نص الشريط
الدرس 98
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 7/6/1435 هـ
مرات العرض: 2571
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (454)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

ذكرنا فيما سبق أنّ بحثنا في الخلل في النية في جهات ثلاث، وصل الكلام إلى الجهة الثالثة.

الجهة الثالثة: هل أنّ النية من قبيل الداعي أو من قبيل الخطور بالبال؟ وقد فرّع سيّدنا «قده» - في المستند في الجزء الرابع عشر بحسب الطبع الجديد - هذا البحث على البحث في أنّ النية جزء أم شرط؟ فأفاد «قده»: إن قلنا بأنّ النية جزء فهنا ربّما يُقال إن النية من قبيل الخطور بالبال بخلاف ما إذا قلنا إنّ النية شرط، فحينئذ تكون النية من قبيل الداعي، لا من باب الخطور بالبال.

لهذا اقتضى كلامه «قده» أن نبحث في مطلبين:

أولهما: في أنّ النية جزء أم شرط؟ أو لا جزء ولا شرط؟ والثاني: أنه هل تترتب هذه الثمرة التي أفادها على القول بالجزئية والشرطية أم لا؟

فأمّا بالنسبة للمطلب الأوّل: وهو هل أنّ نية الصلاة جزء أم شرط؟

والمقصود بأنها جزء أنها تكون مشروطة بسائر شرائط الصلاة، فكما أنّ تكبيرة الإحرام جزء ومقتضى جزئيتها أنّها مشروطة بسائر الشرائط، فيُشترط في التكبيرة الاستقبال والطهارة والاطمئنان، وما أشبه ذلك من شرائط الصلاة، فلو قلنا إن النية جزء لكانت مشروطة بهذه الشرائط، بخلاف ما إذا قلنا إنّها شرط كالاستقبال وكالطهارة وليست جزءاً، فتعرّض «قده» لما ينفي الجزئية ثم تعرّض لما ينفي الشرطية.

أمّا ما ينفي جزئية النية، فقد ذكر وجوها ثلاثة:

الوجه الأول: أن لا دليل، فإن ما قام عليه الدليل أن لا صحة للصلاة من دون نية، وهذا هو مورد الإجماع والتسالم القطعي.

وأمّا ان النية جزء مشروط بسائر شرائط الصلاة، فهو ممّا لم يقم عليه دليل وهذا يكفينا، وهذا الكلام تامّ.

الوجه الثاني: قال: إنّ النية لو كانت جزءاً لأُكتفي بها في أول الصلاة من دون حاجة لحضورها عند باقي الأجزاء، فإنّها لو كانت جزءاً فإن لكل جزء محلاً مقرراً، ولا يمتد إلى بقية الأجزاء، فلو كانت النية جزءا، لكان محلها مثلاً قبل تكبيرة الإحرام، فلازم جزئيتها أنّ النية لو كانت حاضرة قبل تكبيرة الإحرام لتحققت الجزئية ولا حاجة إلى حضورها بعد ذلك، فحتى لو غفل بالمرة عن الصلاة بحيث لو سئل: ماذا تفعل، لقال: لا أدري، فإن صلاته صحيحة. فهل هذا الوجه ينفي الجزئية أم لا؟

ويُلاحظ على ما أُفيد: أنّ مجرد قيام التسالم القطعي على عدم الاكتفاء بالنية في محل معين غايته أنّه ينفي أنّ للنية محلاً لا أنّه ينفي الجزئية، فلعل النية من قبيل الجزء المقارن لكل جزء، فهي جزء مقارن للتكبيرة، ومقارن للقراءة وإلى أخر الأجزاء.

الوجه الثالث: - وقد تكرر هذا الوجه في كثير من الموارد، يستدل به على نفي الجزئية، - قال: ما دل على أنّ أوّل الصلاة التكبير وآخرها التسليم ينفي جزئية جزء آخر قبل التكبيرة، فلا جزئية لشيء قبل التكبيرة بعد بيان النصوص أنّ أوّل اجزاء الصلاة هو التكبير وآخرها التسليم، فاحتمال الجزئية ساقط جزماً.

ولابد من البحث في المقام عن هذا الدليل المدعى من أنّ النصوص قد بيّنت أنّ أوّل أجزاء الصلاة التكبير وآخرها التسليم، فنرجع إلى الباب الأوّل من أبواب تكبيرة الإحرام، فنقول بأن النصوص الواردة في المقام على طوائف:

الطائفة الأولى: ما دل على أنّ تحريمها التكبير وتحليلها التسليم، فلاحظوا صحيحة بن القداح - حديث 10 من الباب الأوّل - عن ابي عبد الله قال: قال رسول الله «افتتاح الصلاة الوضوء وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم».

ومفاد هذا الحديث أعم من أنّ افتتاح الصلاة يتحقق بالنية او يتحقق بما عداها، فإنّ هذا الحديث في مقام بيان الجزء المحرم، بمعنى أنّ الجزء الذي لو تلّبس به المكلف حرم عليه موانع الصلاة كالكلام والقهقهة وما اشبه ذلك هو التكبير، وأمّا أنّه أوّل جزء من اجزاء الصلاة فلا جزء قبله فلا يُستفاد من هذه الرواية.

