نص الشريط
الدرس 16
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 22/11/1434 هـ
مرات العرض: 2519
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (301)
تشغيل:


بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

وصل الكلام إلى المقام الثالث ألا وهو البحث عن حكم الزيادة، والحديث تارةً بالنظر إلى مقتضى القاعدة وأخرى بالنظر إلى الروايات الخاصّة، فهنا جهتان:

الجهة الأولى: النظر إلى مقتضى القاعدة، فهل أنّ الزيادة بعنوانها مُفسدة للصلاة أم لا؟

وهنا أفاد المحقق الاصفهاني «قده» أنّ الزيادة إمّا شرعية أو تشريعية، فهنا صورتان للزيادة،

الأولى: الزيادة الشرعية، والمقصود بها الإتيان بالعمل المشتمل على الزيادة مع عدم إحراز أنها زيادة؛ ولأجل ذلك فهذا النحو أيضاً يُتصوّر لها فرضان:

الفرض الأول: أن يأتي بالعمل المشتمل على الزيادة بداعي تعلّق الأمر الخاصّ به، بمعنى أنّه يعتقد أنّ الأمر الشرعي المتوجه إليه، كالأمر بالصلاة مثلاً هو متعلّق بالصلاة المشتملة على تشهد آخر نفي الركعة الثانية مثلاً، ولولا أنّ الصلاة مشتملة على تشهد زائد لما كان الأمر بالصلاة داعياً له نحو العمل، فداعوية الأمر الخاصّ - وهو الأمر المتوجه إليه بالفعل - نحو العمل منوطة بكون متعلّق هذا الأمر الخاصّ هو الصلاة المشتملة على الزيادة، وحينئذ في هذه الصورة ما هو وجه بطلان العمل؟ هل أنّ الوجه في بطلان العمل أنّه ليس عبادة بالفعل؟ أو أنّ الوجه في بطلان العمل مانعية الزيادة؟ أو أنّ الوجه في بطلان العمل عدم امتثال الأمر؟ والصحيح هو الثالث.

أمّا الأولّ، وهو دعوى أن العمل ليس عبادةً بالفعل؛ لأنّ داعوية الأمر نحو العمل تقديرية أي على تقدير كون متعلّق الأمر هو العمل المشتمل على الزيادة، فالداعوية ليست فعلية وإنما هي على تقدير دون تقدير، أي على تقدير كون متعلّق الأمر هو العمل المشتمل على الزيادة فالأمر حينئذ داعٍ وإلّا فلا.

وقد يقال: بما أنّ الداعوية تقديرية فليست العبادة فعلية، بل هي تقديرية، وبالتالي يُعتبر في صحة العمل أن يكون عبادة بالفعل، لا أنّه عبادة على تقدير دون تقدير.

والمحقق الإصفهاني «قده» دفع ذلك: بأنّه حتّى وإن كانت داعوية الأمر داعوية تقديرية إلّا أن العبادة فعلية، لأنه بالنتيجة ما دام يعتقد أن الأمر داعٍ نحو هذا العمل المشتمل على الزيادة، فقد انبعث بالفعل عن هذا الأمر، وبعبارة أخرى: فقد أضاف العمل إلى الله بالفعل، والعبادة متقومة باضافة العمل إلى الله بالفعل، وقد أضافه بالفعل فهو عبادة فعلية، فليس الوجه في فساد العمل أنّه ليس عبادة بالفعل بل هو عبادة بالفعل.

كما أنّ الوجه الثاني، وهو أن يكون المناط في البطلان مانعية الزيادة، غير تامّ؛ لأن مانعية الزيادة بمقتضى الجمع بين الأدّلة، أي بين دليل من زاد في صلاته فعليه الإعادة ودليل لا تعاد الصلاة إلى من خمسة، أنّ المانعية موضوع فرض الالتفات، فإذا التفت إلى أنّ ما أتى به ليس بجزء، ومع ذلك أتى به بقصد الجزئية كان ذلك زيادةً مانعة وإلّا فلا، والمفروض في محل كلامنا أنّ المكلف لم تقم لديه حجة على عدم الجزئية، فهو إما أن يعتقد بالجزئية أو لا اقل أجرى البراءة عن مانعية هذه الزيادة واتى بالعمل مشتملاً عليها.

فالوجه الصحيح في بطلان عمله، هو عدم الامتثال؛ لأنه امتثل الأمر المتعلّق بالعمل المشتمل على الزيادة، فما امتثل ليس امراً في حقه، وما هو أمر في حقه وهو العمل المشروط بشرط لا عن هذه الزيادة وإن لم يكن ملتفتا إليه لم يمتثله، فالوجه في بطلان عمله عدم الامتثال، لا أنّ الوجه أنه ليس عبادة، ولا أنّ الوجه أنه مانعية الزيادة.

