نص الشريط
الدرس 28
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 28/4/1435 هـ
تعريف: قاعدة التسامح في أدلة السنن 28
مرات العرض: 2667
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (313)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

الفرض الأخير ما اذا ورد خبر ضعيف يدل على الاستحباب وخبر صحيح ينفي الاستحباب، كما لو ورد خبر يدل على استحباب غسل يوم الغدير وصحيح وصحيح ينفي رجحانه، وقد يقال حينئذٍ بان اخبار من بلغ لا تشمل الخبر الضعيف الدال على الاستحباب، وذلك لاحد وجهين:

الوجه الاول ان يقال ان الموضوع المأخوذ في اخبار من بلغ هو البلوغ ولا يصدق البلوغ مع العلم بكذب الخبر سواء كان علما وجدانيا او علما تعبدياً فكما انه لو علمنا بكذب هذ الخبر في نفسه لم تشمله اخبار من بلغ لعدم صدق البلوغ مع العلم بالكذب كذلك اذا علمنا تعبدا بكذبه، وقيام خبر صحيح ينفي استحباب هذا العمل علم تعبدي بكذب ما دل على استحبابه بمقتضى ما دل على ان حجية خبر الثقة بمعنى جعل العلمية، فحجية الخبر النافي للاستحباب بمعنى العلم تعبدا بعدم الاستحباب.

ولكن الجواب عن هذا الوجه انه وان اخترنا فيما سبق ان عنوان البلوغ لا يراد به مطلق الورود فليس كل ما ورد عن النبي صلى الله عليه واله يصدق عليه عنوان البلوغ المأخوذ في صحيحة هشام، كما انه ليس المراد بالبلوغ في صحيحة هشام مطلق الاخبار وانما البلوغ عرفا هو اخبار خاص، وهو الاخبار الذي يحتمل صدقه احتمالا عرفيا، ولذا لا يشمل عنوان البلوغ الخبر المعلوم الكذب، وان صدق عليه عنوان الاخبار وصدق عليه عنوان الورود والسماع ولكن لا يصدق عليه البلوغ عرفا مع العلم بكذبه سواءا كان كذبا مخبريا او خبريا اي سواء علمنا بان هذا الخبر مخالف للواقع جزما لان الواقع عبارة عن عدم استحباب غسل يوم الغدير، فهذا هو الكذب الخبري او علمنا بان المخبر كذب في هذا الخبر، ولكن لعل ما كذب به مطابق للواقع فهو جزما لم ينقل هذا الخبر عن النبي جزما كاذب فيه ولكن لعل ما اخبر به مطابق للواقع فالكذب مخبري لا خبري.

سواء كان الكذب خبريا او مخبريا لا يصدق عليه عنوان البلوغ عرفا ولا اقل من الشك، وايضا لا نحرز صدق عنوان البلوغ على ما اذا قام منشأ عقلائي على خلاف مؤدى الخبر بحيث يكون مؤداه محل التهمة والريب، نظير ما اذا كان الراوي معروفا بالكذذب، فلو روى لنا هذا الخبر راوي معروف بالكذب وان لم نعلم كذبه في هذا الخبر في الذات، فهذه امارة عقلائية او منشأ عقلائي لتوهين احتمال الصدق بنظر العقلاء، فحينئذٍ لا نحرز شمول اخبار من بلغ لمثله.

وعليه لا مانع من شمول اخبار من بلغ بناءً على ان مفادها الاستحباب او جعل الحجية للرواية الذين ثبت ضعفهم ما لم يكونوا معروفين بالكذب سواء كانوا من الخاصة او العامة الا انه في محل كلامنا وهو ما اذا ورد خبر ضعيف يدل على استحباب غسل يوم الغدير وفرضنا ان هذا الخبر لم يعلم كذبه لا خبريا ولا مخبريا وليس الراوي ممن هو معروف بالكذب فحينئذٍ اذا ورد خبر صحيح ينفي استحباب غسل يوم الغدير، فتارة يكون مفاد الخبر الصحيح تكذيب هذا الخبر بان يقول ما قال به رسول الله ذلك، فحينئذٍ لا اشكال انه لا يصدق عنوان البلوغ على الاول لان الخبر ال 2 لسانه لسان التكذيب للاول

وان فرضنا ليس مكذبا للاول وانما ينفي مؤدى الأول لا يكذبه، مثلاً الاول يقول اغتسل يوم الغدير فله اجر كذا والثاني يقول ليس غسل الغدير براجح، ما دام ليس مكذب للاول غايته انهما متعارضان لا انه لا يصدق البلوغ على الاول.

