نص الشريط
الدرس 35
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 9/5/1435 هـ
تعريف: أصالة التخيير 4
مرات العرض: 2549
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (321)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

تقدم ان المحقق العراقي أفاد بأنه لا مجال لجريان البراءة العقلية في دوران الامر بين المحذورين، وكان كلامه موردا للإشكال من قبل العلمين، السيد الإمام والسيد الصدر وذكرنا انه يمكن الدفاع عن المحقق العراقي بما لا يوجب ورود الاشكال عليه، ومحصل كلامه أنه لا تجري البراءة العقلية في دوران الامر بين المحذورين سواء قلنا بالمبنى القائل بالبراءة او قلنا بالمبنى المنكر للبراءة، فهنا لدينا مبنيان في منجزية الاحتمال، وعدمها.

المبنى الأول: وهو المبنى المعروف بين الاصوليين الا وهو مبنى البراءة العقلية، المعبر عنه بقبح العقاب بلا بيان، فعلى هذا المبنى لا يمكن جريان البراءة العقلية، في أي من الطرفين المتناقضين وهما الفعل والترك، والسر في ذلك: أنه كما ان المنجزية سواء كانت منجزية العلم الاجمالي او منجزية الاحتمال لا مجال لها في هذا الفرض كذلك ما هو ضد المنجزية وهو المعذرية فان الضدين في رتبة واحدة ومقتضى اتحادهما في الرتبة اتحادهما في الاحكام

فاذا جئنا الى طرف المنجزية رأينا ان العلم الاجمالي لا يمكن ان ينجز الواقع ولا يمكن ان ينجز الجامع، ولا يمكن ان ينجز احد الطرفين بعينه.

اما عدم منجزيته للواقع، المعلوم في احد الطرفين فلان منجزية الواقع عبارة عن وجوب الموافقة القطعية وحرمة المخالفة القطعية والمفروض ان المكلف في فرض دوران الامر بين المحذورين لا يقدر لا على الموافقة القطعية ولا على المخالفة القطعية.

واما منجزية العلم الاجمالي لأحد الطرفين أي للأحد لا بعينه فالمفروض ان المكلف مضطر تكوينا للاحد لا بعينه فمع اضطراره تكوينا للتلبس بالاحد لا بعينه فمنجزية الاحد بالعلم الاجمالي لغو.

واما منجزيته لاحد الطرفين بعينه دون الآخر كالوجوب او الحرمة فانه ترجيح بلا مرجح.

فالمنجزية منتفية بسائر فروضها وصورها، كذلك منجزية الاحتمال مع غمض النظر عن العلم الاجمالي فان منجزية احتمال الواقع منتفية لعدم القدرة لا على الموافقة القطعية ولا المخالفة القطعية.

ومنجزية احتمال الجامع لغو لاضطرار المكلف اليه، ومنجزية احد الطرفين بعينه ترجيح بلا مرجح، ولذلك السيد الصدر ذكر انه بناءً على منجزية الاحتمال فان المقتضي للمنجزية أي منجزية كل طرف في حد ذاته وان كان موجودا لان احتمال كل طرف في حد ذاته قائم الا ان المانع ايضا موجود وهو التنامع بين المنجزيتين، ومعنى التمانع ان منجزية كليهما غير معقولة لعدم قدرة المكلف على الجمع بينهما ومنجزية احدهما بعينه ترجيح بلا مرجح.

فكما ان المنجزية منتفية بانتفاء سائر فروضها فكذلك ضدها وهو المعذرية.

فعندما نأتي لطرف المعذرية أي المعذرية المستندة للبراءة العقلية فان هذه المعذرية اما بلحاظ الواقع نفسه، واما بلحاظ الجامع المعبر عنه بالاحد لا بعينه واما بلحاظ الاحد بعينه، فاما بالنظر الى الواقع بأن يقال انت معذور في مخالفة كلا الطرفين، فان المكلف يقول: لست قادرة على المخالفة القطعية كي تصح المعذرية من جهتها فان المعذرية في المخالفة القطعية مع عدم امكان المخالفة القطعية لغو.

واما المعذرية من جهة الجامع أي الاحد لا بعينه فالمفروض ان المكلف مضطر للاحد، فالمعذرية غير فعلية للعجز ومعذرية احد الطرفين بعينه ترجيح بلا مرجح، فان المقتضي للمعذرية على مبناهم وان كان موجودا أي ان الموضوع متحقق حيث ان المكلف يحتمل التكليف في كل طرف، فهو يحتمل وجوب السفر في نفسه وهذا مقتض للبراءة ويحتمل حرمته وهذا مقتضى للبراءة عن الحرمة، ولكن حيث ان جريان البراءة العقلية في احدهما بعينه ترجيح بلا مرجح فلا معذرية.

والنتيجة ان انتفاء المنجزية بانتفاء سائر فروضها لمحذور عقلي راجع اما لعدم المقتضي لوجود المانع استلزم انتفاء ضدها وهو المعذورية بنفس المحذور العقلي.

ولا محالة وصلت النوبة لحكم العقل باللا حرجية.

فان قلت: بانه لم لا تجري البراءة من حيث دون حيث او بلحاظ دون لحاظ، بان يقال اذا لاحظنا احتمال وجوب السفر في نفسه واغمضنا النظر عن احتمال لزوم تركه مثلاً فقد تحقق موضوع البراءة والمفروض ان المكلف قادر على ان يلتزم بالفعل فنقول به لا يلزمك للبراءة وكذلك اذا لاحظنا جانب الترك، وقلنا يحتمل لزوم الترك في نفسه مع غمض النظر عن لزوم الفعل، فنقول يا أيها المكلف لا يلزمك الترك لأجل البراءة.

