نص الشريط
الدرس 15
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 18/11/1434 هـ
مرات العرض: 2579
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (452)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

بقي في المقام مطلب للمحقق الاصفهاني «قده» تعرض له في جريان البراءة عن مانعية الزيادة في الأصول، وتعرض له في بحث القدرة على التسليم في حاشيته على المكاسب، وهذا المطلب محصله:

أنّه لا يمكن جعل المانعية للزيادة حتّى على مستوى عالم الاعتبار والصياغة، فلا يختص المنع بعالم الإرادة، بل حتّى على مستوى الاعتبار والصياغة لا يُعقل جعل المانعية للزيادة، وبيان ذلك:

أنّ الطريق لجعل المانعية أحد وجهين: إمّا النهي وإما الجعل الاستقلالي، وكلٌ من الطريقين غير تامٍِّ.

أمّا الطريق الأول: وهو أن يقوم المولى بتشريع النهي ويكون نهيه جعلاً لمانعية الزيادة.

فيُلاحظ على ذلك: أنّ النهي إمّا نفسيٌ وإمّا غيري، فإن كان نهياً نفسياً، كأن يقول: «لا تضحك في الصلاة» أو كما استفاده جمع الأعاظم، أنّ النهي عن الطواف عريانا - كما في بعض الروايات - نهي نفسي، فغاية النهي النفسي حرمة متعلّقه أو عدم مشروعيته، فإذا قال: «لا تطف عرياناً» على نحو النهي النفسي فإنّ غايته أنّ هذا العمل مبغوض ومحرم لا أنّه جعل للمانعية.

وإمّا أن يكون النهي غيرياً، والنهي الغيري على أقسام أربعة:

القسم الأوّل: النهي الغيري الذاتي بحسب تعبيره، ومقصوده بالذاتي أنّه مجعول من قبل المولى، كالنهي عن المقدمة لحرمة ذي المقدمة، فلو قال الشارع الشريف: «ولا أرى أن يخرج إلى هذه الأرض التي توبق دينه» كما في بعض الروايات، فيقال: بأنّ النهي عن السفر إلى أرض توبق الدين نهي غيري مقدمي نتيجة مبغوضية ذي المقدمة، ومن الواضح أنّ النهي الغيري المقدمي وإن كان نهياً مجعولاً من قبل الشارع إلّا أنه ليس جعلاً للمانعية؛ إذ غاية هذا النهي مبغوضية المقدمة مبغوضية غيرية لأجل مبغوضية ذيها وليس جعلاً للمانعية.

القسم الثاني: أن يكون النهي الغيري بحسب تعبيره نهياً عرضياً، أي لم يتصدى المولى لجعله وإنما اُستفيد بالملازمة العرفية من أمر مولوي، نظير ما بحثه الأصوليون من أنّه هل أنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده العام، مثلاً: إذا أمر بالصلاة فهل الأمر بالصلاة يقتضي نهياً عن تركها أم لا؟

فذكر غالب الأصوليين أنّ النهي عن الترك ليس نهياً حقيقياً، بمعنى أنّه لم يصدر من المولى حكمان، أمرٌ بالصلاة ونهي عن تركها، بحيث إذا تركها ارتكب مخالفتين، حيث خالف الأمر والنهي فاستحق عقوبتين، بل هناك حكمٌ واحدٌ ألّا وهو الأمر بالصلاة، غاية ما في الباب أنّ هناك لازم بيّن بالمعنى الأعم أو المعنى الأخص أنّ هذا الأمر بالصلاة لازمه مبغوضية تركها، وإلا لم يصدر من المولى نهي، فهذا النهي هو المعبر عنه ب «النهي الغيري العرضي» فلو فرضنا أنّ المولى قال: «أنت مأمور بركوع مع عدم حركة مثلاً أثناء الركوع، أو أنت مأمور بقراءة مع عدم الوسوسة حال القراءة» فما هو المأمور به مركب من جزئين، وجودي وهو «القراءة»، عدمي «وهو عدم الوسوسة» فعدم الوسوسة مأمورٌ بها، والأمر بها يقتضي نهياً، والأمر بعدم الوسوسة يقتضي نهياً غيرياً عرضياً عن الوسوسة نفسها؛ لأن الأمر بشيء يقتضي النهي عن ضده العامّ، فالأمر بعدم الوسوسة يقتضي نهياً عن الوسوسة.

فهنا أفاد الاصفهاني: أنّ هذا النهي عرضي، والنهي العرضي ليس مجعولاً من قبل الشارع كي يكون جعله جعلاً للمانعية، فإننا نريد أن نتوصل لجعل المانعية، فكيف يستند جعلها لنهي ليس مجعولاً أصلاً، هذا هو القسم الثاني.

القسم الثالث: أن يكون النهي ضمنياً، بأن يقال: «لا تضحك في الصلاة» والنهي عن الضحك هنا مولوي ضمني، وليس نهياً استقلالياً، وهذا النهي الضمني هو منشأ لجعل المانعية، فلو قيل بهذا.

