نص الشريط
الدرس 101
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 10/6/1435 هـ
مرات العرض: 2506
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (490)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

ويترتب على البحث في أنّ القيد غير المقدور هل هو دخيل في الوجوب أم في الواجب أنّه مع الشك فيه على نحو الشبهة الموضوعية فهل يكون المقام من موارد الشك في التكليف أو من موارد الشك في المحصّل؟

فمثلا: إذا قال المولى: «توضأ بالماء» وشك المكلف في أنّ المائع الذي بين يديه ماء أم لا على نحو الشبهة الموضوعية لا الشبهة المفهومية، كما إذا كان في ظلام وشك في أنّ ما في يديه هل هو ماء أم لا؟

فهنا ينبغي على مسلك من يقول أنّ القيود غير الاختيارية ترجع للوجوب لا للواجب، أنّ مرجع القضية إلى أنّه إن فُرض وجود الماء فتوضأ، فمع الشك في كونه ماء أم لا؟ يجري البراءة عن وجوب الوضوء، وبالتالي لو فرضنا انحصار المائع به، بحيث لا يوجد مائع آخر، فمقتضى مبناه أنّ الوظيفة هي التيمم، وكذلك إذا قال المولى «اسجد على الأرض» فشك على نحو الشبهة الموضوعية في أنّ هذا المكان أرض أم ليس بارض، فمقتضى هذا المبنى أن يرجع الأمر إلى أنّه إن وُجد ما هو ارض فاسجد عليه، والشك في الأرض على نحو الشبهة الموضوعية مجرى للبراءة، فلا يتعين عليه احراز السجود على الأرض. وهذا لا ينطبق على ما ذهب إليه سيّدنا «قده»، أو هذا لم يقل به سيّدنا «قده» في مقام الفتوى.

وأمّا إذا قلنا كما هو الصحيح بأنّ كل قيّد لا دخل له في الاتصاف وإنما هو دخيل في الاستيفاء، فهو من قيود الواجب وإن كان قيدا غير مقدور، فهنا إذا شك في أنّ هذا المائع ماء ِأم لا؟ فهو من الشك في المحصّل؛ لأنّه يجب عليه أن يُحرز أنّه توضأ بالماء، فإذا شك في أنّ هذا ماء أم لا، شك في أنّ وضوءه هل هو وضوء بالماء أم لا؟ ولو انحصر المائع به لكان المورد من موارد العلم الإجمالي المنجزّ لأنّه إمّا أن يجب عليه الوضوء بهذا أو أن يتيمم، فإنّه إن كان ماء وجب الوضوء به وإن لم يكن ماء وجب عليه التيمم فيجمع بينهما.

وكذلك إذا شك في الأرض على نحو الشبهة الموضوعية، فإنّ وظيفته احراز السجود على الارض لا اجراء البراءة، هذا هو ما يرتبط بما ذكره سيّدنا «قده» من أنّ شروط الواجب يُعتبر فيها أن تكون اختيارية.

فالمتحصّل من البحث: أن يقال إن النية تنحل إلى عنصرين قصد الصلاة وقصد الامتثال، يعني قصد القربة، فأمّا بالنسبة إلى أصل قصد الصلاة فهو ليس جزءا ولا شرطا؛ لأنّ مدركه هو حكم العقل أنّه لا يقع العمل صلاة حتّى يُقصد فقصد الصلاتية مقوم لكون العمل صلاة، وبالتالي فهو ليس جزءا ولا شرطا شرعيا وإنما هو شرط عقلي، فهذا خارج عن محل البحث في أنّ النية جزء أو شرط. وأمّا العنصر الثاني؛ ألا وهو قصد القربة، فهذا الذي يصح البحث فيه أنه جزء شرعا أو شرط؛ لأنّ مدركه شرعي: وهو حكم الشارع باعتبار قصد القربة في الصلاة.

وقد ذكرنا أنّ سيّدنا «قده» استدل على عدم الجزئية بوجوه ثلاثة:

فالوجه الأولّ: كان عدم الدليل على الجزئية، والوجه الثاني: أنّ ظاهر روايات «افتتاحها التكبير واختتامها التسليم» أن لا جزئية للنية، والوجه الثالث: أنّه لو كانت النية جزءا لأكُتفي بها في أوّل الصلاة وإن غفل المكلف بالمرّة عنها في الاثناء، بحيث لو سئل ماذا تعمل؟ لقال: لا أدري، فإن صلاته حينئذ صحيحة، وحيث إنّ هذا اللازم باطلٌ فالملزوم مثله، إذاً فليست النية جزءا.

