نص الشريط
الدرس 104
المؤلف: سماحة السيد منير الخباز
التاريخ: 14/6/1435 هـ
مرات العرض: 2507
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (940)
تشغيل:

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

بعد المفروغية عن اعتبار قصد القربة في صحة الواجب كالصلاة والصوم والحج يقع الكلام في أنّه إذا أتى المكلف بضميمة في مقام القصد، بحيث كما قصد التقرّب قصد الضميمة، فهل أنّ الضميمة المقصودة تتنافى مع شرطية قصد القربة أم لا؟

فهنا أفاد الأعلام ومنهم صاحب العروة «قده» تقسيما وهو أنّ الضميمة إمّا محرمة أو غير محرمة، وكل منهما - المحرمة وغيرها_ إمّا متحد مع العمل أو ليس متحدا معه، والمتحد إمّا متحد مع أصل العمل أو جزء العمل أو ما كان مستحبا في العمل، وما ليس متحدا فإما أن يكون في مشخصات العمل كمكانه وزمانه وكيفيته، وإمّا أن يكون في مقدمات العمل أو معقباته، فهي هذه القسمة الحاصرة لنحو الضميمة؛ لذلك نقول عندنا أقسام فلابد من تحرير حكم كل قسم على حدة.

القسم الأوّل من الضميمة: ما إذا كانت الضميمة محرمة، كالرياء ومثلا: قصد المرأة أن تُثير في صلاتها بحركة جسمها أمام منظر الرجل، فإنّ الضميمة المحرمة لا تنحصر بالرياء كما يُتوهم، الضميمة المحرمة قد تكون رياء، قد تكون عجبا بناء على حرمته، قد تكون ما تقصده المرأة من الصلاة أمام الرجل من إبراز حركات جسمها، فهذه الضميمة المحرمة لها قسمان: ما كان متحدا مع العمل وما ليس متحدا معه.

والقسم الأوّل منهما: وهو الضميمة المحرمة المتحدة مع العمل لها أنواع ثلاثة: ما كان متحدا مع أصل العمل، ما كان متحدا مع جزء العمل، ما كان متحدا مع ما هو مستحب في العمل، فهنا أنواع ثلاثة نتكلم عن كل نوع منها:

النوع الأوّل: الضميمة المحرمة كالرياء مثلا المتحدة مع أصل العمل، بمعنى: أن يكون الداعي والمحرك نحو أصل العمل نحو أصل الصلاة نحو أصل الحج، أن يكون المحرك نحو ذلك قصد القربة والرياء مثلا، فهنا هل تكون الضميمة مانعة من الصحة أم لا؟ لابد من عرض صور المسألة، فقد تعرّض صاحب العروة وتبعه الأعلام ومنهم سيّدنا «قده» إلى صور المسألة، وهي صور أربع:

إذ تارة تكون العلّة المحركة نحو العمل مجموع الداعيين: القربة والرياء، وتارة تكون العلّة المحركة نحو العمل كل منهما على سبيل الاستقلال، وتارة تكون العلة المحركة نحو العمل بالأصالة هي القربة والرياء على نحو التبع، وتارة يكون العكس، بمعنى أنّ المحرك نحو العمل بالأصالة هو الرياء والقربة على نحو التبع.

فيأتي الكلام في أحكام هذه الصور:

أمّا الصورة الأولى: وهي ما كان المحرك المجموع بمعنى أنّ المحرك نحو العمل كالصلاة مجموع داعيين، قصد القربة قصد الرياء، المحرك هو المجموع، فلا إشكال في بطلان العمل في هذه الصورة، لاحظوا تعبيرات سيّدنا «قده»: إذ المعتبر في العبادة أن يكون الانبعاث نحو العمل عن قصد التقرّب، والمفروض في المقام عدمه لقصور هذا الداعي عن صلاحية الدعوى في حدّ نفسه لأنّه احتاج إلى ضميمة فالبطلان في هذه الصورة على طبق القاعدة حتّى لو لم يكن عندنا نصّ خاص.

وكذلك الصورة الأخيرة: وهي ما إذا كان المحرك بالأصالة هو الرياء والداعي الإلهي تابع فإنّه لا إشكال حينئذ في عدم صدق العبادة لأنّ العمل لم ينبعث عن الداعي القربي، إنما الكلام كل الكلام في الصورتين الوسطين، وهو ما إذا كان المحرك نحو العمل كل منهما على سبيل الاستقلال، أي كل منهما في حد نفسه لو خُلي ونفسه لكان محركا، إلّا أنّ المكلف الآن انبعث عنهما لكن كل منهما صالح للمحركية لو خُلي ونفسه، أو كان المحرك بالأصالة هو الداعي القربي والرياء تابع، فما هو الحكم في هاتين الصورتين؟

فهنا تارة نبحث عن الصحة من زاوية شرطية قصد القربة، وتارة نبحث عن الصحة من زاوية مانعية المحرم؛ لأنّ عندنا امرين: كما أنّ قصد القربة شرط فالضميمة المحرمة مانع، فنحن نبحث عن الصحة من هذين الزاويتين، فنبحث:

