أن يصلي تماما تشريعا بل صارت صلاته التمام شرعا لا تشريعا لأنّه مأمور بهذه التمام فإذا أتى بها فقد أتى بما هو شرعي في حقه لا بما هو تشريع فلزم من إيجاب التمام عليه عدم وجوب التمام لأنّه بايجاب التمام عليه خرج عن كون هذا السفر سفر معصية فإذا خرج عن ذلك فحكمه القصر. وليس غرضنا الإشكال لأننا في جلسة القواعد أشكلنا على هذا الكلام وغرضنا في هذا البحث هو التمثيل فراجعوا في جلسة القواعد الإشكال الذي ذكرناه هناك.

فالغرض هنا أن نقول: بأن هذه النكتة الفلسفية وهي أن ما يلزم من وجوده عدمه فهو محال قد تدخلت في بعض الفروع الفقهية كما ذكرنا ومن مواردها محل كلامنا وهو أن اتصاف الصلاة الاضطرارية بالمبغوضية محال؛ لأن اتصافها بالمبغوضية فرع كونها مفوتة للملاك وفرع كونها مفوتة للملاك فرع صحتها وصحتها فرع عدم مبغوضيتها فلزم من المبغوضية عدمها فاتصافها بالمبغوضية محال. هذا كلام المحقق المدقق العراقي «قدّس سرّه».

الاشكال الأول: وأشكل السيد الشهيد «قدّس سرّه» في أصوله على كلام المحقق العراقي: بأن المحذور الوارد في المقام ليس هو محذور ما يلزم من وجوده عدمه بل المحذور الوارد في المقام عدم القدرة على إيجاد المبغوض لا عدم المبغوضية وفرق بين المحذورين، فما يترتب على اتصاف الصلاة الاضطرارية بالمبغوضية عدم القدرة على إيجادها لا أن الذي يترتب على اتصافها بالمبغوضية عدم اتصافها بالمبغوضية كي يقال: يلزم من وجوده عدمه.

بيان ذلك: أنه إذا تعلقت المبغوضية بالصلاة الاضطرارية لكونها مفوتة للملاك فلم يتمكن المكلف من إيجاد هذه الصلاة الاضطرارية، إذ يعتبر في صحة العبادة قصد القربة ولا يتمكن المكلف من قصد القربة مع كون الصلاة مبغوضة، فالمحذور المترتب هو عدم قدرة المكلف على الإتيان بها إذ بمجرد أن يلتفت المكلف بأن هذه الصلاة الاضطرارية مفوتة للملاك إذن فهو ملتفت إلى أنها مبغوضة ومع الالتفات إلى مبغوضيتها لا يتمكن من الإتيان بها إذ يشترط في صحة العبادة قصد القربة ولا يتأتى منه قصد القربة مع التفاته للمبغوضية هذا هو المحذور، فالمحذور هو العجز وعدم القدرة على إيجاد المبغوض لا أن المحذور عدم اتصافها بالمبغوضية، إذن فلا يلزم من اتصافها بالمبغوضية عدم اتصافها بل تبقى متصفة بالمبغوضية غاية ما في الأمر المكلف غير قادر على إيجادها خارجا.

يرد على هذه الملاحظة: أنه يعتبر في صحة العبادة الحسن الفاعلي والحسن الفعلي، فالحسن الفاعلي بتمشي قصد القربة بأن يكون المكلف قادرا على قصد القربة، والحسن الفعلي بأن تكون العبادة في حد ذاتها مع غمض النظر عن قصد القربة محبوبة أو لا اقل غير مبغوضة فلا يكفي في صحة العبادة مجرد تمشي قصد القربة وإنما يعتبر مضافا إلى تأتّي وتمشي قصد القربة أن يكون العمل بحد ذاته قابلا للتقرب محبوبا في نفسه أو غير مبغوض، فبناء على ذلك إذا كانت الصلاة الاضطرارية مبغوضة لكونها مفوتة للملاك وردَ إشكال عليها اسبق من إشكال عدم القدرة على قصد القربة وذلك الإشكال الذي يرد هو إشكال عدم إمكان اجتماع المبغوضية وعدمها في مورد واحد، لذلك لابد من بيان الإشكال الثاني على الاتصاف بالمبغوضية.

الاشكال الثاني: أنه بعد أن اتصفت هذه الصلاة الاضطرارية بالمبغوضية لكونها مفوتة للملاك فلا يعقل في ظرف اتصافها بالمبغوضية أن تتصف بعدم المبغوضية والحال ان لكل منهما - أي المبغوضية وعدمها - سببا يقتضي الاتصاف بها فمقتضى كونها مفوتة للملاك أن تتصف بالمبغوضية، ومقتضى كونها صحيحة - اذ لا يمكن ان تكون مفوتة للملاك الا أن تكون صحيحة - ان تتصف بعدم المبغوضية على الأقل، فلا يعقل اجتماع هذين الاتصافين في هذه الصلاة وهذا هو لب الاشكال، لا أن لب الاشكال ان المكلف اذا التفت الى أنها مبغوضة لم يمكنه قصد القرية، بل الاشكال أسبق رتبة من ذلك وهو أن الصلاة فيها سبب يقتضي المبغوضية وفيها ايضا سبب يقتضي عدم المبغوضية، فالسبب الذي يقتضي المبغوضية كونها مفوتة للملاك، والسبب الذي يقتضي عدم المبغوضية وهو ان تفويتها للملاك فرع صحتها، وصحتها مساوقة لعدم المبغوضية، فلا يمكن اجتماع هذين الوصفين في هذه الصلاة.

اذن فما أجاب به السيد «قدس سره» عن الاشكال بأن اتصاف هذه الصلاة بالمبغوضية لا يؤدي الى محذور عقلي - وهو ما يلزم من وجوده عدمه - بل يؤدي الى محذور خارجي وهو عجز المكلف عن الاتيان بها، ولكنا نقول: انه يؤدي الى محذور عقلي حيث ان هذه الصلاة كما هي واجدة لما يقتضي الاتصاف بالمبغوضية فهي ايضا واجدة لما يقتضي الاتصاف بعدم المبغوضية، فلا يمكن اجتماعهما فيها.

فتلخص بذلك: أن الصحيح عدم معقولية اتصاف الصلاة الاضطراية بالمبغوضية المؤدية الى الفساد، فلابد من اما أن نمنع اتصافها بالمبغوضية أو نمنع الملازمة بين المبغوضية والفساد، والا فاتصافها للمبغوضية المؤدية للفساد الاشكال فيه مستحكم.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 59
الدرس 61