وقلنا: بأنّ هذين الدليلين، أي الثاني والثالث، لا ينفيان الجزئية وإنما ينفيان حصة من الجزئية، وهي جزئية النية قبل التكبيرة، بأن تكون جزئية النية محلها ما قبل التكبير، فهذا المعنى للجزئية هو الذي يمكن نفيه بهذين الدليلين، لا نفي أصل الجزئية، بحيث لو ادعى مدعى أنّ النية جزء مقارن وليست جزءا متقدما على التكبيرة، وإنما هي جزء مقارن لكل جزء من الأجزاء، فهذا المعنى لا يمكن نفيه بأن افتتاحها التكبير واختتامها التسليم، كما لا يمكن نفيه بأنّه لو كانت جزءا لأكُتفي بها في محل معيّن، فهذان الدليلان إنما ينفيان حصّة من الجزئية لا أصل الجزئية.

نعم الوجه الأوّل وهو أنّه لا دليل عندنا على جزئية التكبيرة، أو فقل قامت السيرة المتشرعية القطعية على عدم ترتيب آثار الجزئية على النية، ومنها كون النية مشروطة بشرائط الصلاة، فإنّ هذا وجه نفي الجزئية لا الوجهان الآخران.

ويظهر من كلام سيّدنا «قده» أنّه إذا لم يقم دليل على الجزئية فتتعين الشرطية من دون حاجة إلى دليل، والسرّ في ذلك: قام الدليل على أنّه يشترط في صحة الصلاة النية، فإما أن تكون جزءا أو شرطا، وحيث إنّ النسبة بين الجزئية والشرطية نسبة الأكثر والأقل، بمعنى أنّه إن كانت النية شرطا فلا يُعتبر فيها شيء، فهي كسائر الشروط كالطهارة والاستقبال التي لا يُعتبر فيها شروط، وأمّا إذا كانت النية جزءاً فيُعتبر فيها شروط الصلاة بأن لا تقع النية إلا عن طهارة واستقبال واطمئنان وما أشبه ذلك من شروط الصلاة، فالنسبة بين الشرطية والجزئية نسبة الأقل والأكثر لا نسبة المتباينين، فبناء على ذلك إذا قام الدليل على أنّه يُشترط في صحة الصلاة النية ولم تثبت جزئيتها يعني الأكثر فتعيّن الأقل ألّا وهو الشرطية، فثبوت الشرطية لا يحتاج إلى دليل.

هذا تمام الكلام في الجهة الأولى وهي أن النية جزء أو شرط.

الجهة الثانية: الثمرة المترتبة على ذلك، وهنا ثمرتان:

الثمرة الأولى: ما ذكره سيّدنا «قده» - في المستند في ص8، ج 14 - قال: «قد عرفت فيما مضى أنّ النية إنّما أُخذت في الصلاة على نحو الشرطية دون الجزئية، وعليه - أي بناء على أنّها شرط - فكيفي فيها الداعي القلبي، بأن يكون اتيانه لها بداعي القربة وقصد الانبعاث عن الأمر من دون فرق بين أول الصلاة واخرها، وأمّا اخطار صورة الفعل في افق النفس ولو اجمالا واحضارها في الذهن قبل الصلاة ثم استمرارها كما عليه جمع فلا دليل على ذلك بوجه».

فإن ظاهر هذه العبارة أنّه متى ما ثبت أنّ النية شرط اُكتفي بالداعي القلبي، فكأنّ هناك ملازمة بين دعوى الشرطية والاكتفاء بالداعي القلبي وعدم اعتبار الاخطار، مع أنّ لا ملازمة في البين، فسواء اعتبرنا النية جزء أو شرط، سيأتي هذا البحث، فإن قلنا إنّ النية جزء، فما هو هذا الجزء؟ هل هذا الجزء هو عبارة عن الداعي أي نشأ الصلاة عن داعي التقرب، أو أنّ هذا الجزء عبارة عن اخطار صورة الصلاة المتقرب بها إلى الله في اولها أو مع كل جزء جزء؟ أو قلنا إن النية شرط فما هو الشرط؟ هل الشرط هو ايقاع الصلاة عن داع قربي أو أنّ الشرط أن تُخطر صورة الصلاة في أفق النفس عند كل جزء جزء، فمجرد دعوى الشرطية لا تُفضي إلى كفاية الاتيان بالصلاة بالداعي القربي، فلا يصلح هذا ثمرة لذلك البحث، وهو هل أنّ النية حقيقتها الداعي القربي أم حقيقتها الاخطار؟

نعم إذا قال سيّدنا «قده» لم يقم دليل على أنّه يُعتبر في صحة الصلاة أكثر من الداعي، فهذا تامّ لا أنّه ثمرة للبحث حول الشرطية والجزئية، هذا بالنسبة إلى الثمرة الأولى.