ويُلاحظ على كلام المحقق الأصفهاني: أنّ تعلّق الأمر الخاصّ بالعمل المشتمل على الزيادة هل هو ملحوظ في مقام المحركية على نحو الحيثية التقييدية أم على نحو الحيثية التعليلية؟

بمعنى هل المحرك له بالأصالة تعلّق الأمر بالزيادة وإضافة العمل إلى الله تبعٌ، أمّ أنّ المحرك له بالأصالة هو الانبعاث عن أمر الله، وتعلّق الأمر بالزيادة تابع في المحركية؟ فالمفروض أنّ هذا العبد تحرّك واتى بالصلاة، ولكن الكلام فيما هو المحرك له بالأصالة نحو هذا العمل، فإن قلنا بأن المحرك له بالأصالة تعلّق الأمر بالزيادة، بحيث لو لم يتعلّق الأمر بالزيادة لما تحرك أصلاً، فما هو المحرك له بالأصالة تعلّق الأمر بالزيادة، وإنما أضاف العمل إلى الله تبعاً لهذا المحرك، أو لاعتقاده بحصول ذلك، فهنا لم يتحقق منه لا امتثال ولا عبادية؛ إذ ما دام لا محرك له إلا تعلق الأمر بالزيادة؛ بحيث لولا هذا التعلّق لما تحرك أصلا، والمفروض أن لا أمر بالزيادة فما أتى به عبادةٌ اعتقادية وليس عبادةً حقيقية، وعبادة وهمية وليس عبادة حقيقية.

وأمّا إذا كان المحرك هو الانبعاث عن أوامر المولى، فهو مضيف للعمل إلى ربه منبعث عن أوامره، وصارت محركية الأمر الذي يعتقد به أنه متعلّق بالزيادة محركة بالتبع، فحينئذ نعم تحققت منه العبادية، فدعوى أنّ الداعوية وإن كانت تقديرية إلّا أنّ العبادة حاصلة بالفعل وعلى نحو الحقيقة غير تامة أو ممنوعة.

فنقول: بأنّه في فرض إناطة امتثاله بتعلّق الأمر بالعمل المشتمل على الزيادة فما أتى به ليس عبادةً، هذا بالنسبة ِإلى الفرض الأوّل الذي أفاده.

الفرض الثاني:

قال: بأن يكون المكلف آتيا وممتثلاً على كل حالٍ، تعلّق الأمر بالزيادة لم يتعلّق، فكونه في مقام الامتثال لا بشرط من جهة تعلّق الأمر بالزيادة أو عدم تعلّقه به، وإنّما أتى بالعمل مشتملاً على الزيادة لأنه يعتقد أنها جزءٌ، وإلا فهو ممتثل لذلك الأمر الخاصّ تعلّق بالزيادة أم لم يتعلّق، فهذا النحو من العمل لا إشكال في صحته؛ لأنه بالنتيجة قد امتثل الأمر الواقعي وتحققت منه العبادية بالفعل، ولا يشمله أدلة مانعية الزيادة؛ بلحاظ أنه غير ملتفت، بمعنى لم تقم لديه حجة على زياديتها.

وما أفاده في هذا الفرض منوطٌ بعدم الزيادة السهوية، أي أنه لا يشمل فرض ما كانت زيادته مفسدةً ولو كانت سهوية، طبعاً بالنظر للدليل الخاص وهو الآن يتحدث عن مقتضى القاعدة.

الصورة الثانية: الزيادة بقصد التشريع، وهي على فروض أربعة:

التشريع في الأمر، التشريع في المتعلّق، التشريع في مقام الامتثال، التشريع في الضميمة.

وقد تعرّض الفقهاء لهذه الصور في كثير من الأبواب.

الفرض الأوّل: التشريع في الأمر، بأن يدعي أنّ هناك أمراً صدر من الشارع بالعمل المشتمل على الزيادة شاء الشارع أم أبى، فمع التفاته إلى أنّ هذا العمل أو هذه الزيادة ليست جزءاً او لم يثبت جزئيتها، مع ذلك - مع التفاته إلى انه لم يقم دليل على جزئيتها - ادعى وجود أمر متعلّق بهذه الزيادة، وأتى بالعمل كما يُعبر الأصفهاني انجازاً لتشريعه، حتّى يصير تشريع عملي.

ولا إشكال في بطلان عمله في هذا الفرض بلحاظ أنّه لم يمتثل الأمر أصلاً، حيث لا أمر بالزيادة.

