نص الشريط
الدرس 110
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 14/6/1436 هـ
تعريف: منجزية العلم الإجمالي
مرات العرض: 2559
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (466)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

?ان البحث في ان العلم الاجمالي هل ينحل بالأصل الطولي أم لا؟. مثلاً: إذا علمنا اجمالاً بنجاسة أحد المائين وكان في ماء ألف أصلان طوليان: احدهما استصحاب الطهارة؛ والآخر اصالتها، حيث إنَّ أصالة الطهارة أصل محكوم بالاستصحاب فلا جريان له الا في فرض سقوط استصحاب الطهارة وفي الماء الآخر وهو ماء ب لا يوجد الا أصل واحد وهو أصالة الطهارة، لعدم احراز الحالة السابقة فيه، فهل يقال حينئذٍ بأن أصالة الطهارة في ماء ب تعارض استصحاب الطهارة في ماء ألف فيتساقطان وتجري أصالة الطهارة في ماء ألف بلا معارض، فينحل بذلك العلم الاجمالي، فلا يجب الاجتناب عن ماء الف؟!.

وهذا ما تبناه المحقق العراقي بناء على مسلك الاقتضاء، بدعوى ان جريان أصالة الطهارة في ماء ألف متفرع على سقوط الاستصحاب في نفس الماء وسقوطه مساوق لسقوط أصالة الطهارة في ماء باء لتعارضهما، فالنتيجة: ان جريان أصالة الطهارة في ماء ألف فرع سقوط أصالة الطهارة في ماء باء فكيف يكون متعارضا لها وقد اجاب سيدنا عن ايراد المحقق العراقي. وتقريب كلامه: ان يقال:

أن النكتة في المعارضة هي استلزام جريان الاصلين معا الترخيص في المخالفة القطعية وهذه النكتة كما تقتضي المعارضة بين أصالة الطهارة في ماء باء واستصحاب الطهارة في ماء ألف فإنها تقتضي المعارضة بين أصالة الطهارة في ماء باء وأصالة الطهارة في ألف إذ الجمع بينهما يستلزم الترخيص في المخالفة القطعية.

فإن قلت: أنّ جريان أصالة الطهارة في ماء باء عند جريان أصالة الطهارة ماء ألف ممنوع لأنّ أصالة الطهارة في ماء باء قد سقطت في رتبة سابقة قبل رتبة جريان أصالة الطهارة في ماء ألف ففي رتبة جريان أصالة الطهارة في ماء ألف لا يوجد أصل اخر في هذه الرتبة حيث ان أصالة الطهارة في ماء باء قد سقطت في رتبة سابقة فكيف تتصور المعارضة بينهما أي بين أصالة الطهارة في باء وفي ألف.

قلت: إنّ سر المعارضة بينهما هو شمول الاطلاق فإنّ إطلاق دليل أصالة الطهارة كما يشمل أصالة الطهارة في باء بشمل أصالة الطهارة في ألف ولو حين سقوط استصحاب الطهارة في ألف، وبيان ذلك:

إنّ حجية إطلاق الاصل ليست متقيدة بتفاوت الرتبة، أي: إطلاق دليل أصالة الطهارة هل ورد عليه مقيد وهو انه لا يجري هذا الاطلاق لفرض متأخر رتبة عن جريانه في بعض الموارد حيث إنَّ دليل أصالة الطهارة يجري في باء في رتبة ثم يجري في ألف في رتبة ثانية فهل يتقيد الاطلاق بتفاوت الرتبة؟ بأن يقال إن تأخر أصالة الطهارة في ماء ألف عن أصالة الطهارة في ماء باء هذا التأخر الرتبي يوجب عدم شمول الاطلاق لهما في آنٍ واحد؟. الجواب: لا، فإن حجية الاطلاق ليست منوطة بوحدة الرتبة أي سواء كان الموردان متحدان رتبة أم مختلفين فإنّ الاطلاق يشتملهما في آن واحد، فدليل أصالة الطهارة في آن واحد يشمل أصالة الطهارة في ألف ويشمل أصالة الطهارة في باء وإن كانا متفاوتين رتبة فمجرد أنّ أحد المصداقين أو الفردين متأخر رتبة عن الآخر، فإنّ هذا لا يمنع من شمول الاطلاق لهما في آن واحد. إذاً فبالنتيجة: مقتضى إطلاق أصالة الطهارة شموله لأصالة الطهارة في باء وفي ألف في آن واحد وإن كان جريان أصالة الطهارة في ألف متأخراً رتبة عن جريان أصالة الطهارة في باء هذا بلا حاجة الى ما ذكره المحقق النائيني من ان المؤدى واحد لا متعدد، أي سواء قلنا أنّ مؤدى استصحاب الطهارة ومؤدى أصالة الطهارة واحد كما ذهب اليه المحقق النائيني، حيث أفاد: بأن استصحاب الطهارة واصالتها الترخيص فيما يحتمل نجاستها اما للاستصحاب أو للتعبد بالطهارة فمؤدى الاصلين واحد، وعليه لا طولية ولا تأخر في الرتبة، هكذا أفاد النائيني.