أولاً: هل أنّ الشرطية وهي شرطية قصد القربة منتفية في هاتين الصورتين أم غير منتفية، فهنا أفاد سيّدنا «قده» لو كنا نحن وهذا الشرط لقلنا بأنّ الشرط متوفر، قال: أمّا الصورة الثانية وهي أن يكون كل منهما مستقلا في الداعوية فمقتضى القاعدة الصحة؛ إذ لا يُعتبر في اتصاف العمل بالعبادية أكثر من صدوره عن داعي قربي مستقل في الداعوية في حدّ نفسه، ولا يُعتبر عدم اقترانه بداع آخر ولو كان الآخر مستقلاً في الداعوية، فالمناط في صحة العبادة بلوغ الباعث الإلهي حداً يصلح للداعوية التامّة من دون قصور سواء اقترن بداعي آخر أم لا؟ ومن هنا يُحكم بصحة الغُسل مثلاً ولو كان قاصدا للتبريد مثلاً في أيام الصيف ما دام كل منهما مستقلا في المحركية، فمن هذه الجهة لا إشكال في الصحة، وبطريق أولى الصورة الثالثة وهي ما إذا كان المحرك بالأصالة قصد القربة، وأمّا الرياء فهو بالتبع كما لا يخفى، هذا بحثنا في الصحة في هاتين الصورتين من حيث شرطية قصد القربة، أمّا من حيث مانعية الضميمة المحرمة.

نأتي إلى الزاوية الثانية: وهي هل أنّ الضميمة المحرمة مانع أم لا؟ فهنا لابد من التفصيل بين الرياء وبين غيره من الضمائم المحرمة، ناتي إلى الرياء، يقول بالنسبة إلى الرياء، الرياء يقتضي البطلان حتّى في هاتين الصورتين، وهي ما إذا كان الرياء داعيا مستقلا أو كان الرياء تابعا، فإنّ انضمام الرياء يقتضي البطلان حتّى في هاتين الصورتين، وذلك من جهتين:

الجهة الأولى: أنّ المحرم لا يصلح أن يكون مصداقا للمأمور به للواجب، فمن هذه الزاوية الرياء مانع من المقربية سواء كان مستقلا او كان تابعاً؛ لصحيحة زرارة وحمران عن أبي جعفر قال: «لو أنّ عبدا عمل عملا يطلب به وجه الله والدار الآخرة وادخل فيه رضا أحد من الناس كان مشركا»، فهذه الرواية دالة على حرمة الرياء؛ بلحاظ جعله أو اعتباره شركا، فإذا كان الرياء محرما كان العمل المأتي به بقصد الرياء ولو تبعا مصداقا للرياء وما ما كان مصداقا للرياء لا يكون مقربا، ويؤكد ذلك حديث 16 باب 11 من أبواب مقدمة العبادات، قال: «موثقة مسعدة بن زياد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه «أنّ رسول الله سُئل فيما النجاة غدا؟ قال: إنّما النجاة في أنّ لا تخادعوا الله فيخدعكم، فإنّه من يخادع الله يخدعه ويخلع منه الإيمان، ونفسه يخدع، قيل له كيف يخادع الله؟ قال: يعمل بما أمره الله ثم يريد غيره فاتقوا الله في الرياء فإنّه الشرك بالله إنّ المرائي يُدعى يوم القيامة بأربعة أسماء: يا كافر، يا فاجر، يا غادر، يا خاسر، حبط عملك وبطل أجرك فلا خلاص لك اليوم فالتمسك أجرك ممن كنت تعمل له»، فإنّ لسان هذه الروايات ظاهر بل صريح في حرمة الرياء، هذا من الجهة الأولى.

الجهة الثانية: أنّ الرياء مبطل مع غمض النظر عن حرمته وعدم حرمته من حيث مبطلية الرياء مانعية الرياء، يقول: وهذا هو المستفاد من صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله ، قال: «يقول الله عزّوجل أنا خير شريك فمن عمل لي ولغيري فهو لمن عمل لغيري»، مقتضى إطلاق هذه الرواية أنّ الرياء مبطل مع غمض النظر عن حرمته وعدم حرمته، سواء كان الرياء داعيا مستقلا ِأو كان تابعا، هذا من حيث الرياء.

وأمّا من حيث الضمائم المحرمة الأخرى مثل ما مثلنا أنّ المرأة تصلِّ أمام الرجل بغرض التقرّب إلى الله وبغرض أن تُبرز حركات جسمها؛ ليكون ذلك مثلاً محل إثارة أو ريبة أو ما أشبه ذلك، فهنا في مثل هذا الفرض لابد أن يُفرّق بين أن يكون هذه الضميمة المحرمة داعيا مستقلا او تابعاً، هذه تختلف عن الرياء، فإن كانت هذه الضميمة المحرمة داعيا مستقلا، نعم كان هذا العمل مصداقا للمحرم وإذا كان مصداقا للمحرم كان مانعا من مقربيته، أمّا إذا كانت هذه الضميمة تابعة لم يصدق على العمل أنّه مصداق للمحرم كي يكون مانعا، فإذا لولا النص الموجود في الرياء لما فرقّنا بينه وبين غيره من هذه الزاوية، هذا تمام الكلام في النوع الأوّل.

