نص الشريط
الدرس 62
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 26/3/1435 هـ
مرات العرض: 2550
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (447)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

ذكرنا فيما سبق أن استفادة الإجزاء والصحة الواقعية من حديث الرفع في مورد الإخلال بالشرط أو الجزء جهلا قد أشكل عليه بأن هذا تصويب لأنّه يودي إلى اختصاص الحكم بالعالم به واختصاص الحكم بالعالم به باطل عقلاً لكونه دورا وباطل شرعا لكونه تصويبا اجمع على بطلانه وذكرنا أن السيد الإمام «قدّس سرّه» في كتاب الخلل أفاد بأن هذا الإشكال غير وارد ويمكن أن يرجع كلامه في جواب هذا الإشكال إلى وجوه ثلاثة:

الوجه الأول: أن الحكم في مورد الجهل ثابت إلا انه لا أثر له، فما رفع بحديث الرفع هو رفع تمام الآثار لهذا الحكم المجهول وإن كان ثابتا واقعا ومن تلك الآثار الأمر بالإعادة أو القضاء، ولكن قد يورد على هذا المدعى بإيرادين:

الإيراد الأول: أن ثبوت الحكم واقعا مع عدم ترتب اثر له حال الجهل به مستلزم للغوية فعله، فهذا الجواب مبتلى بمحذور اللغوية فهو وان تفصى وتخلص من محذور الدور ومحذور التصويب إلا انه وقع هذا الجواب تحت محذور اللغوية.

ولكن هذا الإيراد غير وارد وذلك بالنقض والحل:

أما النقض: فلما تم التسالم عليه في عدة موارد من ثبوت الحكم مع أنه لا اثر له:

1 - كما في مورد دوران الأمر بين المحذورين فإنه إذا دار الإلزام المحتمل بين الوجوب والحرمة فالمكلف بطبعه إما فاعل وإما تارك، فلا اثر للإلزام المحتمل في البين، مع ذلك التزموا بأن الحكم واقعا لم يرتفع لمجرد تردده بين المحذورين وإن لم يكن له أثر عملي حيث لا يمكن الاحتياط بالنسبة إليه.

2 - ومن الموارد: ما إذا قامت الحجة الشرعية على خلاف الحكم الواقعي كما لو افترضنا أن الحكم الواقعي هو وجوب الجمعة ولكن قام خبر الثقة على حرمتها في عصر الغيبة، فإن مقتضى قيام خبر الثقة على حرمة الجمعة أن المكلف مضطر إلى الترك تعبدا بالأمارة القائمة على الحرمة مع أن الوجوب قد يكون ثابتا واقعا فثبوت الوجوب في هذه الموارد لا يترتب عليه اثر بعد قيام الأمارة على خلافه.

3 - ومن الموارد التي وقع فيها الكلام - لا نقول متسالم عليها -: مورد الجهل المركب فمن قطع مثلاً بحرمة صلاة الجمعة في عصر الغيبة فإن وجوبها واقعا أو استحبابها واقعا مما لا اثر له في حق هذا المكلف وان ظهر من بعض كلمات السيد الخوئي «قدّس سرّه» بأن الحكم يرتفع واقعا في فرض القطع بخلافه إلا أن عند غيره من الأعلام الحكم ثابت واقعا وإن لم يمكن ردع المكلف عن العمل بقطعه.

إذن هناك عدة موارد ثبت فيها الحكم واقعا مع انه ليس له اثر عملي. هذا هو النقض.

وأما الحل: فتارة نفترض أن الإطلاق من باب عدم لحاظ القيد - كما هو مبنى السيد الصدر وغيره - من تفسير الإطلاق بأمر عدمي وهو عدم لحاظ القيد إذن فبناء على ذلك إطلاق الحكم لفرض الجهل لا يتصف باللغوية وإن لم يكن له اثر في فرض الجهل باعتبار أن الإطلاق ليس فعلا من أفعال المولى وإنما يتصف الشيء بكونه لغوا أو قبيحا إذا كان فعلا وأما إذا أرجعنا الإطلاق إلى انه ليس فعلا وإنما هو عدم لحاظ القيد فحينئذ لا معنى لاتصافه باللغوية والإشكال على أن إطلاق الحكم لفرض الجهل لغوا إذ ليس معنى إطلاق الحكم لفرض الجهل أن المولى لاحظ الشمول وإنما هو بمعنى لم يلاحظ قيد العلم.