الطائفة الثانية: ما دلّ على أنّ التكبيرة محقق الافتتاح، أي بها يتحقق الافتتاح، حديث 2 من نفس الباب، صحيحة زيد الشحام «قلت لأبي عبد الله : الافتتاح؟ فقال: تكبيرة تُجزيك، قلت: فالسبع؟ قال: ذلك الفضل».

فهل أنّ ظاهر الرواية السؤال عن الاجزاء أو السؤال عن المحقق؟ يعني هل أنّ ما يرومه السائل ما هو محقق الافتتاح؟ أو أنّ ما يرومه السائل ماذا يُجزي في الافتتاح؟

ولا ظهور في الرواية في السؤال عمّا هو المحقق للافتتاح كي يُستفاد منها عدم جزئية جزء آخر.

الطائفة الثالثة: ما دل على أنّ مفتاح الصلاة التكبير، وهو معتبرة ناصح المؤذن حديث 7 من نفس الباب، «عن ابي عبد الله إني أصلي في البيت واخرج إليهم؟ قال: اجعلها نافلة ولا تكبّر معهم فتدخل معهم في الصلاة، فإن مفتاح الصلاة التكبير» هل يُستفاد من هذه العبارة «فإن مفتاح الصلاة التكبير» أنها في مقام التعليل، ومقتضى كونها في مقام التعليل أن لا مفتاح غيرها، «فإنّ مفتاح الصلاة التكبير».

ودلالتها على أنّ مفتاح الصلاة بمعنى أوّل جزء من أجزاء الصلاة بحيث لا جزء قبلها محل تأمّل!.

الطائفة الرابعة: ما طُبق فيه الافتتاح على التكبير - لاحظ حديث 5 وحديث 7 باب 2 - صحيحة علي بن يقطين «سألت أبا الحسن عن الرجل ينسى أن يفتتح الصلاة حتّى يركع؟ قال: يُعيد الصلاة».

وحديث 7، موثقة عمار، قال: «سألت أبا عبد الله عن رجل سهى خلف الإمام فلم يفتتح الصلاة؟ قال: يُعيد الصلاة ولا صلاة بغير افتتاح»، فهل أنّ تطبيق عنوان الافتتاح على تكبيرة الإحرام في هذه الروايات يدل على انحصار الافتتاح بها فلا جزء قبلها أم لا؟

فتلخصّ من ذلك: أنّه لا ظهور في هذه الروايات في نفي جزئية النية، بناء على ما رامه سيّدنا «قده»، فتلخصّ أنّ الوجه الصحيح لنفي الجزئية ما ذكره أولاً من أنّه لا دليل عليه؛ إذ غاية ما قام الدليل عليه اعتبار النية في الصلاة وأمّا اعتبارها على نحو الجزئية فمّما لا دليل عليه. هذا من ناحية احتمال الجزئية.

وأمّا احتمال الشرطية، فقد نفاه بقوله: وقد يقال إنّ النية هي الإرادة والإرادة ليست اختيارية، فيمتنع تعلّق الأمر بها، فإذا امتنع تعلّق الأمر بها لم تكن لا جزءا ولا شرطا؛ لأنّ ما هو دخيل في الصلاة جزءاً بمعنى دخل القيد والتقيد، او شرطاً بمعنى دخل التقيّد فقط دون القيد، على أية حال لابد أن يكون مأمورا، لأنّ كلامنا في شرائط الواجب لا في شرائط الوجوب، وشرائط الواجب ممّا ينبسط عليها الأمر، فبما أنّ شرائط الواجب ممّا ينبسط عليها الأمر فلابد أن يكون شرط الواجب أو جزءه أمرا اختياريا كي يُتصوّر تعلّق الأمر به، وحيث إنّ النية هي الإرادة والإرادة ليست اختيارية فلا محالة النية ليست شرطا ولا جزءاً.

وقد أشكل على ذلك سيّدنا «قده» بثلاثة إشكالات، قال:

أولا: هذا خلط بين الإرادة بمعنى الشوق وبين الإرادة بمعنى الاختيار، وما هو غير اختياري هو الأول - أي الشوق - وأمّا الثاني - أي الاختيار - فهو وإن كانت مقدماته غير اختيارية من تصوّر الشيء والتصديق بفائدته وكذا، إلّا أنّه اختياري واختياريته بنفسه لا باختيار آخر. وقد بيّنا تفصيل ذلك في الأصول في مبحث الطلب والإرادة، فالمتحصّل أنّ النية حتى لو كانت هي الإرادة فهي أمر اختياري يصح أن يتعلّق به الأمر.

وثانيا: لو سلّمنا أنّ الاختيار غير اختياري، إلّا أنّ الممنوع هو عدم اختيارية الجزء، وأمّا التقيّد بأمر غير اختياري الذي هو معنى الشرط فلا مانع منه، ألّا ترى أنّ الوقت من شرائط الصلاة وهو غير اختياري، والقبلة، وعدم الحيض، وهي أمور غير اختيارية، ومع ذلك اُشترطت الصلاة بكل من ذلك، فإنّ إيقاع الصلاة في هذه الحالات أمر اختياري، وإن كانت نفس هذه القيود غير اختيارية، فما دام تقيّد الصلاة بها اختياريا فحينئذ لا مانع من كونها شرطا وإن كانت نفس القيود غير اختيارية.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 97
الدرس 99