نص الشريط
الدرس 111
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 15/6/1436 هـ
تعريف: منجزية العلم الإجمالي
مرات العرض: 2624
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (429)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

أراد السيد الشهيد أن يثبت ان أصالة الطهارة في ماء ألف وإن كان متأخراً عن استصحاب الطهارة فيه ولكنّه ليس متأخراً عن أصالة الطهارة في ماء باء، ولذلك فيمكن المعارضة بين الاصلين أي بين أصالة الطهارة في ماء ألف وأصالة الطهارة في ماء باء، وذكرنا أنّ الوجه الذي أقامه مؤلف من أمور ثلاثة:

وصل الكلام إلى الأمر الثالث، وبيانه:

أنّ الطولية بين الدليلين تارة تكون طولية عرفية وتارة تكون طولية عقلية؛ فإذا كانت من قبيل الطولية العرفية بمعنى أنّ العرف ملتفت إلى ان أحد الدليلين بمثابة القرينة على الدليل الآخر، أو أنّ أحد الدليلين بمثابة الحاكم على الدليل الآخر عرفاً، فإذا كان أحد الدليلين ناظراً للدليل الآخر عرفاً متقدما عليه فحينئذٍ يكون هذا التقدم العرفي قيداً في الحجية، فحجية أحد الدليلين متقيدة بعدم الآخر وإن كان الظهور موجوداً مثلاً بين أصالة العموم في العام وبين دليل التخصيص فلو كان لدينا عام «يقول أكرم كل عالم»، وكان لدينا خاص يقول «لا تكرم العالم النحوي» فهنا ثبوت الحجية لأصالة العموم متقيدة ارتكازا بعدم وجود المخصص، والسر في ذلك:

أنّ الطولية بين التخصيص والعام طولية عرفية، بمعنى ان النظر العرفي يرى ان دليل المخصص ناظر لدليل العام متقدم عليه فبمقتضى هذه الرؤية والنظر العرفي، لأجل ذلك أصالة العموم وإن كانت منعقدة لأنّ العموم موجود ظهوراً ولكن لا حجية لهذا العموم مع وجود هذا المخصص، فإذا سقط المخصص عن الحجية لابتلائه بالمعارض كانت أصالة العموم حجة، فلو فرضنا أن قوله «لا تكرم النحوي» معارض بمثله كأن قال «لا تكرم النحوي» فبعد تعارض الخاصين وتساقطهما تجري أصالة العموم، فالذي منع من حجية أصالة العموم مع انعقاد العموم في نفسه الطولية بين أصالة العموم ودليل التخصيص بنظر العرف، لأجل ذلك: لا حجية للعموم الا مع سقوط دليل التخصيص، وأيضاً الأمر بين الحاكم والمحكوم فإذا افترضنا ان هناك اصلا حاكما وأصلا محكوما فيقال بأن حجية دليل الاصل المحكوم متقيدة لباً بعدم وجود الاصل الحاكم، مثلاً إذا في الاصل السببي والمسببي، كما إذا افترضنا ان المكلف كان محدثاً وتوضأ بماء وشكّ في ان الماء الذي توضأ به كان نجسا أو طاهرا فيقال بأنّ أصالة الطهارة في الماء حاكمة على استصحاب الحدث حكومة الاصل السببي على المسببي ففي هذا المورد من الحكومة توجد طولية عرفية بأن يقال ان دليل الاصل المحكوم وهو دليل استصحاب الحدث قد تقيدت حجيته بعدم جريان الأصل الحاكم الا وهو أصالة الطهارة في الماء، نعم لو سقط الاصل الحاكم وهو الاصل السببي أي أصالة الطهارة في الماء فدليل استصحاب الحدث حجة.

أمّا إذا كانت الطولية عقلية أي لا يلتفت لها النظر العرفي لخفائها فهذا النوع من الطولية لا يصلح ان يكون قيدا للحجية بنظر العرف ومن هذا القبيل محل الكلام، فإن جريان أصالة الطهارة في ماء ألف وان كان في طول سقوط الاصل الحاكم وهو استصحاب الطهارة في ماء ألف ففرض جريانه فرض سقوط استصحاب الطهارة وفرض سقوط استصحاب الطهارة في ماء ألف هو فرض سقوط أصالة الطهارة في ماء باء لانهما تعارضا فتساقطاً. إذن بين أصالة الطهارة في ماء ألف وبين سقوط أصالة الطهارة في ماء باء طولية، لأنّ فرض جريان أصالة الطهارة في ماء ألف هو فرض سقوط أصالة الطهارة في ماء باء فبما ان بينهما طولية فهل هذه الطولية عرفية بحيث تصلح ان تكون قيدا في الحجية أم لا، بأن نقول دليل أصالة الطهارة تقيدت حجيته بأن لا يكون وجود لأصالة الطهارة أو لا جريان لأصالة الطهارة في الطرف الآخر، فبلحاظ ان هذه الطولية عقلية وليست ملتفتا اليها بحسب النظر العرفي لانّ النظر العرفي بوجود طولية بين أصالة الطهارة واستصحابها ولكنه لا يعترف بطولية بين أصالة الطهارة في طرف وسقوط أصالة الطهارة في طرف اخر فحيث ان هذه الطولية خفية عرفا فلا تصلح ان تكون قيداً في الحجية.

