نص الشريط
الدرس 112
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 16/6/1436 هـ
تعريف: منجزية العلم الإجمالي
مرات العرض: 2621
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (370)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله الطاهرين

تقدم: ان جريان الأصل الطولي وهو أصالة الطهارة في ماء ألف متأخر رتبة عن سقوط اصالتها في ماء باء وقد سبق دفعه، وتارة يدعى ان جريان أصالة الطهارة في ماء ألف متأخر عن المعارضة بين الاصلين. وبيان ذلك:

أن يقال: ان جريان أصالة الطهارة في ماء ألف متأخر عن سقوط الأصل الحاكم في ماء ألف وهو استصحاب الطهارة، وبما ان سقوط الأصل الحاكم وهو استصحاب الطهارة انما هو نتيجة المعارضة بين استصحاب الطهارة في ماء ألف واصالة الطهارة في ماء باء، فالنتيجة: ان جريان أصالة الطهارة في ماء ألف متأخر عن المعارضة بين الاصلين فهو متأخر عن معارضة أصالة الطهارة لماء باء، والاصل المعارض لا يعقل ان يكون معارضا إذ بعد فرض ان أصالة الطهارة في ماء باء معارض باستصحاب الطهارة في ماء ألف، فبلحاظ كونه معارض هو ساقط بهذه المعارضة فكيف يكون معارض لأصالة الطهارة في ماء ألف، إذ المعارضة فرع جريانه والمفروض انه قد سقط بمعارضة في رتبة سابقة، فلا ينهض للمعارضة مع أصالة الطهارة في ماء ألف.

والجواب عن ذلك: ان المعارضة تنحل إلى مانعيتين، لأنّ المعارضة عبارة عن التمانع في الوجود بين المقتضيين اي بين اطلاق دليل الاستصحاب واطلاق دليل أصالة الطهارة، لأجل ذلك فهناك مانعيتان: 1 - مانعية استصحاب الطهارة في ماء ألف من جريان أصالة الطهارة في ماء باء، لأنّه مزاحم له. 2 - ومانعية أصالة الطهارة في ماء باء لجريان استصحاب الطهارة في ماء ألف. فالمعارضة بينهما تنحل إلى مانعيتين أي أنّ إطلاق دليل كل منهما مانع من تمامية إطلاق الآخر، وحينئذٍ فيسأل هل أنّ جريان الأصل الطولي وهو أصالة الطهارة في ماء ألف متأخر عن المانعية الاولى أو متأخر عن المانعية الثانية، فهل هو متأخر رتبة عن مانعية الاستصحاب من أصالة الطهارة أو هو متأخر رتبة مانعية أصالة الطهارة في باء من الاستصحاب؟.

فإذا قلتم: بأنّ الأصل الطولي وهو أصالة الطهارة في ماء ألف متأخر عن مانعية استصحاب الطهارة في ماء ألف لأصالة الطهارة في ماء باء قلنا هذا غير صحيح لأنّه لا موجب للتأخر الرتبي بينهما، وإنّما المسلم ان أصالة الطهارة في ماء ألف متأخر رتبة عن سقوط استصحاب الطهارة في ماء ألف لا أنّ أصالة الطهارة في ماء ألف متأخر رتبة عن مانعية استصحاب الطهارة في هذا الماء لأصالة الطهارة في ماء باء، فهذه المانعية ليست متقدمة رتبة على جريان أصالة الطهارة في ماء ألف لأنّه لا يوجد بينهما علية ولا معلولية.