النوع الثاني: أن تكون الضميمة المحرمة متحدّة مع جزء العمل لا مع أصل العمل بأن راءى في بعض أجزاء العمل، فهل تفسد الصلاة أم لا؟ هنا اتجاهان:

الاتجاه الأوّل: ما ذكره المحقق الهمداني «قده» من التفصيل بين فرض التدارك وعدمه، المحقق الهمداني يقول: إذا راءى في جزء من الأجزاء، كما إذا راءى في القراءة أو راءى في سجدة من السجدات، فتارة يتدارك وتارة لا يتدارك، فإن لم يتدارك فمثلا راءى في القراءة ثم مشى فلم يتدارك فصلاته فاسدة لأجل نقصان القراءة، وأمّا إذا تدارك قرأ السورة بقراءة ترتيلية حتّى يُمدح على هذه القراءة ثم ندم وتأسف ورجع فاستدرك القراءة، يقول: صلاته صحيحة.

فإن قلت: لازم التكرار أن تكون القراءة الأولى زيادة والزيادة العمدية مبطلة للصلاة، من زاد في صلاته فعليه الاعادة.

قال: لا، ظاهر أدلة مانعية الزيادة، «من زاد في صلاته» يعني من احدث الزيادة لا من اتصف عمله بالزيادة بشرط متأخر، ظاهر أدلة المانعية أنّ المانع هو ما كان زيادة حين حدوثه، أمّا ما كان حين حدوثه ليس زيادة لكن إن كرر سوف يتصف بالزيادة فاتصافه بالزيادة بقائي وليس حدوثيا، فإنّ هذا خارج عن منصرف أدلة الزيادة.

وقد ذكر «قده» ذلك فيما لو اتى بجزء من الآية ثم رفع اليد واستأنفها، مثلا لو قال «مالك مالك يوم الدين» فإن الثاني وإن اوجب اتصاف الثاني بالزيادة لكن مثلها غير مبطل بلا إشكال؛ لأنّ ظاهر أدلة مانعية الزيادة الزيادة الحدوثية لا الزيادة البقائية.

سيّدنا الخوئي «قده» يقول: متى ما صدق على العمل أنّه زيادة سواء اتصف بالزيادة حدوثا او بقاء فإن مقتضى اطلاق الرواية شمولها لمثل هذين الفرضين، لذلك ذهب سيّدنا إلى اتجاه ثاني.

الاتجاه الثاني: هو التفصيل بين الركوع والسجود من جهة وبين غيره من الواجبات، ففي السجود والركوع متى ما اتى بالسجود او الركوع فاسدا كان زيادة، متى ما اتى بالسجود والركوع غير الصلاتي كان الركوع والسجود زيادة، وبيان ذلك: أنّ سيّدنا «قده» يعتبر في الزيادة قصد الجزئية، مثلا: لو أنّ الإنسان فرقع أصابعه في الصلاة او صفق فإن قصد بالتصفيق الجزئية كان زيادة وإن لم يقصد به الجزئية فليس زيادة، فالزيادة متقومة بقصد الجزئية إلّا في الركوع والسجود فإنّه متى ما اتى بالركوع والسجود ولو لا بقصد الصلاة كان زيادة، والسرّ في ذلك: قال عندنا روايات تدل على أنّ السجود زيادة في المكتوبة.

لاحظوا، في صفحة 305 ج14، قال: لا إشكال في لزوم الزيادة العمدية في المكتوبة كما وقع التصريح بذلك في روايتين احدهما معتبرة، الرواية الأولى: رواية زرارة الضعيفة بالقاسم بن عروة حيث لم يوثق، والثانية صحيحة علي بن جعفر التي رواها صاحب الوسائل عن كتابه، يعني عن كتاب علي بن جعفر وطريقه الى الكتاب كما في الخاتمة صحيح، فقد ورد فيها - يعني الثانية -: وذلك زيادة في الفريضة، يعني سجود التلاوة وذلك زيادة في الفريضة، ومضمون الرواية «لا تقرأ في الصلاة بشيء من العزائم فإن ذلك زيادة في المكتوبة او زيادة في الفريضة» أي إذا قرأت شيئا من العزائم سجدت وهذا السجود لم تقصد به السجود الصلاتي وإنما قصدت به سجود التلاوة فهو زيادة، فظاهر هذه الروايات أنّ مطلق السجود ولو لم يُقصد به الجزئية زيادة، وإذا ثبت الأمر في السجود ثبت في الركوع؛ إذ لا يُحتمل خصوصية للسجود مقابل الركوع.

إذاً: الزيادة في الركوع والسجود لا تحتاج إلى قصد الجزئية بينما الزيادة في القراءة وغيرها من الاذكار تحتاج إلى قصد الجزئية، هل هذا الكلام تامّ أم لا؟ يأتي الكلام عنه إن شاء الله تعالى.

والحمد لله رب العالمين

الدرس 103
الدرس 105