قال: إنّ الوجوب الضمني لا يقتضي الجزئية والشرطية فكيف يقتضي النهي الضمني المانعية، وبيان ذلك:

ما تكرر في كلمات الأصوليين من أنّ هناك أمراً ضمنياً بالجزء كالفاتحة، أو أمر ضمني بالتقييد بالشرط كتقيد الصلاة مثلاً بالاطمئنان أو الاستقبال، يقول المحقق الاصفهاني هذا الأمر الضمني التحليلي فرع الجزئية والشرطية لا أنّه منشأ لجعلها، أي لولا أنّ المولى في رتبة سابقة أمر بالمركب ومنه الفاتحة لما كان للفاتحة أمرٌ ضمني، فالأمر الضمني بالجزء كالفاتحة فرع جزئيته فكيف يكون منشأً لجزئيته، والحال بأنّه بعد أن فرغنا عن كون الفاتحة جزءاً من الصلاة، قلنا أنّ الفاتحة مأمورٌ بها أمرا ضمنياً، وبعد أن فرغنا عن تقيّد الصلاة بالاستقبال، قلنا بأنّ هذا التقيد مأمورٌ به أمراًً ضمنياً، فالأمر الضمني التحليلي فرع الجزئية لا أنّه منشأ للجزئية، فكما قلنا بهذا في الجزئية والشرطية نقول به في المانعية، فإن وجود نهي مولوي ضمني عن الضحك في الصلاة فرع كون الضحك مانعاً من صحة الصلاة؛ إذ لولا كونه مانعاً لماذا ينهى عنه؟ فالنهي الضمني فرع جعل المانعية لا أنّه هو جعل للمانعية.

القسم الرابع: النهي الإرشادي

كما هو شائع شائع في كلمات الأصوليين والفقهاء، وهو أنّ قول المولى «لا تصلِّ في وبر ما لا يؤكل لحمه» إرشادٌ إلى مانعية وبر ما لا يؤكل لحمه، مثلاً: «لا تصلِّ ضاحكاً» إرشادٌ إلى مانعية الضحك، فيقول المحقق: فانتم بين خيارينِ، إمّا أن يكون هذا النهي الإرشادي هو منشأ جعل المانعية يعني أنّ المانعية جُعلت به أو أنّها مجعولة في رتبة سابقة، فإن كانت المانعية مجعولة به لم يكن إرشاديا، لأن معنى كونه إرشاديا أنّ للمانعية تقرراً في رتبة سابقة عليه وهو يُرشد إليها، ومعنى أنّ المانعية جُعلت به أنّه تأسيسي وليس إرشادياً.

وإنّ قلتم: إنّ المانعية مجعولةٌ في رتبة سابقة وهذا النهي مجرد إرشاد في مقام الإثبات إلى تلك المانعية المجعولة، فقد افترضنا أنّ لا منشأ لجعل المانعية، رجعنا إلى الكلام السابق، إلّا النهي الغيري فهو لا يكون منشأً لها، أو النهي العرضي وهو ليس مجعولاً، أو النهي الضمني وهو فرع الجعل، فإذا لم يكن منشأٌ لجعل المانعية في رتبة سابقة على النهي الإرشادي، فكيف يكون النهي الإرشادي إرشادا إليها.

فالنتيجة: أنّ جعل المانعية بواسطة النهي نفسياً غيرياً ذاتياً عرضياً مولوياً إرشاديا استقلالياً ضمنياً غير تامّ.

الطريق الثاني: أن يُقال بأن المانعية مجعولة استقلالاً، بأن يقول المعتبر: أنا جعلت القهقهة مانعاً من صحّة الصلاة، أو أنّا جعلت البكاء بالصوت مانعاً من صحة الصلاة، فالمانعية مجعولة لا بالنهي بل بالاستقلال، وهذا الطريق مدفوعٌ بما سبق بيانه وهو أنّ الاعتبار - أي اعتبار المانعية - إمّا صوري او اعتبار مشتمل على الإرادة، فإن كان اعتباراً صورياً فلا يكون جعلاً للمانعية، وإن كان اعتبارً مشتملاً على الإرادة فقد ذكرنا فيما سبق أنّه لا يتصوّر لشيء أن يكون مانعاً من تمامية مركبٍ ما لم تكن إرادة ذلك المركب مشروطة بعدمه.

فرجع جعل المانعية إلى الشرطية، والمتحصّل: أن لا مانعية في الشريعة أصلاً، بل لا يوجد إلّا الشرطية، غاية الأمر أنّ الشرطية إمّا للوجود وإمّا للعدم، وإلّا فما يُسمى بالمانعية حديثٌ لطيف ولكنه لا معنون له في بضاعة الحوزة.

ولكن في التقريرات المنسوبة لبعض مشائخنا «دام ظله الشريف» أشكل على كلام المحقق الاصفهاني «قده»، وأفادّ بأنّه يمكن جعل المانعية، وذكر مطالب ثلاثة:

المطلب الأوّل:

قال: إن ما ذُكر خلطٌ بين عالم الاعتبار وعالم التكوين، فما هو الممتنع المحال جعل المانعية التكوينية، وأمّا المانعية الشرعية الاعتبارية فأمرٌ سهل المؤونة، بأن يقول المشرع الضحك مانع، البكاء مانع، الغررية مانعٌ من صحة البيع، وإلى آخره.