وإن أدعي الثاني: وهو ان جريان أصالة الطهارة في ماء ألف متأخر رتبة عن مانعية أصالة الطهارة في ماء باء لمعارضه، فإنّ هذا التأخر الرتبي لا يضر شيئاً ببيان ان أصالة الطهارة في ماء باء يمنع استصحاب الطهارة في ماء ألف ويمنع أصالة الطهارة في ماء ألف، فأيّ ضائرية في هذا التأخر الرتبي، بأن يقال: ان أصالة الطهارة في ماء ألف متأخر رتبة عن مانعية أصالة الطهارة في ماء باء عن جريان استصحاب الطهارة في ماء ألف فإن أصالة الطهارة في رتبة المانع فلا مانع عقلاً ان يمنع اصلا اخر فهو كما يمنع استصحاب الطهارة في ماء ألف يمنع أصالة الطهارة في ماء ألف، فأي مانع من أن يكونَ أصالة الطهارة في ماء باء لمانعيتين وان كان بين هذين المانعيتين طولية، فهذا هو مقتضى اطلاق دليل أصالة الطهارة فإن مقتضى اطلاق دليل أصالة الطهارة انه يجري في هذا الان مثلاً، وجريانه في هذا الآن ولنسميه الثانية الاولى ان مقتضى اطلاق دليله ان يجري في الثانية الاولى في ماء باء وفي هذه الثانية له مانعيتان، وان كان بين المانعين طولية، فهو في هذه الثانية مانع من جريان استصحاب الطهارة في ماء ألف ومانع من جريان أصالة الطهارة في ماء ألف، وان كان بين المانعيتين طولية رتبية لا زمانية، الا انه في آن واحد يترتب عليه كلتا المانعيتين، فلم يكن الأصل وهو أصالة الطهارة في ماء ماء بما هو ساقط مانع فإن الاشكال الذي اريد تسجيله ان أصالة الطهارة في ماء باء بما هو معارِض وساقط كيف يكون معارضا لأصالة الطهارة في ألف، فنقول: غاية ما يترتب على البحث ان أصالة الطهارة في ماء باء بما هو مانع لاستصحاب الطهارة صار مانعا لأصل آخر لا بما هو معارض وساقط صار معارضا لأصالة الطهارة في ماء ألف كي يقال بأن المعارض كيف يكون معارضاً.

فإن قلت: بأنّ التمانع وهو التزاحم بين المقتضيين في التأثير أي ان اطلاق دليل الاستصحاب في ماء ألف يزاحم اطلاق لدليل أصالة الطهارة في ماء باء والعكس فهما متزاحمان، ولذلك فكل منهما مانع وممنوع وكل منهما معارِض ومعارَض فمقتضى ذلك ان يكون أصل الطهارة في ماء باء في رتبة كونه معارِضا هو معارَضٌ، وفي رتبة كونه مانع هو ممنوع فكيف يعقل ان يكون في هذه الرتبة وهي رتبة كونه مانعا ومعارِضاً ان يكون معارِضاً لاصل آخر وهو أصالة الطهارة في ماء ألف مع انه في هذه الرتبة ممنوع ومعارض والممنوع والمعارض في نفس الرتبة كيف يكون مانعا ومعارضا.

قلت: لا موجب لدعوى التوحد في الرتبة بمجرد ان يكون بين الدليلين تلازم وتمانع فإن التمانع بين المقتضيين والتزاحم بين الاطلاقين لا يجب اتحادهما في الرتبة بحيث يكون ما كان مانعا من الآخر هو ممنوع منه في نفس الرتبة والسر في ذلك ان اتحاد الرتبة يحتاج إلى علة ولذلك ذكر في بحث مسالة الترتب ان اتحاد الرتبة له معنى وجودي وله معنى سلبي المعنى الايجابي لاتحاد الرتبة هو عبارة عن وجود ملاك يقتضي وحدة الامرين في رتبة واحدة وهذا الملاك هو ملاك العلية فقط فالمعلولان لعلة واحدة متحدان رتبة فإن معلوليتهما لعلة واحدة اقتضى اتحادههما بحسب الرتبة فلذلك لو قلنا بأن الانسانية علة للتعجب وللضحك فهما معلولان لعلة واحدة فمقتضى كونهما معلولين لعلة واحدة ان يكونا متحدين في الرتبة وهذا هو الاتحاد بالمعنى الايجابي واما الاتحاد بالمعنى السلبي فهو عبارة عن ان لا يوجد ما يقتضي التأخر لا ان يوجد ما يقتضي الاتحاد فمثلا يقال وجود العلة متقدم على وجود المعلول رتبة وان كانا متعاصرين زمانا وعدم العلة متحد رتبة مع وجود العلة ومعنى الاتحاد ليس بالمعنى الايجابي بل معناه ان لا يوجد بين عدم العلة ووجود العلة ما يقتضي التأخر بالرتبة عن الآخر، لأجل ذلك مجرد التزاحم والتنافي بين اطلاقين لا يقتضي اتحادهما بالرتبة فالمعنى الوجودي غايته ان ليس بينهما ما يقتضي التأخر عن الآخر رتبة لا ان بينهما وحدة بالرتبة بالمعنى الايجابي.