الثمرة الثانية: التي لم يطرحها، هي جريان قاعدة التجاوز بناء على الجزئية دون الشرطية، فإذا قلنا إنّ النية جزءٌ ولهذا الجزء محلٌ فافترضنا أنّه شك في أنّه هل قصد القربة في الأجزاء الماضية بعد أن ركع مثلاً، فهل قصد القربة قبل التكبيرة او حين التكبيرة أم لا؟ وهل قصد القربة مثلاً قبل القراءة وحين القراءة أم لا؟ فمقتضى إطلاق أدلة قاعدة التجاوز شمولها للمقام، «كل شيء شككت فيه وقد خرجت منه إلى غيره فليس شكك بشيء، إنما الشك إذا كنت في شيء لم تجزه».

وأمّا إذا قلنا أنّ النية شرط في الصلاة وليست شرطا في جزء، فليس لها محلٌ؛ لأنّها شرط في مجموع أجزاء الصلاة، فحيث ليس لها محل معيّن يُتصوّر على أساسه التجاوز فلا موضوع لإجراء قاعدة التجاوز عند الشك في قصد القربة بالنسبة للاجزاء السابقة. هذا تمام الكلام حول ثمرة البحث في الجزئية والشرطية. وقد ذكرنا من البداية أنّ البحث في النية في مطالب ثلاثة: المطلب الأوّل كان في اعتبار القصد وقد مضى فيه البحث.

والمطلب الثاني: في اعتبار قصد القربة

وقد استدل عليه سيّدنا «قده» - ص5 ج14 - بقوله: «ويدلنا على ذلك - أي اعتبار قصد القربة - قوله تعالى ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي وقوله تعالى ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ وغيرهما من الآيات والأخبار.

فأمّا الدليل الأوّل، وهو قوله ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي فهل أنّ اللام لام الغاية أو أنّ اللام لام التعليل، أي هل أنّ مفاد الآية: أقم الصلاة لغاية ذكري، فتكون دالة على اعتبار القربة في الصلاة، أو المراد ب «اللام» هنا تعليل، يعني أقم الصلاة من أجل أن يتحقق ذكري بهذه الصلاة، فإنك إذا صليت قد حققت ذكري، فلا دلالة فيها حينئذ على اعتبار قصد القربة، فهل أنّ للآية ظهورا في كون اللام لام الغاية حتّى يتمّ الاستدلال بها على اعتبار قصد القربة في الصلاة أم لا؟ وحيث إنّ الآية مجملة بين الاحتمالين لا يتمّ الاستدلال بها.

وأمّا الآية الثانية فحيث إنّها جزاء لشرط وهو قوله ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ فلو أنّ هذه الفقرة جاءت مستأنفة ومستقلة بأن قال المولى ابتداء ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ لكانت دالة بوضوح على اعتبار قصد القربة في الصلاة، وأمّا حيث أنّها جاءت مفرّعة على النعمة، ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ فيُقال حينئذ إنّها ليست في مقام بيان اشتراط قصد القربة في طبيعي الصلاة أو الصلاة الواجبة، وإنما هي في مقام بيان أنّ شكر النعمة التي أُعطيت أيها بأن تصلِّ لربك وأن تنحر.

وقد يُستدل على اعتبار قصد القربة في الصلاة بما اُستدل به على اعتبار قصد القربة في الزكاة وهو قوله «بُني الإسلام على خمس»؛ إذ يُقال بأنّ مقتضى مناسبة الحكم للموضوع أن يكون المبني عليه عبادة لا أن يكون المبني عليه أمرا توصليا.

ولكنّ هذه المناسبة ممنوعة فإنّه يكفي في أن يكون الشيء من دعائم الإسلام ان يكون مما يترتب عليه ملاكات مهمة للشريعة سواء كان توصليا أو تعبديا، فالدليل على اعتبار قصد القربة هو الارتكاز المتشرعي القطعي على عدم صحة الصلاة من دون قصد القربة.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 100
الدرس 102