فمقتضى ذلك جريان البرائتين بهذين اللحاظين فتجري البراءة في احتمال الحرمة مع غمض النظر عن احتمال الوجوب والعكس.

او فقل ان البراءة تجري من حيث هذا الاحتمال لا من حيث مجموع الاحتمالين، غاية الامر ان البراءتين تتعارضان فليكن!، ولكن هذا لا يعني عدم جريانهم في حد انفسهما.

قلنا: هناك فرق بين الاحكام العقلية التي هي مدركات واقعية وبين الاحكام الاعتبارية ففي الاحكام الاعتبارية حيث ان الاعتبار سهل المؤونة فيكفي في صحته اثر علي ولو كان اثرا حيثيا، ولكن الاحكام العقلية المتقومة بالحسن والقبح يدور امرها بين الفعلية وعدمها، ولا يتصور فيها الفعلية من حيث دون حيث، او بلحاظ دون لحاظ.

والوجه في ذلك: ان الحكم العقلي يرجع الى مدركين مدرك عملي ومدرك نظري، ودعوى ان الاحكام العقلية بعث او زجر ناشئ عن عدم التأمل، فان العقل لا باعثية ولا زاجرية له، وانما شأنه الادراك فقط والباعثية والزاجرية انما هي بقضاء الفطرة لا بادراك العقل نفسه فلأجل ذلك العقل يدرك قضايا كبروية مثل حسن العدل وقبح الظلم وما يتفرع عليهما كحسن الامانة، فان هذا المدرك مدرك عملي أي ان هناك قضية ارتسمت في نفس الامر والواقع هي العدل مما ينبغي ودور العقل تجاهها دور الادراك ويسمى بادراك عملي لأنّه مما يعمل، فيقول العدل ينبغي ان يعمل.

وهناك مدرك نظري وهو الادراك المتعلق بعالم التطبيق مثلاً قبح العقاب بلا بيان ليس لها ادراك وراء ادراك قبح الظلم بل هي تطبيق محض، فاذا ادرك العقل ان العقاب بلا بيان ظلم، فليس وراء ادراكه هذا ادراك اخر فمعنى قبح العقاب بلا بيان ان العقاب بلا بيان ظلم ليس الا، لا ان العقل يحكم بذلك وراء حكمه بقبح الظلم بل هذا تطبيق محض فما ادركه العقل ادراكا عمليا هو الاول وهو الكبرى قال الظلم لا ينبغي ان يعمل، ولم يقل وراء هذا العقل شيء وانما ادرك ادرك ادراكا نظريا محضا ان العقاب بلا بيان ظلم او ليس بظلم.

نظير حق الطاعة فانها صغرى من صغريات حسن العدل وقبح الظلم، فليس معناها ان للعقل ادراكا بالحسن والقبح وراء ادراك الكبرى، بل يقول العقل استجابة العبد لتكليف المولى وصل علما او احتمالا هذه الاستجابة عدل وتركها ظلم.

فلأجل ان هذه الصغريات ليست الا تطبيقات ومدركات نظرية ليس الا فلأجل ذلك لا يدرك العقل انطباق الكبرى على المورد حتّى يكون المورد بنظر العقل واجدا للمقتضي فاقدا للمانع، فاذا ادرك العقل مثلا اذا علم المكلف بوجوب يوم الجمعة اما الظهر تعيينا او الجمعة تعيينا علم العقل بالعلم الاجمالي بذلك هنا نعم يقول العقل بأنّ العقاب على ترك صلاة الظهر بلا بيان ظلم، أي ان المورد من صغريات تلك الكبرى، وكذلك في الطرف الآخر.

ولكن اذا ادرك العقل دوران الامر بين المحذورين وان العبد اما فاعل او تارك، وليس هناك شق 3، فالعقل يقول بان احتمال كل منهما وان كان في نفسه مقتضياً للمعذرية الا ان ممانعته بنقيضه مانع فحيث ان الموضوع لم يتحقق أي موضوع الانطباق وهو وجدان المقتضي وفقد المانع فالعقل لا يرى هذا المورد مصداقا للبراءة العقلية، لا انه يراه مصداقا وتتعارض البراءتان بل ما دامت هذه المصاديق مجرد انطباقات لتلك الكبريات فانطباق الكبرى فرع فعلية الموضوع وفعلية الموضوع فرع وجدان المقتضي وفقد المانع، والعقل يقول بان احتمال كل من الوجوب والحرمة وان كان في نفسه مقتضي للمعذرية الا ان الممانعة بالنقيض قائمة فمع هذه الممانعة بالنقيض فليس المورد من صغريات البراءة العقلية، لا انها تجري وتتعارض البراءتان في الطرفين.

اذا في الاحكام العقلية يدور الامر بين الفعلية، وعدمها فاما الموضوع موجود فهو فعلي والا فلا فعلية لها، لا انه فعلي بلحاظ دون اخر.

فتلخص بذلك أنه بناءً على القول بالبراءة مع ذلك لا مجال للمعذرية في المقام من باب قبح العقاب بلا بيان.

الدرس 34
الدرس 36