الوجه الثاني ان يقال بانه موضوع اخبار من بلغ ليس هو مطلق البلوغ بل موضوعها البلوغ المحرك للعمل، بشهادة التفريع في قوله من بلغ شيء من الثواب على عمل فعمله، فان ظاهر فاء التفريع ان موضوع الاستحباب البلوغ المحرك لا كل بلوغ فاذا كان ذلك فالخبر الدال على الاستحباب مع معارضته بحجة على عدم الاستحباب لا يكون بلوغا محركا حتّى يكون مشمولا لاخبار من بلغ.

لكن الصحيح ان المحركية الملحوظة في هذه الاخبار هي المحركية الوجدانية لا المحركية التعبدية، فوجود خبر صحيح ينفي الاستحباب غايته انه يضعف المحركية الشرعية، للخبر الاول لا انه يلغي المحركية الوجدانية فبما انه لا يلغي المحركية الوجانية فيصدق حينئذٍ انه بلغني ثواب على عمل وان لم يكن هذا البلوغ حجة الا انه محرك لي نحو العمل ما دام احتمال صدقه موجود عرفا

النتيجة انه في هذا الفرض الاخير وهو وجود خبر صحيح ينفي الاستحباب لا يمنع من شمول اخبار من بلغ للخبر الضعيف.

التنبيه السادس ورود في صحيحة هشام بن سالم من بلغه عن النبي صلى الله عليه واله من الثواب فعمله، فهل ان البلوغ عن النبي له خصوصية وموضوعية ام يشمل ذلك كل بلوغ عن المعصوم ، وهذا اهمله الاعلام فكانه في ذهنهم قطع بعدم.

ولكن يمكن ان يقال انه ان كان مفاد اخبار منبلغ الارشاد الى حسن الانقياد او الاستحباب النفسي للانقياد او كان مفاد اخبار من بلغ الاستحباب الطريقي فلا يحتمل خصوصية عرفا لكون البلوغ عن النبي صلى الله عليه واله، ما دام سياقها ناظر الى التحفيز لتحصيل الثواب

اما ان كان مفادها جعل الحجية التعبدية للخبر الضعيف او الاستحباب النفسي لما بلغ عليه الثواب، فان من المحتمل ان ملاك هذين الحكمين، هو تعظيم النبي صلى الله عليه واله، وانه ان كان الخبر الضعيف عن النبي فهو حجة تعبدا وان كان ضعيفا لكونه عن النبي، او ان الاستحباب انما يثبت لما بلغ عليه الثواب بل لما بلغ عليه الثواب عن النبي صلى الله عليه واله، كما انه اذا قلنا ان مفاد اخبار من بلغ هو الوعد بالثواب فلعل الوعد من قبل الشارع خاص بما اذا كان الثواب ووارد عن النبي صلى الله عليه واله، فعلى هذه المسالك احتمال الخصوصية وارد.

واما ما ورد في الروايات الاخرى كصحيحة هشام الثانية من سمع شيئا من الثواب على شيء فصنعه كان له ذلك وان لم يكن على ما بلغه فالامر يبتني على احتمال تعدد احكم او عدمه لان هذين اللسانين من المثبتين حيث عندنا دليل مطلقا يقول من بلغه شيء من الثواب على شيء فلم يحدد من بلغ عنه، وحديث مقيد وهو قوله من بلغه عن النبي فان احتملنا تعدد الحكم بحسب مرتكزاتنا المتشرعية وان الشارع جعل حكمين الحكم بالاستحباب لما بلغ عن النبي ص والحكم بالاستحباب عن اي اخر فاذا احتملنا تعدد الحكم لا موجب لحمل المطلق على المقيد ونقول ان البلوغ عن النبي مؤكد للاستحباب، ولا يلغي الاستحباب عن غيره.

اما ان قلنا انه لا يحتمل تعدد الحكم وان ما جعله الشارع في المقام حكم واحد حينئذٍ لا يحتمل ان يكون موضوع الحكم الواحد مطلقا ومقيدا، فلا محالة مقتضى ذلك حمل المطلق على المقيد.