المطلب الثاني:

قال: يمكن جعل المانعية عن طريق النهي، وهو النهي التبعي، وفسّر النهي التبعي بما تعلّق بأمر خارجي لخصوصية في المركب، مثلاً: إذا قال: «لا تضحك» يعني لا تضحك في الصلاة، «لا تضحك في الصلاة» فهنا متعلّق النهي الضحك لكن لا بلحاظ ذاته بل بلحاظ خصوصية في المركب الصلاتي، فالنهي عن الضحك لا لذاته بل لخصوصية في مركب ما هو نهي تبعي، وليس أصلياً، وهذا النهي التبعي هو منشأ جعل المانعية، فانجعلت المانعية بهذا النهي التبعي.

والمطلب الثالث:

إن المرتكز العقلائي، يرى إنّ إرجاع المانعية إلى شرطية العدم خلاف وجدانه العقلائيِ، فهو بنحو واضح يرى أنّ قوله: «لا تضحك في الصلاة» جعلٌ للمانعية، أي أنّ وجود الضحك مانعٌ لا أنّ عدمه شرطٌ، وإلّا لو كان المجعول شرطية عدم الضحك، لكان الضحك نقيضاً للشرط لا مانعاً، فإنّ مقتضى شرطية العدم أنّه لو ضحك فهو لم يأتِ بالشرط لا أنّه أتى بوجود مزاحم للصلاة. وبهذا نقد كما في التقرير كلام المحقق المدقق «أعلى الله في الخُلد مقامه».

ولكن يُلاحظ على ما أُفيد:

أولاً: بأنّ مدّعى الأصفهاني أنّ المانعية أمر انتزاعي وليس أمر اعتباري كي يُقال بالخلط بين التكوينيات والاعتباريات، فهو من الأصل يرى أنّ المانعية والشرطية والجزئية من العناوين الانتزاعية، والعناوين الانتزاعية واقعية وإن كانت بواقع منشأ انتزاعها، سواء كان منشأ انتزاعها أمراً متأصلاً أم أمرا اعتبارياً، فإن هذا تنوع في منشأ الانتزاع، وإلّا ففي نفس العنوان الانتزاعي ليس أمراً اعتبارياً، فإنّ الاعتبار وإن كان بلحاظ مصدره اعتباراً لكنه بالنتيجة أمر خارجي، حيث إنّ الاعتبار في حدّ ذاته فعلٌ من أفعال المعتبر فهو فعلٌ خارجي واقعيٌ وبلحاظ أنّه فعل واقعي يكون منشأ لانتزاع عنوان معين، فإذاً لم يقع خلطٌ من الأصفهاني في شيء؛ لأنه من الأساس يقول: «ليست المانعية أمراً اعتبارياً» بل المانعية أمرٌ واقعي وإن كان منشأ انتزاعها أمراً اعتبارياً، فإذا كانت من الأمور الواقعية، إذاً بالنتيجة يصح لي أن أقول: لا يُعقل جعلها حقيقة وتكويناً وواقعاً إلا بجعل منشأ انتزاعها.

وثانياً: دعوى أنّ المانعية مجعولةٌ بالنهي التبعي، يرد عليه نفس كلام الاصفهاني، وهو أنّ هذا النهي التبعي إرشادي أو مولوي، فإن كان ارشاديا فهو فرع جعل للمانعية، وإن كان مولوياً فغايته الحرمة التكليفية لا أنّه جعلٌ للمانعية، فإذا قال: على نحو النهي التبعي لا تضحك في الصلاة فلا يخلوا إمّا أن يكون نهياً مولوياً تكليفياً، إذاً فالضحك في الصلاة مبغوضٌ، أمّا أنه مانع أم لا؟ هذه مسألة أخرى، أو أنّه نهي إرشادي إذاً لابد من جعل المانعية في رتبة سابقة، فما هو منشأ جعلها؟ هذا لا يحل المشكلة.

وثالثا: دعوى أنّ المرتكز العقلائي يرى أنّ الوجود مانع لا أنّ عدمه شرطٌ وإنما يقرره الاصفهاني فهو خارج عن حيطة العقلاء وحريم مرتكزاتهم.

فيُلاحظ عليه: أنّ الاصفهاني يقول أساسا المانعية عنوان انتزاعي، فمتى ما التفت العقلاء إلى أن المانعية عنوان انتزاعي، جرى مرتكزهم على أنّ المانعية لا يمكن جعلها إلّا بجعل منشأ انتزاعها، ومنشأ انتزاعها هو شرطية العدم، انتهينا.

إذاً؛ دعوى أن العقلاء يرون رجوع المانعية إلى مزاحمة الوجود لا شرطية العدم هذا أوّل الكلام، فالعقلاء إمّا غافلون نبههم الله، وإمّا ملتفتون إلى أنّ المانعية من الأمور الانتزاعية فحتماً بناءهم ومرتكزهم على أنّه لا يُعقل جعلها وأنّ مآلها إلى شرطية العدم.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 14
الدرس 16