وأما إذا فسرنا الإطلاق بأنه أمر لحاظي وفعل من أفعال المولى - كما ذهب إليه سيدنا «قدّس سرّه» - وهو أن معنى الإطلاق لحاظ الرفض أن يلحظ الماهية لا بشرط على نحو الإباء والرفض عن القيد، فحينئذ يقال: يكفي في عدم لغوية الحكم انه لو وصل لحرك، ففرق بين نسبة الحكم للجاهل ونسبة الحكم للعاجز ففي نسبة الحكم للعاجز يقال: نعم، هذا الحكم لو وصل لم يحرك لأنّه عاجز، بخلاف نسبة الحكم للجاهل فإنه يصح أن يقال: هذا الحكم لو وصل إليه لحركه، فهذه المحركية الاقتضائية بمعنى انه لو وصل لحرك أمر كاف في شمول الحكم لفرض الجهل وعدم لغويته.

إذن فالإيراد على كلام السيد وغيره ممن يدعي أن الحكم الواقعي إنشائي في حق الجاهل وإن لم يترتب عليه اثر الإشكال عليه بأنه لغو غير وارد.

الإيراد الثاني: إما أن يكون المدعى له «قدّس سرّه» أن الحكم المجهول لا اثر له أصلا وإما أن يدعي بأنه ينتفي عنه الأثر التكليفي من وجوب الإعادة أو وجوب القضاء دون الآثار الوضعية الأخرى، فإن كان المدعى بأن الحكم الواقعي لا اثر له - في فرض الجهل - تكليفا ووضعا بمعنى انه إذا جهل بنجاسة الخمر مثلاً فنجاسة الخمر مرفوعة برفع تمام آثارها بحيث حتّى لو لاقاها برطوبة فإنها لا تتنجس، لا أن المرفوع هو مجرد الخطاب التكليفي بل حتّى الآثار الوضعية ما دامت النجاسة مجهولة على نحو الشبهة الحكمية فلا اثر لها لا تكليفا ولا وضعا كما هو ظاهر كلامه في بحث البراءة حيث بنى على صحيحة البزنطي واستظهر منها أن حديث الرفع كما يرفع الأحكام التكليفية يرفع الأحكام الوضعية فإن كان يدعي هذا فهذا خلاف المتسالم عليه من أن من جهل بالنجاسة فإنه يتنجس ملاقي النجس المجهول.

وأما إذا كان المدعى أن المرفوع بحديث الرفع المؤاخذة، الكفارة، وجوب الإعادة، وجوب القضاء وهذه الآثار التكليفية مثلاً ذات الثقل على المكلف لا أن المرفوع تمام الآثار، فهذا خلاف ما أفاد من أن المصحح لإسناد الرفع للعنوان رفع تمام الآثار وإلا لو كان المرفوع بعض الآثار فلا مصحح لإسناد الرفع لنفس الحكم حيث قال: «رفع عن أمتي ما لا يعلمون» وظاهر الجملة أن المرفوع نفس الحكم بينما نفس الحكم ثابت إذن فلكي يصح - هكذا قال - إسناد الرفع إلى الحكم مع أن المرفوع هو الأثر لابد أن يكون المرفوع تمام الآثار فيقال: رفع تمام آثاره رفع له مجازا.

إذن الإشكال على هذا المسلك من هذه الجهة لا من جهة إشكال اللغوية وإلا فهذا المسلك في نفسه قد ذهب إليه الشيخ الأعظم في الجمع بين الحكم الواقعي والحكم الظاهري حيث أفاد أن الحكم الواقعي في موارد الحكم الظاهري حكم انشائي محض.

الوجه الثاني الذي يمكن استفادته من كلامه: ما ذكره سيد المنتقى «قدّس سرّه» وغيره من أن المرفوع في حال الجهل هو الفعلية، وكما قال هو الجدية والفعلية، والمقصود برفع الفعلية ليس إلا تقييد موضوع الحكم بفرض العلم به وهذا معنى اخذ العلم في موضوع الحكم وسيأتي تحليل هذا المطلب بنحو أوضح بعد أن ننتهي من تحليل كلام السيد «قدّس سرّه».