التنبيه ال 7 هل ان البلوغ يصدق على فتوى الفقيه ام لا، فمثلا افتى بعض قدماء الاصحاب باستحباب اخراج زكاة الفطرة عن الجنين، ولم يرد ذلك في رواية، فهل ان بلوغ هذه الفتوى يكون محققا لموضوع اخبار من بلغ فللفقيه الآخر ان يفتي باستحباب اخرجها لبلوغ الثواب على ذلك بفتوى الفقيه الاول.

او ان العامي اذا بلغته هذه الفتوى كان استحباب اخراج الزكاة فعليا في حقه، فهل ان البلوغ يتحقق بفتوى الفقيه ام لا،

وليس هذا البحث متفرعا على ان البلوغ هل يشمل الالتزامي أم لا، بمعنى انه اذا قلنا في تنبيه سابق ان البلوغ يشمل البلوغ بالمدلول المطابقي والبلوغ بالمدلول الالتزامي فسوف يأتي البحث هل يشمل البلوغ فتوى الفقهي ام لا لانها بلوغ بالمدلول الالتزامي.

وان قلنا في ذلك التنبيه ان البلوغ لا يحرز شموله للبلوغ بالمدلول الاتزامي اذا سوف ينتفي موضوع هذا البحث.

ولكن هذا ليس صحيحا لأنّه قد يفتي الفقيه باصل الاستحباب، وقد يفتي بترتب الثواب، فلو قال الفقيه غسل يوم الغدير ذو ثواب فان هذا بلوغ بالمدلول المطابقي فيدخل في محل بحثنا في هذا التنبيه، فبحثنا ان البلوغ هل يشمل فتوى الفقهي مع غمض النظر عن المدلول اللاتزامي، اي سوف نبحث هذا الامر حتّى لو افتى الفقيه بالثواب بالمدلول المطابقي.

وقد ذكر في هذا البحث وجهان لمنع شمول اخبار من بلغ لفتوى الفقيه:

الوجه الأول انه بما ان البلوغ في هذه الروايات ليس ظاهر في مطلق الكشف وانما هو في البلوغ على نحو الحكاية كما ذكره الاعلام في بحث حجية الامارة في المدالليل الالتزامي فقالوا ليست كل امارة حجة في المدلول الالتزامي بل الامارة الحاكية عن الواقع اذ الامارة ما كان كاشفا عن الواقع، ولكن الكشف عن الواقع اعم من حيثية الحكاية مثلاً تنقيح المناط من الامارات الكاشفة عن الواقع ولكنه استنتاج عقلي لا يتضمن حيثية الحكاية عن الواقع ففرق بين كشف الواقع والحكاية عن الواقع، لذلك عنوان من بلغه عن النبي ظاهر في البلوغ الحاكي عن النبي لا في انكشاف هذا الامر وان لم يكن على نحو الحكاية، اذا بما ان عنوان البلوغ هو عبارة عن اخبار حاك عن الواقع لا مطلق انكشاف الواقع، وعليه لا يصدق البلوغ على فتوى الفقيه.

والسر في ذلك ان فتوى الفقيه رأي واجتهاد وليس حاكيا عن الواقع، وبما ان فتوى الفقيه رأي واجتهاد وليس شيئا من شأنه الحكاية عن الواقع وعليه لا يصدق البلوغ على فتوى الفقيه.

وهنا علق سيد المنتقى انه ان قلنا ان فتوى الفقيه رأي واعمال نظر لم يصدق عليه عنوان البلوغ ولم يجز البقاء على تقليد الميت، لان موضوع الحجية راي الفقيه والميت لا رأي له، فان الميت بموته انكشف له الواقع فصار له علم لا ان له رأيا فالرأي يزول بموته فاذا كان موضوع الحجية الرأي فقد انتفى موضوعها بل لا يجري استحصاب حجية فتوى الفقيه لزوال موضوعها.

واما ان قلنا ان فتوى الفقيه اخبار عن الواقع وان كان عن حدس نظير الفلكي الذي يخبر بان القمر خرج عن حد المحاق بحد يمكن رؤيته فان هذا اخبار وان كان حدسيا فاذا قلنا ان فتوى الفقيه اخبار فحينئذٍ يصدق عليه عنوان البلوغ لأنّه اخبار حاك وفي نفس الوقت يجوز البقاء على تقليد الميت اذ فتوى الميت اخبار والاخبار لا ينتفي بموت الميت فيقال هذا اخبار فلان، وبالتالي تشمله اخبار من بلغ.

الدرس 27
الدرس 29