فيقول سيدنا: انه لا حاجة الى ذلك، أي حتّى لو التزمنا ان مؤدى الاصلين متعدد وإنّ مؤدى استصحاب الطهارة التعبد بالإحراز بينما مؤدى أصالة الطهارة التعبد بنفس الطهارة وان بين المؤديين طولية مع ذلك كله مقتضى إطلاق دليل أصالة الطهارة عدم تقيده بتفاوت الرتبة فهو يشمل أصالة الطهارة في باء واصالة الطهارة في ألف وإن كانا متفاوتين رتبة.

فإن قلت: إنّ المعارضة فرع تكافؤ الرتبة أي ان المقصود بها البيان ان تخلقوا معارضة بين أصالة الطهارة في باء واصالة الطهارة في الف، فلنفترض ان الاطلاق يشملهما في آن واحد ولكن المعارضة بين الاصلين فرع تكافؤهما في الرتبة والحال ان أصالة الطهارة في ألف متأخرة رتبة عن باء فمع تفاوتهما في الرتبة كيف يكونان متعارضين، والحال انه في رتبة جريان أصالة الطهارة في باء لا تجري أصالة الطهارة في ألف وفي رتبة جريان أصالة الطهارة في ألف لا تجري أصالة الطهارة في باء، فكيف يكونان متعارضين؟!.

قلت: إنّ التعارض والتضاد كما ذكرنا في بحث الترتب ليس من أحكام الرتب العقلية بل هو من أحكام عالم العين فالتضاد عبارة عن عدم قابلية الموضوع الواحد لاستيعاب الضدين في آن واحد وان كان الضدان متفاوتين رتبة، فإن التضاد من عوارض عالم العين سواء كان الضدان متحدين رتبة أم لا، من دون فرق في ذلك بين الامور الخارجية أو الأمور الاعتبارية، فإنّ الامور الاعتبارية أيضاً متضادة اما بحيث المبادئ وهو المصلحة والمفسدة أو بحسب المنتهى وهو عالم الامتثال حيث لا يعقل حصول الانبعاث والانزجار في آن واحد كذلك المضادة بين أصالة الطهارة في ألف واصالة الطهارة في باء فإن هذه المضادة بلحاظ استلزام جريانهما الترخيص في المخالفة القطعية ليست من عوارض عالم الرتب العقلية بل من عوارض عالم العين فلنفترض أنّهما متفاوتان رتبة الا انهما يجتمعان زمانا بمقتضى إطلاق دليل أصالة الطهارة حيث انه لم يتقيد بتفاوت الرتبة فمقتضى إطلاق دليل أصالة الطهارة اجتماعهما زمانا وعليه تتحقق المعارضة بينهما.

هذا تقريب كلامه، وان كان لم يتعرض لهذه الخصوصيات في «مصباح الاصول» وإنّما ذكرناها دفع للإشكالات المتوهمة الورود عليه.

هذا ما طرحه السيد الشهيد نقلا عن كلام استاذه في البحوث «ج5، ص210».