هذا الوجه بهذا النحو صحيح ليس فيه إشكال.

الوجه الثالث: الذي يمكن أن يستفاد من كلامه في بحث الترتب وهو يبتني على مطلبين:

المطلب الأول: أن هناك فرقا بين التقييد والمسقطية وارتفاع اللزوم فهذه الموارد لا يصح الخلط بينها:

المورد الأول: التقييد كما تسالم الفقهاء على أن الحكم مقيد بالبلوغ فلا ثبوت للحكم في حق غير البالغ فهذا مرجعه إلى التقييد بمعنى أن الحكم من أول الأمر لا شمول له للصبي أن الوجوب من أول الأمر لم يشمل الصبي لا انه شامل إنشاءً ليس شاملا فعلا، شامل صورة ليس شاملا جدا، بل من الأول ليس شاملا للصبي هذا هو معنى التقييد وهذا ليس مدعى في المقام بمعنى أننا لا ندعي في فرض الجهل أن الحكم من أول الأمر لا يشمل فرض الجهل ففرض الجهل يختلف عن فرض غير البلوغ.

المورد الثاني: هو المسقطية بمعنى أن الحكم منجز لكن قام المكلف بعمل اوجب سقوط الأمر وإلا فقد كان الأمر فعليا منجزا في حقه، كما طرح ذلك صاحب الكفاية والمحقق الحائري وغيره في مفاد حديث «لا تعاد» أن المكلف في حديث «لا تعاد» لو افترضا أن المكلف اخل بشرط الاطمئنان نسيانا أو جهل قصوريا أو كما عممها السيد الاستاذ لموارد الاضطرار اخل بالاطمئنان عن اضطرارا ففي هذه الموارد التزم بعض الأعلام كصاحب الكفاية أن الأمر بالصلاة التامة فعلي منجز بحق هذا الشخص غاية ما في الباب أنه إذا أتى بالصلاة الناقصة فقد أحرز ملاكا مضادا لملاك الصلاة التامة ونتيجة أنه أحرز ملاكا مضادا لملاك الصلاة التامة سقط الأمر بالصلاة التامة لا لأنّه ليس فعليا بحقه بل لأنّه تعذر امتثاله بعد الإتيان بالصلاة الناقصة، وهذا أيضاً ليس مقصودا يعني المسقطية ليست مقصودة في المقام بأن يكون عمل الجاهل موجبا لتعذر امتثال الأمر وإنما المقصود شيء ثلاث لا التقييد ولا المسقطية إنما المقصود ارتفاع مرتبة اللزوم وهذا ما نبينه في المطلب الثاني.

المطلب الثاني: أن الحكم الشرعي والخطاب الشرعي له ثلاث مراتب: مرتبة الإنشاء ومرتبة القانونية ومرتبة اللزوم، أما مرتبة الإنشاء فهي عبارة عن الصياغة الجعلية حيث صاغ الجعل فقال: يجب على المكلف دفن الميت المسلم، فهذه الصياغة الجعلية هي مرتبة الإنشاء، وفي هذه الصياغة الحكم شامل للجاهل والعالم والعاجز والقادر، ولا فرق بين هذه الأنحاء.