وبعبارة أخرى: ليس معنى المعارضة هنا التنافي بين الدليلين، وانما معناها ان الجمع بينهما ترخيص في المخالفة القطعية وهذا المعنى من المعارضة لا يعني اتحادهما رتبة كي يقال ان مانعية أصالة الطهارة في ماء باء هي في رتبة ممنوعيته وسقوطه باستصحاب الطهارة في ماء ألف ومع سقوطه بهذا الاستصحاب كيف يكون معارضا لأصالة الطهارة في ماء ألف؟.

فإن قلت: المشكل يدعي التأخر الزماني لا التأخر الرتبي بمعنى انه يدعي انّ جريان أصالة الطهارة في ماء ألف متأخر زمانا لا رتبة عن سقوط استصحاب الطهارة في ماء ألف وبما ان سقوط استصحاب الطهارة في ماء ألف هو زمن سقوط أصالة الطهارة في ماء باء بمقتضى المعارضة فأصالة الطهارة في ماء ألف متأخرة زمانا عن سقوط أصالة الطهارة في ماء باء فما سقط في زمن سابق كيف ينهض في زمن اخر لكي يكون معارضا مع أصالة الطهارة في ماء ألف؟.

قلت: ان مقتضى اطلاق دليل أصالة الطهارة ان تجري أصالة الطهارة في ماء باء في الثانية الأولى، ولكن هذا الجريان انما يتم لولا المانع وهو حكم العقل بانّه لا يجتمع الترخيص في ماء باء مع الترخيص في ماء ألف في الثانية الاولى باستصحاب الطهارة وفي الثانية بأصالة الطهارة اي لا يمكن الجمع عقلاً بين أصالة الطهارة في ماء باء في الثانية الاولى واصالة الطهارة في ماء ألف في الثانية، فالجمع بين هذين الترخيصين ولو في زمانين قبيح لأنّه يؤدي إلى الترخيص في المخالفة القطعية لأنّه لو شرب الماء في الثانية الاولى اعتمادا على أصالة الطهارة ولمّا جاءت الثانية شرب الماء ألف اعتمادا على أصالة الطهارة وسقوط استصحاب الطهارة في تلك الثانية للزم الوقوع في المخالفة القطعية وهو قبيح، فلا فرق في تعدد الزمان ووحدته فإن حكم العقل لا يقبل التخصيص فبما ان العقل حكم بأن الجمع بين الترخيصين ترخيص في المخالفة القطعية والترخيص في المخالفة القطعية قبيح وهو حكم عقلي لا يقبل التخصيص فجريان أصالة الطهارة في باء في الثانية الاولى معارض لأي ترخيص في ألف ولو كان في الثانية.

ولذلك التزم معظم الاصوليين في ان التلف المتأخر عن منجزية العلم الاجمالي لا يوجب انحلال العلم الاجمالي فلو علمنا اجمالا بنجاسة احد المائين فتعارض الاصلان وقمنا بإتلاف احد المائين حتّى يتسنى لنا اقتحام الآخر بهذه الحجة اي نقول ان أصالة الطهارة في هذا الزمن وهو زمان ما بعد التلف تجري في الماء الباقي بلا معارض فيقال لا يصح هذا لان أصالة الطهارة في الماء الذي اتلف في زمن جريانها معارضة لأي أصل ترخيصي في الطرف الآخر ولو كان متأخراً زماناً والسر في هذه المعارضة ان معنى المعارضة هو حكم العقل بأن الجمع بين الترخيصين قبيح وهو لا يفرق فيه بين ان يجتمعا زمانا أو يتعددا.

والحمدُ لله ربِّ العالمين

الدرس 111
الدرس 113