ولكنه في «ص222»: اشكل على هذا الكلام. وبيان الاشكال:

أفادَ بأنّ المدعى ليس هو تأخر أصالة الطهارة في ألف عن أصالة الطهارة في باء رتبة كي يقال أن التفاوت الرتبي لا يد له لا في الحجية ولا في وقوع المعارضة، وإنّما المدّعى التأخر الوجودي لا الرتبي، بمعنى انه دليل أصالة الطهارة وإن كان مقتضى إطلاقه شموله لأصالة الطهارة في باء وأصالة الطهارة في ألف اقتضاء فهو يشملهما اقتضاءً ولكنه لا فعلية لهذا الاطلاق في الطرف ألف الا بعد عدم فعليته في طرف باء، فهو متأخر عنه وجودا لا رتبة، بلحاظ ان فعلية أصالة الطهارة في ألف مساوق لعدم فعلية استصحاب الطهارة في ألف إذ مع فعلية استصحاب الطهارة في ألف لا فعلية لأصالة الطهارة فيه لحكومة استصحاب الطهارة على أصالة الطهارة ففرض جريان أصالة الطهارة في ألف فرع سقوط استصحاب الطهارة فيه وفرض سقوط استصحاب الطهارة فيه فرض سقوط أصالة الطهارة في باء لتعارضهما، والنتيجة: ان فرض جريان وفعلية أصالة الطهارة في ألف فرض سقوط أصالة الطهارة في باء فلم يجتمعا زمانا كي يتحقق المعارضة بينهما وان كان مقتضى إطلاق دليل الاصل شموله لهما اقتضاء فالذي ينبغي لسيدنا ان يبرهن عليه هو عدم التأخر الوجودي لا ان يبرهن على ان التأخر الرتبي لا أثر له بل لابّد ان يأتي ببرهان على عدم التأخر الوجودي الذي هو مدعى المحقق العراقي فإنّ المحقق العراقي يدعي التأخر الوجودي لا التأخر الرتبي كي يقال بأنّ التأخر الرتبي لا أثر له. لذلك لجأ السيد الشهيد الى الجواب الأخير عن هذا الدليل وهو الجواب العرفي، ولكن عند التأمل فإن روح جواب الشهيد هو روح جواب سيدنا.

بيانه بأمور ثلاثة:

الامر الاول: ان المرجع في أصل الحجية وفي حدود موضوع الحجية هو النظر العرفي وليس النظر العقلي فالعرف مرجع في ان هناك ظهورا أم لا، حتى يقال بحجيته مثلاً عنوان لا ينبغي موضوع لعدم التيسر تكوينا حيث قال تعالى: ﴿وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي، أي لا يتيسر فمدلولها ذلك، فهل إذا استعملت هذه الجملة في مقام التشريع تكون ظاهرة في الحرمة أم لا؟، أي ان دلالتها لغة على عدم التيسر تكوينا هل يكون سببا في ظهورها في الحرمة عند استعمالها في مقام التشريع أم لا؟، فالمرجع في تشخيص ذلك الى النظر العرفي كما انه بعد الفراغ عن تشخيص اصل الظهور والبناء على حجيته، فإنّ حدود موضوع الحجية أيضاً منوط بالنظر العرفي فإنّ النظر العرفي هو المحكم في ان احتفاف الظهور بما يصلح للقرينية عليه من حال أو مقال أو ارتكاز هل يمنع من حجيته أم لا؟، هذا يُرجع فيه الى النظر العرفي لأنّ التفاوت الرتبي بين المصاديق دخيل في الحجية أم لا؟ فالمتّبع في ذلك النظر العرفي، فالمدار على النظر العرفي في تشخيص أصل الحجية وفي حدود موضوعها.

الأمر الثاني: عندما نرجع الى النظر العرفي، نتساءل هل أن تفاوت المصاديق رتبة دخيل في موضوع الحجية أي حجية الاطلاق أم لا؟ فلنسلم جدلا التفاوت الرتبي فهل ان التفاوت الرتبي بين أصالة الطهارة في ألف واصالة الطهارة في باء مؤثر على موضوع الحجية؟ أي لو رجعنا للمرتكز العرفي هل يرى عدم انعقاد الاطلاق للمصداقين المتفاوتين رتبة أو يرى ان الاطلاق انعقد ولكن لا حجية له في المتقدم رتبة حال المتأخر رتبة؟ أو بالعكس فإننا لو رجعنا الى المرتكز العرفي لا نرى جعل التفوت الرتبي في فعلية الاطلاق والحجية فإنّ المرتكز لا يقول هذا سواء كانا متأخرين رتبة أم لا فإن هذا لا يصلح ان يكون مقيداً عرفيا لفعلية الاطلاق كي يشملهما بالفعل.

والحمدُ لله ربِّ العالمين.

الدرس 109
الدرس 111