المرتبة الثانية: مرتبة القانونية أي جعل الحكم على نحو القانون وضرب القاعدة، كما تفعل الدول من خلال إيصال الحكم إلى وسائل الإعلام فإن جعل الحكم في معرض الوصول إلى المكلف هو عبارة عن مرحلة القانونية أن الحكم أصبح خطابا قانونيا يرجع إليه عند الشك، وفي هذه المرتبة يكون الحكم جديا وفعليا فهو مراد للمولى وهو فعلي بمعنى انه موطن للأثر فهو جدي أي مراد للمولى إرادة لزومية وهو فعلي بمعنى انه موضوع للأثر إلا انه مراد بما هو قانون وموطن للأثر بما هو قانون فمن حيث كونه قانونا مراد وفعلي، فهو في هذه المرتبة مطلق يشمل فرض الجهل والعلم والعجز والقدرة؛ والسر في ذلك - هكذا قال «قدّس سرّه» في باب الترتب -: أن المرتكز العقلائي في باب القوانين لا تلاحظ حالات المكلف وحالات العمل من كون المكلف عالم أو جاهل عاجز أو قادر في حرج أو غير حرج فإن المرتكز العقلائي في مقام ضرب القانون وإبرام القاعدة لا يلاحظ إلا طبيعي المكلف وطبيعي العمل فكأنه قال: «على طبيعي المكلف طبيعي دفن الميت المسلم» فالملحوظ طبيعي المكلف بالنسبة إلى طبيعي العمل من دون ملاحظة الأنحاء والحالات والملابسات المختلفة للموضوع والمتعلق فإن هذا غير ملحوظ، والنتيجة أن الحكم في مرتبة القانونية فعلي مطلق، وهذا يبتني على عدم القول بالانحلال حيث إن هناك اتجاهين لدى الأصوليين: اتجاها منكرا للانحلال - كما يقول به السيد الإمام والسيد الصدر قدس سرهما - واتجاه يقول بالانحلال - كما يقول به السيد الخوئي «قدّس سرّه» - بمعنى أن الملحوظ في مقام الجعل هو قصد إنشاء عدة تكاليف بعدد أفراد المكلفين نظير من يقول: سميت المولود في يوم الغدير عليا فإنه إذا قال: سميت المولود في يوم الغدير عليا، ليس المقصود تسمية الطبيعي وإنما المقصود أن ينشئ بهذا الكلام تسميات بعدد من يولد في هذا اليوم فهو من باب الوضع العام والموضع له الخاص أي أن ما تصوره حال الوضع هو طبيعي المولود يوم الغدير لكن ما قصده من وراء هذا الطبيعي هو الأفراد وهو أن يضع اسما لكل فردٍ فرد من أفراد المولود يوم الغدير وهو اسم علي فكما في باب الوضع العام والموضوع له الخاص يراه المرتكز العقلائي وضعا انحلاليا كذلك في باب الخطابات القانونية فإن المولى إذا قال: يجب على المكلف دفن الميت المسلم، هذا القانون بحسب المرتكز العقلائي ينحل إلى تكاليف عديدة بعدد الموتى بعدد المكلفين، إذن على مبنى إنكار الانحلال فإن الخطاب القانوني فعلي في حق الجاهل وجدي بالنسبة إليه وإن لم يترتب اثر لأن المولى أصلا لم يلاحظ حالات الجهل والعلم، وأما على مبنى الانحلال فإن للعالم خطاب وللجاهل خطاب وللعاجز خطاب وللقادر خطاب وحيث إن تولد خطاب في حق الجاهل مع عدم ترتب أي اثر عملي عليه لغو إذن لا محالة الخطاب لم يشمل الجاهل.

المرتبة الثالثة مرتبة اللزوم بمعنى أن قوله: يعتبر في صحة الصلاة طهارة ساتر العورة وان لا يكون مما لا يؤكل لحمه ونحو ذلك هذا الشرط فعلي جدي في حق الجاهل لكن ليس لزوميا فهو فعلي جدي في حقه بمرتبة الرجحان لا بمرتبة اللزوم ولذلك يحسن الاحتياط من قبل الجاهل حسنا شرعيا وهذا ما ذهب إليه شيخنا الأستاذ «قدّس سرّه» في الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري فهو يقول: بأن الحكم الواقعي في موارد قيام الحكم الظاهري على خلافه ليس إنشائيا محضا كما يقول به الشيخ الأعظم بل فعلي مراد لكنه ليس على نحو اللزوم وإنما فعليته ومراديته على نحو الرجحان، إذن فالنتيجة أن المنوط بالعلم ليس أصل الحكم ولا قانونية الحكم وإنما المنوط بالعلم هو لزوم الحكم في حق المكلف واشتراط لزوم الحكم بالعلم به لا يستلزم الدور ولا يستلزم التصويب.

هذا هو التقريب الثالث المستفاد من كلماته ويأتي التعليق عليه إن شاء الله تعالى.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 61
الدرس 63