والنتيجة: انّ المقتضي أي موضوع الحجية وهو الاطلاق موجود بالوجدان فإنّ دليل أصالة الطهارة ظاهر بالوجدان في الشمول لأصالة الطهارة في ماء باء واصالتها في ماء ألف والحكم وهو الحجية المفروض انه لم يتقيد لبا وارتكازا بأن لا يكون أصالة الطهارة حجة في طرف ألف حتّى يسقط في طرف باء المفروض ان هذا التقييد لم يؤخذ في الحجية لعدم كونها طولية عرفية فبما ان الموضوع وهو الظهور أي ظهور دليل أصالة الطهارة في الاطلاق تام والحجية لم تتقيد إذا فمقتضى حجية دليل أصالة الطهارة هو اقتضاؤه لجريان أصالة الطهارة في ماء باء والف في آن واحد وان كان جريان أصالة الطهارة في ماء ألف متأخراً رتبة عن استصحاب الطهارة فيه الا أن تأخره رتبة عن استصحاب الطهارة فيه لا يعني انه متأخر وجوداً عن أصالة الطهارة في ماء باء فإن التأخر الوجودي فرع تقيد دليل الحجية فإذا لم يكن دليل الحجية متقيداً أي فإذا لم تكن حجية أصالة الطهارة متقيدة بهذه الطولية إذا فلا مثبت للتأخر الوجودي بين أصالة الطهارة في ماء ألف واصالة الطهارة في ماء باء واذا لم يكن متأخراً عنه وجوداً فحينئذٍ مقتضى الاطلاق شمولهما لهما في آن واحد، وبالتالي فتقع بينهما المعارضة لأن جريانهما معا مستلزم للترخيص في المخالفة القطعية، والترخيص في المخالفة القطعية قبيح.

فتحصل: أنّ الوجه الاول الذي اقيم لإثبات انحلال العلم الإجمالي بالأصل الطولي أي أصالة الطهارة في ماء ألف بدعوى عدم معارضته بأصالة الطهارة في ماء باء غير تام.

الكلام في الوجه الثاني: ومحصله:

أنّ ما كان مقتضي وجوده متوقفا على عدم شيء يستحيل ان يكون معارضاً له لمحذور الخلف. بيانه:

أنّ المقتضي لأصالة الطهارة في ماء ألف وهو اطلاق دليل أصالة الطهارة يتوقف تأثيره على سقوط استصحاب الطهارة في ماء الف، إذ لا حجية لدليل الاصل المحكوم مع وجود الحاكم، والمفروض ان استصحاب الطهارة حاكم على اصالتها اذن فالمقتضي وهو اطلاق دليل أصالة الطهارة أو حجية هذا الاطلاق هذا المقتضي قاصر عند جريان استصحاب الطهارة فلا تأثير لهذا المقتضي الا مع سقوط استصحاب الطهارة في ماء الف، والمفروض انّ سقوط استصحاب الطهارة في ماء ألف مقارن لسقوط أصالة الطهارة في ماء باء لأنّ العلة والسبب في سقوط استصحاب الطهارة هو السبب في سقوط أصالة الطهارة في ماء باء فلا محالة سوف يكون المقتضي لجريان أصالة الطهارة في ماء ألف متأخراً عن سقوط أصالة الطهارة في ماء باء، فلا مقتضي من الاصل لأصالة الطهارة في ماء ألف الا مع عدم أصالة الطهارة في ماء باء وما كان وجوده أي تمامية مقتضيه متوقفا على عدم شيء فيستحيل ان يكون معارضا له لان معارضته له فرع وجوده والحال بانه متوقف على عدمه فهذا خلف إذا من المستحيل عقلاً معارضة أصالة الطهارة في ماء ألف لأصالة الطهارة في ماء ب كيف والمقتضي لأصالة الطهارة في ماء ألف متوقف على عدم جريان أصالة الطهارة في ماء باء.

والجواب عن ذلك: هل أنّ المقصود بالتأخر الرتبي هو انّ أصالة الطهارة في ماء ألف متأخر رتبة عن سقوط أصالة الطهارة في ماء باء أو ان المقصود بهذا الكلام ان أصالة الطهارة في ماء ألف متأخرة رتبة عن المقتضي لسقوط استصحاب الطهارة في ماء ألف.

فإن كان المقصود الاول بأن يقال: انّ أصالة الطهارة متأخرة رتبة عن سقوط استصحاب الطهارة في ماء ألف وبما انّ سقوط استصحاب الطهارة في ماء ألف في رتبة سقوط أصالة الطهارة في ماء إذا فأصالة الطهارة في ماء ألف متأخر رتبة عن سقوط أصالة الطهارة في ماء باء بدعوى ان المتأخر رتبة عن شيء متأخر رتبة عن مساويه.

ولكن هذا الكلام غير تام، والسر في ذلك:

ما ذكر في بحث الضد من أنّ ما كان مع المتقدم رتبة هل هو متقدم رتبة أم لا، الصحيح انّ ما مع المتقدم رتبة ليس متقدماً ما لم يكن ملاك التقدم الرتبي قائما به، مثلاً وجود العلة متقدم على وجود المعلول رتبة فهل عدم العلة متقدم رتبة على وجود المعلول لان بين وجود العلة وعدمها عرضية فعدم العلة مع وجود العلة في عرض ووجود العلة متقدم رتبة على وجود المعلول فهل عدم العلة متقدم على وجود المعلول؟.

الجواب: لا؛ لأنّ سر تقدم وجود العلة على وجود المعلول رتبة هو العلية وهذا السر ليس موجودا بين عدم العلة ووجود المعلول فليس كل ما مع المتقدم رتبة فهو متقدم رتبة لان التقدم الرتبي يحتاج لملاك يقتضيه لا مجرد انه في عرض مع ما هو متقدم رتبة.

والحمدُ لله ربِّ العالمين

الدرس 110
الدرس 112