الفرض الثاني: التشريع في المتعلّق، وبحسب تعبير المحقق الإصفهاني «التشريع في التطبيق» بيان ذلك:

أن يُقرّ العبد أن الأمر الموجود بالفعل ليس متعلّقا بهذه الزيدة، ولكنني أتصرف في المتعلّق على نحو التوسعة، فأقول: إن المتعلّق يعم العمل المشتمل على الزيادة، وكما يقول المحقق الاصفهاني: فإنه قد يُقال في المقام لا تشريع، لِمَ؟ لأن العبد لم يتصرف في سلطان المولى، فالتشريع عبارةٌ عن التصرف في سلطان المولى، وما تحت سلطانه أمره وإلّا لما تصرف في أمره، وإنما حصل التصرف في أمرٍ عقلي، وهو هل أنّ المتعلق ينطبق على العمل المشتمل على الزيادة أم لا ينطبق، فأنا تصرفت في التطبيق ليس إلا وهذا ليس تصرفاً في أمر المولى كي يكون تشريعاً.

فقد يقال: بأنّ ما صدر وإن كان عبثا ولغوا ولكن لم يتصرف العبد في سلطان المولى.

ولكن يُلاحظ على ما أُفيد: أنّ متعلق الأمر إما لا بشرط من حيث هذه الزيادة أو بشرط لا، فإن مكان متعلّق الأمر قد أُخذ على نحو اللا بشرط، فما أتى به ليس تشريعاً وليس عبثاً؛ إذ بالنتيجة العمل على نحو اللابشرط من جهة هذه الزيادة، أي أنها أجنبية ليست دخيلةً لا وجوداً ولا عدماً، وقد أتى بذلك، فدعواه أنّ من تطبيقات المتعلّق العمل المشتمل على الزيادة في محلها، لأنه مطابق للمتعلق.

وإن قلنا: بأن المتعلّق لُوحظ بالنسبة إلى هذه الزيادة على نحو البشرط لا، فلا محالة ما صدر منه تصرّفٌ في سلطان المولى، فإن المولى أخذه بنحو البشرط لا وهو أخذه بنحو اللابشرط، فهذا تصرفٌ في سلطان المولى فيكون تشريعاً، وبناء على أن التشريع قبيح مبطل يكون مبطلاً.

الفرض الثالث: أن يكون التشريع في مقام الامتثال، بأن يُقر العبد أن لا تصرف له في الأمر فالأمر محفوظ ومصون، ولا تصرف له في المتعلّق، ولا بنحو التطبيق، فهذا كله مصون، وإنما يدعي أنّه لا يمكن امتثال هذا الأمر بهذه الصورة، فصحيحٌ أنّ المولى ما أمر به هو الصلاة لا بشرط من حيث هذه الزيادة ولنتفرضها مثلاً قراءة سورة ياسين مثلاً، ولكن أنا ادعي أنّه لا يمكن امتثال هذا الأمر إلّا مع سورة ياسين، لا لأنها أُخذت فيه، بل لمشكلة في مرحلة الامتثال.

وبعبارة أخرى: يدعي أن الزيادة جزءاً من الفرد وليست جزءاً من الطبيعي، فهل هذا محققٌ للتشريع أم لا؟

فهنا أفاد المحقق الاصفهاني أنّه التشريع هو التصرف في سلطان المولى، وعندما يُصدر المولى أمراً فإنّه في صدور أمره يُحدد موقف العبد فعلاً أو تركاً، فتحديد موقف العبد في مقام الامتثال من شؤون المولى أيضاً، لا أنّه من شؤون العبد، بل شؤون مقام الامتثال في فعلاً أو تركاً حذفا أو إضافة ترتبط بالمولى، فإنّ المولى بعد أن أصدر الأحكام لاحظ تحديد موقف العبد في مقام الامتثال، وبالتالي فعندما يدعي العبد أنّ مقام الامتثال منوطٌ بهذه الزيادة، فهو يدعي أنّ المولى تسبب إلى هذا العمل في مقام الامتثال، فالعمل المشتمل على الزيادة موجوداً تسبيبي من قبل المولى، فأصبح تصرفاً في سلطان الشارع، والتصرف في سلطان الشارع قبيحٌ والقبيح مانعٌ من المقربية، فيقع العمل فاسداً؛ لأنه عملٌ قبيح.

سوف يأتي في البحث القادم: هل أنّ التشريع من عناوين العمل أم من العناوين النفسية؟ وهل أنّ وجه المبطلية للعمل هو عنوان التشريع أم عنوان البدعة؟ وما هو الفرق بين العنوانين؟ طبعاً هذه المباحث لم يتعرّض إليها الاصفهاني، نحن نتعرض لها من أجل تتميم المطلب، ثم نُكمل كلام الاصفهاني حيث تعرض إلى فرض رابع، وفيما بعد تعرض لكلام الشيخ الأنصاري في الرسائل الذي قال: قد يأتي بالزيادة على نحو الضمنية لا على نحو الاستقلالية، كل هذا مذكور في كلام الاصفهاني في «نهاية الدراية».

والحمد لله رب العالمين

الدرس 15
الدرس 17